البحث

عبارات مقترحة:

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المراقبة والمحاسبة

المُراقبة هي إحدى أعمال القلوب، ويُقصد بها: هي دوام علم العبد، وتيقّنه باطّلاع الحقّ عز وجل على ظاهره وباطنه، ولها فوائد وثمرات كثيرة، لذلك أمر الله المُسلمين بالمدوامة على المُراقبة والحرص عليها، وكان الصحابة والصالحين حريصون على مُراقبة أعمالهم وأنفسهم.

التعريف

التعريف لغة

المُراقبة لغةً: مصدر من راقب مُراقبةً، وهو مأخوذ من رَقَبَ؛ الّتي تدل على الانتصاب لمُراعاة الشيء. ومن أسماء الله تعالى: الرَّقيب؛ وهو الحافظ الّذي لا يغيبُ عنه شيء. انظر"لسان العرب" لابن منظور (5 /297)، "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (1 /75)

التعريف اصطلاحًا

المُراقبة: هي علم العبد وتيقّنه باطّلاع الحقّ عز وجل على ظاهره وباطنه على الدوام. انظر "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /67)، "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص638).

الفضل

يقول ابن القيم: «فمشهدُ الإحسان هو أصلُ أعمال القلوب كلّها؛ فإنّه يوجب الحياء والإجلال والتّعظيم، والخشية والمحبّة، والإنابة والتّوكل، والخضوع لله سبحانه والذّل له، ويقطع الوسواس وحديث النّفس، ويجمع القلب والهم على الله؛ فحظ العبدِ من القرُب من الله على قدرِ حظّه من مقام الإحسان، وبحسبه تتفاوت الصلاة؛ حتى يكون بين صلاة الرَّجُلين من الفضل كما بين السّماء والأرض، وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد». "رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" (ص45). والمُراقبة من أفضل الطّاعات فقد سُئلَ أحد الصالحين: «ما أفضلُ الطّاعات؟ فقال: مُراقبة الحقّ على دوام الأوقات» "الرسالة القشيرية" للقشيري (1 /331). وهي علامةُ المحبّة لله، فقد سُئلَ محمد بن المبارك: «ما علامة المحبة لله؟ فقال: المُراقبة للمحبوب، والتّحري لمرضاته» أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" (55 /224). وسُئلَ إسماعيل بن نُجيد: «ما الذي لا بدَّ للعبد منه؟ فقال: مُلازمة العبوديّة على السُنة، ودوام المُراقبة» أخرجه البيهيقي في "الزهد" (472).

الأدلة

القرآن الكريم

المراقبة والمحاسبة في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة: 235]. وقال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا﴾ [الأحزاب: 52]. وقال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحديد: 4]. وقال تعالى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ﴾ [غافر: 19].

السنة النبوية

المراقبة والمحاسبة في السنة النبوية
جاء في الحديث الصّحيح في تفسير الإحسان، لمّا سئل الرّسول صلى الله عليه وسلّم عن الإحسان قال: «أن تعبدَ اللهَ كأنك تراه، فإن لم تكنْ تراه فإنه يراك» أخرجه البخاري (50)، ومسلم (8). فأراد بذلك استحضار عظمة الله ومُراقبته في حال العبادة. وعن معاذ رضي الله عنه أن قال: يا رسول الله أوصني؟ قال: «اعبدِ اللهَ كأنك تراه واعددْ نفسَكَ في الموتى» أخرجه ابن أبي شيبة (34325) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «عَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ، وَمَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ، وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهو أَعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» أخرجه البخاري (555) ومسلم (632)

أقوال أهل العلم

«من تحقّق في المُراقبة خافَ على فوات لحظةٍ من ربّه لاغير» الجُنَيد المُرِّي "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /68)
«علامة المراقبة: إيثارُ ما أنزل الله، وتعظيم ما عظّم الله، وتصغير ما صغّر الله» ذُو النُّون المِصْري "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /68)"
«إذا جلستَ للناسِ فكُن واعظاً لقلبك ونفسك، ولا يغرنّك اجتماعهم عليك، فإنّهم يُراقبون ظاهرك، والله يُراقب باطنك» أَبُو حَفْص "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /68)
«ما تكلمت كلمةً ولا، ولا فعلتُ فعلاً إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله» ابن دَقِيق العِيد "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9 /212)

وسائل الاكتساب

السبيل إلى نيلِ المُراقبة يتأتى بأمور، منها: أوّلاً: أن يستحضر العبد معاني الأسماء الحُسنى الّتي تؤثر في هذا المقام، وأن يتعبّد لربه تبارك وتعالى بمقتضى هذه الأسماء: الرقيب، والشهيد، والحفيظ، والمحيط، والعليم، والخبير، واللطيف، والسّميع، والبصير، والمُهيمن، والقريب. فالمراقبة ثمرة علم العبد بأنّ الله سبحانه رقيبٌ عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ قوله، وهو مطّلع على عمله كلّ وقتٍ وكلّ لحظة، وكلّ نفَس وكلّ طرفة عين. ثانياً: تحقيق مرتبة الإحسان، يقول ابن القيم: «وحقيقةُ مشهد المُراقبة: هو أن يعبد الله كأنه يرى ربّه تبارك وتعالى فوق سماواته، مستوياً على عرشه يتكلّم بأمره ونهيه، ويدبّر أمرَ الخليقة، فينزل الأمر من عنده، ويصعدُ إليه، وتُعرَض أعمالُ العباد عليه، وأرواحهم عند الوفاة إليه؛ فيشهد العبدُ ذلك كله بقلبه، ويشهد أسماءه وصفاته، ويشهد قيّوماً حيّاً، سميعاً بصيراً، عزيزاً حكيماً، آمراً ناهياً، يُحبُّ ويُبغض، ويرضى ويغضب، ويفعل ما يشاء، ويحكُم ما يريد، وهو فوق عرشِه لا يخفى عليه شيء من أعمال العباد ولا أقوالهم ولا بواطنهم، بل يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصّدور» "رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه" لابن القيم (ص44-45) ثالثاً: ذكر الله تبارك وتعالى. فمن فوائد الذّكر كما ذكر ابن القيم: أنّه يورثه المُراقبة، حتّى يدخل في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذّكر إلى مقام الإحسان. انظر "الوابل الصيب" لابن القيم (ص42) رابعاً: مُحاسبة النّفس، ومُلاحظة الأنفاس والخواطر على كلّ حال؛ فالعبد بحاجة إلى مُحاسبة النفس ومُلاحظة الأنفاس والخطرات في سرّه وعلانيته. أخي المسلم: هل حاولتَ أنْ تعد حسناتك وسيئاتك كما تعد دنانيرك ودراهمك؟ هل خلوتَ بنفسك يوماً فحاسبتَها على ما بَدَرَ منها من التقصير والإهمال في جنب الله؟ هل تأملتَ يوماً طاعتَك التي تقرّبتَ بها إلى بارئك مفتخراً بها فوجدت أكثرها مشوبة بالرياء والسمعة وحظوظ النفس؟ اعلم أخي المسلم أنَّ محاسبة النفس أمرٌ لا بد منه، فحاسبْ نفسَك الآن قبل أنْ تُحاسَبَ يوم القيامة، وَزِنْ حسناتك بسيئاتك في الدنيا قبل أنْ تُوزَنَ يوم الآخرة يوم الحسرة والندامة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. فعليك أخي المسلم أنْ تتصفح عملك في الليل ما صدر منك ذلك النهار، فإنْ كان عملك محمودًا أمضيته ثم تعمل فيما بعده بمثله، وإنْ كان ما فعلته في ذلك النهار مذموماً فعليك أنْ تستغفر وتتوب وتستدركه، وتنتهي عن مثله فيما يستقبل من الأيام. ثم عليك أخي المسلم أنْ تتثبت دائماً في جميع الأحوال قبل الفعل والترك، حتى يتبين لك ما تفعل، فإنْ كان خيراً فاعمل وإنْ كان دون ذلك فاترك. انظر "أعمال القلوب" للسبت (1 /333)، "حرمة المسلم على المسلم" لماهر الفحل.

الفوائد والمصالح

من ثمرات المُراقبة وفوائدها: التّأدب مع الله تبارك وتعالى؛ فإذا كان العبدُ مُراقباً لله، فإنه يتأدب معه في كل حركاته وسكناته؛ لأنّه يُدرك أنّ الله يراه ويسمعه ويُراقبه. دخول الجنّة؛ فإذا صلُحَت أعمال العباد الظّاهرة والباطنة، وصَلُحَت قلوبهم وأعمالهم، واستقامت ألسنتهم، فإنّ مآلهم إلى جنّة عرضها السماوات والأرض. الوصول إلى القُرب من المعبود عزّ وجل؛ فإنّ المعاصي والغفلات تُبعدنا عنه؛ فكلما كان العبد أكثر استحضاراً لنظر الله عزّ وجل إليه، كان أكثر قرباً، وذلك حال يَصِلُ إليه العبد بعد ألوان من التّرويض والمُجاهدات التي يُجاهد فيها نفسه. السعادة والانشراح وقرّة العين؛ وذلك لأنّ الإنسان إذا كانَ مُستحضراً لنظر المعبود عز وجل، فإنّ ذلك يُثمرُ عنده استعداداً لمُلاقاته، وحفظاً لجوارحه وقلبه من سائر ما يدنسّه، وإذا فعل ذلك حصل للقلب أنواع السرور والنعيم والبهجة والانشراح، وإنما يشقى العبدُ إذا كان كثير الالتفات إلى غير مليكه ومعبوده عزّ وجل، فيعذب بتلك التعلقات التي تعلق بها. السّكينة والحياء والمحبة والخشوع والخوف والرّجاء والاستعانة والتّوكل، وما إلى ذلك من أعمال القلوب والجوارح؛ فقد ذكر ابن القيم جملة من الأعمال التي يتوصل بها إلى السكينة، ثمّ أجمل ذلك بقوله: «سببها: استيلاء مراقبة العبد لربه عزّ وجل، حتّى كأنه يراه، وكلّما اشتدت هذه المُراقبة، أوجبت له من الحياء والسكينة والمحبّة والخضوع والخشوع، والخوف والرّجاء ما لا يحصلُ بدونه؛ فالمراقبة أساس الأعمال القلبية كلها، وعمودها الذي قيامها به» "إعلام الموقعين" لابن القيم (6 /111) إيثار ما أنزل الله تعالى وتعظيم ما عظّم الله، وتصغير ما صغّر الله عزّ وجل حفظُ الأنفاس والأوقات؛ فإذا عرف الإنسان أنّ ربه ينظر إليه، ويكتب كلّ شيء يصدر عنه، فلن يضيع لحظةً بعبث. أنك تطّلع على عيوب نفسك ونقائصها ومثالبها ، ومن ثم تستطيع أنْ تضع الدواء على موضع الداء. من أعظم ثمار المحاسبة التوبة والندم وتدارك ما فات من الأعمال الصالحة في زمن الإمكان ، وسيؤول ذلك إلى الاجتهاد في الطاعة وترك المعاصي ؛ حتى تسهل عليك المحاسبة في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون. انظر "أعمال القلوب" للسبت (1 /339-346)، "حرمة المسلم على المسلم" لماهر الفحل.

نماذج وقصص

دخل الشلبي على ابن أبي الحُسين النوري وهو قاعد ساكن، لا يتحرّك من ظاهره شيء، فقال له: ممّن أخذت هذه المُراقبة والسّكون؟ فقال: من سنور كانت هُنا، إذا أرادت الصّيد رابطت رأس الجحر حتى لا يتحرك لها شعرة. "مختصر منهاج القاصدين" لابن قدامة (ص355). قال زيد بن أسلم: «مرَّ ابن عمر براعي غنم، فقال: يا راعي الغنم، هل من جَزَرة؟ قال الرّاعي: ليس ها هنا ربّها، فقال ابن عمر: تقول: أكلها الذّئب، فرفَع الرّاعي رأسه إلى السّماء، ثم قال: فأين الله؟ فاشترى ابن عمر الراعي، واشترى الغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم». أخرجه أبو داود في "الزهد" (306).