البحث

عبارات مقترحة:

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

الإيثار

الإيثارُ تقديم الغيرِ على النفسِ في حظوظها الدنيوية رغبةً في الحظوظِ الدِّينية، وذلك ينشأ عن قوَّة اليقين، وتوكيد المحبةِ، والصَّبر على المشقة. وقد حثّت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة على الالتزام بهذا الخلق العظيم لما له من أثرٍ إيجابي على الفرد والمُجتمع المُسلم، ولنا في رسول الله والصحابة الكرام خيرُ مثالٍ في التخلق بهذا الخلق.

التعريف

التعريف لغة

الإيثَار مصدر آثر يُـؤْثِر إيثَارًا، بمعنى التَّقديم والاختيار والاختصاص، فآثره إيثارًا اختاره وفضله، ويقال: آثره على نفسه، والشيء بالشيء خصه به. انظر "الكليات" لأبي البقاء الكفوي (1 /38)، "المعجم الوسيط" (1 /5)

التعريف اصطلاحًا

الإيثَار: أن يُقدِّم غيره على نفسه في النَّفع له، والدَّفع عنه، وهو النِّهاية في الأخوة. انظر "التعريفات" للجرجاني (1 /59). قال القرطبي: «الإيثارُ: هو تقديم الغيرِ على النفسِ في حظوظها الدنيوية رغبةً في الحظوظِ الدِّينية، وذلك ينشأ عن قوَّة اليقين، وتوكيد المحبةِ، والصَّبر على المشقة». "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (20 /365).

الفروق

الفرق بين الإيثار و السخاء والجود

ذكر ابن القيِّم فروقًا بين كلٍّ مِن الإيثار والسَّخاء والجود، مع أنَّها كلَّها أفعال بذلٍ وعطاء، قال ابن القيِّم في "مدارج السالكين": «وهذا المنزل: هو منزل الجود والسَّخاء والإحْسَان، وسمِّي بمنزل الإيثَار؛ لأنَّه أعلى مراتبه، فإنَّ المراتب ثلاثة: إحداها: أن لا ينقصه البذل ولا يصعب عليه، فهو منزلة السَّخاء. الثَّانية: أن يعطي الأكثر ويبقي له شيئًا، أو يبقي مثل ما أعطى فهو الجود. الثَّالثة: أن يؤثر غيره بالشَّيء مع حاجته إليه، وهي مرتبة الإيثَار». "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /292).

الأدلة

القرآن الكريم

الإيثار في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]. قال القرطبي: «أي: يؤثرونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم، لا عن غنى بل مع احتاجهم إليها». "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (10 /632). وقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ [الإنسان: 8]. قال الطّبري: «كان هؤلاء الأبرار يُطعمونَ الطّعامَ على حبهم إياه، وشهوتهم له». "جامع البيان في تأويل القرآن" للطبري (29 /208).

السنة النبوية

الإيثار في السنة النبوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «طَعامُ الِاثْنَيْنِ كافِي الثَّلاثَةِ، وطَعامُ الثَّلاثَةِ كافِي الأرْبَعَةِ». أخرجه البخاري (5392). عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: «بيْنَما نَحْنُ في سَفَرٍ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ علَى رَاحِلَةٍ له، قالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ ما ذَكَرَ حتَّى رَأَيْنَا أنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ». أخرجه مسلم (1728).

أقوال أهل العلم

«سخاءُ النّفسِ عمّا في أيدي النّاس أفضلُ من سخاء النفس بالبذل». ابن المُبَارَك "الإكسير" لمجموعة من الباحثين (ص178)

الصور

الإيثارُ على ثلاثِ درجات: الأولى: أن تؤثِرَ الخلقَ على نفسِك فيما لا يخرم عليك ديناً، ولا يقطع عليك طريقاً، ولا يُفسِدُ عليك وقتاً. الثانية: إيثارُ رضا الله على رضا غيره، وإن عَظُمَت فيه المحن، وثَقُلَت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن. الثالثة: إيثارُ إيثارِ الله؛ فإنَّ الخوض في الإيثار دعوى في المِلك ثمّ ترك شهود رؤيتك إيثار الله. انظر "منازل السائرين" للهروي الأنصاري (ص58). قال ابن القيِّم: «يعني بإيثار إيثار الله: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنَّه هو الذي تفرَّد بالإيثَار لا أنت، فكأنَّك سلمت الإيثَار إليه فإذا آثرت غيرك بشيء فإنَّ الذي آثره هو الحقُّ لا أنت، فهو المؤْثر حقيقة، وقوله: ثمَّ ترك شهود رؤيتك إيثار الله، يعني أنَّك إذا آثرت إيثار الله بتسليمك معنى الإيثَار إليه: بقيت عليك مِن نفسك بقيَّةٌ أخرى لابدَّ مِن الخروج عنها وهي: أن تُعْرِض عن شهودك رؤيتك أنَّك آثرت الحقَّ بإيثارك، وأنَّك نسبت الإيثَار إليه لا إليك، وقوله: ثمَّ غيبتك عن التَّرك. يريد: أنَّك إذا نزلت هذا الشُّهود وهذه الرُّؤية: بقيت عليك بقيَّةٌ أخرى وهي رؤيتك لهذا التَّرك المتضمِّنة لدعوى ملكك للتَّرك، وهي دعوى كاذبة؛ إذ ليس للعبد شيء مِن الأمر، ولا بيده فعل ولا ترك، وإنَّما الأمر كلُّه لله». "مدارج السالكين" لابن القيم (2 /302).

وسائل الاكتساب

الأسباب الّتي تُعينُ على الإيثار: أوّلها: تعظيم الحقوق؛ فإنَّ من عظمت الحقوق عنده، قام بواجبها، ورعاها حقّ رعايتها، واستعظمَ إضاعتها، وعَلِمَ أنّه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدّها كما ينبغي، فيُجعلُ إيثاره احتياطاً لأدائها. ثانيها: مقتُ الشّح؛ فإنه إذا مقته وأبغضه، التزمَ الإيثار، فإنه يرى أنّه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلا بالإيثار. ثالثها: الرغبة في مكارم الأخلاق: وبحسب رغبته فيها يكونُ إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق. انظر "حسن الخلق" لمسعد حسين محمد (ص246)

الفوائد والمصالح

من فوائد الإيثار: أوّلاً: دليلٌ على كمالِ الإيمانِ، وحُسن الإسلام. ثانياً: طريقٌ موصلٌ إلى محبّة الله ورضوانه. ثالثاً: حصول الأُلفة والمحبّة بين النّاس. رابعاً: دليلُ سخاء النفس وارتقائها. خامساً: مظهر من مظاهر حُسن الظّن بالله. سادساً: علامة على حُسن الخاتمة. سابعاً: دليلٌ على علوِّ الهمّة، والبعدِ عن صفةِ الأثرة الذّميمة. ثامناً: يجلبُ البركة ويُنمّي الخير. تاسعاً: من علامات الرّحمة التي توجِب لصاحبها الجنة ويعتق بهامن النّار. عاشراً: أنّه طريقٌ موصلٌ إلى الفلاح؛ لأنّه يقي الإنسان من داء الشّح. انظر "موسوعة نضرة النعيم في أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم (3 /629)

نماذج وقصص

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فأرْسَلَ إلى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما عِندِي إلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُخْرَى، فَقالَتْ مِثْلَ ذلكَ، حتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذلكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما عِندِي إلَّا مَاءٌ، فَقالَ: مَن يُضِيفُ هذا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ به إلى رَحْلِهِ، فَقالَ لاِمْرَأَتِهِ: هلْ عِنْدَكِ شيءٌ؟ قالَتْ: لا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بشيءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فأطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إلى السِّرَاجِ حتَّى تُطْفِئِيهِ، قالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: قدْ عَجِبَ اللَّهُ مِن صَنِيعِكُما بضَيْفِكُما اللَّيْلَةَ» أخرجه مسلم (2054) وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ» أخرجه البخاري (2486) وكان قيس بن سعد بن عبادة من الأجواد المعروفين، حتّى إنه مرض فاستبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم، فقالوا: إنهم يستحيون ممّا لكَ عليهم من الدَّين، فقال: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثمّ أمرَ منادياً يُنادي : من كانَ لقيسٍ عليه مالٌ فهو منه في حلّ، فما أمسى حتّى كُسِرَت عتبةُ بابه؛ لكثرة من عادَه. انظر "الإكسير" لمجموعة من الباحثين (ص178)