البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

سرية عبد الله بن جحش

سرية قادها الصحابي الجليل عبد الله بن جحش رضي الله عنه، بعثه رسول الله إلى نخلة، ليستطلع لهم قريش ويأتيه بأخبارها ، وكتب له في ذلك كتابا وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين، فلما بلغ عبد الله بن جحش وأصحابه نخلة مرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة لقريش، وذلك في آخر يوم من رجب، قبل دخول الشهر الحرم، فتشاوروا فيما بينهم، ثم أجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم، فرموا عمرو بن الحضرمي بسهم فقُتِل، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم ابن كيسان، وأفلت نوفل بن عبد الله منهم، فأخذوا العير والأسيرين وقدموا المدينة، فعاتبهم رسول الله وقال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام، وأوقف العير والأسيرين، وتكلمت قريش واليهود بأن محمدا وأصحابه استحلوا الشهر الحرام، حتى أنزل الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [ البقرة: 217]، ففرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه، وفي هذه السرية كان عمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون، وهو الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال يوم بدر، وكذلك فإن أول مال غُنِم في الإسلام كان في هذه السرية.

اسمها

سرية عبد الله بن جحش، وسماه الواقدي والمباركفوري: سرية نخلة. انظر: "المغازي" للواقدي (1 /13)، "الرحيق المختوم" للمباركفوري (ص 180).

وقتها

بعث رسول الله عبد الله بن جحش إلى نخلة في رجب من السنة الثانية على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول الله المدينة. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10). وذكر بعض أهل السير أن النبي بعثه في رجب مقفله من بدر الأولى، حيث ذهبوا إلى أن غزوة بدر الأولى كانت بعد العشيرة بليال. انظر: "السيرة" لابن هشام (1 /264)، "السيرة" لابن كثير (2 /366)، "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264).

موقعها

"بعث رسول الله عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره ألا يقرأه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدا. فسار عبد الله، ثم قرأ الكتاب بعد يومين، فإذا فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا، فامض حتى تنزل نخلة، بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم". "فتح الباري" لابن حجر (1 /155). وبطن نخلة: وادي بستان ابن عامر، الذي بين مكة والطائف. انظر: "المغازي" للواقدي (1 /13)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10)

عدد المسلمين

ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وذكر ابن سعد أنهم كانوا اثني عشر رجلا من المهاجرين. قال الواقدي: "والثابت عندنا ثمانية". انظر: "السيرة" لابن هشام (1 /264) "السيرة" لابن كثير (2 /366)، "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10)، "فتح الباري" لابن حجر (1 /155).

عدد المشركين

كانوا أربعة، وهم: عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة. انظر: "السيرة" لابن هشام (1 /264) "السيرة" لابن كثير(2 /366)، "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264).

قائد المسلمين

كان قائد المسلمين عبد الله بن جحش رضي الله عنه.

قائد المشركين

سببها

بعث رسول الله سرية من المسلمين إلى نخلة وأمر عليهم عبد الله بن جحش ليستطلع لهم قريش ويأتيه بأخبارها. انظر: "السيرة" لابن هشام (1 /2، 64) "السيرة" لابن كثير(2 /366)، "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10)، "فتح الباري" لابن حجر (1 /155).

أحداثها

بعث رسول الله عبد الله بن جحش بن رئاب الأسدي في رجب، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدا. وذكر الواقدي أن عبد الله بن جحش سأل رسول الله : "يا رسول الله، أي ناحية؟ فقال: اسلك النجدية، تؤم ركية، فانطلق حتى إذا كان ببئر ابن ضميرة نشر الكتاب". "المغازي" للواقدي (1 /13). وذكر السدي: "أن النبي أمره ألا يقرأ الكتاب حتى ينزل بطن ملل، فلما نزل بطن ملل فتح الكتاب، فإذا فيه: "أن سر حتى تنزل بطن نخلة". "السيرة" لابن كثير(2 /371) وكان عبد الله بن جحش أمير القوم، وأصحابه من المهاجرين، وهم: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله، وخالد بن البكير، وسهيل بن بيضاء. قال ابن كثير: "فهؤلاء سبعة، ثامنهم أميرهم عبد الله بن جحش رضي الله عنه. وقال يونس عن ابن إسحاق: كانوا ثمانية، وأميرهم التاسع". "السيرة" لابن كثير(2 /366) وفي رواية للسدي ذكر أنهم سبعة نفر، عليهم عبد الله بن جحش، زاد فيهم عمار بن ياسر، ولم يذكر خالدا ولا عكاشة. انظر: "السيرة" لابن كثير(2 /370-371). فلما سار عبد الله بن جحش يومين فتح الكتاب، فنظر فيه، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم". فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب، قال: سمعا وطاعة، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله أن أمضي إلى نخلة، أرصد بها قريشا، حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدا منكم. فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع. فأما أنا فماض لأمر رسول الله ، فمضى ومضى معه أصحابه، لم يتخلف عنه منهم أحد. وسلك عبد الله بن جحش على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن، فوق الفرع، يقال له: بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، كانا يعتقبانه، فتخلفا عليه في طلبه، ، فلم يشهدا الوقعة. ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه حتى نزل بنخلة، فمرت بهم عير لقريش تحمل زبيبا وأدما، وتجارة من تجارة قريش، فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة، وأخوه نوفل المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة، فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم، فحلق عكاشة بن محصن رأسه من ساعته ليطمئن القوم، فأشرف لهم وقد حلق رأسه، فلما رأوه أمنوا، وقالوا: عمار، اي خرجوا لاداء العمرة، لا بأس عليكم منهم. وتشاور الصحابة فيما بينهم، وذلك في آخر يوم من رجب، فقالوا: والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم، فليمتنعن منكم به، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام، فتردد القوم، وهابوا الإقدام عليهم، ثم شجعوا أنفسهم عليهم، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم، وأخذ ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبد الله، والحكم ابن كيسان، وأفلت القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم. وقال ابن سعد: "كان الذي أسر الحكم بن كيسان المقداد بن عمرو". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10). وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين، حتى قدموا على رسول الله المدينة. قال ابن إسحاق: "فلما قدموا على رسول الله المدينة، قال: ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام. فوقف العير والأسيرين. وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا، فلما قال ذلك رسول الله سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا. وقالت قريش قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان. وقالت يهود- تفاءل بذلك على رسول الله -: عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله، عمرو عمرت الحرب، والحضرمي حضرت الحرب، وواقد بن عبد الله وقدت الحرب، فجعل الله ذلك عليهم لا لهم". فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله : ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ سورة البقرة: 217، أي إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فهم قد صدوكم عن سبيل الله مع الكفر به، كما صدوكم عن المسجد الحرام، واخرجوكم منه وأنتم أهله، فهذا أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم، وقد كانوا يفتنون المسلم في دينه، حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند الله من القتل، ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه، غير تائبين ولا نازعين. فلما نزل القرآن بهذا من الأمر، وفرج الله تعالى عن المسلمين ما كانوا فيه قبض رسول الله العير والأسيرين، وبعثت إليه قريش في فداء عثمان بن عبد الله والحكم ابن كيسان، فقال رسول الله : "لا نفديكموها حتى يقدم صاحبانا"، يعني سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، "فإنا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما، نقتل صاحبيكم". فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول الله منهم. فأما الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول الله حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا. وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة، فمات بها كافرا. فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن، طمعوا في الأجر، فقالوا: يا رسول الله: أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله عز وجل فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة البقرة: 218، فوضعهم الله عز وجل من ذلك على أعظم الرجاء. انظر: "المغازي" للواقدي (1 /13- 19)، "السيرة" لابن هشام (1 /601- 605)، "السيرة" لابن كثير (2 /366- 372)، "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264- 266)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /10)، "فتح الباري" لابن حجر (1 /155).

نتيجتها

عاتب النبي أصحابه لوقوع القتال منهم وهو لم يأمرهم بذلك، وإنما أمرهم أن يتحسسوا قريشًا ويأتوا له من أخبارها. كان أول قتل وقع في الإسلام، حيث قتل عمرو بن الحضرمي أخو عبد الله بن الحضرمي الذي حرض به أبو جهل قريشا على القتال يوم بدر. وكان في هذه السرية أول مال غنم في الإسلام. وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين على ما يذكره أهل السير، وتعقب ابن حجر ذلك بأنه "لم يلقب به، وإنما خوطب بذلك لأنه كان أول أمير في الإسلام على سرية". "فتح الباري" لابن حجر (7 /371) قال ابن هشام: "وهي أول غنيمة غنمها المسلمون. وعمرو بن الحضرمي أول من قتله المسلمون، وعثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان أول من أسر المسلمون". "السيرة" لابن هشام (1 /605). انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7 /280)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 193- 194)، زاد المعاد" لابن القيم (3 /150- 153).

دروس وعِبَر

استطاع المسلمون بهذه السرايا التعرف على الطرق المحيطة بالمدينة والمؤدية إلى مكة، وخاصة الطرق التجارية التي تعودت قريش أن تسلكها، واستطاعوا كذلك أن يشعروا أعداءهم من المشركين وسائر القبائل العربية بقوتهم. انظر: "القول المبين في سيرة سيد المرسلين" للنجار (ص 222). يستفاد من هذه السرية أن النبي كان محنكا ويتخذ لأموره التدابير، منها: الكتمان وزيادة أخذ الحذر والحيطة. يقول أبو شهبة: "وإنما وقع اختيار النبي على هذا المكان البعيد لأن أهل مكة كانوا قد بدؤوا يحتاطون لتجارتهم، ويأخذون لها الحذر، ويجتهدون في إخفاء أخبارها عن أهل المدينة، فغلبهم النبي على حذرهم، وأراد أن يتعرف أخبار تجارتهم من وادي نخلة الواقع بين مكة والطائف؛ وكانت حكمة بالغة أن لم يخبر النبي السرية بمقصده من إرسالهم ووجهتهم قبل مغادرتهم المدينة، حذرا من أن يشاع الخبر، فينقله أحد المنافقين أو اليهود إلى قريش، فتترصدهم في هذا المكان النائي عن المدينة، وهم قلة فتقتلهم". "السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (2 /119). استدل ابن حجر بهذه السرية على صحة المناولة، فقال: "ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهر، ة فإنه ناوله الكتاب وأمره أن يقرأه على أصحابه ليعملوا بما فيه، ففيه المناولة ومعنى المكاتبة، وتعقبه بعضهم بأن الحجة إنما وجبت به لعدم توهم التبديل والتغيير فيه لعدالة الصحابة بخلاف من بعدهم حكاه البيهقي. وأقول: شرط قيام الحجة بالمكاتبة أن يكون الكتاب مختوما وحامله مؤتمنا والمكتوب إليه يعرف خط الشيخ إلى غير ذلك من الشروط الدافعة لتوهم التغيير، والله أعلم". "فتح الباري" لابن حجر (1 /155). حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، يقول ابن القيم: "والمقصود أنّ الله سبحانه حكم بين أوليائه وأعدائه بالعدل والإنصاف، ولم يبرّىء أولياءه من ارتكاب الإثم بالقتال في الشّهر الحرام بل أخبر أنّه كبير، وأنّ ما عليه أعداؤه المشركون أكبر وأعظم من مجرد القتال في الشّهر الحرام، فهم أحقّ بالذمّ والعيب والعقوبة، لا سيّما وأولياؤه كانوا متأوّلين في قتالهم ذلك، أو مقصرين نوع تقصير يغفره الله لهم في جنب ما فعلوه من التوحيد والطاعات، والهجرة مع رسوله، وإيثار ما عند الله". زاد المعاد" لابن القيم (3 /153). وقد نزل في هذه الغزوة آيات، وهي: قول الله عز وجل: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ سورة البقرة: 217 قال القرطبي بعد أن ذكر الآية وقصة السرية: "والقول بأن نزولها في قصة عبد الله بن جحش أكثر وأشهر". "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3 /41). قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة البقرة: 218 بعدما فرج الله عز وجل عن أصحاب السرية ما شق عليهم من تعنيف المسلمين لهم بقتالهم في الشهر الحرام ونزول الآية؛ أرادوا أن يكون لهم الأجر والثواب زيادة على رفع الحرج والإثم عنهم. قال القرطبي: "فتلافاهم الله عز وجل بهذه الآية في الشهر الحرام وفرج عنهم، وأخبر أن لهم ثواب من هاجر وغزا". "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3 /49) حيث قيل أن بعضهم قال: "إن لم يكونوا أصابوا وزرًا فليس لهم أجر، فأنزل الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة البقرة: 218". "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 155).

مسائل متعلقة

ما ورد في تغيير النبي قائد السرية

روى الحافظ أبو محمد بن أبي حاتم، عن جندب بن عبد الله، "أن رسول الله بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة ابن الجراح، أو عبيدة بن الحارث، فلما ذهب بكى صبابة إلى رسول الله فجلس، فبعث عليهم مكانه عبد الله بن جحش، وكتب له كتابا، وأمره ألا يقرأه حتى يبلغ مكان كذا وكذا. وقال: "لا تكرهن أحدا على المسير معك من أصحابك "، فلما قرأ الكتاب استرجع وقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله، فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب…" إلى آخر القصة. "السيرة" لابن كثير (2 /370).

اختلاف الأقوال في أن أصحاب السرية هل كانوا عالمين بأنها يوم حرام أم لم يكونوا عالمين؟

قال السدي: "وكان قتلهم له في أول ليلة من رجب وآخر ليلة من جمادى الآخرة". قال ابن كثير: "لعل جمادى كان ناقصا فاعتقدوا بقاء الشهر ليلة الثلاثين، وقد كان الهلال رؤى تلك الليلة، فالله أعلم". ثم ذكر أن هذا الرأي معارض بما سبق ذكره من "سياق ابن إسحاق أن ذلك كان آخر ليلة من رجب، وخافوا إن لم يتداركوا هذه الغنيمة وينتهزوا هذه الفرصة دخل أولئك في الحرم فيعتذر عليهم ذلك، فأقدموا عليهم عالمين بذلك". "السيرة" لابن كثير (2 /371).

هل أودى النبي لقتل ابن الحضرمي؟

روى الزهري عن عروة: "فبلغنا أن رسول الله عقل ابن الحضرمي، وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل الله براءة". "السيرة" لابن كثير (2 /372). وروى الواقدي عن كريب قال: "سألت ابن عباس: هل ودى رسول الله بن الحضرمي؟ قال: لا. قال ابن واقد: والمجتمع عليه عندنا أنه لم يود". "المغازي" للواقدي (1 /19).

هل يجوز القتال في الشهر الحرام أم بقي على ما كان عليه من الحرمة؟

اختلف أهل العلم في ذلك: فمنهم من ذهب إلى أن الحرمة باقية. وكان عطاء يقول: "الآية محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم"، ويحلف على ذلك. انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3 /43). وروى الزهري عن عروة: "فبلغنا أن رسول الله عقل ابن الحضرمي، وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه، حتى أنزل الله براءة". "السيرة" لابن كثير (2 /372). وآخرون ذهبوا إلى أن الحرمة نسخت ويجوز القتال في الأشهر الحرم، وهو قول الجمهور والذي عليه العمل. قال القرطبي بعد أن ذكر آية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ سورة البقرة: 217: "فالجمهور على نسخها، وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح، واختلفوا في ناسخها"، وذكر عدة أقوال في ناسخها. "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3 /43).

هل وقع توزيع للغنائم في سرية عبد الله بن جحش أم لم يقع؟ ومن وزعها؟

اختلف أهل السير والمغازي في ذلك على أقوال: قال ابن إسحاق: "وقد ذكر بعض آل عبد الله بن جحش: أن عبد الله قال لأصحابه: إن لرسول الله مما غنمنا الخمس، وذلك قبل أن يفرض الله تعالى الخمس من المغانم، فعزل لرسول الله خمس العير، وقسم سائرها بين أصحابه". "السيرة" لابن هشام (1 /264). وهذه الرواية تذهب إلى القول بأن عبد الله هو الذي خمسها وأقرّه على ذلك، وذلك قبل أن ينزل الخمس. قال ابن كثير: "ولما نزل الخمس نزل كما قسمه عبد الله بن جحش، كما قاله ابن إسحاق". "السيرة" لابن كثير (2 /366). وهذا ما ذكره القرطبي، حيث قال بعد أن ذكر قسمة عبد الله الخمس: "فكان أول خمس في الإسلام، ثم نزل القرآن: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ فأقر الله ورسوله فعل عبد الله بن جحش ورضيه وسنه للأمة إلى يوم القيامة، وهي أول غنيمة غنمت في الإسلام، وأول أمير، وعمرو بن الحضرمي أول قتيل". "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3 /42). وقيل: أنه هو الذي خمس العير الذي جاء به عبد الله، فجعل خمس ذلك لله، وأربعة أخماسه للجيش. ويقال: "إن رسول الله وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر، فقسمها مع غنائم بدر، وأعطى كل قوم حقهم". قال بعضهم: وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة بدر كما ثبت في الصحيحين، وذلك في قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً﴾ سورة الأنفال: الآية 69، فأحل الغنيمة لهم، فهي من الآيات التي تأخرت تلاوتها عن حكمها. انظر: "عيون الأثر" لابن سيد الناس (1 /264- 266)، "إنسان العيون" للحلبي (2 /253).