البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

غزوة بني النضير

خرج رسول الله وأصحابه إلى بني النضير، يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وهو لا يعلم الجوار الذي كان رسول الله عقده لبني عامر، فهموا بالغدر وأرادوا قتل رسول الله وهو عندهم، فبعث رسول الله إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من المدينة فلا تساكنوني بها، وأنه قد أمهلهم عشرا حتى يخرجوا، فأبى ذلك حيي بن أخطب، وقال: إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك، فأظهر رسول الله التكبير ومشى إليهم فغزاهم في عقر دارهم، وحاصرهم في حصونهم، وحرق نخلهم، فقُذِف في قلوبهم الرعب، حتى نزلوا على حكم رسول الله ، على الجلاء عن أرضهم، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل والأمتعة والأموال إلا السلاح، وكانت بنو النضير أول فيء في الإسلام، فكانت صفيا لرسول الله ، خالصة له، حبسا لنوائبه، لم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وإنما كانت لرسول الله خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله على المهاجرين الأولين دون الأنصار.

اسمها

غزوة بني النضير

وقتها

كانت غزوة رسول الله بني النضير في شهر ربيع الأول، سنة أربع، على رأس سبعة وثلاثين شهرًا من مقدم رسول الله المدينة. انظر: "المغازي" للواقدي (1 /363)، "السيرة" لابن هشام (2 /191)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /57)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 242)، زاد المعاد" لابن القيم (3 /222). وروى البخاري في صحيحه معلقًا: "قال الزهري عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، قبل أحد، وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد"، وهو ما ذهب اليه أهل السير والمغازي، وذهب إلى تأييد الرأي الثاني ابن القيم في "زاد المعاد" فقال: "وزعم محمَّد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد، والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية، وكان له مع اليهود أربع غزوات: أولها: غزوة بني قينقاع بعد بدر. و الثانية: بني النضير بعد أحد. و الثالثة: قريظة بعد الخندق. و الرابعة: خيبر بعد الحديبية". "زاد المعاد" (3 /223). قال إبراهيم العلي: "وقد ذهب ابن حزم في جوامع السير هذا المذهب قبل ابن القيم، والله أعلم". "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 243).

موقعها

سار رسول الله وأصحابه إلى بني النضير، وغزوهم في عقر دارهم، وحاصروهم في حصونهم. قال ابن سعد: "وكانت منازل بني النضير بناحية الغرس وما والاها، مقبرة بني خطمة اليوم، فكانوا حلفاء لبني عامر". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /57).

قائد المسلمين

رسول الله

قائد المشركين

حيي بن أخطب سيد بني النضير

سببها

اختلف في ذلك: فالذي ذكره أكثر أهل السير والمغازي أن عمرو بن أمية لما انفلت من رعل وذكوان وعصية، سار حتى يأتي رسول الله ، ويخبره بقتل أصحاب بئر معونة، فلقي في الطريق رجلان من بني عامر، وقد كان معهم عهد من رسول الله وجوار لا يعلم عمرو به، فلما نزلا سألهما عمرو: من أنتما؟ قالا: رجلان من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب ثأرة من بني عامر بما أصابوا من أصحاب بئر معونة. فلما أخبر رسول الله قال: بئس ما عملت قد كان لهما مني جوار. ثم خرج رسول الله إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله عقد لهما. انظر: "المغازي" للواقدي (1 /3643)، "السيرة" لابن هشام (2 /191)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /57)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 242)، "فتح الباري" لابن حجر (7 /331)، زاد المعاد" لابن القيم (3 /222). وجاء في سبب هذه الغزوة: ما رواه أبو داود وعبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه"، بسند صحيح، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي : " أن كفار قريش كتبوا إلى ابن أبي ومن كان معه يعبد الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله يومئذ بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا، وإنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان، اجتمعوا لقتال النبي ، فلما بلغ ذلك النبي لقيهم فقال: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم، تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم" فلما سمعوا ذلك من النبي تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش، فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء -وهي الخلاخيل- فلما بلغ كتابهم النبي أجمعت بنو النضير بالغدر: فأرسلوا إلى رسول الله : اخرج إلينا في ثلاثين رجلا من أصحابك، وليخرج منا ثلاثون حبرا، حتى نلتقي بمكان المنصف فيسمعوا منك، فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك، فقص خبرهم، فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله بالكتائب فحصرهم، فقال لهم: "إنكم والله لا تأمنون عندي إلا بعهد تعاهدوني عليه، فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك، ثم غدا الغد على بني قريظة بالكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه: فانصرف عنهم، وغدا على بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، فجلت بنو النضير واحتملوا ما أقلت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، فكان نخل بني النضير لرسول الله خاصة، أعطاه الله إياها وخصه بها، فقال: ﴿وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب﴾ [الحشر: 6] يقول: بغير قتال، فأعطى النبي أكثرها للمهاجرين، وقسمها بينهم، وقسم منها لرجلين من الأنصار كانا ذوي حاجة، لم يقسم لأحد من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله التي في أيدي بني فاطمة رضي الله عنها". أخرجه أبو داود (3004)، وعبد الرزاق الصنعاني (9733)، كذا أورده ابن حجر في "فتح الباري" وصحح إسناده، وقال: "وكذا أخرجه عبد بن حُميد في تفسيره عن عبد الرازق، وفي ذلك رد على ابن التين في زعمه أنه ليس في هذه القصة حديث بإسناد. قلت -ابن حجر-: فهذا أقوى مما ذكر ابن إسحاق من أنّ سبب غزوة بني النضير طلبه أن يعينوه في دية الرجلين، لكن وافق ابن إسحاق جُلّ أهل المغازي، فالله أعلم". انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7 /332). وكذا صحح إسناده الشيخ شعيب في تخريجه على سنن أبي داود، وقال: " إسناده صحيح".

أحداثها

روت عائشة رضي الله عنها قصة بني النصير، فقالت : "كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من غزوة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل والأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح -فأنزل الله فيهم ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى قوله: ﴿لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا﴾، فقاتلهم النبي حتى صالحهم على الجلاء، فأخلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: ﴿لأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام". أخرجه الحاكم (2 /483)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، والبيهقي في دلائل النبوة (2 /444). قال إبراهيم العلي: "والحديث صحيح إلا أنه ليس على شرط الشيخين لأنهما لم يخرجا لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور وكلاهما ثقة". ثم قال: "والناظر في حديث عائشة رضي الله عنها يرى أنه مؤيد للرأي القائل أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري رحمه الله، وهو في سند حديث عائشة، فالجواب عنه ما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ذلك من الخطأ في النقل عن الزهري، أو هو وهم من الزهري رحمه الله والله أعلم"."صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 243). وتفصيل ذلك: أنه خرج رسول الله إلى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، وهو لا يعلم الجوار الذي كان رسول الله عقده لبني عامر. فلما أتاهم رسول الله يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول الله إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم، فقال: أنا لذلك، فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. فصعد عمرو بن جحاش ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضوان الله عليهم، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استلبث النبي أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله ، حتى انتهوا إليه ، فأخبرهم الخبر، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /190). قال ابن سعد: "وبعث إليهم رسول الله محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا على ذلك أيامًا يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر، وتكاروا من ناس من أشجع إبلًا، فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون معكم حصنكم فيموتون عن آخرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان. فطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله : إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك. فأظهر رسول الله التكبير وكبر المسلمون لتكبيره، وقال: حاربت يهود". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /58). وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ سورة الحشر: 11-12. فسار إليهم النبي في أصحابه، وعلي رضي الله عنه يحمل رايته، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، فلما رأوا رسول الله ، قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة، فقذف الله في قلوبهم الرعب، فاعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فأيسوا من نصرهم، فحاصرهم رسول الله وقطع نخلهم. قال ابن عمر رضي الله عنهما: "حرق رسول الله نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة. فنزلت: ﴿مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [ الحشر: 5]". أخرجه البخاري (4031)، مسلم (1746). روى ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي حرق نخل بني النضير. قال: ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي***** حريق بالبويرة مستطير قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث: أدام الله ذلك من صنيع***** وحرق في نواحيها السعير ستعلم أينا منها بنزه***** وتعلم أي أرضينا تضير أخرجه البخاري (4032)، مسلم (1746). وحاصرهم رسول الله حتى نزلوا على حكمه؛ على أن يجلوا عن أرضهم، وأن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة، يعني السلاح، فأنزل الله فيهم ﴿سَبَّحَ لِلَّه﴾ إلى قوله: ﴿لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾. قال ابن عمر رضي الله عنهما: "أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله ، فأجلى رسول الله بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربت قريظة بعد ذلك، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين…" الحديث. أخرجه البخاري (4028)، مسلم (1766). وكان حصارهم خمسة عشر يومًا على ما ذكره الواقدي وابن سعد، وذكر ابن إسحاق أنه حاصرهم ست ليال، وحملوا النساء والصبيان وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله : "هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش". انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /191)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /58). قال ابن إسحاق: " فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام. "السيرة" لابن هشام (2 /191). روى الحسن: "أن النبي لما أجلى بني النضير قال: امضوا، فإن هذا أول الحشر وأنا على الأثر". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /59). وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ﴾ [ الحشر: 2]. وكانت أموال بنو النضير صفيًا لرسول الله ، خالصةً له، حبسًا لنوائبه، ولم يخمسها ولم يسهم منها لأحد، وإنما كانت لرسول الله خاصة، يضعها حيث يشاء. قال عمر رضي الله عنه: "كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله ، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله خاصة، ينفق على أهله منها نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع، عدة في سبيل الله". أخرجه البخاري (4885)، مسلم (1757). وروى عمر رضي الله عنه: "أن النبي كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم". أخرجه البخاري (5357). فقسمها رسول الله على المهاجرين الأولين دون الأنصار. قال ابن إسحاق: "إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك ابن خرشة ذكرا فقرًا، فأعطاهما رسول الله ". "السيرة" لابن هشام (2 /192). وقال ابن سعد: "فكان ممن أعطي ممن سمي لنا من المهاجرين: أبو بكر الصديق بئر حجر، وعمر بن الخطاب بئر جرم، وعبد الرحمن بن عوف سوالة، وصهيب بن سنان الضراطة، والزبير بن العوام وأبو سلمة بن عبد الأسد البويلة، وسهل بن حنيف وأبو دجانة مالا يقال له مال ابن خرشة". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /58). وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [ الحشر: 6-7]. انظر تفصيل القصة وأحداثها في: "المغازي" للواقدي (1 /363- 373)، "السيرة" لابن هشام (2 /190- 193)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /57- 59)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 242- 243)، زاد المعاد" لابن القيم (3 /222- 223).

نتيجتها

حاصر رسول الله بني النضير وحرق نخلهم، ودخل في قلوبهم الرعب، حتى نزلوا على حكمه، فأمر بإجلائهم عن أرضهم، وأن لهم ما أقلت الإبل من الأمتعة والأموال لا السلاح. تركت بنو النضير ديارهم وأموالهم فأخذها رسول الله فكانت فيئًا له.

أحداث متعلقة

نزول سورة الحشر: قال ابن إسحاق: "ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله ، وما عمل به فيهم". "السيرة" لابن هشام (2 /192). ثم أورد تفسير قول الله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۖ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ * وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ سورة الحشر: 2- 6. قال سعيد بن جبير: "قلت لابن عباس: سورة التوبة؟ قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل حتى ظنوا أنها لم تبق أحدًا منهم إلا ذكر فيها. قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر. قال: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير". أخرجه البخاري (4029)، مسلم (3031). قال سعيد بن جبير: "قلت لابن عباس: سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير". أخرجه البخاري (4029). قال ابن حجر: "واتفق أهل العلم على أنها نزلت في هذه القصة، قاله السهيلي". "فتح الباري" لابن حجر (7 /330).

دروس وعِبَر

ظهر في هذه الغزوة أيضًا صفات الغدر والخيانة المتأصلة في نفوس اليهود، وتأكدت خسة أخلاقهم، وتمكن عدائهم للإسلام في نفوسهم، واستغلالهم أي فرصة للنيل منه. مشروعية الفيء؛ وهو ما أخذه المسلمون من عدوهم صلحًا بدون حرب ولا قتال، فكان أول فيء في الإسلام، وقد ترك بنو النضير وراءهم للمسلمين مغانم كثيرة من غلال وسلاح وعقار ودور، فكانت فيئًا من حق رسول الله يتصرف فيها كيف شاء، وقد قسمها على المهاجرين دون الأنصار، بعد أن استبقى منها قسما خصصت غلته لذوي القربى والفقراء والمساكين. أغنى الله المهاجرين وأزال فاقتهم، ولم يأخذ من الفيء من الأنصار إلا أبو دجانة، وسهل بن حنيف شكوا فقرا. أراح الله المسلمين بإجلاء بني النضير من شوكة ثانية كانت تقض مضاجعهم. نزول آيات كثيرة تشتمل على عبر ودروس وعلى أحكام شرعية أبدية. انظر: "السيرة على ضوء القرآن والسنة" لأبي شهبة (2 /403)، "اللؤلؤ المكنون" لموسى العازمي (3 /50).