البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

غزوة حنين

لما بلغ رسول الله أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن وثقيف وغيرهم يقصدون محاربة رسول الله والمسلمين خرج إليهم، ومعه اثنا عشر ألف من المسلمين، والتقى بهم في حُنَين، واصطف الفريقان للقتال، فشد الكفار عليهم شدة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم، وتبعهم أهل مكة والناس، وقال : «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»، ولم يثبت معه حين ذلك إلا نفر قليل، وأمر رسول الله العباس أن ينادي بالناس فأقبلوا، فهزم الله المشركين، وكان النصر حليف المسلمين، واستشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلًا، وغنم المسلمون منهم غنائم وسبايا كثيرة، وأمر بهم رسول الله فساقوه إلى الجعرانة ثم قسمها عليهم. وفي هذه الغزوة كانت قصة ذات أنواط، ورمى رسول الله الحصى في وجوه القوم، وشاركت الملائكة القتال، وبعد الغزوة أعطى رسول الله المؤلفة قلوبهم من الغنائم دون سائر الناس، وحدث في هذه الغزوة أن وجده الأنصار في نفوسهم شيئا من تقسيم الغنائم وكلمهم رسول الله في ذلك حتى اطمأنوا، وفيه قدوم وفد هوازن وسؤالهم رسول الله السبي والأموال، فرد إليهم السبي دون الأموال، وفيه أن رسول الله اعتمر من الجعرانة قبل انصرافه إلى المدينة.

اسمها

غزوة حنين، وسماه ابن كثير: «غزوة هوازن يوم حنين». "السيرة" لابن كثير (3 /610).

وقتها

ذهب أهل المغازي والسير إلى أن غزوة حُنَين كانت في شهر شوال سنة ثمان من مقدم رسول الله المدينة، ثم اختلفوا في أي يوم من الشهر كانت، ذكر ابن إسحاق أن رسول الله خرج إلى هوازن بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان، وهكذا روي عن ابن مسعود، وبه قال عروة بن الزبير واختاره أحمد وابن جرير في تاريخه، وقال الواقدي وابن سعد: خرج رسول الله إلى هوازن لست خلون من شوال، فانتهى إلى حُنَين في عاشره. قال ابن حجر: «قال أهل المغازي: خرج النبي إلى حُنَين لست خلت من شوال، وقيل: لليلتين بقيتا من رمضان، وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان، وسار سادس شوال، وكان وصوله إليها في عاشره». "فتح الباري" لابن حجر (8 /27). انظر: "المغازي" للواقدي (2/)، "السيرة" لابن هشام (2 /437)، "السيرة" لابن كثير (3 /610)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /149- 150)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 275)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /27).

موقعها

خرج رسول الله إلى حُنَين. وحُنَينٌ؛ بمهملة ونون مصغر: وهو اليوم الذي ذكره عز وجلّ في كتابه الكريم: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا، وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ سورة التوبة: 25، وهو قريب من مكة. وذكر ابن سعد أنه واد بينه وبين مكة ثلاث ليال، وذكر ابن حجر أنه واد إلى جنب ذي المجاز، قريب من الطائف، وبينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات، قال أبو عبيد البكري: سمي باسم حُنَين بن قَابِثَةَ بْنِ مَهْلَائِيلَ، وقيل: هو واد قبل الطائف. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /149)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /27)، "معجم البلدان" للحموي (2 /313).

عدد المسلمين

خرج رسول الله إليهم في اثني عشر ألفًا من المسلمين، عشرة آلاف من أهل المدينة من أصحابه الذين خرجوا معه لفتح مكة، وألفان من أهل مكة. انظر: "المغازي" للواقدي (2/)، "السيرة" لابن هشام (2 /440)، "السيرة" لابن كثير (3 /610)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /149- 150)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 275)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /27).

قائد المسلمين

كان رسول الله قائدها.

قائد المشركين

مالك بن عوف النصري قد جمع الجموع لغزو رسول الله .

سببها

وكان السبب في ذلك: أن مالك بن عوف النضري جمع القبائل من هوازن وثقيف وغيرهم، وقصدوا محاربة المسلمين، فبلغ ذلك النبي ، فخرج إليهم. انظر: "المغازي" للواقدي (2/)، "السيرة" لابن كثير (3 /610)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /149- 150)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 275). وفي قصة ذلك يقول ابن إسحاق: «ولما سمعت هوازن برسول الله وما فتح الله عليه من مكة، جمعها مالك بن عوف النصري، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها، واجتمعت نصر وجشم كلها، وسعد بن بكر، وناس من بني هلال، وهم قليل، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب، ولم يشهدها منهم أحد له اسم، وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب، وكان شيخا مجربا، وفي ثقيف سيدان لهم، وفي الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود ابن معتب، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك، وأخوه أحمر بن الحارث، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري. فلما أجمع السير إلى رسول الله حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به، فلما نزل قال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس، قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم. قال: أين مالك؟ قيل: هذا مالك ودعي له، فقال: يا مالك، إنك قد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام. ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، ويعار الشاء؟ قال: سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم، قال: ولم ذاك؟ قال: أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله، ليقاتل عنهم، قال: فأنقض به. ثم قال: راعي ضأن والله! وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك، ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد، قال: غاب الحد والجد، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب، فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر، قال: ذانك الجذعان من عامر، لا ينفعان ولا يضران، يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم، ثم الق الصباء على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك، وإن كانت عليك ألفاك ذلك قد أحرزت أهلك ومالك. قال: والله لا أفعل ذلك، إنك قد كبرت وكبر عقلك. والله لتطعيننى يا معشر هوازن أو لأتكسئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري. وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي، فقالوا: أطعناك، فقال دريد بن الصمة: هذا يوم لم أشهده ولم يفتني…»، وانشد شعرا. "السيرة" لابن هشام (2 /437- 439).

أحداثها

فلما جمع مالك بن عوف النصري الجموع لغزو رسول الله قام في الناس فقال لهم: إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم، ثم شدوا شدة رجل واحد، وبعث عيونا من رجاله ينظر لهم. قال ابن إسحاق: وبعث مالك بن عوف عيونا من رجاله، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ويلكم ما شأنكم؟ قالوا: رأينا رجالا بيضا على خيل بلق، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى. قال راوي القصة: فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /439). ولما سمع رسول الله بهم بعث إليهم ابن أبي حدرد يعلم من أخبارهم. قال ابن إسحاق: «ولما سمع بهم نبي الله بعث إليهم عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي، وأمره أن يدخل في الناس، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم، ثم يأتيه بخبرهم. فانطلق ابن أبي حدرد، فدخل فيهم، فأقام فيهم، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه. ثم أقبل حتى أتى رسول الله ، فأخبره الخبر، (فدعا رسول الله عمر بن الخطاب، فأخبره الخبر فقال عمر: كذب ابن أبي حدرد. فقال ابن أبي حدرد: إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر، فقد كذبت من هو خير مني. فقال عمر: يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال رسول الله قد كنت ضالا فهداك الله يا عمر». "السيرة" لابن هشام (2 /439- 440). ثم بعث رسول الله إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا عنده مائة درع، وما يصلحها من عدتها. قال ابن إسحاق: فأرسل رسول الله إليه وهو يومئذ مشرك. فقال: يا أبا أمية، أَعِرْنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غدا، فقال صفوان: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك، قال: ليس بهذا بأس، فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح. "السيرة" لابن هشام (2 /440). ثم خرج رسول الله في اثني عشر ألفا، ألفان من أهل مكة، وعشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه لفتح مكة، ولما رأى أبو بكر رضي الله عنه كثرة العساكر قال: لن نغلب اليوم من قلة، وقيل: إن قائل ذلك غيره، واستعمل رسول الله على م كة عتاب بن أسيد أميرا على من تخلف عنه من الناس، ثم مضى رسول الله على وجهه يريد لقاء هوازن. قال ابن إسحاق: «لما استقبلنا وادي حُنَين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط، إنما ننحدر فيه انحدارا، قال: وفي عماية الصبح، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا، فو الله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد، وانشمر الناس راجعين، لا يلوي أحد على أحد. وانحاز رسول الله ذات اليمين، ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا إلي، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله. قال: فلا شيء، حملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس، إلا أنه قد بقي مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته.». "السيرة" لابن هشام (2 /442). قال أنس رضي الله عنه: «التقى يوم حُنَين أهل مكة وأهل المدينة واشتد القتال، فولوا مدبرين، فندب رسول الله الأنصار، فقال: يا معشر المسلمين، أنا رسول الله، فقالوا: إليك والله جئنا، فنكسوا رءوسهم، ثم قاتلوا حتى فتح الله عليهم». أخرجه الحاكم (4368)، وقال فيه: «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «لقد رأيتنا يوم حُنَين وإن الفئتين لموليتين، وما مع رسول الله مائة رجل». أخرجه الترمذي (1689)، وقال فيه: «حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث عبيد الله إلا من هذا الوجه»، وحسنه الحافظ في الفتح: 8 /29 - 30. وكان رسول الله يكثر الدعاء، ففي حديث البراء عند مسلم: «أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، اللهم نزل نصرك». أخرجه مسلم (1776). وتناول رسول الله حصيات من الأرض ثم قال: «شاهت الوجوه»، ورمى بها في وجوه القوم. قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «غزونا مع رسول الله حُنَينا، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من العدو، فأرميه بسهم فتوارى عني، فما دريت ما صنع، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم وصحابة النبي ، فولى صحابة النبي وأرجع منهزما، وعلي بردتان متزرا بإحداهما مرتديا بالأخرى، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا، ومررت على رسول الله منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال رسول الله : لقد رأى ابن الأكوع فزعا، فلما غشوا رسول الله نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: شاهت الوجوه، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله غنائمهم بين المسلمين». أخرجه مسلم (1777). وكان في الناس رجل من هوازن على جمل له أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل، أمام هوازن، وهوازن خلفه، إذا أدرك طعن برمحه، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه، فاتبعوه، فبرز له علي بن أبي طالب. قال ابن إسحاق: «بينا ذلك الرجل من هوازن صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه، قال: فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه، فضرب عرقوبي الجمل، فوقع على عجزه، ووثب الأنصاري على الرجل، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه، فانجعف عن رحله، قال: واجتلد الناس، فو الله ما رجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله . والتفت رسول الله إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول الله ، وكان حسن الإسلام حين أسلم، وهو آخذ بثفر بغلته ، فقال من هذا؟ قال: أنا ابن أمك يا رسول الله». "السيرة" لابن هشام (2 /433- 436). ورجع رسول الله إلى العسكر وثاب إليه من انهزم، وثبت معه يومئذ العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وأبو بكر، وعمر، وأسامة بن زيد في أناس من أهل بيته وأصحابه، فانتصروا بعد أن كانوا على وشك الهزيمة. قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: «شهدت مع رسول الله يوم حُنَين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله فلم نفارقه، ورسول الله على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله يركض بغلته قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله ، فقال رسول الله : أي عباس، ناد أصحاب السمرة، فقال عباس: وكان رجلا صيتا، فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ قال: فوالله، لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله هذا حين حمي الوطيس، قال: ثم أخذ رسول الله حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: انهزموا ورب محمد، قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله، ما هو إلا أن رماهم بحصياته فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا». أخرجه مسلم (1775). قال البراء بن عازب رضي الله عنه وقد سأله رجل: «أكنتم فررتم يا أبا عمارة يوم حُنَين؟ قال: لا والله، ما ولى رسول الله ، ولكنه خرج شبان أصحابه وأخفاؤهم حسرا ليس بسلاح، فأتوا قوما رماة، جمع هوازن وبني نصر، ما يكاد يسقط لهم سهم، فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هنالك إلى النبي ، وهو على بغلته البيضاء، وابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل واستنصر، ثم قال: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، ثم صف أصحابه». أخرجه البخاري (4315)، ومسلم (1776). فهزم الله المشركين، وأمكن رسوله منهم، قال ابن إسحاق: «فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك، فقتل منهم سبعون رجلا تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله بن ربيعة بن الحارث ابن حبيب، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبد الله، فقاتل بها حتى قتل. قال ابن إسحاق: وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود، قال: لما بلغ رسول الله قتله، قال: أبعده الله! فإنه كان يبغض قريشا». "السيرة" لابن هشام (2 /439- 450). روى أنس رضي الله عنه: «أن النبي قال يوم حُنَين جزوهم جزا». أخرجه البزار (1829)، وقال الهيثمي: 6 /181: رواه البزار، ورجاله ثقات. وقال ابن سعد: «هرب مالك بن عوف فتحصن في قصر بلية، ويقال دخل حصن ثقيف». "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /152). وورد قصة هذه الغزوة في الصحيحين، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أيضا، قال: «لما كان يوم حُنَين أقبلت هوازن وغطفان، وغيرهم بذراريهم ونعمهم، ومع النبي يومئذ عشرة آلاف، ومعه الطلقاء، فأدبروا عنه، حتى بقي وحده، قال: فنادى يومئذ نداءين، لم يخلط بينهما شيئا، قال: فالتفت عن يمينه، فقال: يا معشر الأنصار، فقالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك، يا رسول الله، أبشر نحن معك، قال: وهو على بغلة بيضاء، فنزل فقال: أنا عبد الله ورسوله، فانهزم المشركون، وأصاب رسول الله غنائم كثيرة، فقسم في المهاجرين والطلقاء، ولم يعط الأنصار شيئا، فقالت الأنصار: إذا كانت الشدة فنحن ندعى، وتعطى الغنائم غيرنا، فبلغه ذلك، فجمعهم في قبة، فقال: «يا معشر الأنصار، ما حديث بلغني عنكم؟» فسكتوا، فقال: «يا معشر الأنصار، أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون بمحمد تحوزونه إلى بيوتكم؟» قالوا: بلى، يا رسول الله، رضينا، قال: فقال: «لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار شعبا، لأخذت شعب الأنصار. قال هشام: فقلت: يا أبا حمزة، أنت شاهد ذاك؟ قال: وأين أغيب عنه؟» أخرجه البخاري ()، ومسلم (1059). وفي رواية أخرى له قال: «جمع رسول الله الأنصار، فقال: أفيكم أحد من غيركم؟ فقالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله : إن ابن أخت القوم منهم فقال: إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله إلى بيوتكم؟ لو سلك الناس واديا، وسلك الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار». أخرجه مسلم (1059). وقال أنس رضي الله عنه: «افتتحنا مكة، ثم إنا غزونا حُنَينا، فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت، قال: فصفت الخيل، ثم صفت المقاتلة، ثم صفت النساء من وراء ذلك، ثم صفت الغنم، ثم صفت النعم، قال: ونحن بشر كثير قد بلغنا ستة آلاف، وعلى مجنبة خيلنا خالد بن الوليد، قال: فجعلت خيلنا تلوي خلف ظهورنا، فلم نلبث أن انكشفت خيلنا، وفرت الأعراب ومن نعلم من الناس قال: فنادى رسول الله يا للمهاجرين، يا للمهاجرين، ثم قال: يا للأنصار، يا للأنصار، قال: قال أنس: هذا حديث عمية قال: قلنا، لبيك يا رسول الله، قال: فتقدم رسول الله ، قال: فايم الله، ما أتيناهم حتى هزمهم الله، قال: فقبضنا ذلك المال، ثم انطلقنا إلى الطائف فحاصرناهم أربعين ليلة، ثم رجعنا إلى مكة فنزلنا، قال: فجعل رسول الله يعطي الرجل المائة من الإبل. ثم ذكر باقي الحديث كنحو حديث قتادة، وأبي التياح وهشام بن زيد». أخرجه مسلم (1059)، والنسائي في السنن الكبرى (897). قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كنت مع رسول الله يوم حُنَين، قال: فولى عنه الناس، وثبت معه ثمانون رجلا من المهاجرين والأنصار، فنكصنا على أقدامنا نحوا من ثمانين قدما، ولم نولهم الدبر، وهم الذين أنزل الله عز وجل عليهم السكينة، قال: ورسول الله على بغلته يمضي قدما، فحادت به بغلته، فمال عن السرج، فقلت له: ارتفع رفعك الله، فقال: ناولني كفا من تراب، فضرب به وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابا، ثم قال: أين المهاجرون والأنصار؟ قلت: هم أولاء، قال: اهتف بهم، فهتفت بهم، فجاءوا وسيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، وولى المشركون أدبارهم». أخرجه الحاكم (2549)، وقال فيه: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وعلق الذهبي عليه: «الحارث وعبد الله ذوا مناكير، هذا منها، ثم فيه إرسال»، وأحمد (4336)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده ضعيف. عبد الرحمن والد القاسم - وهو ابن عبد الله بن مسعود - يترجح عدم سماعه هذا الخبر من أبيه، وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة، فمن رجال النسائي، وروى له البخاري في "الأدب المفرد"، وهو مختلف فيه»، والبيهقي في دلائل النبوة (5 /142). وغنم المسلمون منهم غنائم وسبايا كثيرة، فأمر رسول الله بالسبي والغنائم فجمع ذلك كله وحدروه إلى الجعرانة، فوقف بها إلى أن انصرف رسول الله من الطائف، وهم في حظائرهم يستظلون بها من الشمس، وكان السبي ستة آلاف رأس، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة، وأربعة آلاف أوقية فضة، فاستأنى رسول الله بالسبي أن يقدم عليه وفدهم. ثم بدأ رسول الله بالأموال فقسمها، وأعطى المؤلفة قلوبهم أول الناس، فأعطى أبا سفيان بن حرب، وابنيه يزيد ومعاوية أربعين أوقية ومائة من الإبل، وأعطى حكيم بن حزام مائة مائة مائة من الإبل، وأعطى النصر بن الحارث وأسيد بن جارية الثقفي والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وقيس بن عدي وغيرهم، ثم أمر زيد بن ثابت بإحصاء الناس والغنائم، ثم فضَّها على الناس، فكانت سهامهم لكل رجل أربع من الإبل وأربعون شاة، فإن كان فارسا أخذ اثني عشر من الإبل وعشرين ومائة شاة، وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم له. قال رافع بن خديج: «أعطى رسول الله أبا سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد. .. بين عيينة والأقرع… فما كان بدر ولا حابس. .. يفوقان مرداس في المجمع… وما كنت دون امرئ منهما. .. ومن تخفض اليوم لا يرفع، قال: «فأتم له رسول الله مائة». أخرجه مسلم (1060). وقال ابن شهاب: «غزا رسول الله غزوة الفتح، فتح مكة، ثم خرج رسول الله بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحُنَين، فنصر الله دينه والمسلمين وأعطى رسول الله يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة» قال ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، أن صفوان قال: «والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي». أخرجه مسلم (2313). وأعطى رسول الله آخرين خمسين خمسين، وأربعين أربعين، حتى شاع في الناس أن محمدا -يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال. روى جبير بن مطعم: «أنه بينما هو يسير مع رسول الله ومعه الناس مقفله من حُنَين، فعلقه الناس يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداءه، فوقف النبي ، فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذوبا، ولا جبانا». أخرجه البخاري (2821). ولما رأت الأنصار ما أعطى رسول الله ما أعطى من تلك العطايا لقريش وفي قبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى تكلموا في ذلك بينهم، فبلغ ذلك رسول الله . قال عبد الله بن زيد بن عاصم: «لما أفاء الله على رسوله يوم حُنَين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئا، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمن، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله . قال: كلما قال شيئا، قالوا: الله ورسوله أمن، قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض». أخرجه البخاري (4330)، ومسلم (1061). وروى أنس بن مالك: «أن أناسا من الأنصار قالوا: يوم حُنَين، حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء، فطفق رسول الله يعطي رجالا من قريش، المائة من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله، يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس بن مالك: فحدث ذلك رسول الله ، من قولهم، فأرسل إلى الأنصار، فجمعهم في قبة من أدم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله ، فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا، يا رسول الله، فلم يقولوا شيئا، وأما أناس منا حديثة أسنانهم، قالوا: يغفر الله لرسوله، يعطي قريشا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال رسول الله : فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر، أتألفهم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، فقالوا: بلى، يا رسول الله، قد رضينا، قال: فإنكم ستجدون أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله، فإني على الحوض، قالوا: سنصبر». أخرجه البخاري (4334)، ومسلم (1059)، واللفظ لمسلم. روى عمرو بن تغلب رضي الله عنه: «أن رسول الله أتي بمال أو سبي فقسمه، فأعطى رجالا وترك رجالا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد فوالله إني لأعطي الرجل، وأدع الرجل، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب. فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله حمر النعم». أخرجه البخاري (923). وقدم وفد هوازن على النبي وهو أربعة عشر رجلا ورأسهم زهير بن صرد، وفيهم أبو برقان عم رسول الله من الرضاعة، فسألوه أن يمن عليهم بالسبي والأموال. روى مروان والمسور بن مخرمة: «أن رسول الله قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله : " معي من ترون، وأحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين: إما السبي، وإما المال، وقد كنت استأنيت بكم ". وكان أنظرهم رسول الله بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف، فلما تبين لهم أن رسول الله غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين، قالوا: فإنا نختار سبينا، فقام رسول الله في المسلمين، فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أما بعد، فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل» فقال الناس: قد طيبنا ذلك يا رسول الله، فقال رسول الله : «إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم» فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا هذا الذي بلغني عن سبي هوازن». أخرجه البخاري (4318). وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: «شهدت رسول الله يوم حُنَين وجاءته وفود هوازن، فقالوا: يا محمد إنا أصل وعشيرة، فمُنّ علينا، من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فقال: اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم، قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب، فهو لكم، فإذا صليت الظهر، فقولوا: إنا نستشفع برسول الله على المؤمنين، وبالمؤمنين على رسول الله في نسائنا وأبنائنا، قال: ففعلوا، فقال رسول الله : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب، فهو لكم، وقال المهاجرون: وما كان لنا، فهو لرسول الله ، وقالت الأنصار مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أما ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا، فقالت الحيان: كذبت، بل هو لرسول الله ، فقال رسول الله : يا أيها الناس، ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم ، فمن تمسك بشيء من الفيء، فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا، ثم ركب راحلته، وتعلق به الناس، يقولون: اقسم علينا فيئنا بيننا، حتى ألجئوه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: يا أيها الناس، ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثم لا تلفوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا، ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى، ثم رفعها، فقال: يا أيها الناس، ليس لي من هذا الفيء هؤلاء هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا، فقام رجل معه كبة من شعر، فقال: إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر، قال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب، فهو لك، فقال الرجل: يا رسول الله، أما إذ بلغت ما أرى فلا أرب لي بها، ونبذها. أخرجه أحمد (6728)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «حديث حسن، محمد بن إسحاق صرح بالتحديث في الرواية وفي مصادر التخريج، فانتفت شبهة تدليسه»، وابن هشام في "السيرة" (2 /488، 490). روى نافع: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إنه كان علي اعتكاف يوم في الجاهلية، فأمره أن يفي به، قال: وأصاب عمر جاريتين من سبي حُنَين، فوضعهما في بعض بيوت مكة، قال: فمَنّ رسول الله على سبي حُنَين، فجعلوا يسعون في السكك، فقال عمر: يا عبد الله، انظر ما هذا؟ فقال: مَنّ رسول الله على السبي، قال: اذهب فأرسل الجاريتين». أخرجه البخاري (3144)، ومسلم (1656). ثم انصرف رسول الله راجعا إلى المدينة. انظر تفصيل القصة وأحداثها في: "السيرة" لابن هشام (2 /389- 426)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /149- 157)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 317- 321)، "زاد المعاد" لابن القيم (3 /408- 418)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 431- 459).

نتيجتها

التقى رسول الله والمسلمون بالمشركين في حُنَين، واصطفوا للقتال فشد الكفار عليهم شدة واحدة، فانكشفت خيل بني سليم، وتبعهم أهل مكة والناس، ولم يثبت معه حين ذلك إلا نفر قليل، وأمر رسول الله العباس أن ينادي بالناس فأقبلوا، فهزم الله المشركين، وكان النصر حليف المسلمين. وفي هذه الغزوة استشهد من المسلمين أربعة، وقتل من المشركين أكثر من سبعين قتيلا. وغنم المسلمون في هذه الغزوة منهم غنائم وسبايا كثيرة، وأمر بهم رسول الله فساقوه إلى الجعرانة ثم قسمها عليهم، وأعطى المؤلفة قلوبهم من الغنائم دون سائر الناس. ورمى رسول الله الحصى في وجوه القوم، فلم يبق عين إلا دخل فيها من ذلك التراب. وقد وجد الأنصار في نفوسهم من تقسيم الغنائم، فأزال رسول الله ما في نفوسهم، وقال لهم: «أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار». وقدمت وفد هوازن على رسول الله ، وسألوه أن يمن عليهم بالسبي والأموال، فرد رسول الله إليهم السبي دون الأموال.

أحداث متعلقة

تبشير الرسول بغنيمة حُنَين. روى سهل ابن الحنظلية: «أنهم ساروا مع رسول الله يوم حُنَين فأطنبوا السير، حتى كانت عشية فحضرت الصلاة عند رسول الله ، فجاء رجل فارس، فقال: يا رسول الله، إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، اجتمعوا إلى حُنَين، فتبسم رسول الله وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب، فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله ، فقال له رسول الله : استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة، فلما أصبحنا خرج رسول الله إلى مصلاه، فركع ركعتين، ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله، ما أحسسناه، فثوب بالصلاة، فجعل رسول الله يصلي، وهو يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا فقد جاءكم فارسكم، فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب، فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله ، فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله ، فلما أصبحت اطلعت الشعبين كليهما، فنظرت فلم أر أحدا، فقال له رسول الله : هل نزلت الليلة؟ قال: لا، إلا مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله : قد أوجبت فلا عليك أن لا تعمل بعدها». أخرجه أبو داود (2654)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن أبي داود: «إسناده صحيح. أبو توبة: هو الربيع بن نافع الحلبي»، وعلق الذهبي عليه في التلخيص: «على شرط البخاري ومسلم، لكن لم يخرجا لسهل، وهو صحابي كبير»، وحسنه ابن حجر في "فتح الباري" (8 /27). ما روي من شماتة أبي سفيان وغيره بالمسلمين لما رأوهم على وشك الهزيمة. قال ابن إسحاق: «فلما انهزم الناس، ورأى من كان مع رسول الله من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر، وإن الأزلام لمعه في كنانته، وصرخ جبلة بن الحنبل- قال ابن هشام: كلدة بن الحنبل- وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله : ألا بطل السحر اليوم! فقال له صفوان: اسكت فض الله فاك، فو الله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن». "السيرة" لابن هشام (2 /443- 444). قتال الملائكة مع المسلمين يوم حُنَين. وكان سيماء الملائكة يوم حُنَين عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم. ذكر ابن إسحاق عن جبير بن مطعم، قال: لقد رأيت قبل هزيمة القوم، والناس يقتتلون يوم حُنَين، مثل البجاد الأسود أقبل من السماء، حتى سقط بيننا وبين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي، فلم يكن إلا هزيمة القوم، فلم أشك أنها الملائكة. انظر: "السيرة" لابن هشام (2/)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /151). قتال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه رجلا يتجسس على المسلمين. قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: «غزونا مع رسول الله هوازن، فبينا نحن نتضحى مع رسول الله إذ جاء رجل على جمل أحمر، فأناخه، ثم انتزع طلقا من حقبه، فقيد به الجمل، ثم تقدم يتغدى مع القوم، وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر، وبعضنا مشاة، إذ خرج يشتد، فأتى جمله، فأطلق قيده ثم أناخه، وقعد عليه، فأثاره فاشتد به الجمل، فاتبعه رجل على ناقة ورقاء، قال سلمة: وخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة، ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل، ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته، فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي، فضربت رأس الرجل، فندر، ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه، فاستقبلني رسول الله والناس معه، فقال: من قتل الرجل؟ قالوا: ابن الأكوع، قال: له سلبه أجمع». أخرجه مسلم (1754)، وأبو داود (2654). أراد شيبة قتل الرسول لكنه عجز عن ذلك. قال ابن إسحاق: «وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخو بني عبد الدار: قلت: اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمدا. قال: فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤادي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني». "السيرة" لابن هشام (2 /444). أمر ذات أنواط. روى أبو واقد الليثي: «أن رسول الله لما خرج إلى حُنَين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي : سبحان الله هذا كما قال قوم موسى ﴿اجعل لنا إلها كما لهم آلهة﴾ والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم». أخرجه الترمذي (2180)، وقال فيه: «هذا حديث حسن صحيح، وأبو واقد الليثي اسمه الحارث بن عوف، وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة». قتال أبو طلحة رضي الله عنه يوم حُنَين. من حديث أنس رضي الله عنه قال: «قال رسول الله يومئذ يعني يوم حُنَين: «من قتل كافرا فله سلبه». فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم، ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال: يا أم سليم ما هذا معك؟ قالت: أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه، فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله ». أخرجه أبو داود (2718)، وقال فيه: «هذا حديث حسن»، والحاكم (2591)، وقال فيه: «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، ووافقه الذهبي. قتال أبو قتادة رضي الله عنه يوم حُنَين. قال أبو قتادة رضي الله عنه: «خرجنا مع النبي عام حُنَين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين، فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع، وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله عز وجل، ثم رجعوا، وجلس النبي ، فقال: من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه، فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثم قال النبي مثله، فقمت، فقلت: من يشهد لي، ثم جلست، قال: ثم قال النبي مثله، فقمت، فقال: ما لك يا أبا قتادة؟ فأخبرته، فقال رجل: صدق، وسلبه عندي، فأرضه مني، فقال أبو بكر: لاها الله إذا، لا يعمد إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه، فقال النبي : صدق، فأعطه، فأعطانيه، فابتعت به مخرفا في بني سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام». أخرجه البخاري (4321)، ومسلم (1751). قتال أم سليم رضي الله عنها يوم حُنَين. روى أنس رضي الله عنه: «أن أم سليم اتخذت يوم حُنَين خنجرا، فكان معها، فرآها أبو طلحة، فقال: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله : ما هذا الخنجر؟ قالت: اتخذته إن: دنا مني أحد من المشركين، بقرت به بطنه، فجعل رسول الله يضحك، قالت: يا رسول الله، اقتل من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك؟ فقال رسول الله : «يا أم سليم، إن الله قد كفى وأحسن». أخرجه مسلم (1809). الأعرابي الجلف ورفض البشرى. قال أبو موسى رضي الله عنه: «كنت عند النبي وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة، ومعه بلال فأتى النبي أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: أبشر، فقال: قد أكثرت علي من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: رد البشرى، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا. فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر: أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة». أخرجه البخاري (4328)، ومسلم (2497). مقولة المنافق اعدل فإنك لم تعدل. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لما كان يوم حُنَين آثر رسول الله ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله، إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال فقلت: والله لأخبرن رسول الله ، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصرف، ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله، قال: ثم قال: يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر، قال قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا». أخرجه البخاري (4336)، مسلم (1062)، واللفظ لمسلم. إكثار حكيم بن حزام سؤال رسول الله من غنائم حُنَين. وأعطى رسول الله حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مئة أخرى، فأعطاه إياها، ثم سأله فأعطاه، ثم قال له رسول الله -: يا حكيم! إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه. قال حكيم بن حزام رضي الله عنه: «سألت رسول الله ، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني، ثم سألته، فأعطاني ثم قال: يا حكيم، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه، يدعو حكيما إلى العطاء، فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله حتى توفي». أخرجه البخاري (1472)، ومسلم (1035). عمرة الجعرانة. ذكر أهل المغازي والسير أن رسول الله أحرم بعمرة ودخل مكة فطاف وسعى وحلق رأسه ورجع إلى الجعرانة من ليلته، ثم غدا يوم الخميس فانصرف إلى المدينة، ذهب إلى ذلك عروة بن الزبير وموسى بن عقبة وابن إسحاق وابن هشام والواقدي وابن سعد. انظر: "المغازي" للواقدي (3 /958)، "السيرة" لابن هشام (2 /500)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /154)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 458). قال قتادة: سألت أنسا رضي الله عنه: «كم اعتمر النبي ؟ قال: أربع: عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم، وعمرة الجعرانة إذ قسم غنيمة أراه حُنَين، قلت: كم حج؟ قال: واحدة». أخرجه البخاري (1778)، ومسلم (1253). وقد أنكر هذه العمرة ابن عمر رضي الله عنه، ونقل ذلك عنه مولاه نافع، أخرج البخاري من طريق أيوب عن نافع قال: قال نافع: «ولم يعتمر رسول الله من الجعرانة ولو اعتمر لم يخف على عبد الله». أخرجه البخاري (3144)، ومسلم (1656). قال النووي: «هذا محمول على نفي علمه أي أنه لم يعلم ذلك وقد ثبت أن النبي اعتمر من الجعرانة والإثبات مقدم على النفي لما فيه من زيادة العلم وقد ذكر مسلم في كتاب الحج اعتمار النبي من الجعرانة عام حُنَين من رواية أنس رضي الله عنه والله أعلم». "شرح النووي على مسلم" (11 /126). وقال ابن كثير: «وهذا غريب جدا عن ابن عمرو عن مولاه نافع، في إنكارهما عمرة الجعرانة، وقد أطبق النقلة ممن عداهما على رواية ذلك من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، وذكر ذلك أصحاب المغازى والسنن كلهم». "السيرة" لابن كثير (3 /693).

دروس وعِبَر

ذكر ابن حجر فوائد كثيرة لحديث البراء بن عازب في ثبات رسول الله ، منها: حسن الأدب في الخطاب. والإرشاد إلى حسن السؤال بحسن الجواب. وذم الإعجاب. وفيه جواز الانتساب إلى الآباء ولو ماتوا في الجاهلية، والنهي عن ذلك محمول على ما هو خارج الحرب. جواز الرخصة في الخيلاء في الحرب دون غيرها. وجواز التعرض إلى الهلاك في سبيل الله، ولا يقال كان النبي متيقنا للنصر لوعد الله تعالى له بذلك، وهو حق؛ لأن أبا سفيان بن الحارث قد ثبت معه آخذا بلجام بغلته، وليس هو على اليقين مثل النبي . وفيه ركوب البغلة إشارة إلى مزيد الثبات، لأن ركوب الفحولة مظنة الاستعداد للفرار والتولي. وإذا كان رأس الجيش قد وطن نفسه على عدم الفرار وأخذ بأسباب ذلك كان ذلك أدعى لاتباعه على الثبات. وفيه شهرة الرئيس نفسه في الحرب مبالغة في الشجاعة وعدم المبالاة بالعدو. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8 /32). ذكر ابن حجر فوائد كثيرة لحديث عبد الله بن بن زيد في مقولة الأنصار في تقسيم الغنائم، منها: إقامة الحجة على الخصم، وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه. وحسن أدب الأنصار في تركهم الممارة. وفيه المبالغة في الحياء. وفيه بيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم. وفيه مناقب عظيمة لهم لما اشتمل من ثناء الرسول البالغ عليهم. وأن الكبير ينبه الصغير على ما يغفل عنه، ويوضح له وجه الشبهة ليرجع إلى الحق. وفيه المعاتبة واستعطاف المعاتب وإعتابه عن عتبه بإقامة حجة من عتب عليه. وفيه الاعتذار والاعتراف. وفيه علم من أعلام النبوة لقوله: "ستلقون بعدي أثرة " فكان كما قال. وفيه أن للإمام تفضيل بعض الناس على بعض في مصارف الفيء. وفيه أن للامام أن يعطي الغني منه للمصلحة. وفيه أن من طلب حقه من الدنيا لا عتب عليه في ذلك. وفيه مشروعية الخطبة عند الأمر الذي يحدث سواء كان خاصا أم عاما. وفيه تسلية من فاته شيء من الدنيا مما حصل له من ثواب الآخرة. وفيه الحض على طلب الهداية والألفة والغنى. وفيه أن المنة لله ورسوله على الإطلاق. وفيه تقديم جانب الآخرة على الدنيا، والصبر عما فات منها ليدخر ذلك لصاحبه في الآخرة، والآخرة خير وأبقى. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8 /52). ذكر ابن حجر فوائد لحديث حكيم بن حزام في إكثاره السؤال من الغنيمة، منها: ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير، فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى، وضرب لهم المثل بما يعهدون. وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع؛ لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من حاجته. وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثا. وفيه جواز المنع في الرابعة. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (4 /99). ذكر ابن حجر فوائد لحديث جبير بن مطعم في منازعة الأعراب لرسول الله في المسألة من الغنيمة، منها: ذم الخصال المذكورة، وهي البخل والكذب والجبن. أن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها. وفيه ما كان في النبي من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود والصبر على جفاة الأعراب. وفيه جواز وصف المرء نفسه بالخصال الحميدة عند الحاجة، كخوف ظن أهل الجهل به خلاف ذلك، ولا يكون ذلك من الفخر المذموم. وفيه رضا السائل للحق بالوعد إذا تحقق عن الواعد التنجيز. وفيه أن الإمام مخير في قسم الغنيمة إن شاء بعد فراغ الحرب، وإن شاء بعد ذلك. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (6 /386). قال ابن حجر معقبا على حديث ابن مسعود في عدد الثابتين مع رسول الله يوم حُنَين: «وهذا لا يخالف حديث ابن عمر، فأنه نفى أن يكونوا مائة وابن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين، وأما ما ذكره النووي في شرح مسلم أنه ثبت معه اثنا عشر رجلا؛ فكأنه أخذه مما ذكره ابن إسحاق في حديثه أنه ثبت معه العباس وابنه الفضل وعلي وأبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وأسامة بن زيد وأخوه من أمه أيمن بن أم أيمن، ومن المهاجرين أبو بكر وعمر، فهؤلاء تسعة، وقد تقدم ذكر ابن مسعود في مرسل الحاكم فهؤلاء عشرة، ووقع في شعر العباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط، وذلك قوله: نصرنا رسول الله في الحرب تسعة، وقد فر من قد فر عنه، فأقشعوا وعاشرنا وافى الحمام بنفسه لما مسه في الله لا يتوجع، ولعل هذا هو الثبت، ومن زاد على ذلك يكون عجل في الرجوع، فعد فيمن لم ينهزم». "فتح الباري" لابن حجر (8 /30). قال النووي معقبا على حديث ابن عباس في نداء الصحابة للعودة: «قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا، وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا، وإنما كانت هزيمتهم فجأة لانصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر، وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم، فلما رشقوهم بالنبل ولّوا، فانقلبت أولاهم على أخراهم، إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن». "شرح النووي على مسلم" (12 /115). قال ابن حجر معقبا على الأحاديث الواردة في تناول رسول الله كفا من تراب أو حصى ورميه في وجوه القوم، وقد جاء من حديث ابن مسعود أنه طلب منه أن يناوله كفا من التراب فرمى به المشركين، ومن حديث ابن عباس أنه طلب من علي أن يناوله التراب، فرمى به المشركين: «ويجمع بين هذه الأحاديث أنه أولا قال لصاحبه: ناولني، فناوله فرماهم، ثم نزل عن البغلة فأخذ بيده فرماهم أيضا، فيحتمل أن الحصى في إحدى المرتين، وفي الأخرى التراب، والله أعلم». "فتح الباري" لابن حجر (8 /32). وقد أفاد حديث العباس بن عبد المطلب وحديث البراء ابن عازب ومن حديث جابر بن عبد الله: ثبات أبي سفيان بن الحارث مع رسول الله ، وهذا يدل على شجاعته، وتضحيته، وصدق إيمانه رضي الله عنه. قال ابن حجر مبينا سبب امتناع حكيم بن حزام أخذ العطاء فيما بعد ذلك: «وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء، مع أنه حقه، لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ، فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده، ففطمها عن ذلك، وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه». "فتح الباري" لابن حجر (4 /99). ذكر ابن القيم بعض ما تضمنته هذه الغزوة من المسائل الفقهية والنكت الحكمية، منها: كان الله عز وجل قد وعد رسوله وهو صادق الوعد، فأراد الله عز وجل أن يظهر أمره وتمام إعزازه لرسوله ونصره لدينه، ولتكون غنائمهم شكرانا لأهل الفتح، وليظهر الله رسوله وعباده وقهره لهذه الشوكة العظيمة التي لم يلق المسلمون مثلها، فلا يقاومهم بعد أحد من العرب. ومنها: أن الله سبحانه افتتح غزو العرب بغزوة بدر، وختم غزوهم بغزوة حُنَين، ولهذا يقرن بين هاتين الغزاتين بالذكر، فيقال: بدر وحُنَين، وإن كان بينهما سبع سنين، والملائكة قاتلت بأنفسها مع المسلمين في هاتين الغزاتين، والنبي رمى في وجوه المشركين بالحصباء فيهما، وبهاتين الغزاتين طفئت جمرة العرب لغزو رسول الله والمسلمين، فالأولى: خوفتهم وكسرت من حدهم، والثانية استفرغت قواهم، واستنفدت سهامهم، وأذلت جمعهم، حتى لم يجدوا بدا من الدخول في دين الله. ومنها: أن الله سبحانه لما منع الجيش غنائم مكة، فلم يغنموا منها ذهبا ولا فضة ولا متاعا، ولا سبيا، وفيهم حاجة إلى ما يحتاج إليه الجيش من أسباب القوة، فحرك سبحانه قلوب المشركين لغزوهم، وقذف في قلوبهم إخراج أموالهم ونعمهم وشائهم وسبيهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا. ومنها: أن الله سبحانه جبر بها أهل مكة، وفرحهم بما نالوه من النصر والمغنم، فكانت كالدواء لما نالهم من كسرهم. من الفقه أن الإمام ينبغي له أن يبعث العيون، ومن يدخل بين عدوه ليأتيه بخبرهم، وأن الإمام إذا سمع بقصد عدوه له وفي جيشه قوة ومنعة، لا يقعد ينتظرهم، بل يسير إليهم. منها: أن الإمام له أن يستعير سلاح المشركين وعدتهم، لقتال عدوه. ومنها: أن من تمام التوكل استعمال الأسباب التي نصبها الله لمسبباتها قدرا وشرعا. وفيها: أن النبي شرط لصفوان في العارية الضمان، فقال: «بل عارية مضمونة». وفيها: جواز عقر فرس العدو ومركوبه إذا كان ذلك عونا على قتله، كما عقر علي رضي الله عنه جمل حامل راية الكفار، وليس هذا من تعذيب الحيوان المنهي عنه. وفيها: عفو رسول الله عمن هم بقتله، ولم يعاجله، بل دعا له، ومسح صدره حتى عاد كأنه ولي حميم. ومنها: ما ظهر في هذه الغزاة من معجزات النبوة وآيات الرسالة، من إخباره لشيبة بما أضمر في نفسه ومن ثباته. ومنها: إيصال الله قبضته التي رمى بها إلى عيون أعدائه على البعد منه. ومنها: جواز انتظار الإمام بقسم الغنائم إسلام الكفار ودخولهم في الطاعة، فيرد عليهم غنائمهم وسبيهم. وبين الأقوال في العطاء الذي أعطاه رسول الله لقريش والمؤلفة قلوبهم، هل هو من أصل الغنيمة، أو من الخمس، أو من خمس الخمس؟ وفي قوله : «من لم يطيب نفسه، فله بكل فريضة ست فرائض من أول ما يفيء الله علينا»: دليل على جواز بيع الرقيق بل الحيوان بعضه ببعض نسيئة ومتفاضلا. وفي قوله في هذه الغزوة: «من قتل قتيلا، له عليه بينة فله سلبه»: بين أقوال الفقهاء، هل هذا السلب مستحق بالشرع أو بالشرط؟ وقوله : «له عليه بينة»: دليل على مسألتين: إحداهما: أن دعوى القاتل أنه قتل هذا الكافر، لا تقبل في استحقاق سلبه. الثانية: الاكتفاء في ثبوت هذه الدعوى بشاهد واحد من غير يمين. وقوله : «فله سلبه»: دليل على أن له سلبه كله غير مخمس، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا: «له سلبه أجمع»، ثم بين أقوال الفقهاء في ذلك. وفيه دلالة على أنه يستحق سلب جميع من قتله وإن كثروا. وقد ذكر أبو داود أن أبا طلحة قتل يوم حُنَين عشرين رجلا، فأخذ أسلابهم. انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3 /418- 433).