البحث

عبارات مقترحة:

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

معركة نهاوند

في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرادت الفرس الانتقام من المسلمين بعد هزائمهم المتتالية، فاجتمع في نهاوند منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل، وعليهم الفيرزان، ويقال: بندار، ويقال ذو الحاجب، فلما سمع بهم المسلمون كتبوا إلى عمر، فأمر النعمان بن المقرن على رأس جيش وأمده بالأمداد، فكمل جيش المسلمين في ثلاثين ألفًا من المقاتلة، التقى الجيشان في نهاوند، وكانوا في حصونهم يقتتلون متى شاؤوا، وكال القتال شديدًا بينهم دون غلبة، حتى كان يوم الجمعة بعد الزوال قدّم النعمان القعقاع طليعة إلى القوم، ليخرجوا من حصونهم للمبارزة، وكمنوا لهم يظنهم الفرس أنهم هزموا وانسحبوا، فخرجوا في آثارهم بأجمعهم، ولم يبق بالبلد من المقاتلة إلا من يحفظ لهم الأبواب، حتى انتهوا إلى جيش المسلمين، والنعمان بن مقرن على تعبئته، وتعبت الفرس واصطفوا واستعدوا، وألقوا حسك الحديد وراء ظهورهم حتى لا يمكنهم الهرب ولا الفرار، فاقتتل الفريقان قتالًا لم يعهد مثله في موقف من المواقف المتقدمة، ولا سمع السامعون بوقعة مثلها، واستشهد النعمان وأخذ الراية حذيفة بن اليمان بوصية النعمان له قبل وفاته، وقتل من المشركين يومئذ ما بين الزوال إلى الظلام من القتلى ما طبق وجه الأرض دمًا، حيث كانت الدواب تطبع فيه، وطاردوا المنهزمين ولاحقوهم، وقُتِل الفيرزان، وبعث حذيفة بالبشارة والفتح وبالأخماس إلى عمر، وبعد الوقعة جاء أهل همدان وأهل ماه إلى حذيفة بالمصالحة، فصالحهم.

اسم المعركة

تسمى معركة نهاوند، أو فتح الفتوح.

وقتها

ذكره أهل السير والمغازي من أحداث السنة الحادية والعشرين من الهجرة سنة 21ه /642م، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقيل: من أحداث سنة ثمانية عشرة، وقيل: سنة تسع عشرة. انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري (4 /114)، "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (4 /267)، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2 /390)، "البداية والنهاية" لابن كثير (7 /105).

موقعها

وقعت معركة نهاوند قرب بلدة نهاوند في بلاد فارس. قال الحموي: «هي مدينة عظيمة في قبلة همذان بينهما ثلاثة أيام». "معجم البلدان" لياقوت الحموي (5 /313). وكذا انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري (4 /114)، "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (4 /267)، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2 /390)، "البداية والنهاية" لابن كثير (7 /105).

الطرف الأول

جيش المسلمين بقيادة النعمان بن مقرن، ثم استلم الراية منه بعد وفاته حذيفة بن اليمان.

الطرف الثاني

جيش الفرس بقيادة الفيرزان، ويقال: بندار، ويقال ذو الحاجب.

سببها

وسببها أن الفرس أرادوا الانتقام من المسلمين، لما منّ الله عليهم بفتح القادسية، فاجتمعوا في نهاوند. وكان الذي هاج هذه الوقعة أن المسلمين لما افتتحوا الأهواز ومنعوا جيش العلاء من أيديهم واستولوا على دار الملك القديم من إصطخر مع ما حازوا من دار مملكتهم حديثًا، وهي المدائن، وأخذ تلك المدائن والأقاليم والكور والبلدان الكثيرة، فحموا عند ذلك واستجاشهم يزدجرد الذي تقهقر من بلد إلى بلد حتى صار إلى أصبهان مبعدًا طريدًا، لكنه في أسرة من قومه وأهله وماله، وكتب إلى ناحية نهاوند وما والاها من الجبال والبلدان، فتجمعوا وتراسلوا حتى كمل لهم من الجنود ما لم يجتمع لهم قبل ذلك، فبعث سعد إلى عمر يعلمه بذلك، فاستشار الصحابة، فوقع رأيه أن يبعث النعمان بن المقرن إليهم. انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري (4 /114- 115)، "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (4 /270)، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2 /390)، "البداية والنهاية" لابن كثير (7 /105).

أحداثها

ثار أهل الكوفة على سعد في غضون هذا الحال، فشكوه في كل شيء حتى قالوا: لا يحسن يصلي. وكان الذي نهض بهذه الشكوى رجل يقال له: الجراح بن سنان الأسدي في نفر معه، فلما ذهبوا إلى عمر فشكوه قال لهم عمر: إن الدليل على ما عندكم من الشر نهوضكم في هذا الحال عليه، وهو مستعد لقتال أعداء الله، وقد جمعوا لكم، ومع هذا لا يمنعني أن أنظر في أمركم. ثم بعث محمد بن مسلمة- وكان رسول العمال- فلما قدم محمد بن مسلمة الكوفة طاف على القبائل والعشائر والمساجد بالكوفة فكل يثني على سعد خيرا إلا ناحية الجراح بن سنان فإنهم سكتوا فلم يذموا ولم يشكروا، حتى انتهى إلى بني عبس، فقام رجل يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة، فقال: أما إذ ناشدتنا فإن سعدا لا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يغزو في السرية. فدعا عليه سعد فقال: اللهم إن كان قالها كذبا ورياء وسمعة فأعم بصره، وكثر عياله، وعرضه لمضلات الفتن. فعمي واجتمع عنده عشر بنات، وكان يسمع بالمرأة فلا يزال حتى يأتيها فيجسها فإذا عثر عليه قال: دعوة سعد الرجل المبارك. ثم دعا سعد على الجراح وأصحابه فكل أصابته فارعة في جسده، ومصيبة في ماله بعد ذلك، واستنفر محمد بن مسلمة أهل الكوفة لغزو أهل نهاوند في غضون ذلك عن أمر عمر بن الخطاب. ثم سار سعد ومحمد بن مسلمة والجراح وأصحابه حتى جاءوا عمر فسأله عمر: كيف يصلي؟ فأخبره أنه يطول في الأوليين ويخفف في الأخريين وما آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله . فقال له عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق. وقال سعد في هذه القصة. لقد أسلمت خامس خمسة، ولقد كنا وما لنا طعام إلا ورق الحبلة حتى تقرحت أشداقنا، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، ولقد جمع لي رسول الله أبويه وما جمعهما لأحد قبلي، ثم أصبحت بنو أسد يقولون لا يحسن يصلي. وفي رواية يغرر بى على الإسلام، لقد خبت إذا وضل عملي. ثم قال عمر لسعد: من استخلفت على الكوفة؟ فقال: عبد الله بن عبد الله ابن عتبان، فأقره عمر على نيابته الكوفة- وكان شيخًا كبيرًا من أشراف الصحابة حليفًا لبني الحبلى من الأنصار- واستمر سعد معزولًا من غير عجز ولا خيانة ويهدد أولئك النفر، وكاد يوقع بهم بأسًا. ثم ترك ذلك خوفًا من أن لا يشكو أحدًا أميرًا. اجتمع أهل فارس من كل فج عميق بأرض نهاوند، حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل، وعليهم الفيرزان ويقال: بندار، ويقال ذو الحاجب. وتذامروا فيما بينهم، فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده، وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتابًا. فلما كتب سعد بذلك إلى عمر- وكان قد عزل سعدًا في غضون ذلك- شافه سعد عمر بما تمالئوا عليه وتصدوا إليه، وأنه قد اجتمع منهم مائة وخمسون ألفًا. وجاء كتاب عبد الله بن عبد الله ابن عتبان من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفر العبدي بأنهم قد اجتمعوا وهم متحرفون متذامرون على الإسلام وأهله، وأن المصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعاجلهم عما هموا به وعزموا عليه من المسير إلى بلادنا. فاستشار عمر الناس، فقام عثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي، فتكلم كل منهم بانفراده فأحسن وأجاد، واتفق رأيهم على أن لا يسير من المدينة، ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه. ثم قال عمر: أشيروا علي بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقيا. فقالوا: أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين. فقال: أما والله لأولين رجلا يكون أول الأسنة إذا لقيها غدا. قالوا: من يا أمير المؤمنين؟ قال: النعمان بن مقرن. فقالوا: هو لها- ثم كتب عمر إلى حذيفة أن يسير من الكوفة بجنود منها، وكتب إلى أبي موسى أن يسير بجنود البصرة، وكتب إلى النعمان، وكان بالبصرة- أن يسير بمن هناك من الجنود إلى نهاوند، وإذا اجتمع الناس فكل أمير على جيشه والأمير على الناس كلهم النعمان بن مقرن. وولى السائب بن الأقرع قسم الغنائم، فكمل جيش المسلمين في ثلاثين ألفا من المقاتلة، منهم من سادات الصحابة ورؤوس العرب خلق كثير وجم غفير، منهم عبد الله بن عمر أمير المؤمنين، وجرير بن عبد الله البجلي، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معديكرب، وطليحة الأسدي وغيرهم، وبعث النعمان بن مقرن الأمير بين يديه طليعة ثلاثة وهم طليحة، وعمرو بن معديكرب الزبيدي، وعمرو بن أبى سلمة ليكشفوا له خبر القوم وما هم عليه. وسار النعمان على تعبئته نحو نهاوند وعلى المقدمة نعيم بن مقرن، وعلى المجنبتين حذيفة وسويد بن مقرن، وعلى المجردة القعقاع بن عمرو، وعلى الساقة مجاشع بن مسعود، حتى انتهوا إلى الفرس وعليهم الفيرزان، ومعه من الجيش كل من غاب عن القادسية في تلك الأيام المتقدمة، وهو في مائة وخمسين ألفًا، فلما تراءى الجمعان كبر النعمان وكبر المسلمون ثلاث تكبيرات، فزلزلت الأعاجم ورعبوا من ذلك رعبًا شديدًا. ثم أمر النعمان بحط الأثقال وهو واقف، فحط الناس أثقالهم، وتركوا رحالهم، وضربوا خيامهم وقبابهم. وضربت خيمة للنعمان عظيمة، فاقتتلوا ذلك اليوم والذي بعده، وكان يوم الأربعاء، والحرب سجال، فلما كان يوم الجمعة انحجزوا في حصنهم، وحاصرهم المسلمون فأقاموا عليهم ما شاء الله، والأعاجم يخرجون إذا أرادوا ويرجعون إلى حصونهم إذا أرادوا. فلما طال على المسلمين هذا الحال واستمر، جمع النعمان بن مقرن أهل الرأي من الجيش، وتشاوروا في ذلك، وكيف يكون من أمرهم حتى يتواجهوا هم والمشركون في صعيد واحد، فاستجاد الناس رأي طليحة، وأمر النعمان على المجردة القعقاع بن عمرو، وأمرهم أن يذهبوا إلى البلد فيحاصروهم وحدهم ويهربوا بين أيديهم إذا برزوا إليهم، ففعل القعقاع ذلك، فلما برزوا من حصونهم نكص القعقاع بمن معه ثم نكص ثم نكص، فاغتنمها الأعاجم، ففعلوا ما ظن طليحة، وقالوا: هي هي، فخرجوا بأجمعهم ولم يبق بالبلد من المقاتلة إلا من يحفظ لهم الأبواب، حتى انتهوا إلى الجيش، والنعمان بن مقرن على تعبئته، وذلك في صدر نهار جمعة، فعزم الناس على مصادمتهم، وألحوا على النعمان في الحملة، فنهاهم النعمان وأمرهم أن لا يقاتلوا حتى تزول الشمس، وتهب الأرواح، وينزل النصر كما كان رسول الله يفعل، وكان رجلا ثابتا، فلما حان الزوال صلى بالمسلمين ثم ركب فرسه، وجعل يقف على كل راية ويحثهم على الصبر ويأمرهم بالثبات، ويقدم إلى المسلمين أنه يكبر الأولى فيتأهب الناس للحملة، ويكبر الثانية فلا يبقى لأحد أهبة، ثم الثالثة ومعها الحملة الصادقة، ثم رجع إلى موقفه. وتعبت الفرس تعبئة عظيمة واصطفوا صفوفًا هائلة، في عدد وعدد لم ير مثله، وقد تغلغل كثير منهم بعضهم في بعض، وألقوا حسك الحديد وراء ظهورهم حتى لا يمكنهم الهرب ولا الفرار ولا التحيز، ثم إن النعمان بن مقرن كبر الأولى وهز الراية فتأهب الناس للحملة، ثم كبر الثانية وهز الراية فتأهبوا أيضًا، ثم كبر الثالثة وحمل وحمل الناس على المشركين، فاقتتلوا قتالًا لم يعهد مثله في موقف من المواقف المتقدمة، ولا سمع السامعون بوقعة مثلها، قتل من المشركين ما بين الزوال إلى الظلام من القتلى ما طبق وجه الأرض دمًا، بحيث إن الدواب كانت تطبع فيه، حتى قيل إن الأمير النعمان بن مقرن زلق به حصانه في ذلك الدم فوقع وجاءه سهم في خاصرته فقتله، ولم يشعر به أحد سوى أخيه سويد، وقيل نعيم، وقيل غطاه بثوبه وأخفى موته ودفع الراية إلى حذيفة بن اليمان، فأقام حذيفة أخاه نعيما مكانه، وأمر بكتم موته حتى ينفصل الحال لئلا ينهزم الناس. فلما أظلم الليل انهزم المشركون مدبرين وتبعهم المسلمون، وكان الكفار قد قرنوا منهم ثلاثين ألفا بالسلاسل وحفروا حولهم خندقا، فلما انهزموا وقعوا في الخندق وفي تلك الأودية نحو مائة ألف، وجعلوا يتساقطون في أودية بلادهم فهلك منهم بشر كثير نحو مائة ألف أو يزيدون، سوى من قتل في المعركة، ولم يفلت منهم إلا الشريد. وكان الفيرزان أميرهم قد صرع في المعركة فانفلت وانهزم واتبعه نعيم بن مقرن، وقدم القعقاع بين يديه وقصد الفيرزان همدان فلحقه القعقاع وأدركه عند ثنية همدان، وقد أقبل منها بغال كثير وحمر تحمل عسلًا، فلم يستطع الفيرزان صعودها منهم، وذلك لحينه فترجل وتعلق في الجبل فأتبعه القعقاع حتى قتله، وقال المسلمون يومئذ: إن لله جنودًا من عسل، ثم غنموا ذلك العسل وما خالطه من الأحمال وسميت تلك الثنية ثنية العسل. ثم لحق القعقاع بقية المنهزمين منهم إلى همدان وحاصرها وحوى ما حولها، فنزل إليه صاحبها- وهو خسروشنوم- فصالحه عليها، ثم رجع القعقاع إلى حذيفة ومن معه من المسلمين، وقد دخلوا بعد الوقعة نهاوند عنوة، وقد جمعوا الأسلاب والمغانم إلى صاحب الأقباض وهو السائب ابن الأقرع. ولما سمع أهل ماه بخبر أهل همدان بعثوا إلى حذيفة وأخذوا لهم منه الأمان، وجاء رجل فسأل من حذيفة الأمان، ويدفع إليهم وديعة عنده لكسرى، ادخرها لنوائب الزمان، فأمنه حذيفة وجاء ذلك الرجل بسفطين مملوءتين جوهرًا ثمينًا لا يقوم، غير أن المسلمين لم يعبئوا به، واتفق رأيهم على بعثه لعمر خاصة، وأرسلوه صحبة الأخماس والسبي صحبة السائب بن الأقرع، وأرسل قبله بالفتح مع طريف بن سهم، ثم قسم حذيفة بقية الغنيمة في الغانمين، ورضخ ونفل لذوي النجدات، وقسم لمن كان قد أرصد من الجيوش لحفظ ظهور المسلمين من ورائهم، ومن كان ردءًا لهم، ومنسوبًا إليهم. وأما أمير المؤمنين فإنه كان يدعو الله ليلًا ونهارًا لهم، وقدم طريف، وليس معه سوى الفتح، فسأله عمن قتل النعمان فلم يكن معه علم حتى قدم الذين معهم الأخماس فأخبروا بالأمر على جليته، ولما أخبر عمر بمقتل النعمان بكى وسأل السائب عمن قتل من المسلمين فقال: فلان وفلان وفلان، لأعيان الناس وأشرافهم، ثم قال: وآخرون من أفناد الناس ممن لا يعرفهم أمير المؤمنين، فجعل يبكي ويقول: وما ضرهم أن لا يعرفهم أمير المؤمنين؟ لكن الله يعرفهم، وقد أكرمهم بالشهادة، وما يصنعون بمعرفة عمر، ثم أمر بقسمة الخمس على عادته، وحُمِلت ذانك السفطان إلى منزل عمر، ورجعت الرسل، فلما أصبح عمر طلبهم فلم يجدهم، فأرسل في إثرهم البرد فما لحقهم البريد إلا بالكوفة، فرجع السائب على إثره حتى انتهيت إلى عمر، قال: ما لي ولك يا ابن أم السائب، بل ما لابن أم السائب وما لي، قال: فقلت: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ويحك والله إن هو إلا أن نمت في الليلة التي خرجت فيها فباتت ملائكة الله تسحبني إلى ذينك السفطين وهما يشتعلان نارا، يقولون لنكوينك بهما. فأقول: إني أقسمهما بين المسلمين. فاذهب بهما لا أبا لك فبعهما فاقسمهما في أعطية المسلمين وأرزاقهم، فإنهم لا يدرون ما وهبوا ولم تدر أنت معهم. فذهب بها السائب فباعها في مسجد الكوفة وفعل كما أمره عمر. وكان المسلمون يسمون فتح نهاوند فتح الفتوح، لأنه لم يكن للفرس بعده اجتماع كاجتماعهم هذا، ولم تقم لهم قائمة، وملك المسلمون بلادهم. انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري (4 /115-139)، "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (4 /267- 280)، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2 /390- 399)، "البداية والنهاية" لابن كثير (7 /105- 112).

نتيجتها

انتصر المسلمون انتصارًا حاسمًا، وانهزم المشركون، قُتِل في اللهب ثمانون ألفًا، وفي المعركة ثلاثون ألفًا، سوى من قتل في الطلب، ولم يفلت إلا الشريد، وقُتِل الفيرزان قائدهم. دخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة بعد هزيمة الفرس، واحتووا ما فيها من الأمتعة وغيرها وما حولها من الأسلاب والأثاث، وجمعوا إلى صاحب الأقباض السائب بن الأقرع، وكان سهم الفارس بنهاوند ستة آلاف وسهم الراجل ألفين. كانت وقعة نهاوند قد زرعت الرعب في قلوب الأعداء، وقوت جانب المسلمين وأظهرت قوتهم، فلما سمعت الفرس من حول نهاوند الهزيمة أقبلوا إلى حذيفة بالصلح، فكانت المصالحة بين المسلمين وأهل همدان وأهل ماه. كانت وقعة نهاوند قد أزالت الامبراطورية الفارسية عن بكرة أبيها، فلم تقم لهم قائمة بعدها، ولم يجمعوا جموعًا بهذه الكثرة. انظر: "تاريخ الرسل والملوك" للطبري (4 /119- 139)، "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي (4 /270- 280)، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (2 /397- 399)، "البداية والنهاية" لابن كثير (7 /110- 112).