البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

معركة بلاط الشهداء

وفي سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة تابع عبد الرحمن الغافقي الفتوحات في بلاد الأندلس مما يلي جنوب فرنسا، فافتتح بوردو أكيتانيا عاصمة دوقية بعد مقاومة عنيفة، فاستعان دوقها بشارل مارتل حاجب ملك الدولة الميروفنجية، والتقى الجيشان في سهل بواتييه قرب مدينة التور، لمناوشات دامت ثمانية أيام، كاد النصر أن يكون حليف المسلمين إلا أن الفرنجة هاجموا مؤخرة الجيش الإسلامي، مما أدى إلى الإخلال بنظام الجيش، وعندما حاول القائد عبد الرحمن التدخل لإعادة النظام إلى صفوف الجيش أصابه سهم فاستشهد في المعركة، ثم انسحب الجيش نحن ظلام الليل تاركين القتلى والغنائم وراءهم.

اسم المعركة

يسمى معركة بلاط الشهداء أو بواتييه.

وقتها

ذكره أهل السير والمغازي من أحداث سنة أربع عشرة ومائة من الهجرة 114ه /732م، في خلافة هشام بن عبد الملك الأموي. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (4 /210)، "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" لخليل السامرائي وآخرين (ص 58)، "دولة الإسلام في الأندلس" لمحمد عنان (1 /97)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 81).

موقعها

وقعت معركة بلاط الشهداء في سهل بواتييه قرب مدينة التور. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (4 /210)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 81). يقول صاحب كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس: «هناك خلاف في المكان الذي حدثت فيه هذه الموقعة الفاصلة، فبالإضافة إلى ما ذكرنا آنفاً من أنها وقعت بالقرب من مدينة تور، فهناك من يرى أنها جرت في ضواحي مدينة بواتييه Poitiers، ويحتمل أن المعركة وقعت كما يرى أحد المستشرقين الفرنسيين بالقرب من طريق روماني يربط بين شاتلرو Chatellerault وبواتييه، على بعد نحو عشرين كيلومتراً من المدينة الأخيرة، ربما بالقرب من مكان يدعى في الوقت الحاضر موسيه لاباتاي Moussais la Bataille، ويذكر المؤرخون العرب أن المعركة حدثت بالقرب من مكان يدعى بلاط الشهداء، مما يفهم منه أن مكان الموقعة كان إلى جوار قصر أو حصن كبير، ربما كانت له علاقة كبيرة بحوادث المعركة». "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" لخليل السامرائي وآخرين (ص 59). ويقول محمد عنان: «ومن الصعب أن نُعَيّن بالتحقيق مكان ذلك اللقاء الحاسم في تاريخ الشرق والغرب، والإسلام والنصرانية، ولكن المتفق عليه أنه السهل الواقع بين مدينتي بواتييه وتور، حول نهري كلين وفيين فرعي اللوار، على مقربة من مدينة تور، والرواية الإسلامية مقلة موجزة في الكلام عن تلك الموقعة العظيمة، وليس فيما لدينا من المصادر العربية عنها أي تفصيل شامل، وإنما وردت تفاصيل للرواية الإسلامية عن الموقعة، نقلها إلينا المؤرخ الإسباني كوندي... وتفيض الرواية الفرنجية والكنسية بالعكس في حوادث الموقعة، وتقدم إلينا عنها تفاصيل شائقة، ولكن يحفها الريب وتنقصها الدقة التاريخية». "دولة الإسلام في الأندلس" لمحمد عنان (1 /99).

الطرف الأول

جيش المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي.

الطرف الثاني

جيش الفرنج بقيادة شارل مارتل.

سببها

كان السبب في إقدام المسلمين على معركة بلاط الشهداء رغبة الجيش الإسلامي في نشر دعوة الإسلام، وتوسيع دائرة الفتوحات الإسلامية في بلاد الأندلس إلى جنوب أراضي أكوتين.

أحداثها

لم يكن توغل المسلمين إلى هذه البلاد لأول مرة بقيادة عبد الرحمن الغافقي، فقد سبق إليها السمح بن مالك الخولاني سنة (100 - 102 هـ /719 - 721 م) الذي عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز، شرع السمح بسلسلة من الحملات والفتوح في غالة، فسار بجيش كبير، فحاصر أربونة وافتتحها عنوة، ثم توغل إلى داخل غالة حتى وصل إلى طولوشة Toulouse، وأحاط المدينة بالخنادق والمنجنيقات حتى أوشك أهلها على التسليم، وعندما سمع الدوق أودو Eudo، دوق أكيتانية، بهذا سار مسرعاً نحو المدينة، واشتبك مع الجيش الإسلامي في معركة حامية بالقرب من مدينة طولوشة، أسفرت عن هزيمة السمح واستشهاده مع الكثير من رجاله، وقد استطاع مساعده القائد عبد الرحمن الغافقي أن يقود فلول الباقين من الجيش الإسلامي ويرجع بهم إلى أربونة. ثم كانت ولاية عنبسة بن سُحَيم الكلبي الذي وصل الأندلس في صفر 103 هـ /آب 721 م، وقضى عنبسة فترة السنوات الأولى من ولايته في تنظيم وتهدئة البلاد، لأن الأندلس كانت تعاني من الاضطراب بسبب الهزيمة التي أصابت المسلمين في جنوب فرنسا، وبسبب النزاع المستمر بين القبائل العربية، فلم تكد الأمور تستقر له حتى سار بجيش عظيم نحو بلاد غالة أو جنوب فرنسا، فحاصر مدينة قرقشونة، وافتتحها، واستولى عنبسة بعد هذا على جميع غالة القوطية، ووصل إلى نيمس Nimes، ثم توغلوا في إقليم برغندية وفتحوا مدينة أوتون Autun في 107 هـ /725 م، ويذكر بعض المؤرخين أن حملة عنبسة استمرت في سيرها حتى وصلت إلى مدينة أوزة Uzes، وفيفيه Viviers، وفالانس Valence، وليون، وماسون Macon، وشالون Chalon، ولكنه لم يتمكن من الوصول إلى الأندلس، فقد هاجمته في طريق العودة جموع كبيرة من الفرنج، فاستشهد نتيجة للمعركة التي حدثت بين الطرفين في أوتون Autun في 107 هـ /725 م. وبعده كانت الولاية لعبد الرحمن الغافقي، وكانت هذه هي ولايته الثانية، وكان من أعظم قواد المسلمين في الأندلس عدلا وصلاحا وقدرة وكفاءة، فبعد أن نظم الغافقي البلاد، وقضى على الاضطرابات الداخلية، تهيأ لمجابهة تحدي الفرنجة وتهديدهم للحكم الإسلامي في غالة القوطية وبدأ بمتابعة الفتوحات، فاتخذ من مدينة بنبلونة قاعدة لتجميع الجند المتوجهين للجهاد معه إلى جنوب فرنسا، ثم عبر جبال ألبرت من ممرات رونشفالة Roncesvalles، وتوجه مع فرقة من جنده نحو وادي رودنة لإعادة فتح مدينة آرل Arles، فاسترجعها بعد معركة عنيفة، فلما سقطت هذه المدينة توجهت جيوش عبد الرحمن مباشرة نحو بوردو عاصمة دوقية أكيتانيا، التي قاومت مقاومة واهية، فحاول المسلمون فتحها عنوة، واشتبك المسلمون مع الدوق أودو في معركة حاسمة بالقرب من التقاء نهري الدوردوني Dordongne والجارون Garonne، مما أدى إلى انهزامه هزيمة قاصمة، ثم تقدم المسلمون يفتتحون كل ما وقع تحت أيديهم من المناطق التي تؤدي إلى مدينة تور Tours. عندما أدرك الدوق أودو استحالة صد الجيوش الإسلامية اضطر إلى الاستنجاد بشارل مارتل حاجب ملك الدولة الميروفنجية، وطلب مصالحته لصد المسلمين، فاستجاب له مارتل، وشرع في جمع الجند والفرسان من كل صوب، وبعث يستقدم الرجال من حدود الرين، كان المسلمون يتهيأون للاستيلاء على مدينة تور عندما سمعوا بوصول شارل مارتل وجنده، والتقى الجيشان في 114هـ /732 م، وجرت بينهما مناوشات عديدة لسبعة أيام، ثم تحول القتال إلى صدام مروع، رجحت كفة المسلمين في بدايته، لكنهم عجزوا عن اختراق صفوف الفرنجة وحلفائهم من الألمان والسكسون والسويف، بالاضافة إلى أن الفرنجة هاجموا مؤخرة الجيش الإسلامي، مما أدى إلى الإخلال بنظام الجيش، وعندما حاول القائد عبد الرحمن التدخل لإعادة النظام إلى صفوف جيشه أصابه سهم من جهة العدو، فخر شهيداً في المعركة، إلى أن أقبل الليل فحجز بين الفريقين، ثم تشاور كبار قادة المسلمين وتوصلوا إلى قرار بالإنسحاب من موقع المعركة. فانتهزوا فرصة الظلام، وتسللوا نحو الجنوب، تاركين خيامهم وغنائمهم التي لم يتمكنوا من حملها معهم، وتوجهوا نحو قاعدة المسلمين في سبتمانية وهي أربونة. وتذكر رواية تاريخية أخرى أنه صاح صائح في المعركة بأن الإفرنج قد استولوا على غنائم المسلمين، الذي أبقاها عبد الرحمن بعيدا عن المعركة كيلا تثقل كاهل المسلمين، فاضطرب جماعة كبيرة من فرسانه، وغادرت الميدان بسرعة لحماية الغنائم، وصاح عبد الرحمن فيهم يثبتهم ويحثهم على القتال لكن ضاع صوته في الغوغاء واستحال عليه ضبطهم، بل انكشف مكانه فأصيب بسهم قتل بسببه. وعندما لاحظ الفرنجة في صباح اليوم التالي خلو معسكر المسلمين، ظنوا أن في الأمر مكيدة، وتريثوا في دخوله، وبعد أن تبين لهم رحيل المسلمين لم يلاحقوهم إما خوفاً من أن يكون انسحابهم شركاً، أو لاعتقاد شارل مارتل أنه قد أمن بعد هذه الموقعة على مملكته وأصبح لا يخشى عليها من عودة المسلمين. فرجع إلى الشمال مفتخراً بما أحرزه من نصر باهر. انظر: "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" لخليل السامرائي وآخرين (ص 50-60)، "دولة الإسلام في الأندلس" لمحمد عنان (1 /97- 105)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 81-82).

نتيجتها

نتجت معركة بلاط الشهداء بهزيمة المسلمين وغلبة الإفرنج عليهم، وتُعَدّ موقعة بلاط الشهداء من المواقع الحاسمة في التاريخ، لأنها وضعت حداً للفتوح الإسلامية خلف جبال ألبرت، ويعلق المؤرخون الأوروبيون أهمية كبيرة عليها، فيقولون: لو أن العرب انتصروا في هذه المعركة لأصاب أوروبا مثلما أصاب إسبانيا، ولكان القرآن يدرس في جامعات باريس وكمبردج وأوكسفورد. انظر: "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" لخليل السامرائي وآخرين (ص 61). مهما قيل من مثل هذه التعليلات وغيرها، وبعيدا عن مدى صحة بعضها وواقعيتها، فإن معركة بلاط الشهداء كانت أعظم لقاء بين الإسلام والنصرانية، وبين الشرق والغرب، ففي سهول تور وبواتييه فقد المسلمون سيطرتهم على أوروبا، وارتد تيار الفتح الإسلامي أمام الأمم الشمالية كما ارتد قبل ذلك بأعوام أمام أسوار القسطنطينية، وأخفقت بذلك آخر محاولة بذلتها الخلافة لافتتاح أمم الغرب وإخضاع النصرانية لصولة الإسلام، ولم تتح للإسلام المتحد فرصة أخرى؛ لينفذ إلى قلب أوروبا في مثل كثرته وعزمه واعتزازه يوم مسيره إلى بلاط الشهداء، وبينما شغلت إسبانيا بمنازعاتها الداخلية، إذ قامت فيما وراء ألبرتات إمبراطورية فرنجية عظيمة موحدة تهدد الإسلام في الغرب، وتنازعه السيادة والنفوذ. انظر: "دولة الإسلام في الأندلس" لمحمد عنان (1 /111). وعلى الرغم من هزيمة المسلمين في بلاط الشهداء فإن حركة الفتوح الإسلامية لم تتوقف بعد هذه الموقعة، فقد قام الوالي عبد الملك بن قطن الفهري الذي عُيّن بعد استشهاد عبد الرحمن الغافقي بالتوجه إلى شمال إسبانيا، وقضى على تمرد سكان ولايات كل من قطالونية Catalonia، وأراغون Arago، ونافار Navarre، والباسك، وازداد نشاط حركة الفتوح في جنوب فرنسا بشكل ملحوظ في ولاية عقبة بن الحجاج السلولي وأخضع معظم المناطق القلقة في الشمال والشمال الغربي، مثل بنبلونة وجليقية والأشتوريش، وأصبحت أربونة من أهم القواعد الإسلامية في جنوب فرنسا، وافتتح مدنا كثيرة، وأعادت هذه الجيوش أيضاً فتح مدينة ليون، ودخلت برغندي، وتمكنت من التوغل والوصول إلى جبال دوفينية وبيدمونت Piedmont في إيطاليا. انظر: "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" لخليل السامرائي وآخرين (ص 61- 63). ولم ينسحب المسلمون من غالة تماما إلا بعد قيام الدولة الأموية في الأندلس سنة 138هـ /756م، وقرار عبد الرحمن الداخل صقر قريش بسحب قوات المسلمين من غالة، والاكتفاء بسلطان المسلمين على الأندلس. انظر: "دولة الإسلام في الأندلس" لمحمد عنان (1 /111).