البحث

عبارات مقترحة:

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

معركة حطين

تلاقى صلاح الدين بالصليبين سنة 583هـ في حطين، والفرنج قد اشتد بهم العطش وأصابهم الحر الشديد وانخذلوا، فاقتتلوا، واشتدت الحرب حتى اختلّ مصاف الإفرنج وتابعوا الحملات، وكان بالأرض هشيم أصابه شرر، فاضطرم نارا، فجهدهم لفحها، ومات جلهم من العطش فوهنوا، وأحاط بهم المسلمون من كل ناحية فارتفعوا إلى تل بناحية حِطِّين، لينصبوا خيامهم به، فلم يتمكنوا إلا من خيمة الملك فقط والسيف يجول فيهم مجاله حتى فني أكثرهم، والمسلمون يكرّون عليهم مرّة بعد أخرى حتى كانت الهزيمة. يهتز قلب كل مسلم عبر التاريخ كلما سمع كلمة صلاح الدين، اسم أصبح: الطولة، القدرة، النصر، الوفاء. حطين ذكرى انتصار أمة على الفناء، ما من معركة أخرى تعادلها في تاريخ الأمم، وعندما مات البطل، أحصوا ثروته، فوجدوها أقل من دينارين.

اسم المعركة

معركة حطين

وقتها

ذكره أهل السير والمغازي من أحداث سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من الهجرة 583ه /1187م. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (10 /24)، "تاريخ الإسلام" للذهبي (12 /673)، "البداية والنهاية" لابن كثير (12 /320)، "تاريخ ابن خلدون" (5 /357).

موقعها

حِطِّين: قال الحموي: «قرية بين أرسوف وقيسارية». "معجم البلدان" لياقوت الحموي (2 /273).

الطرف الأول

جيش المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي ومعه من كبار قواده.

الطرف الثاني

جيش الروم بقيادة ملك بيت المقدس ومعه من كبار قادته وأمرائه، أمثال أخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك.

سببها

وسبب هذه المعركة أن صلاح الدين الأيوبي قد أعد جيشًا قويًّا وقصد ممالك الصليبيين ليحررها من نيرهم، فكان قصده مدينة طبريا، وعلم الإفرنج بذلك فجمعوا كل ما أمكنهم جمعه لخوض هذه المعركة الفاصلة، فبلغت جموعهم ما بين خمسين ألفا إلى ثلاثة وستين ألفا، ونزل الإفرنج في صفورية، أما صلاح الدين فنزل على طبريا وحاصرها بجزء من جيشه وتقدم بالجزء الآخر باتجاه الفرنج، لكن الإفرنج لم يبرحوا مكانهم رهبة وخوفا، أما مدينة طبريا فسقطت بأيدي المسلمين وبقيت قلعتها تقاوم، فلما علم الإفرنج بذلك دب الخلاف بينهم، فمن قائل بمهاجمة المسلمين لاستنقاذ طبريا وملكهم يطلب منهم التريث في الموقع، ثم اتفقوا على التحرك لمواجهة المسلمين، وكان المسلمون قد سيطروا على موارد المياه والفرنج قد نفذ عندهم الماء، والجو حار، وتلاقى الفريقان في حِطِّين. انظر: "تاريخ ابن خلدون" (5 /357)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 129).

أحداثها

أصبح صلاح الدين والمسلمون يوم السبت لخمس بقين من ربيع الآخر، فركبوا وتقدموا إلى الفرنج، ودنا بعضهم من بعض، إلا أن الفرنج قد اشتد بهم العطش وانخذلوا، فاقتتلوا، واشتد القتال، وصبر الفريقان، ورمى جاليشية المسلمين من النشاب ما كان كالجراد المنتشر، فقتلوا من خيول الفرنج كثيرا، والقتال بينهم والفرنج قد جمعوا نفوسهم براجلهم وهم يقاتلون سائرين نحو طبرية، لعلهم يردون الماء، فلما علم صلاح الدين مقصدهم صدهم عن مرادهم، ووقف بالعسكر في وجوههم، وطاف بنفسه على المسلمين يحرضهم، ويأمرهم بما يصلحهم، وينهاهم عما يضرهم، والناس يأتمرون لقوله، ويقفون عند نهيه. فحمل مملوك من مماليكه الصبيان حملة منكرة على صف الفرنج، فقاتل قتالا عجب منه الناس. ثم تكاثر الفرنج عليه فقتلوه، فحين قتل حمل المسلمون حملة منكرة فضعضعوا الكفار وقتلوا منهم كثيرًا، فلما رأى القمص شدة الأمر علم أنهم لا طاقة لهم بالمسلمين، فاتفق هو وجماعته وحملوا على من يليهم، وكان المقدم من المسلمين في تلك الناحية تقي الدين عمر ابن أخي صلاح الدين، فلما رأى حملة الفرنج حملة مكروب علم أنه لا سبيل إلى الوقوف في وجوههم، فأمر أصحابه أن يفتحوا لهم طريقا يخرجون منه، ففعلوا فخرج القمص وأصحابه ثم التأم الصف. وكان بعض المتطوعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض نارًا، وكان الحشيش كثيرًا فاحترق، وكانت الريح على الفرنج فحملت حر النار والدخان إليهم، فاجتمع عليهم العطش، وحر الزمان، وحر النار، والدخان، وحر القتال. فلما انهزم القمص سقط في أيديهم وكادوا يستسلمون، ثم علموا أنهم لا ينجيهم من الموت إلا الإقدام عليه، فحملوا حملات متداركة كادوا يزيلون بها المسلمين على كثرتهم عن مواقفهم لولا لطف الله بهم. إلا أن الفرنج لا يحملون حملة فيرجعون إلا وقد قتل منهم، فوهنوا لذلك وهنا عظيما، فأحاط بهم المسلمون إحاطة الدائرة بقطرها، فارتفع من بقي من الفرنج إلى تل بناحية حِطِّين، وأرادوا أن ينصبوا خيامهم، ويحموا نفوسهم به، فاشتد القتال عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عما أرادوا، ولم يتمكنوا من نصب خيمة غير خيمة ملكهم، وأخذ المسلمون صليبهم الأعظم الذي يسمونه صليب الصلبوت، ويذكرون أن فيه قطعة من الخشبة التي صلب عليها المسيح عليه السلام بزعمهم، فكان أخذه عندهم من أعظم المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقتل والهلاك، هذا والقتل والأسر يعملان في فرسانهم ورجالتهم، فبقي الملك على التل في مقدار مائة وخمسين فارسا من الفرسان المشهورين والشجعان المذكورين. حكى الملك الأفضل ابن صلاح الدين قال: كنت إلى جانب أبي في ذلك المصاف، وهو أول مصاف شاهدته، فلما صار ملك الفرنج على التل في تلك الجماعة حملوا حملة منكرة على من بإزائهم من المسلمين حتى ألحقوهم بوالدي، قال: فنظرت إليه، وقد علته كآبة، واربد لونه، وأمسك بلحيته، وتقدم، وهو يصيح: كذب الشيطان، قال: فعاد المسلمون على الفرنج، فرجعوا إلى التل، فلما رأيت الفرنج قد عادوا، والمسلمون يتبعونهم، صحت من فرحي: هزمناهم! فعاد الفرنج فحملوا حملة ثانية مثل الأولى حتى ألحقوا المسلمين بوالدي، وفعل مثل ما فعل أولا، وعطف المسلمون عليهم فألحقوهم بالتل، فصحت أنا أيضا: هزمناهم! فالتفت والدي إلي، وقال: اسكت! ما نهزمهم حتى تسقط تلك الخيمة، قال: فهو يقول لي وإذا الخيمة قد سقطت، فنزل السلطان، وسجد شكرا لله تعالى، وبكى من فرحه. وكان سبب سقوطها أن الفرنج لما حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشا، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحملات مما هم فيه، فلما لم يجدوا إلى الخلاص طريقا نزلوا عن دوابهم وجلسوا على الأرض، فصعد المسلمون إليهم، فألقوا خيمة الملك، وأسروهم على بكرة أبيهم، وفيهم الملك وأخوه والبرنس أرناط صاحب الكرك، ولم يكن للفرنج أشد منه عداوة للمسلمين، وأسروا أيضا صاحب جبيل وابن هنفري ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنج شأنا، وأسروا أيضا جماعة من الداوية وجماعة من الاسبتارية، وكثر القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظن أنهم أسروا واحدا، ومن يرى الأسرى لا يظن أنهم قتلوا أحدا، وما أصيب الفرنج منذ خرجوا إلى الساحل وهو سنة إحدى وتسعين وأربعمائة إلى الآن بمثل هذه الوقعة. فلما فرغ المسلمون منهم نزل صلاح الدين في خيمته، وأحضر ملك الفرنج عنده، وبرنس صاحب الكرك، وأجلس الملك إلى جانبه وقد أهلكه العطش، فسقاه ماء مثلوجا فشرب، وأعطى فضله برنس صاحب الكرك فشرب، فقال صلاح الدين: إن هذا الملعون لم يشرب الماء بإذني فينال أماني، ثم كلم البرنس، وقرعه بذنوبه، وعدد عليه غدراته، وقام إليه بنفسه فضرب رقبته، وقال: كنت نذرت دفعتين أن أقتله إن ظفرت به: إحداهما لما أراد المسير إلى مكة والمدينة، والثانية لما أخذ القفل غدرا، فلما قتله وسحب وأخرج ارتعدت فرائص الملك، فسكن جأشه وأمنه. وأما القمص صاحب طرابلس، فإنه لما نجا من المعركة وصل إلى صور، ثم قصد طرابلس، ولم يلبث إلا أياما قلائل حتى مات غيظا وحنقا مما جرى على الفرنج خاصة وعلى دين النصرانية عامة. ولما فرغ صلاح الدين من هزيمتهم نهض إلى طبرية فنازلها واستأمنت إليه الملكة بها، فأمنها في ولدها وأصحابها ومالها، وخرجت إليه فوفى لها، وبعث الملك وأعيان الأسرى إلى دمشق فحبسوا بها، وجمع أسرى الفداوية والاستبارية بعد أن بذل لمن يجده منهم من المقاتلة خمسين دينارا مصرية لكل واحد وقتلهم أجمعين. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (10 /24- 27)، "تاريخ الإسلام" للذهبي (12 /673)، "تاريخ ابن خلدون" (5 /357- 358).

نتيجتها

كانت وقعة حِطِّين أمارة وتقدمة وإشارة لفتح بيت المقدس واستنقاذه من أيدي الكفرة، فكان النصر حليف المسلمين وهزم الروم، وقُتِل منهم في ذلك اليوم ثلاثون ألفًا، وأسر ثلاثون ألفًا من شجعانهم وفرسانهم، وكان في جملة من أسر جميع ملوكهم سوى قومس طرابلس، فإنه انهزم في أول المعركة، واستلب منهم صلاح الدين صليبهم الأعظم، وهو الذين يزعمون أنه صلب عليه المصلوب، وقد غلفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفيسة، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودمغ الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضهم يقود نيفا وثلاثين أسيرا من الفرنج، قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيرا بنعل ليلبسها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، فلله الحمد دائمًا كثيرًا طيبًا مباركًا. فلما تمت هذه الوقعة ووضعت الحرب أوزارها أمر صلاح الدين بضرب مخيم عظيم، وجلس فيه على سرير المملكة وعن يمينه أسرة وعن يساره مثلها، وجيء بالأسارى تتهادى بقيودها، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي الداوية- والأسارى بين يديه- صبرًا، ولم يترك أحدًا منهم ممن كان يذكر الناس عنه شرًا، ثم جيء بملوكهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم، فأجلس ملكهم الكبير عن يمينه، وأجلس أرياط برنس الكرك وبقيتهم عن شماله، ثم جيء إلى السلطان بشراب من الجلاب مثلوجا، فشرب ثم ناول الملك فشرب، وناول أرياط صاحب الكرك فغضب السلطان وقال له: إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه، هذا لا عهد له عندي، ثم قتله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة، ولم يسلم ممن عرض عليه الإسلام إلا القليل، فيقال إنه بلغت القتلى ثلاثين ألفًا، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفًا، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين ألفًا، وكان من سلم مع قلتهم وهرب أكثرهم جرحى فماتوا ببلادهم، وممن مات كذلك قومس طرابلس، فإنه انهزم جريحا فمات بها بعد مرجعه، ثم أرسل السلطان برؤوس أعيان الفرنج، ومن لم يقتل من رؤوسهم، وبصليب الصلبوت صحبة القاضي ابن أبي عصرون إلى دمشق ليودعوا في قلعتها، فدخل بالصليب منكوسًا وكان يومًا مشهودًا. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (10 /26- 27)، "البداية والنهاية" لابن كثير (12 /320- 322).

دروس وعِبَر

أهمية العلماء الربانيين في إيقاظ الأمة. تربية الجيل على العقيدة الإسلامية الصافية. تحرير الولاء لله ورسوله والمؤمنين. وحدة الأمة على أساس من وحدة العقيدة. الراية الإسلامية للمعركة. استراتيجية إسلامية بعيدة المدى وكوادر علمية تحيط بالواقع علمًا. توبة الأمة الإسلامية وعودتها إلى الله عز وجل وبعدها عن المعاصي. الجهاد في سبيل الله الطريق الوحيد لإعادة القدس. انظر: "صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس" لعلي الصلابي (ص572-577).