البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

فتح بيت المقدس

لما فرغ صلاح الدين من أمر عسقلان وما يجاورها سار إلى البيت المقدس، فنزل عليه من غربيه في نصف رجب، وكان بها البطرك الأعظم وصاحب الرملة بَالْيَان بْن بِيرْزَان، وهو دون ملك الفرنج في الرتبة بقليل، وربيسة قريبة الملك، وخلق كثير من كبار فرسانهم، ومن نجا من زعمائهم من حطين، وأهل البلد المفتتحة عليهم، وقد اجتمعوا كلهم بالقدس واستماتوا للدين، وكان بها يومئذ ستون ألف مقاتل، ورأوا أن الموت أهون عليهم من أخذ المسلمين القدس من أيديهم إذ هو بيت عباداتهم الأعظم، فنزل عليه السلطان، وما وجد عليه موضعا أقرب إلا من جهة الشمال فسار إليه، واشتد الحرب، وبقيت الفرسان تخرج من المدينة وتحمل وتقاتل أشد القتال وأقواه، وكان خيالة الفرنج كل يوم يخرجون إلى ظاهر البلد يقاتلون ويبارزون، فيقتل من الفريقين، ثم إن المسلمين حملوا عليهم يوما حتى أدخلوهم القدس، ولصقوا بالخندق، ثم أخذوا في النقوب، وتتابع الرمي بالمجانيق من الفريقين، ووقع الجد، وانكشف الفرنج عن السور، ولما رأوا شدة قتال المسلمين وأنهم قد أشرفوا على الهلاك اجتمع مقدموهم يتشاورون، فاتفقوا على طلب الأمان، فامتنع السلطان من إجابتهم فقال: لا أفعل فيه إلا كما فعلتم بأهله حين ملكتموه من نحو تسعين سنة، فرجعت رسلهم خائبين، فخرج صاحب الرملة ياليان بنفسه فطلب الأمان فلم يعط، فاستعطف السلطان فامتنع، حتى استشار السلطان اخيرا أمراءه فقالوا: المصلحة الأمان، فأمنهم بشرط أن يزن كل رجل عشرة دنانير، وكل امرأة خمسة دنانير، وكل صغير أو صغيرة دينارين، وإن من عجز أمهل أربعين يوما، ثم يسترق، فأجابوا إلى ذلك، ثم رفعت أعلام الإسلام على السور، ورتب السلطان أمناءه على أبواب القدس يأخذون المال ممن يخرج، وكان بها ستون ألفا سوى النساء والولدان، وأدى ياليان من عنده عن ثمانية عشر ألف رجل، وبقي ثلاثون ألفا ليس لهم فكاك فاستعبدهم وفرّقهم، وخلص من أسارى المسلمين عشرين ألفا، وتسلم البلد يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب، ورفعت الأعلام الإسلامية على أسواره وكان يوما مشهودا، وأنقذه الله من النصارى الأنجاس بعد إحدى وتسعين سنة، فلما كان يوم الجمعة رابع شعبان أقيمت الجمعة بالمسجد الأقصى، وخطب للناس قاضي القضاة محيي الدين ابن الزكي خطبة بليغة، وبعد النصر والفتح ابتدأ السلطان في إصلاح المسجد الأقصى والصخرة، ومحو آثار الفرنج وشعارهم، وتنافس الملوك معه وبعده في عمل المآثر الحسنة والآثار الجميلة، فلله الحمد والشكر، ورحم الله صلاح الدين وأسكنه الجنة.