البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الموالد البدعية

تعتبر الموالد البدعية من القوادح المتعلقة بتوحيد الألوهية، وذلك لما يحدث فيها من مدح وغلو وتعظيم للناس كتعظيم الله أو أشد تعظيمًا، ومعلوم أن أصل الدين وأساسه وقاعدته التي يُبنى عليها: كمال التعظيم لله تعالى وحده دون ما سواه، وألا يُعظم أحد كتعظيمه سبحانه وتعالى، وأن العباد فقراء محتاجون إليه لا يتسغنون عنه طرفة عين، وأن شرفهم وعزهم ورفعتهم ومكانتهم ومنزلتهم بحسب عبوديتهم لله تعالى وحده دون ما سواه. ولا شك أن هذه الموالد البدعية تُحدث في القلب تعظيمًا للمخلوقين ورفعًا لهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله تعالى إياها، ومن هذا الوجه، فقد أدت تلك الموالد إلى كثير من المنكرات والبدع المتواليات، وإلى ضعف تمسك كثير من الناس بالسنة التي هي مركب الفوز والسعادة والنجاة، وركوبهم في مركب البدعة الذي هو مركب الخسران والشقاء والهلاك، والله وحده هو المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

التعريف

التعريف لغة

المولد: مشتق من الولادة، والولادة هي: حدوث الشيء عن الشيء وحصوله عنه، وهو دليل النجل والنسل. انظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (6 /143)، "تهذيب اللغة" للأزهري (14 /176)، "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 327). قال الجوهري: «ميلاد الرجل: اسم للوقت الذي وُلِدَ فيه. والمولد: الموضع الذي وُلِدَ فيه». "الصحاح" (2 /554).

التعريف اصطلاحًا

المراد بالموالد البدعية: الاحتفال بيوم مولد النبي ، أو غيره من الأنبياء كعيسى عليه السلام، أو غيرهم ممن يعظمهم الناس ويقتدون بهم سواء كانوا من أهل الخير والصلاح أو الضلال والبدعة. وتشمل كذلك الاحتفال بيوم مولد الإنسان كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى. انظر: "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" لمجموعة من الباحثين (5 /2895). والمولد يشمل: مولد الإنسان المكاني، ومولده الزماني. والنبي وُلد بمكة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل على المشهور، وفيه أقوال أخرى. انظر: "المعيار المعرب" للونشريسي (7 /100)، "البداية والنهاية" لابن كثير (3 /375)، "المواهب اللدنية" للقسطلاني (1 /131)، "وفيات الأعيان" (1 /437)، "الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف" لأبي بكر الجزائري (1 /49). وقد يطلق المولد على غير مولد النبي ، وعادة ما يكون ذلك مقيدًا باسم من يُحتفَلُ بمولده؛ كموالد الأولياء المحدثة من قبل الباطنية العبيديين وأشباههم من الرافضة وغلاة الصوفية والقبورية، ومنها: مولد علي، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الزهراء، ومولد الخليفة الحاضر، ومولد البدوي، وغيرها. انظر: "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي (1 /332-334). وحقيقة الاحتفال بالمولد: تعظيم ليوم مولد هذا المعظَّم واحتفاء به تقرُّبًا إلى الله تعالى، وهذا بدعة محدثة لم يشرعها الله، ولا فعلها رسوله ، ولا السلف الكرام، ولا أمروا بها مع قيام المقتضي لذلك وعدم المانع. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2 /123).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة ظاهرة، والمعنى واحد، إلا أن الموالد البدعية تطلق اصطلاحًا على تلك الاحتفالات والعبادات التي تحدث بشكل دوري في يوم ميلاد إنسان عادة ما يكون معظما عند من يحتفل بها.

سبب التسمية

سمي الاحتفال بالمولد مولدًا؛ لكونه يقام في تاريخ ولادة ذلك المعظم من نبي أو ولي من كل عام.

الحكم

ما يعهد من الاحتفال بالمولد ليس عبادة مأثورة عن الشَّارع، يؤتَى بها على الوجه المشروع، ولا هو عمل دنيوي محض، بل يجمعون فيه بين عبادات يأتون بها أو ببعضها على وجه غير مشروع، وبين لعب ولهو بعضه مباح، وبعضه محظور. فخلط العبادات الدِّينية باحتفالات الزِّينة واللهو، وجعل ذلك عملاً واحداً عن باعث ديني، هو الذي يجعل مجموع تلك الأعمال من قبيل الشَّعائر الدينية، ويوهم العوامَّ أن تلك العادات -وكذا العبادات المبتدعة في هيئتها وتوقيتها وعددها- من أمور الدين المشروعة بهذه الصفة ندبًا أو وجوبًا. "النقد البيان" للقصاب والقسام (ص177). هذا، ولم تُخترع هذه المحدثة بين المسلمين إلا في القرن الرابع الهجري على أيدي العبيديين القرامطة الغلاة الباطنية؛ تشبُّهًا بالنصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح عيسى عليه السلام؛ وتظاهرا من العبيديين بحب النبي مخادعة للمسلمين، وتحسينًا لصورتهم عندهم، ولجعل هذه الموالد وسيلة لجذب الرعايا إليهم، ونشر خصائص مذهبهم الباطني الإسماعيلي وعقائده الباطلة. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2 /123)، "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" للمقريزي (1 /332-334)، "الإبداع في مضار الابتداع" لعلي محفوظ، "رسائل في حكم الاحتفال بالمولد" لمجموعة من العلماء (1 /61، 2 /394).

الأدلة

القرآن الكريم

الموالد البدعية في القرآن الكريم
أولًا: الأدلة الآمرة بمتابعة النبي وصحابته الكرام رضي الله عنهم، والتحذير من مخالفة سبيلهم، وهي كثيرة، منها: قوله عز وجل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الحشر: 7]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]. ثانيًا: أن الله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ورسوله قد بلغ الأمة البلاغ المبين، وليس في كتاب الله عز وجل ما يدل على مشروعية الاحتفال بهذه الموالد، ولذلك لم يفعله أحد من السلف أصحاب القرون الثلاثة المفضلة. والله سبحانه وتعالى قد قال في محكم التنزيل: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]. فـ«إحداث مثل هذه الموالد يُفْهَمُ منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة». "التحذير من البدع" لابن باز (1 /5).

السنة النبوية

الموالد البدعية في السنة النبوية
يمكن تصنيف الأدلة على تحريم هذه الموالد على ما يلي: أولًا: أدلة النهي عن الابتداع والإحداث في الدين. وهي كثيرة منها: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ». أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718). وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ»، وَيَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ»، وَيَقْرُنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ، وَالْوُسْطَى، وَيَقُولُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ». أخرجه مسلم (867). وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو السُّلَمِيِّ، وَحُجْرِ بْنِ حُجْرٍ، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ، وَهُوَ مِمَّنْ نَزَلَ فِيهِ ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ [التوبة: 92] فَسَلَّمْنَا، وَقُلْنَا: أَتَيْنَاكَ زَائِرِينَ وَعَائِدِينَ وَمُقْتَبِسِينَ، فَقَالَ الْعِرْبَاضُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». أخرجه أبو داود (4607)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (4607). ثانيًا: أن الله عز وجل قد أكمل لنا الدين، ورسوله قد بلغ الأمة البلاغ المبين، وليس في سنة رسول الله ما يدل على مشروعية الاحتفال بهذه الموالد، ولذلك لم يفعله أحد من السلف أصحاب القرون الثلاثة المفضلة. فَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُمْ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءَهُ، وَمِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ فِي جَشَرِهِ، إِذْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَإِنَّ أُمَّتَكُمْ هَذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا فِي أَوَّلِهَا، وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلَاءٌ، وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا، وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: هَذِهِ هَذِهِ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ، وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ"، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: «سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي». أخرجه مسلم (1844). ومعلوم أن نبينا هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغا ونصحا، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول للأمة، وفعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك عُلِمَ أنه ليس من الإسلام في شيء؛ بل هو من المحدثات التي حذر الرسول منها أمته». "التحذير من البدع" لابن باز (1 /6-7). ثالثًا: أن في إقامة هذه الموالد وجعلها عيدا تشبها ومضاهاة بالنصارى في احتفالاتهم بعيد ميلاد المسيح. وقد نُهينا عن التشبه بالكفار، وأُمرنا بمخالفتهم. انظر: "اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2 /123). فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ». أخرجه أبو داود (4031)، وقال الألباني في "صحيح أبي داود" (4031): حسن صحيح.

الإجماع

قال أبو عبد الله محمد بن علي الحفار المالكي: «وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السّـنة، لأن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يُعظّم إلى بالوجه الذي شرع فيه تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله، لكن يتقرّب إلى الله جلّ جلاله بما شرع، والدليل على أنّ السّلـف لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر اللّيالي أنّهم اختلفوا فيها، فقيل إنّه صلّى الله عليه وسلّم ولد في رمضان، وقيل في ربيع، واختلف في أيّ يوم ولد فيه على أربعة أقوال، فلو كانت تلك اللّيلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق صلّى الله عليه وسلّم لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف.. والخير كلُّه في اتِّباع السَّلف الصَّالح الذين اختارهم الله له، فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه». "المعيار المعرب" (7 /99-100).

أقوال أهل العلم

«لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة، أحدثها البطالون، وشهوة نفس اغتنى بها الأكالون». الفاكِهاني "المورد في عمل المولد" (1 /8، 9).
«إن عمل طعاما فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسَلِمَ من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ إن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة رسول الله وتعظيمًا له ولسنته ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم يُنقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم». ابن الحَاجّ "المدخل" (2 /10).
«وَأَمَّا اتِّخَاذُ مَوْسِمٍ غَيْرِ الْمَوَاسِمِ الشَّرْعِيَّةِ - كَبَعْضِ لَيَالِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّتِي يُقَالُ: إنَّهَا لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ، أَوْ بَعْضِ لَيَالِيِ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنَ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ أَوَّلِ جُمْعَةٍ مِنْ رَجَبٍ، أَوْ ثَامِنِ شَوَّالٍ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْجُهَّالُ (عِيدَ الْأَبْرَارِ) - فَإِنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحِبَّهَا السَّلَفُ وَلَمْ يَفْعَلُوهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ». ابن تَيْمِيَّة "مجموع الفتاوى" (25/298).
«ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي ، وتعظيمًا... من اتخاذ مولد النبي عيدًا - مع اختلاف الناس في مولده - فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا. ولو كان هذا خيرًا محضا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص. وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان. فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان. وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حراصًا على أمثال هذه البدع...، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها». ابن تَيْمِيَّة "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 /123، 124).
«فقد عمَّت البلوى، وزادت الشَّكوى، في مسائل حدثتْ في الدِّين، ونسبت إليه. فكان ذلك بلاء على الدِّين، ومنكراً فيه يسأل اللّه عنه مَن يقدرون على إزالته مِنَ العلماء، الّذِين هم ورثة الأنبياء، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -ومن ذلك التَّغنّي في المساجد-كجامعنا الأموي-بأنواع الشعر والقصائد من فنون الأنغام المطربة، مما لا يسمع لفظه، ولا يفهم معناه، ومن ذلك حفلات المولد الشريف النَّبوي، التي كثيراً ما يجري فيها المنكرات والبدع المذمومة، على اسم المولد الذي هو ليس من السُّنَّة في شيء -وإن كان في نفسه حسناً-، ثم إنهم حرَّموا وأنكروا أموراً أخرى، لا شأن لها؛ لأنها معروفة الحكم، مفروغ منها، وجعلوها ديدَنهم وشعارَهم، غافلين مع شدتهم هذه عن محرَّمات ومكروهات، يُجاهَر بها، وبدع فاشية شوهت الدِّين في نظر غير المسلمين. والمصيبة كل المصيبة، أنه متى قام نابغة من علمائنا، يخالف مثل هؤلاء، داعيًا إلى الدِّين الصحيح، مثل صاحبي هذه الرسالة الأستاذين: الشيخ كامل القصاب، والشيخ عز الدين القسام -حفظهما اللّه تعالى- جافوه، وناوؤوه، ووصموه باسم الوهابية، وهذا لا شك أنه من علائم الجهل والحسد». جَمِيل الشَّطِّي "النقد والبيان في دفع أوهام خزيران" (ص200-201).

مسائل متعلقة

التأريخ بالتاريخ الميلادي

كان التاريخ الميلادي موجودا في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولكنهم لم يستعملوه، بل عدلوا عنه إلى التاريخ الهجري، وهذا دليل على أن المسلمين يجب ان يستقلوا عن عادات الكفار وتقاليدهم، لا سيما وأن التاريخ الميلادي رمز على دينهم؛ لأنه يرمز إلى تعظيم ميلاد المسيح والاحتفال به على رأس السنة، وهذه بدعة ابتدعها النصارى؛ فيجب ألا نشاركهم في ذلك بالتأريخ بتاريخهم حتى لا نقع في التشبه بهم المنهي عنه في شريعتنا، وفي التاريخ الهجري الذي اتفق عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم كفاية وغناء. انظر: "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" (5 /2901).

بدعة قيام المولد

حقيقة قيام المولد: أنه عند سرد المولد الشريف والوصول لذكر وضع أمه له ينهض جميع من حضر وقوفًا على الأقدام، ويبقى الكل على تلك الحالة مدة ليست بقصيرة؛ أكثر من مدة الصلاة على الجنازة بكثير، والقارئ يقرأ المولد، وهم يصلون على النبي . "صفا المورد" للحجوي الثعالبي (ص3). أصل قيام المولد : قال الشيخ جمال الدين القاسمي: «ما جرت به العادة من القيام لولادته : الظاهر أن أصله ما حكاه البرهان الحلبي في "السيرة" عن التقي السبكي أنه كان عنده مجمع من الأفاضل، فأنشدهم من منشدٌ قول الصرصري في مدحه : قليلٌ لمدحِ المُصطفى الخَطُّ بالذَّهَبْ*****على وَرَقٍ مِن خطِّ أحسَنْ من كَتبْ وأن تنهضَ الأشرافُ عند سماعه*****قيامًا صُفوفًا أو جثيًّا على الرُّكَبْ قال: فعند ذلك قام السبكي وجميع من في المجلس، وحصل أنس كبير، وتابعه على ذلك مشايخ عصره. قال الشهاب ابن حجر في "فتاواه الحديثية" (ص58): «ما يفعله كثير عند ذكر مولده ، ووضع أمه له من القيام بدعة لم يرد فيها شيء». قال: «على أن الناس إنما يفعلون ذلك تعظيمًا له ، فالعوام معذورون بذلك، بخلاف الخواص، فلا ينبغي لهم فعله». انتهى كلامه بحروفه». "شذرة من السيرة المحمدية" (ص32-33). بطلان القول بالتكفير لمن منع هذا القيام: نُقِلَ عن بعض الفقهاء تكفير من منع هذا القيام، وهذا من الغلو الشديد. قال أبو السعود أفندي مفتي الدولة العثمانية: «أنه قد اشتهر اليوم في تعظيمه ، واعتيد في ذلك، فعدم فعله يوجب عدم الاكتراث بالنبي ، وامتهانه فيكون كُفرًا مخالفًا لوجوب تعظيمه ». "تهذيب الفروق" (4 /277). قال ابن الشاط عقب كلام أبي السعود: «أي: إن لاحظ من لم يفعله تحقيره بذلك، وإلا فهو معصية». "تهذيب الفروق" (4 /277). قلت: ولفتاوى أبي السعود أهمية في التعرف على مظاهر الحياة الدينية والاجتماعية في الفترة التي عاشها (898-982هـ)، كما يظهر من إفراد بعض الباحثين دراسة لهذا الموضوع. وقد أطال الشيخ محمد بن يوسف بن محمد المعروف بالكافي المالكي في إبطال دعوى التكفير هذه فقال في تقريظه لكتاب "النقد والبيان" للشيخين محمد كامل القصاب وعز الدين القسام رحمهم الله تعالى: «وأما استنادهم في القيام عند ذكر ولادته إلى أنه تعظيم له تاركه يكفر لاستخفافه بمقامه ، وينتظم من كلامهم قياس من الشَّكل الأول، وصورته هكذا: القيام عند ذكر ولادته تعظيم له. وكل ما كان تعظيمًا له فهو واجب، يعدُّ تاركه مستخفًّا؛ فيكفر. فتكون النتيجةُ -بعد حذف الحد الوسط-: القيامَ عند ذِكْر ولادته واجب، يكفر تاركُه للاستخفاف». ثم قدم الشيخ الكافي بمقدمة قبل إبطال هذ القياس فقال: «قال العلاّمة الحفار كما في (نوازل الأحباس) من "المعيار" للعلامة الونشريسي ما نصُّه: «إنَّ النَّبي لا يعظم إلا بالوجه الذي شرع به تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القُرَب إلى الله تعالى، لكن يتقرَّب إلى الله سبحانه بما شرعه». وقد ورد النَّهيُ منه عن القيام له، وبيَّن علَّةَ النَّهي؛ لكونه -أي: القيام- مِن زيِّ الأعاجم، وكان يكره التَّشبه بهم كحلق اللِّحا، وإعفاء الشَّوارب، وفي "الشفاء" وغيره عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: خرج علينا رسولُ الله متوكِّئًا على عصا، فقُمنا له، فقال: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظِّم بعضُهم بعضاً». ومعنى ما في «الترمذي» : كانوا يحبُّون القيام له ولا يقومون؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك. ويلزم أصحاب هذا القول على مقتضى نتيجتهم: تكفير جميع الصّحابة، الذين في مقدمتهم أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنهم، لأنهم كانوا لا يقومون له، فيعدّون مُستخفِّين بحقِّه ، ولا مسلم يقول بذلك. بل إذا حقَّقنا النَّظرَ، واستعملنا الفكرَ، وأمعنا بعين البصيرة والبصر، وجدنا معارضة قياسهم بقياس نتيجته تنطبق عليهم تمام الانطباق، وصورته: القيامُ للنبي ليس تعظيمًا له؛ لكونه يكرهه، وكلُّ ما ليس تعظيمًا له، يعدُّ فاعله مستخفًّا بالنَّبيِّ فيكفر. النتيجة: القيام إلى النَّبيِّ يعدُّ فاعلُه مستخفاً به؛ لكونه يكرهه ». وبعد ذلك انتقل الشيخ الكافي إلى إبطال هذا القياس بمنع مقدمتيه، فقال: «أقول - ومن الله تعالى أطلب الحول والقوة -: إنَّ استنادهم باطل؛ لمنع المقدِّمتين: أما منع الكبرى؛ فظاهر؛ لعدم لزوم الاستخفاف لعدم القيام، لاحتمال أنَّ من ترك القيامَ تركه كسلاً، مع اعتقاد احترامه، وتعظيمه ، أو أنّه تركه جاهلاً، بكونه تعظيمًا له ، أو أنه تركه لاعتقاده التَّعظيم في عدم القيام، امتثالاً لنهيه عن ذلك، واتِّباعاً للسلف الصالح، الذين كانوا لا يقومون له مع محبَّتهم له ؛ لكونهم يعلمون كراهيته لذلك؛ لأنه من شعار غير المسلمين. وأمَّا منع الصغرى فهو أظهر من منع الكبرى؛ لأنَّ القيام لم يكن مشروعاً للتَّعظيم، ولم يشرع إلا في القيام للصَّلاة، ومن المعلوم عند العلماء: أنَّ تعظيمَ النبي قربةٌ إلى الله تعالى، ولا يتقرَّب إليه تعالى إلا بما شرعه». "النقد والبيان" (ص209-215). ثم بين أن القيام لا يشرع للتعظيم، ونقل في ذلك عن "المدخل" لابن الحاج، وغيره، في الاستدلال لذلك. اعتقاد حضور النبي بروحه: يقول أبو الحسنات اللكنوي في "الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" (ص92): «ولنذكر ههنا بعض القصص التي أكثر وعاظ زماننا ذكرها في مجالسهم الوعظية، وظنوها أمورًا ثابتة، مع كونها مختلقة موضوعة». ثم قال (ص105): «ومنها ما يذكرونه من أن النبي يحضُر بنفسه في مجالس وعظِ مولِدِه عند ذكر مولِدِه، وبنوا عليه القيام عند ذكر المولد تعظيمًا وإكرامًا، وهذا أيضًا من الأباطيل لم يثبت ذلك بدليل، ومجرد الاحتمال والإمكان خارج عن حد البيان». وقال صديق حسن خان رحمه الله تعالى في "الدين ‌الخالص" (4/451-452) : «وقد سمعنا أن المحتفلين بمولده إذا بلغوا إلى ذكر ولادته عليه السلام، قاموا قيامًا واسعًا لتعظيم روحه ، زعمًا منهم أنه حاضر في هذا الوقت، نعوذ بالله من الجنون والخبط، وهذا القيام منهم -مع هذا القيام التعظيمي- يشبه الشرك عند من يعرف الأدلة وهو عالم بكيفية الاستدلال بها. وأما من خَبَطَهم الشيطان بالمس؛ فهذا عندهم غايةُ التبجيل وكمالُ العقيدةِ الحسنة به ، ولا ريب أنّ هؤلاء أعظمُ حمر الكون في خِفَّةِ العُقول والنّهى، وأشدّها جهلاً في تقليد الأهواء، أعاذنا اللهُ مِنَ الحمق والطيش، ورزقنا في نعيمه رغد العيش». إنكار جمع من الفقهاء لقِيَام المولد: تقدم إنكار ابن حجر الهيتمي، واللكنوي، والقاسمي، والكافي لهذه البدعة. وممن أنكرها الشيخ محمود محمد خطاب السبكي في كتاب "المقامات العلية في النشأة الفخيمة النبوية". وذكر الكافي أنه أفردت تصانيف لإنكارها، فقال: «انظر "صفاء المورد من عدم القيام عند سماع المولد" للعلامة سيدي محمد الحَجْوي الثَّعالبي مدرِّس التَّفسير والحديث بجامع القرويين بفاس. و"مسامرة الأعلام، وتنبيه العوام، بكراهة القيام لذكر مولد خير الأنام" لسيدي محمد العابد مفتي فاس، وخطيب الحرم الإدريسي، فإنَّهما سفَّها في كتابيهما، أحلام مدَّعي طلب القيام عند ذِكر مولد إمام كل إمام، عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام». "النقد والبيان" (ص216-218).

الأضرار والمفاسد

ترتب على إحداث هذه الموالد كثير من المخالفات الشرعية والمناهي الجلية التي تدور بين الشرك والبدعة والمعصية، وهكذا هي خطوات الشيطان، وقد نبه أهل العلم قديما وحديثا على هذه المخالفات، فيما يلي جملة منها: 1- الوقوع في الشرك الأكبر المخرج عن ملة الإسلام، وذلك بالإطراء في القصائد والمدائح والغلو في الرسول والأولياء ودعائهم من دون الله، وتقديم النذور والذبائح قربانا لغير الله. 2- الاعتقادات الباطلة والظنون الفاسدة؛ كظن بعضهم أن الرسول يحضر المولد. قال صديق حسن خان رحمه الله تعالى في "الدين ‌الخالص" (4/451-452) : «وقد سمعنا أن المحتفلين بمولده إذا بلغوا إلى ذكر ولادته -عليه السلام-، قاموا قياماً واسعاً لتعظيم روحه ، زعماً منهم أنه حاضر في هذا الوقت، نعوذ بالله من الجنون والخبط، وهذا القيام منهم -مع هذا القيام التعظيمي- يشبه الشرك عند من يعرف الأدلة وهو عالم بكيفية الاستدلال بها. وأما من خَبَطَهم الشيطان بالمس؛ فهذا عندهم غايةُ التبجيل وكمالُ العقيدةِ الحسنة به ، ولا ريب أنّ هؤلاء أعظمُ حمر الكون في خِفَّةِ العُقول والنّهى، وأشدّها جهلاً في تقليد الأهواء، أعاذنا اللهُ مِنَ الحمق والطيش، ورزقنا في نعيمه رغد العيش». 3- ما أدى إليه إحداث هذه الموالد من البدع الأخرى والغلو والاعتقادات الباطلة والمنكرات المصاحبة؛ لأن «البدعة: إفراز لمرض الشبهة، والشبهة باب البدعة. والبدعة: بريد الكفر، وشَرَكُ الشرك». "الرد على المخالف من أصول الإسلام" لبكر أبي زيد (ص9). فكل مُبْتَدَعٍ مُحْدَثٍ يتولد منه أمور محدثة، وهكذا تبدو المحدثات صغارًا ثم تنمو، حتى تنقطع السبيل إلى سبل، وتغاب السنن. انظر: "تصحيح الدعاء" لبكر أبي زيد (ص316). ومن ذلك: جعل الاحتفال بالمولد أيامًا عديدة، أو تكراره كل ليلة جمعة أو إثنين، واختراع موالد أخرى للأولياء والمعظمين، وشد الرحال إلى القبور والمزارات البدعية، واختراع أدعية محدثة مخالفة للشرع تسمى ب(الأحزاب) أو (الرواتب). 4- الاستشهاد بالأحاديث المكذوبة والضعيفة، والقصص الواهية، والرؤى والخرافات الوهمية. يقول الشيخ محمد جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى: «لا يخفى أن قصة مولده هي شعبة من أحاديث سيرته الزكية، ولما وجد في كثير من المواليد المتداولة الآثار الواهية مما لم يخرج في الجوامع الصحيحة، ولا المسانيد الرجيحة، لزم نقد المأثور منها بمراجعة أمهات الحديث المضبوطة بالأسانيد، فإن الوقوف على أسانيد الآثار من المهمات عند المحدثين، إذ بالسند يتفاوت الأثر قبولًا وتركًا، واتّصالًا وانقطاعًا، والقصد حفظ الآثار المقبولة وتمييزها من الدخيل فيها». "شذرة من السيرة المحمدية " (ص30). 5- تعظيم البدع والنشاط فيها، والاستهانة بالسنن؛ بل بالواجبات والكسل عنها. 6- التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم واحتفالاتهم بموالد معظميهم. 7- امتهان آيات القرآن العظيم وأحاديث الرسول ، وقلة احترامهم وتعظيمهم لها، حيث يجمعون في احتفالاتهم بينها وبين لهو الحديث ولغو الكلام، وقد يبتدئون بها، وقصدهم الغناء والطرب بها. 8- انتهاك حرمة المساجد بهذه المنكرات، وكثرة اللغط ورفع الأصوات المنافية لآداب بيوت الله. 9- الأغاني وما يصاحبها من آلات اللهو من المعازف والمزامير الشيطانية. 10- الشطح، والرقص، والهز، والدوران الشديد المسمى بـ(الزار)، وقد يحصل في بعضها شيء من الفجور وتعاطي المسكرات والمفترات. 11- الافتتان بالمردان الذين يغنون ويتراقصون في هذه الحفلات. 12- افتتان الرجال بالنساء لما يحصل في بعض اجتماعاتهم من الاختلاط، واطلاع الرجال على النساء، وارتفاع أصوات النساء. 13- خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات من نياحة، ورفع الصوت، واختلاط. 14- الإسراف والتبذير وإضاعة المال في هذه الحفلات التي لا تعود بنفع في دين ولا دنيا. 15- اتخاذ هذه الموالد عند البعض لأغراض دنيوية من أكل لأموال الناس بالباطل، أو طلب جاه أو مدح، أو تعظيم متبوع من سادتهم، ونحو ذلك من الأغراض الدنيئة الخسيسة. 16- اتهام أرباب هذه الموالد غيرهم ممن لا يقيمها بأقبح التهم وأشنعها؛ وهو أنه لا يحب الرسول ! انظر: "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" (5 /2901). «فَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ بَعْضُ الْمَفَاسِدِ الْمَشْهُورَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الدَّسَائِسِ وَدُخُولِ وَسَاوِسِ النُّفُوسِ وَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ مِمَّا يَتَعَذَّرُ حَصْرُهُ. فَالسَّعِيدُ السَّعِيدُ مَنْ أَعْطَى قِيَادَهُ لِلِاتِّبَاعِ وَتَرَكَ الِابْتِدَاعَ. وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى لِذَلِكَ بِمَنِّهِ». "المدخل" لابن الحاج (2 /62). قال أبو البقاء أحمد بن الضياء القرشي العدوي الحنفي (ت 854هـ) في كتابه «مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع الجهلة العوام» (ص 17-18) كيفية الاحتفال بالمولد -آنذاك-، فقال: «ومنها: ما أَحْدَثُوهُ في ليلة مَوْلِدِ النبي ، وهي الثانية عَشَرَ من ربيع الأول، يجتمع تلكَ الليلةَ الفَرَّاشون بالشُّمُوعِ والفوانيس في المسجدِ الحرامِ، ويزفّونَ الخطيبَ مِنَ المَسجِدِ إلى مولدِ النبي -عليه السلام- بالشُّموع والمغرعات والمنجنيقات، وبين يَدَيْهِ جوقات المعرّبين، ويختلط حينئذٍ الرِّجالُ والنِّسَاءُ والصِّبيانُ، ويكثُرُ اللّغطُ والزعيق والخصومات، ورفع الأصوات بالمسجد الحرام وفي مسجد المَولِدِ، ويحصل في تلك الليلة مِنَ المفاسدِ ما لا= =يُحْصيه إلاَّ اللّه -تعالى-». وقال الشيخ محمد كامل القصاب والشيخ محمد عز الدين القسّام رحمهما الله تعالى: «وأما قراءة قصة المولد النبوي الشريف المشتملة على بيان شمائل الرسول وفضائله، التي لا يمكن للأُمة الإسلامية أن تصل إلى ما كان عليه أسلافُها من المجد والسؤدد، إلا بالتَّحلي بها، فنحن من أشدِّ الناس دعوةً إليها، وأما الذي أنكرناه -وننكره أيضاً- فهو ما عمَّت به البلوى من قراءة المولد بالغناء والتمطيط البشع، والمبالغة بتوقيعه على أنحاء الموسيقى، والاكتفاء بسيرة الولادة فقط، مع ما أدخل فيها من الأمور التي لم تثبت، وترك المهم المفيد من أحواله وشمائله ، وكثيراً ما سمعناهم يقولون: حبيبي يا... يا مو. حا. حا. مد، وأمثال ذلك، مما يشمئزُّ منه كلُّ مسلم، ويعترفُ بقبحه كلُّ ذي ذوق سليم، فهل لرجل يؤمن باللّه واليوم الآخر أن يزعمَ مع ثبوت هذه الحقائق، أنَّ أكثر هذه المجتمعات في أيامنا خارجة عن حد البدع المنكرة؟ وأما دعواه أنَّ الاجتماعَ لتلاوة المولد الشريف في بلادنا، هو خالٍ من كل شرٍّ، مشتملٌ على الخير المحض، من أوله إلى آخره، فهي مكابرة محضة. فإنا نرى أنَّ أكثر الموالد التي تقرأ في زماننا، تشتمل على الصُّراخ والغناء، وما شاكل ذلك، هذا ونرى المدعوين يشتغلون بشرب الدُّخان حتى يتمَّ الجمعُ، ويحضر القارئ فتكون عند ذلك الغرفة التي يراد أن يقرأ فيها العشر من القرآن الكريم والمولد مملوءة دخاناً، ذا رائحة كريهة، وفي أثناء القراءة ترى الجمعَ في الغُرف الأخرى، يشربون الدخان -التوتون، والتنباك- ويخوضون في الغيبة والنَّميمة، بل وجدناهم يرتكبون أكبر من ذلك في بعض الأحيان؛ كشرب الخمر. ومما ذكرنا: يُعلم أنَّ فتوى العلامة ابن حَجَر عن حكم قراءة الموالد التي نقلها رداً علينا، هي موافقة لما كنّا ننبِّه الناسَ وندعوهم إليه، فهي حُجة لنا، وردٌّ عليه، وإلى المتأمِّل نصُّ الفتوى: سئل العلامة ابن حجر: عن حكم الموالد، هي سُنَّة، أم فضيلة، أم بدعة؟ مع بيان دليل كلٍّ، وهل الاجتماع للبدعة المباحة! جائز أم لا؟ فأجاب بقوله: الموالد والأذكار التي تفعل عندنا، أكثرها مشتمل على خير؛ كصدقة، وذكر، وصلاة وسلام على رسول اللّه ومدحه، وعلى شر، بل شرور، لو لم يكن منها إلا رؤية النساء للرِّجال الأجانب، وبعضها ليس فيها شر، لكنه قليل نادر، ولا شك أنَّ القسم الأول -أي: المشتمل على خير؛ كصدقة، وذكر، وصلاة وسلام على رسول اللّه ، وعلى شرور؛ كرؤية النساء للرجال الأجانب- ممنوع؛ للقاعدة المشهورة المقررة: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك، فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً، فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أنَّ الشارع اكتفى من الخير بما تيسّر، وفطم عن جميع أنواع الشَّر، حيث قال: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه». .. والقسم الثاني سنة تشمله الأحاديث الواردة في الأذكار، المخصوصة والعامة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يقعد قوم يذكرون اللّه -تعالى-، إلا حفَّتهم الملائكةُ، وغشيتهم الرَّحمةُ، ونزلت عليهم السَّكينةُ، وذكرهم اللّهُ فيمن عنده» رواه مسلم... إلى آخر ما قال. فمن تأمل هذه الفتوى المصرِّحة باشتمال أكثر الموالد في زمن ابن حجر منذ (400) سنة على الشرور، وأنها ممنوعة ما دامت لا تخلو من الشرور، عملاً بقاعدة درء المفاسد مقدَّم على جلب المصالح يعلم عدم صحة دعوى خزيران؛ بأنَّ الموالد في بلادنا هي من القسم الخالي من الشّرور، ليُثبتَ إباحتها على كل حال، وهل يخلو مولد من رؤية النساء للرجال الأجانب في زماننا؟ وذلك زيادة عن الخروج في قراءة الموالد عن الأدب المشروع، مِمّا أشرنا إليه مِن تصرُّفات القُرَّاء والمنشدين، وزِدْ على هذا: ما تشتملُ عليه من البِدَع، التي شوّهت حقيقة الدين الإسلامي، وفسحت مجالاً للذين يكيدون له سوءاً، فالأمر للّه العلي الكبير، ويؤيِّدُ ما قلناه -أيضاً- بخصوص المنشدين: نصُّ الفتوى الثانية التي نقلها -أيضاً- عن ابن حجر جواباً عن سؤال رفع إليه، وهو: «ما تفعله طوائف باليمن وغيرهم من الاجتماع على إنشاد الأشعار والمدائح مع ذكر مسجع، هل هو ذكر أم لا؟ وهل يفرق بينه وبين الأشعار الغَزليّة...، بما مآله: «إنَّ إنشاد الشعر وسماعَه، إن كان فيه حثٌّ على خير، أو نهي عن شر، أو تشويق إلى التأسي بأحوال الصالحين، والخروج عن النَّفس ورعونتها، وحظوظها، والدأب والجد في التحلِّي بمراقبة الحقِّ في كل نَفَس، ثم الانتقال في شهوده في كل ذرة من ذرات الوجود، كما أشار إليه الصَّادقُ المصدوقُ بقوله: «الإحسانُ: أنْ تعبدَ اللّهَ كأنّك تراه، فإنْ لم تكن تراه؛ فإنه يراك»، فكل من الإنشاد والاستماع سنة...، والمنشدون والسامعون مأجورون مثابون، إن صلحت نياتهم، وصَفَتْ سرائرُهم، وأما إن كان بخلاف ذلك... مما يناسب أغراضهم الفاسدة، وشهواتهم المحرَّمة، فهم عاصون آثمون». وأما ادّعاؤه بأنَّ مواضيع القصائد وحال المنشدين والمستمعين في هذه الأيام من قبيل ما ذكر في صدر هذه الفتوى، فإننا نترك الحكمَ فيه لأهل الإنصاف. على أنّ الاحتفال بقراءة قصة المولد النبوي، ليست سنة الخلفاء الراشدين، فيُعض عليها بالنَّواجذ، ولا فعلها أحدٌ من أهل القرون الثلاثة الفاضلة، التي هي خير القرون الإسلامية، بشهادة الرسول ، إنما أحدثها الملك المظفر التُّركماني الجنس، صاحب إربل، ثم صارت عادة متبعة، وسنة مبتدعة، وشعارًا دينيًا». "النقد والبيان في دفع أوهام خزيران" (ص113-118). قال محمد بخيت المطيعي في "أحسن الكلام" (ص 52): «... ومن ذلك تعلم أن مظفر الدِّين إنما أحدث المولد النبوي في مدينة إربل على الوجه الذي وصف، فلا ينافي ما ذكرناه من أن أوّل مَن أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون من قبل ذلك، فإن دولة الفاطميين انقرضت بموت العاضد باللّه أبي محمد عبداللّه بن الحافظ بن المستنصر في يوم الإثنين/عاشر المحرم/سنة سبع وستين وخمس مئة هجرية، وما كانت الموالد تعرف في دولة الإسلام من قبل الفاطميين». وقال غيره: «الدولة الفاطمية أول من أحدث ذلك واحتفل به، والمظفر أول من أعلى شأنه واهتم به، حتى نوه الناس بذكره، وقلده فيه غيره من الأمراء». قال القاسمي: «مظفر الدين اسمه كوكبوري، ترجمه ابن خلكان في "تاريخه" ونوه باحتفاله بالمولد بغرائب اخترعها، فلينظر. وكانت وفاة المظفر المذكور سنة 630هـ، وولادته سنة 540هـ، وإليه نسب عندنا في دمشق الجامع المظفري المعروف الآن بجامع الحنابلة في الصالحية، فإنه لما بلغه أن الحنابلة شرعوا في عمارة جامع لهم سير لهم ثلاثة آلاف دينار لتتميم عمارته». "شذرة من السيرة المحمدية" (ص36). وانظر في بدعية المولد ومفاسده المترتبة عليه: "كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة المقدسي (ص 96-97)، و"اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 295)، و"الفتاوى الكبرى" (1/321)، و"المدخل" لابن الحاج (2/16-17)، و"المعيار المعرب" للونشريسي (8/255) و(9/255) و(7/100-101 و114) و(12/48-49)، و"المواهب اللدنية" للقسطلاني (1/140)، و"تفسير المنار" (9/96) و(2/74-76)، و"فتاوى رشيد رضا" (5/2112)، و"مجلة المنار" (20/395-403، 449-451، 21/38-48، 103-104).

المواد الدعوية