البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

المسيح الدجال

المسيح الدجال هو: رجل أعور يدعي الإلهية، تظهر على يديه خوارق للعادات، يخرج في آخر الزمان، يفتن به خلق كثيرون، ويقتله عيسى بن مريم عليه السلام، وذلك حق يجب الإيمان به كما ثبت في الأحاديث المتواترة، وأجمع عليه أهل السنة، والحكمة من خروجه: امتحان الناس ليتميز المتردد الشاك من المؤمن المستيقن، ومن سبل الوقاية من فتنته: البعد عن لقائه، وتبيين أمره للناس، وقراءة سورة الكهف. وأنكر أمر الدجال الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة وبعض المعاصرين، وردَّ عليهم أهل السنة قولهم، وبيَّنوا بطلانه.

التعريف

التعريف لغة

المسيح لغة: يطلق ويراد به عدة معانٍ، فمنها: مسيح بمعنى: ممسوح أحد شقي الوجه، فليس له فيها عين ولا حاجب، ومنها: مسيح بمعنى: الرجل يقول القول الحسن يخدعك به، ومنها: مسيح بمعنى: ضارب للأعناق، ومنها: مسيح بمعنى: كذاب، ومنها: مسيح بمعنى: مسحه الله على صفة ملعونة، إلى غير ذلك من الأقوال التي قيلت في معنى (المسيح الدجال). ومنها: مسيح بمعنى: يمسح الأرض أي: يقطعها، ومنها: مسيح بمعنى: لا يمسح ذا عاهة إلا برئ، ومنها: مسيح بمعنى: ممسوح بالدهن حين ولادته، ومنها: مسيح بمعنى: مسحه الله على صفة مباركة، إلى غير ذلك من الأقوال التي قيلت في معنى (المسيح عيسى ابن مريم). قال ابن فارس: «الْمِيمُ وَالسِّينُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَهُوَ إِمْرَارُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ بَسْطًا. وَمَسَحْتُهُ بِيَدِي مَسْحًا. ثُمَّ يُسْتَعَارُ فَيَقُولُونَ: مَسَحَهَا: جَامَعَهَا. وَالْمَسِيحُ: الَّذِي أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ مَمْسُوحٌ، لَا عَيْنَ لَهُ وَلَا حَاجِبَ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الدَّجَّالُ مَسِيحًا، لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ». "مقاييس اللغة" (5/322). وقال الراغب: «وقيل سمّي الدّجّال مَسِيحاً، لأنّه ممسوح أحد شقّي وجهه، وهو أنه روي «أنه لا عين له ولا حاجب»، وقيل: سمّي عيسى عليه السلام مسيحًا لكونه ماسحًا في الأرض، أي: ذاهبًا فيها، وذلك أنه كان في زمانه قوم يسمّون المشّاءين والسّيّاحين لسيرهم في الأرض، وقيل: سمّي به لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل: سمّي بذلك لأنه خرج من بطن أمّه ممسوحًا بالدّهن». "المفردات" (ص767). وقال الزبيدي: «(و) من الْمجَاز: المَسْحُ: (القَوْلُ الحَسَنُ) من الرّجُل، وَهُوَ فِي ذالك (ممَّن يَخْدَعُك بِهِ). مَسَحَه بِالْمَعْرُوفِ، أَي بِالْمَعْرُوفِ من القوْل وَلَيْسَ مَعَه إِعطاءٌ، قَالَه النَّصْر بن شُميل. وَقيل: وَبِه سُمِّيَ المَسيح الدَّجَّال، لأَنّه يَخْدَع بقوله وَلَا إِعطاءَ... (و) من الْمجَاز: المَسْحُ: (القَطْع) وَقد مَسَحَ عُنُقَه وعَضُدَهُ: قَطَعهما. وَفِي (اللِّسَان): مَسَحَ عُنُقَه وَبهَا، يَمسَحُ مَسْحاً: ضَرَبها، وَقيل قَطَعها. قيل: وَبِه سُمِّيَ المَسيحُ الدَّجّال، لأَنّه يضرِب أَعناقَ الّذِين لَا يَنقادون لَهُ... (و) المَسْح: (أَنْ يَخْلُق اللَّهُ الشَيْءَ مُبَارَكاً أَو مَلْعُوناً). قَالَ المُنذرِيّ: قلت لأَبي الهَيْثَم: بلَغَني أَنَّ عِيسَى إِنّمَا سُمِّيَ مَسِيحاً لأَنهُ مُسِحَ بالبَرَكة، وسُمِّيَ الدَّجّالُ مَسيحاً لأَنّه ممسوحُ العَيْنِ، فأَنْكرَه وَقَالَ: إِنَّمَا الْمَسِيح (ضِدُّ) الْمَسِيح، يقالُ مَسَحه الله، أَي خلَقه خَلْقاً مُبارَكاً حَسَناً، ومسَحَه اللَّهُ أَي خَلَقَه خَلْقاً قَبيحاً ملعوناً. قلت: وهذا الَّذِي أَنكره أَبو الهَيثم قد قَالَه أَبو الْحسن القابسيّ: ونقلَه عَنهُ أَبو عَمْرٍ الداني، وَهُوَ الوَجه الثَّانِي وَالثَّالِث. وقَولُ أَبي الْهَيْثَم الرابعُ وَالْخَامِس. (و) المَسْح: (الكَذِبُ)، قيل: وَبِه سُمِّيَ المَسيح الدجّال لكَونه أَكْذبَ خلْقِ اللَّهِ، وَهُوَ الوَجْه السَّادِس». "تاج العروس" (7/120، 121)، ثم نقل عن صاحب القاموس أنه اجتمع له في تسمية المسيح خمسون قولًا. "تاج العروس" (7/124). وأما الدجَّال لغة: فالكذاب المموِّه، قال الأزهري: «كل كَذَّابٍ فَهُوَ دجال، وَجمعه: دجَّالون، قيل للكذاب دَجَّالٌ لِأَنَّهُ يستر الْحق بكذبه». "تهذيب اللغة" (10/344). وقال الفيومي: «والدجال هو الكذاب، قال ثعلب: الدجال هو المموه». "المصباح المنير" (1/189). وقال الزبيدي: «وَقد سَرَد المُصنِّفُ هَذِه الأوجُهَ كلَّها. وأصحُّها وأحسنُها مَن قَالَ: إنّ الدَّجّالَ هُوَ الكَذَّابُ، وَإِنَّمَا دَجَلُه سِحْرُه وكَذِبُه وافتِراؤُه وسَتْرُه الحَقَّ بكَذِبه، وإظهارُه خِلافَ مَا يُضْمِر». "تاج العروس" (28/471).

التعريف اصطلاحًا

المسيح الدجال يراد به اصطلاحًا: رجل أعور يدعي الإلهية، تظهر على يديه خوارق للعادات، يخرج في آخر الزمان، يفتن به خلق كثيرون، ويقتله عيسى بن مريم عليه السلام. قال ابن الأثير: «وقد تكرر ذكر الدجال في الحديث، وهو الذي يظهر في اخر الزمان يدعي الألوهية. وفعال من أبنية المبالغة: أي يكثر منه الكذب والتلبيس». "النهاية" (2/102).

الأدلة

وردت الإشارة للمسيح الدجال في القرآن في قوله تعالى: ﴿ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [غافر: 57] ذكر الماوردي في الآية وجهًا، وهو أن يكون المراد : «لخلق السموات والأرض أعظم من خلق الدجال حين عظمت اليهود شأنه، قاله أبو العالية». "النكت والعيون" (5/162). وقال البغوي: «وقال قوم: "أكبر" أي: أعظم من خلق الدجال، ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجال. وروي عن هشام بن عامر قال: سمعت رسول الله يقول: "ما بين خلق ادم إلى قيام الساعة خلق أكبر من خلق الدجال"». "تفسير البغوي" (7/153)، وراجع "النهاية في الفتن والملاحم" لابن كثير (1/140-143). وأما الأحاديث فقد تواترت بإثباته، والتحذير من فتنته، فممن حكم بتواتر أحاديث الدجال: ابن كثير في "النهاية في الفتن والملاحم" (1/139)، والسخاوي في "فتح المغيث" (4/23)، ومحمد بن جعفر الكتاني في "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" (ص228، 229)، والمعلمي اليماني في "الأنوار الكاشفة" (ص233) وغيرهم. وقد رواها عدد كبير من الصحابة، منهم: أبو بكر الصديق، علي بن أبي طالب، سعد بن أبي وقاص، أبو عبيدة بن الجراح، أبي بن كعب، أنس بن مالك، معاذ بن جبل، سمرة بن جندب، جابر بن عبد الله، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عباس، أبو هريرة، فاطمة بنت قيس التي روت حديث تميم الداري مع الجساسة، النواس بن سمعان، أبو سعيد الخدري، سفينة مولى رسول الله ، أسماء بنت يزيد بن السكن، عائشة أم المؤمنين، أم سلمة أم المؤمنين، عثمان بن أبي العاص، المغيرة بن شعبة، عمران بن حصين، عبادة بن الصامت وغيرهم انظر "النهاية في الفتن والملاحم" لابن كثير (1/95-138) فقد ساق الأحاديث بأسانيدها. وقال النووي: «والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة جدًا» "تهذيب الأسماء واللغات" (1/185) وقال حمود التويجري: «وأما خروج الدجال فقد جاء فيه أكثر من مائة وتسعين حديثا من الصحاح والحسان، وقد ذكرتها في الجزء الثاني من (إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة) فلتراجع هناك. وقد تواترت الأحاديث في خروج الدجال من وجوه متعددة ذكرتها في (إتحاف الجماعة)» "إقامة البرهان في الرد على من أنكر خروج المهدي والدجال ونزول المسيح في آخر الزمان" (ص6) ومن التصانيف التي أفردت في ذكر أحاديث الدجال: "أخبار الدجال" لعبد الغني المقدسي. وسنقتصر على ذكر بعض الأحاديث التي وردت في صفته، فمنها حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «أَرَانِي لَيْلَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ ، قَدْ رَجَّلَهَا فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً ، مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ ، أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ ، يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقِيلَ : هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ ، أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا ؟ فَقِيلَ : هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ». أخرجه البخاري برقم (6999) ومسلم برقم (169). ومنها حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَفْحَجُ جَعْدٌ، أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ». أخرجه أبو داود برقم (4320). ومنها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَرَجْتُ إِلَيْكُمْ وَقَدْ بُيِّنَتْ لِي لَيْلَةُ الْقَدْرِ ومَسِيحُ الضَّلَالَةِ، فَكَانَ تَلَاحٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ بِسُدَّةِ الْمَسْجِدِ، فَأَتَيْتُهُمَا لِأَحْجِزَ بَيْنَهُمَا، فَأُنْسِيتُهُمَا، وَسَأَشْدُو لَكُمْ مِنْهُمَا شَدْوًا: أَمَّا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وِتْرًا، وَأَمَّا مَسِيحُ الضَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ، عَرِيضُ النَّحْرِ، فِيهِ دَفَأٌ، كَأَنَّهُ قَطَنُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ يَضُرُّنِي شَبَهُهُ؟ قَالَ: «لَا، أَنْتَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ امْرُؤٌ كَافِرٌ». أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (7905). وثبت خروج الدجال أيضًا بإجماع الصحابة والسلف، قال الإمام أحمد: «أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب النبي ، والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة..» ثم ذكر جملة من عقائد أهل السنة، ثم قال «والإيمان أن المسيح الدجال خارج مكتوبٌ بين عينيه «كافر» والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لد» "طبقات الحنابلة" (1/241) وقال ابن بطة: «ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمي بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئًا منه دخل في جملة من عينَّاه وذكرناه وحذرنا منه، من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث الله نبيَّه إلى وقتنا هذا» ثم ذكر من هذه الأصول التي أجمع عليها أهل الإسلام: «والدجال خارج في هذه الأمة لا محالة، إحدى عينيه كأنها عنبة طافية، يطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة» "الإبانة الصغرى" (ص104) وقال النووي بعد إثبات الدجال وصفته: «هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافا لمن أنكره وأبطل أمره» "شرح النووي على مسلم" (18/58) وقال حمود التويجري: «قد أجمع أهل السنة والجماعة على خروج الدجال في آخر الزمان، وذكروا ذلك في العقائد السلفية» "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة" (3/90)

الحكم

يجب الإيمان بخروج المسيح الدجال، وأن ذلك حق لتواتر الأحاديث بذلك، ولإجماع أهل السنة عليه، قال الطحاوي: «ونُؤْمِنُ بِأشْراطِ السّاعَةِ مِن خُرُوجِ الدَّجّالِ ونُزُولِ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام مِنَ السَّماء، ونُؤْمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها». "العقيدة الطحاوية" (ص31). وقال الموفق ابن قدامة: «ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق، وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه... ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل». "لمعة الاعتقاد" (ص28-31). وقال عبد الغني المقدسي: «ونؤمن بأن الدجال خارج في هذه الأمة لا محالة، كما أخبر رسول الله ، وصح عنه». "الاقتصاد في الاعتقاد" (ص189). و قال ابن حمدان: «يجب الإيمان جزمًا بالساعة وأشراطها من الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، وخروج النار والدابة». "نهاية المبتدئين" (ص54). وقال المعلمي اليماني: «فأما ذكره - يعني النبي - الدجالَ فمتواتر قطعًا، ومن اطَّلع على ما في "صحيح البخاري" وحده علم ذلك، ومع هذا فإنما أقول: من كذب رسول الله في خبر من أخباره عن الغيب فقد كفر». "الأنوار الكاشفة" (ص233).

الحكمة

مما قيل في الحكمة من ظهور الدجال: ابتلاء الناس ليتبين الصادق المؤمن من الشاكِّ المرتاب، فيقوى الإيمان في قلب الصادق، ويفتن الشاكّ ويهلك، وأيضًا إثبات عظم قدرة الله تعالى وأن ما يقدر العباد على فعله فإنما هو بقدر الله وتمكينه إياهم منه، قال النووي في الدجال: «شَخْصٌ بِعَيْنِهِ ابْتَلى اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ وأقْدَرَهُ عَلى أشْياءَ مِن مَقْدُوراتِ اللَّهِ تَعالى مِن إحْياءِ المَيِّتِ الَّذِي يَقْتُلُهُ، ومِن ظُهُورِ زَهْرَةِ الدُّنْيا والخِصْبِ مَعَهُ وجَنَّتِهِ ونارِهِ ونَهَرَيْهِ واتِّباعِ كُنُوزِ الأرْضِ لَهُ وأمْرِهِ السَّماءَ أنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ والأرْضَ أنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ فَيَقَعُ كُلُّ ذَلِكَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعالى ومَشِيئَتِهِ، ثُمَّ يُعْجِزُهُ اللَّهُ تَعالى بَعْدَ ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويُبْطِلُ أمْرَهُ، ويَقْتُلُهُ عِيسى ، ويُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» "شرح النووي على مسلم" (18/58) وقال محمد الخضر الشنقيطي: «قال ابن العربي: الذي يظهر على يد الدجال من الآيات: من إنزال المطر، والخصب على من يصدقه، والجدب على من يكذبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنة ونار، ومياه تجري كل ذلك محنة من الله، واختبار ليهلك المرتاب، وينجو المتيقن، وذلك كله أمر مخوف، ولهذا قال : "لا فتنة أعظم من فتنة الدجال"» "كوثر المعاني الدراري" (14/240)

الأحداث

قبل خروج الدجال

مما يحدث قبل خروج الدجال: فتح القسطنطينية، كما في حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ». أخرجه أبو داود برقم (4294) وأحمد في مسنده برقم (22023). ومما يحدث أيضًا قبل خروجه: قلة العرب، كما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قال: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ شَرِيكٍ ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ ، قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : هُمْ قَلِيلٌ». أخرجه مسلم برقم (2945). ومما يحدث أيضًا قبل خروجه: ثلاث سنوات عجاف، كما في حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَ: «إِذَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، حَبَسَتِ السَّمَاءُ ثُلُثَ قَطْرِهَا، وَحَبَسَتِ الْأَرْضُ ثُلُثَ نَبَاتِهَا، فَإِذَا كَانَتِ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ حَبَسَتِ السَّمَاءُ ثُلُثَيْ قَطْرِهَا، وَحَبَسَتِ الْأَرْضُ ثُلُثَيْ نَبَاتِهَا، فَإِذَا كَانَتِ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ حَبَسَتِ السَّمَاءُ قَطْرَهَا كُلَّهُ، وَحَبَسَتِ الْأَرْضُ نَبَاتَهَا كُلَّهُ، فَلَا يَبْقَى ذُو خُفٍّ، وَلَا ظِلْفٍ إِلَّا هَلَكَ». أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (27568). وعن أبي عمرو الشيباني قال: «كنت عند حذيفة جالسًا إذ جاء أعرابي حتى جثا بين يديه فقال: ‌أخرج ‌الدجال؟ فقال له حذيفة: وما الدجال؟ إن ما دون الدجال أخوف من الدجال ، إنما فتنته أربعون ليلة». أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن" (1558) وابن أبي شيبة في "مصنفه" برقم (37490).

خروج الدجال وصفة أتباعه

يخرج الدجال من خراسان بالمشرق، كما ثبت في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله قال: «الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان». أخرجه الترمذي برقم (2237). وسبب خروجه هو غضبة يغضبها كما ثبت في حديث حفصة عن رسول الله قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ». أخرجه مسلم برقم (2932). ورد في أتباعه أنهم من اليهود، وأن وجوههم كالمجان المطرقة، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ليَنْزِلَنَّ الدَّجَّالُ خُوزَ وَكَرْمَانَ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا، وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ» أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (8453)، وحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ». أخرجه مسلم برقم (2944). ويكثر النساء في أتباعه، كما في حديث ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ». أخرجه أحمد برقم (5353). قال السفاريني: «وأكثرُ من يتبعهُ اليهود والنِّساء والأعراب». "البحور الزاخرة" (2/574).

سير الدجال في الأرض

يمكث الدجال بعد خروجه أربعين يومًا، منها يوم كسنة ثم يوم كشهر ثم يوم كأسبوع، ثم سائر أيامه كأيامنا، كما ثبت في حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: «أَرْبَعِينَ يَوْمًا: يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ» أخرجه أحمد في مسنده برقم (17629) وسيدخل جميع البلاد إلا مكة والمدينة، كما ثبت في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ إِلَّا سَيَطَؤُهُ الدَّجَّالُ، إِلَّا مَكَّةَ، وَالمَدِينَةَ، لَيْسَ لَهُ مِنْ نِقَابِهَا نَقْبٌ، إِلَّا عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ صَافِّينَ يَحْرُسُونَهَا». أخرجه البخاري برقم (1881) ومسلم برقم (2943).

فتن الدجال

من فتنته أنه معه جنة ونار، فأما جنته فإنما هي صورة وحقيقتها نار، وأما النار فإنما هي صورة وحقيقتها جنة، كما ثبت في حديث أَبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَدِيثًا مَا حَدَّثَهُ نَبِيٌّ قَوْمَهُ : إِنَّهُ أَعْوَرُ ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ مَعَهُ مِثْلُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، فَالَّتِي يَقُولُ إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ». أخرجه مسلم برقم (2936). وهذه الجنة والنار اختلف في كونها حقيقة أم تخييلا، قال السفاريني: «واعلم أن العلماء اختلفوا في هذه الجنة والنار، هل هي على سبيل الحقيقة؟ أم تخييل؟ وقد ذكرنا أن العلامة قال: يكونُ ذلك على طريق التخييل لا الحقيقة. وقال ابن حِبَّان في صحيحه: إنه تخييل. واستدل بحديث المغيرة بن شعبة في الصحيحين: أنه قال: كنتُ أكثر من سؤال النبي ، عن آية. أيّ: علامة الدجال فقال لي: "وما يضرك؟ " قلت: لأنهم يقولون: إن معه جبل خبزٍ. قال: "هو أهونُ من ذلك"، قال فمعناه: أنه أهونُ على الله من أن يكونَ معه ذلك حقيقةً، بَل يُرى ذلك وليس بحقيقة ويدل له أيضًا الرواية السابقة: "أحدهما في رأي العين ماء أبيض" الحديث. وقال جماعة منهم ابن العربي: بل هي على ظاهرها امتحانًا من الله لعباده، وحملوا قوله : "هو أهون" إلى آخره أي: قال من أن يُخافَ منه، أو أن يُضل اللهُ به من يُحبه. قال في "الإشاعة": والتحقيق الأول: ويدل له مع ما تقدم قوله : "فمن أدرك ذلك منكم فليقع بالذي يراه أنه نارٌ فإنه عذبٌ بارد"، وبما في رواية: "فالنار روضَةٌ خضراءُ"، والله الموفق». "البحور الزاخرة" (2/577، 578). ومن فتنته أنه يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، كما في حديث النواس بن سمعان الطويل، وفيه: «فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم، أطول ما كانت ذرا، وأسبغه ضروعا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم، فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل». أخرجه مسلم برقم (2937). ومن فتنته أنه يخيل للناس أنه يبعث الموتى، كما في حديث أبي أمامة الباهلي الطويل، وفيه: «وإن من فتنته أن يقول لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه، وأمه، فيقولان: يا بني، اتبعه، فإنه ربك». أخرجه ابن ماجه برقم (4077).

هلاك الدجال

يكون هلاك الدجال على يد عيسى بن مريم عليه السلام، ويكون هلاكه بباب لدّ في الشام، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلاَئِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ» أخرجه مسلم برقم (1380). وكما في حديث مُجَمِّعَ بْن جَارِيَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ: «يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ» أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (6811)، وثبت كذلك في حديث النواس بن سمعان الطويل في صحيح مسلم رقم (2937).

مسائل متعلقة

من سبل النجاة من فتنة الدجال: البعد عن لقائه، لما رواه عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ، مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ» أخرجه أبو داود برقم (4319) ومنها: تبيين أمره للناس، لما روى الصعب بن جثامة أنه سمع رسول الله يقول: «لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى يَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ، وَحَتَّى تَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ» أخرجه أحمد برقم (16667) ومنها: حفظ أول عشر آيات وآخر عشر آيات من سورة الكهف، لما ثبت عن أبي الدرداء أن النبي قَالَ : «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ» أخرجه مسلم برقم (809) وفي بعض الروايات «من آخر الكهف» انظر سنن أبي داود حديث رقم (4323) ومنها: قراءة سورة الكهف كاملة، لما قاله أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةُ الْكَهْفَ كَمَا أُنْزِلَتْ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الدَّجَّالِ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ - أَوْ : لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ». أخرجه الحاكم برقم (8562) قال القرطبي: «اختلف المتأوِّلون في سبب ذلك؛ فقيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال، ولم يَهُلهُ ذلك، فلا يفتتن به. وقيل: لما في قوله - تعالى -: ﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَولِيَاءَ﴾ - إلى آخر السورة - من المعاني المناسبة لحال الدجّال، وهذا على رواية من روى: من آخر الكهف. وقيل: لقوله - تعالى -: ﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ﴾؛ تمسُّكًا بتخصيص البأس بالشدة واللدنِّية، وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية، واستيلائه، وعظيم فتنته، ولذلك عظَّم النبي أمره، وحذّر منه، وتعوّذ من فتنته. فيكون معنى هذا الحديث: أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها، ووقف على معناها؛ حذره، فأمن من ذلك. وقيل: هذا من خصائص هذه السورة كلها، فقد روي: من حفظ سورة الكهف، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه. وعلى هذا تجتمع رواية من روى: من أول سورة الكهف، ورواية من روى: من آخرها، ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها. وقيل: إنما كان ذلك لقوله: ﴿قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأسًا شَدِيدًا مِن لَدُنهُ﴾ فإنه يهون بأس الدجال، وقوله: ﴿وَيُبَشِّرَ المُؤمِنِينَ الَّذِينَ يَعمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا حَسَنًا﴾؛ فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يظهر من جنته وناره، وتنعيمه وتعذيبه، ثم ذمُّه - تعالى - لمن اعتقد الولد؛ يفهم منه: أن من ادعى الإلهية أولى بالذم، وهو الدجال، ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن، وذلك أن الله - تعالى - حكى عنهم أنهم قالوا: ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنَا مِن أَمرِنَا رَشَدًا﴾ فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا، وسألوا إصلاح أحوالهم، فأصلحت لهم، وهذا تعليم لكل مدعو إلى الشرك. ومن روى: من آخر الكهف؛ فلما في قوله - تعالى -: ﴿وَعَرَضنَا جَهَنَّمَ يَومَئِذٍ لِلكَافِرِينَ عَرضًا﴾ فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من ناره. وقوله: ﴿الَّذِينَ كَانَت أَعيُنُهُم فِي غِطَاءٍ عَن ذِكرِي﴾ تنبيه على أحوال تابعي الدجال؛ إذ قد عموا عن ظهور الآيات التي تكذبه. والله أعلم».

أقوال أهل العلم

«كان السلف يستحبون أن يلقن الصبيان أحاديث الدجال ليتحفظوها، وتترسخ في نفوسهم، ويتوارثها الناس». النَّوَوِي "تهذيب الأسماء واللغات" (1/185)

مذاهب المخالفين

ممن أنكر خروج الدجال بالكلية: الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة، وأثبته بعض العلماء لكن مع تقرير أنه لا يفتن الناس بأمور حقيقية، وإنما هي خيالات يخيلها لهم. قال أبو العباس القرطبي بعد ذكر الدجال وأن خروجه آخر الزمان حق: «وهذا مذهب أهل السنة، وعامة أهل الفقه والحديث، خلافًا لمن أنكر أمره وأبطله من الخوارج وبعض المعتزلة، وخلافا للجبائي من المعتزلة، ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق وحيل». "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (7/267). وقال ابن كثير: «وقد تقدم حديث حذيفة وغيره أن ماءه نار، وناره ماء بارد، وإنما ذلك في رأي العين وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أن الدجال ممخرق مموه لا حقيقة لما يبدي للناس من الأمور التي تشاهد في زمانه بل كلها خيالات عند هؤلاء». وقال الشيخ أبو علي الجبائي شيخ المعتزلة: «لا يجوز أن يكون كذلك حقيقة لئلا يشتبه خارق الساحر بخارق النبي، وقد أجابه القاضي عياض وغيره بأن الدجال إنما يدعي الإلهية، وذلك مناف للبشرية، فلا يمتنع إجراء الخارق على يديه والحالة هذه. وقد أنكرت طوائف كثيرة من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة خروج الدجال بالكلية، وردوا الأحاديث الواردة فيه، فلم يصنعوا شيئًا وخرجوا بذلك عن حيز العلماء لردهم ما تواترت به الأخبار الصحيحة من غير وجه عن رسول الله ». "النهاية في الفتن والملاحم" (1/139). أما منكرو الدجال بالكلية ففيما سبق من الأدلة رد عليهم، وإبطال لمذهبهم، وأما من زعموا أنه صاحب خيالات لا حقائق لها لأنه لو كان بأمور حقيقة لما كان هناك فرق بينه وبين النبي، قد أجاب ابن تيمية عن قولهم ببيان الفرق فقال: «معجزات الأنبياء من خواصها أنه لا يقدر أحد أن يعارضها ويأتي بمثلها، بخلاف غيرها فإن معارضتها ممكنة فيبطل دلالتها. والمسيح الدجال: يدعي الإلهية، ويأتي بخوارق، ولكن نفس دعواه الإلهية دعوى ممتنعة في نفسها، ويرسل الله عليه المسيح ابن مريم فيقتله ويظهر كذبه، ومعه ما يدل على كذبه من وجوه: منها: أنه مكتوب بين عينيه كافر. ومنها: أنه أعور، والله ليس بأعور. ومنها: أن أحدا لن يرى ربه حتى يموت، ويريد أن يقتل الذي قتله أولا فيعجز عن قتله. فمعه من الدلائل الدالة على كذبه ما يبين أن ما معه ليس اية على صدقه، بخلاف معجزات الأنبياء، فإنه لا يمكن أحد من الإنس والجن أن يأتي بنظيرها ولا يبطلها مثل قلب العصا حية لموسى، وإخراج ناقة لصالح من الأرض، وإحياء الموتى للمسيح، وانشقاق القمر وإنزال القران وغير ذلك لمحمد » "الجواب الصحيح" (1/417، 418) وانظر "النبوات" (2/857: 860) وبعض العلماء أجاب بأن الفرق هو دعوى النبوة، فإن الخارق للعادة عندهم إذا اجتمع معه دعوى النبوة فهو معجزة، وهذا قول الأشعرية، قال عبد القاهر البغدادي: «وإنما اشترطنا فيه - أي في حد المعجزة- إظهاره لصدق نبي أو ولي لجواز ظهور ما يخالف العادة على مدعي الإلهية فلا يكون دلالة على صدقه كالذي يظهر على الدجال في آخر الزمان، وصورته كافية في الدلالة على كذبه فلا ضرر في ظهور ما يخالف العادة عليه» "أصول الدين" (ص170، 171) ورد على هذا القول ابن تيمية فقال: «والذين قالوا: من شرط الآيات أن تقارن دعوى النبوة: غلطوا غلطاً عظيماً، وسبب غلطهم: أنّهم لم يعرفوا ما يخص بالآيات، ولم يضبطوا خارق العادة بضابط يميّز بينها وبين غيرها، بل جعلوا ما للسحرة والكهّان، هو أيضاً من آيات الأنبياء، إذا اقترن بدعوى النبوة، ولم يُعارضه معارض. وجعلوا عدم المعارض هو الفارق بين النبيّ وغيره، وجعلوا دعواه النبوة جزءاً من الآية، فقالوا: هذا الخارق إن وجد مع دعوى النبوة، كان معجزة، وإن وجد بدون دعوى النبوة، لم يكن معجزة، فاحتاجوا لذلك أن يجعلوه مقارناً للدعوى. قالوا: والدليل على ذلك: أنّ مثل آيات الأنبياء يأتي في آخر الزمان، إذا جاءت أشراط الساعة، ومع ذلك ليس هو من آياتهم وكذلك قالوا في كرامات الأولياء. أشراط الساعة من آيات الأنبياء وليس الأمر كذلك، بل أشراط الساعة هي من آيات الأنبياء، من وجوه؛ منها: أنهم أخبروا بها قبل وقوعها، فإذا جاءت كما أخبروا، كان ذلك من آياتهم. ومنها: أنهم أخبروا بالساعة، فهذه الأشراط مصدّقة لخبرهم بالساعة، وكلّ من آمن بالساعة آمن بالأنبياء، وكلّ من كذب الأنبياء كذّب الساعة... فلا يوجد خرق عادة لجميع الناس، إلا وهو من آيات الأنبياء. وكذلك الذي يقتله الدجال، ثم يحييه، فيقوم، فيقول: أنت الأعور الكذّاب الذي أخبرنا به رسول الله ، والله ما ازددت فيك إلا بصيرة. فيريد الدجال أن يقتله، فلا يقدر على ذلك. الرجل الذي يقتله الدجال ثم يحييه من آيات الرسول فهذا الرجل بعد أن قتل وقام، يقول للدجال: أنت الأعور الكذّاب، الذي أخبرنا به رسول الله ، والله ما ازددت فيك بهذا القتل إلا بصيرة. ثم يريد الدجال أن يقتله، فلا يقدر عليه فعجزه عن قتله ثانياً، مع تكذيب الرجل له بعد أن قتله، وشهادته للرسول محمّد بالرسالة، هو من خوارق العادات، التي لا توجد إلاّ لمن شهد للأنبياء بالرسالة. وهذا الرجل هو من خيار أهل الأرض المسلمين. فهذا الخارق الذي جرى فيه، هو من خصائص من شهد لمحمّد بالنبوة؛ فهو من اعلام النبوة، ودلائلها. وكونه قُتِل أوّلاً أبلغ في الدلالة؛ فإنّ ذلك لم يزغه، ولم يُؤثّر فيه، وعلم أنّه لا يُسلّط عليه مرة ثانية، فكان هذا اليقين والإيمان، مع عجزه عنه، هو من خوارق الآيات. ومعلومٌ أنّ قتله ممكنٌ في العادة، فعجزه عن قتله ثانياً، هو الخارق للعادة» "النبوات" (2/253-256). وممن أنكر الدجال من المعاصرين: محمد عبده، حيث ينقل عنه تلميذه محمد رشيد رضا قوله: «إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها، والأخذ بأسرارها وحكمها» "تفسير المنار" (3/317) ومنهم من أقر بأصل الدجال لكن أنكر صفته الواردة في الأحاديث، والأحداث التي جاءت بها السنة، مثل محمد رشيد رضا حيث يقول: «وجملة أخبار الدجال قالوا: إنها متواترة، يعنون التواتر المعنوي، وهو أن لها أصلا، وإن لم يتواتر شيء من رواياتها. ويدل القدر المشترك منها على أن النبي كشف له وتمثل له ظهور دجال في اخر الزمان يظهر للناس خوارق كثيرة وغرائب يفتتن بها خلق كثير، وأنه من اليهود، وأن المسلمين يقاتلونه ويقاتلون اليهود في هذه البلاد المقدسة وينتصرون عليهم، وقد كشف له ذلك مجملا غير مفصل ولا بوحي عن الله تعالى - كما كشف له غير ذلك من الفتن - فذكره فتناقله الرواة بالمعنى فأخطأ كثير منهم، وتعمد الذين كانوا يثبتون الإسرائيليات الدس في رواياته» "تفسير المنار" (9/416) وقال مبينًا الإشكالات في أحاديث الدجال: «إن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه: أحدها: ما ذكرناه انفا من منافاتها لحكمة إنذار القران الناس بقرب قيام الساعة وإتيانها بغتة. ثانيها: ما ذكر فيها من الخوارج التي تضاهي أكبر الايات التي أيد الله بها أولي العزم من المرسلين أو تفوقها، وتعد شبهة عليها كما قال بعض علماء الكلام، وعد بعض المحدثين ذلك من بدعتهم، ومن المعلوم أن الله ما اتاهم هذه الايات إلا لهداية خلقه، التي هي مقتضى سبق رحمته لغضبه، فكيف يؤتي الدجال أكبر الخوارق لفتنة السواد الأعظم من عباده؟... ثالثها: وهو من متعلقات ما قبله، أن ما عزي إليه من الخوارق مخالف لسنن الله تعالى في خلقه، وقد ثبت بنصوص القران القطعية أنه لا تبديل لسنته تعالى ولا تحويل. وهذه الروايات المضطربة المتعارضة لا تصلح لتخصيص هذه النصوص القطعية ولا لمعارضتها. رابعها: اشتمال بعض هذه الأحاديث على مخالفة بعض القطعيات الأخرى من الدين كتخلف أخبار الرسل أو كونها عبثا وإقرارهم على الباطل وهو محال في حقهم. خامسها: أنها متعارضة تعارضا كثيرا يوجب تساقطها كما ترى فيما يلي» ثم ذكر أمثلة لتعارضها، ثم قال: «وقد حاول شراح الصحيحين وغيرهم الجمع بين الروايات المتعارضة في كل مسألة فجاءوا بأجوبة متكلفة ردها المحقون كلها أو أكثرها، وفيها من المشكلات غير ما أشرنا إليه ولا سيما الروايات في ابن صياد» ويجاب عن الوجه الأول: بأن إتيان الساعة بغتة لا ينافي وجود علامات تدل على قرب وقوعها. وعن الثاني: بأن الفرق بين بين الايات التي جاءت بها الرسل وبين خوارق الدجال، فإن الدجال يدعي الألوهية، ولا يمكن لعاقل أن يؤمن بألوهية بشر مثله، أما الأنبياء فإنهم ادعو أنهم رسل الله تعالى فلهذا وجب تصديقهم بما جاؤوا به من ايات، ثم إن الأنبياء حذروا أممهم من الدجال وبينوا لهم صفته ونعته حتى يتقوا فتنته، فأين هذا من قصد الإضلال والفتنة؟! كما أن الدجال يكتب على جبينه "كافر" يراها كل مؤمن، كما ثبت ذلك في السنة، فأين هذا من قصد الإضلال والفتنة؟! وعن الثالث: ببيان الفرق بين السنن الدينية والسنن الطبيعية العادية، فإن عدم التحول مطلقا إنما هو في الأولى لا الثانية، وفي هذا يقول ابن تيمية: «وهذه السنن كلها سنن تتعلق بدينه وأمره ونهيه ووعده ووعيده وليست هي السنن المتعلقة بالأمور الطبيعية كسنته في الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من العادات فإن هذه السنة ينقضها إذا شاء بما شاءه من الحكم كما حبس الشمس على يوشع وكما شق القمر لمحمد وكما ملأ السماء بالشهب وكما أحيا الموتى غير مرة وكما جعل العصا حية وكما أنبع الماء من الصخرة بعصا وكما أنبع الماء من بين أصابع الرسول » "جامع الرسائل" (1/52) وعن الرابع: بمنع أن يكون في أحاديث الدجال مخالفة للقطعيات، يقول المطرفي: «فهذا إشكال لا قيمة له في الحقيقة لأن النبي كما حذر من الدجال حذر من قيام الساعة. فكما أن الساعة لم تقع ولم يأت وقت وقوعها فكذلك المسيح الدجال لم يخرج ولم يأت وقت خروجه. وليس في هذا دليل على مخالفتها للقطعيات أو كذب تلك الأخبار أو تخلفها» "اراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى" (ص199) وعن الخامس: بمنع التعارض الحقيقي، وهو لا يقع بين الأحاديث الصحيحة أبدا، قال الباقلاني: «فكل خبرين علم أن النبي تكلم بهما فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين» "الكفاية" للخطيب البغدادي (2/260) وراجع الرد التفصيلي على ما ذكره محمد رشيد رضا في كتاب "اراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى" للمطرفي (ص187-231).

المواد الدعوية