البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

طلوع الشمس من مغربها

طلوع الشمس من مغربها من أشراط الساعة، وقد ثبت ذلك بالقرآن والأحاديث المتواترة وإجماع الأمة، ويجب الإيمان بذلك وأنه لا يقبل بعد طلوعها من مغربها إيمان ولا توبة، والحكمة من ذلك أن طلوعها من مغربها من أكبر أشراط الساعة، فعومل معاملة قيام الساعة، ووقعت الشبهة لبعض المتأخرين فأنكرها، ورَدَّ عليه العُلَمَاء.

التعريف

التعريف لغة

الطلوع لغة: هو الظهور والارتفاع، قال ابن فارس: «الطَّاءُ وَاللَّامُ وَالْعَيْنُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ، يَدُلُّ عَلَى ظُهُورٍ وَبُرُوزٍ، يُقَالُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ طُلُوعًا وَمَطْلَعًا» "مقاييس اللغة" (3/419). وانظر "لسان العرب" لابن منظور (8/235)، و"تاج العروس" للزبيدي (21/446). والشمس معروفة، قال ابن فارس: «الشِّينُ وَالْمِيمُ وَالسِّينُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى تَلَوُّنٍ وَقِلَّةِ اسْتِقْرَارٍ. فَالشَّمْسُ مَعْرُوفَةٌ، وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، هِيَ أَبَدًا مُتَحَرِّكَةٌ». "مقاييس اللغة" (3/212). وقال الراغب: «الشَّمْسُ يقال للقرصة، وللضّوء المنتشر عنها، وتجمع على شُمُوسٍ. قال تعالى: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها». "المفردات" (ص464). وانظر "لسان العرب" (6/113). والمغرب: هو موضع الغروب، قال الراغب: «الْغَرْبُ: غيبوبة الشّمس، يقال: غَرَبَتْ تَغْرُبُ غَرْباً وغُرُوباً، ومَغْرِبُ الشّمس ومُغَيْرِبَانُهَا» "المفردات" (ص604). وقال ابن منظور: «والمَغرِبُ فِي الأَصل: مَوْضِعُ الغُروبِ، ثُمَّ استُعْمِل فِي الْمَصْدَرِ وَالزَّمَانِ، وقياسُه الْفَتْحُ، وَلَكِنِ استُعْمِل بِالْكَسْرِ كالمَشْرِق والمسجِد». "لسان العرب" (1/638). وانظر "المصباح المنير" للفيومي (2/444).

التعريف اصطلاحًا

التعريف الاصطلاحي لطلوع الشمس من مغربها، لا يختلف عن التعريف اللغوي، إلا أن طلوعها من مغربها شرعًا مبيَّن أنه من علامات الساعة، وأنه لا يقع إلا في آخر الزمان.

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

العلاقة بين التعريفين علاقة تطابق، والمعنى الاصطلاحي لا يختلف عن المعنى اللغوي.

الأدلة

ثبت طلوع الشمس من مغربها بالكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ [الأنعام: 158] فقد ورد تفسيرها عن النبي بأنها طلوع الشمس من مغربها، كما في حديث أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ آمَنَ مَنْ عَلَيْهَا، فَذَاكَ حِينَ: ﴿لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ﴾» أخرجه البخاري برقم (4635) وحديث أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَغِيبُ الشَّمْسُ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَيُؤْذَنُ لَهَا فَتَرْجِعُ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَطْلُعُ صَبِيحَتَهَا مِنَ الْمَغْرِبِ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهَا، فَإِذَا أَصْبَحَتْ قِيلَ لَهَا: اطْلُعِي مِنْ مَكَانِكِ " ثُمَّ قَرَأَ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾» أخرجه أحمد في مسنده برقم (21300) وقال الطبري: «وأوْلى الأقْوالِ بِالصَّوابِ فِي ذَلِكَ، ما تَظاهَرَتْ بِهِ الأخْبارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أنَّهُ قالَ: «ذَلِكَ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِها». "تفسير الطبري" (10/28). وقال السفاريني: «قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ [الأنعام: 158] الآية، أجمع المفسرون أو جُمهورهم: على أنها طلوع الشمس من مغربها». "البحور الزاخرة" (2/651). ومن السنة حديث أَبِي هُرَيْرَةَ الطويل، وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَتُهُمَا وَاحِدَةٌ... وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ - يَعْنِي آمَنُوا - أَجْمَعُونَ، فَذَلِكَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ، أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا» أخرجه البخاري برقم (7121) وحديث أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: «أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ، فَلاَ يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلاَ يُؤْذَنَ لَهَا يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾». أخرجه البخاري برقم (3199)، ومسلم برقم (159). وحديث حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ : اطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ : مَا تَذَاكَرُونَ؟ قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ : «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ، الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَأَجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلاَثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ». أخرجه مسلم برقم (2901). إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان. وحكم عدد من العلماء على أحاديث طلوع الشمس من مغربها بالتواتر، قال ابن كثير: «فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَوَاتِرَةُ مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ إِيمَانًا أَوْ تَوْبَةً بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل مِنْهُ». "النهاية في الفتن والملاحم" (1/186). راجع "آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية" لمشاري المطرفي، و"موسوعة أحاديث الفتن وأشراط الساعة" لهمام عبد الرحيم ومحمد همام (ص862-870). وثبت أيضًا بإجماع الأمة، قال ابن القيم: «فصل فيما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة من السنن التي خلافها بدعة وضلالة» "اجتماع الجيوش الإسلامية" (1/215). وذكر فيه الإيمان «بالآيات التي بين يدي الساعة: من طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وغير ذلك مما صحَّت به الروايات» "اجتماع الجيوش الإسلامية" (1/220).

الحكم

يجب الإيمان بطلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، وأنه حق، قال الطحاوي: «ونُؤْمِنُ بِأشْراطِ السّاعَةِ مِن خُرُوجِ الدَّجّالِ ونُزُولِ عِيسى ابْنِ مَرْيَمَ عليه السلام مِنَ السَّماء، ونُؤْمِنُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها». "العقيدة الطحاوية" (ص31). وقال الموفق ابن قدامة: «ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق، وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه... ومن ذلك أشراط الساعة، مثل خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأشباه ذلك مما صح به النقل». "لمعة الاعتقاد" (ص28-31).

الحكمة

مما قيل في حكمة طلوع الشمس من مغربها: إثبات قدرة الله تعالى، وأنه قدير أن يطلعها من المغرب كما يطلعها من المشرق، قال السخاوي: «وأما طلوع الشمس من مغربها الذي قيل في حكمته: إن إبراهيم عليه السلام قال لنمروذ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾، وأن الملحدة والمنجمة عن آخرهم ينكرون ذلك، ويقولون: هو غير كائن؛ فيطلعها الله تعالى من المغرب لِيُرِيَ المنكرين قدرته أن الشمس في ملكه إن شاء أطلعها من المشرق، وإن شَاء أطلعها من المغرب، وإليه الإشارة بقوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا﴾». "القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة" (1/58). وأما الحكمة من عدم قبول التوبة بعد طلوعها من مغربها: فهو لرؤيتهم صدق النبي عيانًا، واضطرارهم حينئذ إلى الإيمان، قال ابن الجوزي: «وإنما لم ينفع الإيمان والعمل الصالح حينئذ لظهور الآية التي تضطرهم إلى الإيمان». "زاد المسير" (2/96). وقال ابن كثير: «وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَكْبَرِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا الدَّالَّةِ عَلَى اقْتِرَابِهَا وَدُنُوِّهَا، فَعُومِلَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مُعَامَلَةَ يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظرُونَ إلاَّ أَنْ تَأتِيَهُمْ المَلاَئِكَةُ أوْ يَأتِيَ رَبًّكَ أوْ يَأتي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبك لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل﴾». "النهاية في الفتن والملاحم" (1/186). وقال ابن الملقن: «ذكر العلماء أنه إنما لم ينفع نفسًا إيمانها عند طلوع الشمس؛ لأنه خلص إلى قلوبهم ما يخمد به كل شهوة من شهوات النفس، وتفتر كل قوة من قوى البدن، ويصير الناس كلهم لإيقانهم بدنو القيامة في حال من حضره الموت لانقطاع الدواعي إلى أنواع المعاصي عنهم، وبطلانها من أبدانهم فمن تاب في مثل هذِه الحالة لم تقبل توبته كما لا تقبل توبة من حضره الموت كما في الحديث: "فيها إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" أي بلغت روحه من حلقه وذلك وقت المعاينة التي يرى فيها مقعده من النار أو من الجنة، فالمشاهدة لطلوع الشمس من مغربها مثله، وعلى هذا ينبغي أن تكون توبة كل من شاهد ذلك أو كان كالمشاهد له، مردودة ما عاش؛ لأن علمه بالله وبنبيه وبوعده قد صار ضرورة فإن امتدت أيام الدنيا -كما بيناه في حديث عبد الله بن عمرو- إلى أن ينسى الناس من هذا الأمر العظيم ما كان ولا يتحدثوا عنه إلا قليلا فيصير الخبر عنهم خاصًّا وينقطع التواتر، فمن أسلم في ذلك الوقت أو تاب قُبِل منه». "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (22/348، 349).

الأحداث

أول أشراط الساعة الكبرى ظهورًا

اختلفت الأحاديث في أول الآيات ظهورًا، ففي بعضها أن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات، وفي بعضها أن الدجال أولها، فعن أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: جَلَسَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ، فَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ فِي الْآيَاتِ: أَنَّ أَوَّلَهَا خُرُوجُ الدَّجَّالِ، قَالَ: فَانْصَرَفَ النَّفَرُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثُوهُ بِالَّذِي سَمِعُوهُ مِنْ مَرْوَانَ فِي الْآيَاتِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَمْ يَقُلْ مَرْوَانُ شَيْئًا، قَدْ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدِيثًا لَمْ أَنْسَهُ بَعْدُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا» أخرجه مسلم برقم (7494)، وأحمد في مسنده برقم (6881). فمما قيل في الجمع بين الأحاديث، أن الدجال هو أول الآيات الأرضية، وطلوع الشمس من مغربها أول الآيات العلوية. قال ابن حجر: «فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم وأن طلوع الشمس من المغرب هو أول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب». "فتح الباري" (11/353). وقال السخاوي: «وبالجملة فالوارد في كون أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة مع صحته لا ينافي الوارد في كون أولها الدجال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج لحمله فيها على الأمور المألوفة؛ لأنه شيء مشاهد بخلافه فيهما فليس بمألوف بل هو مخالف للعادات المستقرة، أي: خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف ومخاطبتها الناس ووسمها إياهم بالإيمان والكفر أمر خارج عن مجاري العادات وذلك أول الآيات الأرضية كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الآيات السماوية». "القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة" (1/62، 63).

مذاهب المخالفين

خالف بعض المتأخرين وأنكر طلوع الشمس من مغربها، ومنهم: محمد رشيد رضا حيث يقول بعد ذكر بعض الأحاديث الدالة على طلوع الشمس من مغربها: «وَهُوَ مُشْكَلٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَإِيمَانِ النَّاسِ بِهِ، وَالْمُشْكَلَاتُ فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ كَثِيرَةٌ، أَهَمُّ أَسْبَابِهَا فِيمَا صَحَّتْ أَسَانِيدُهُ وَاضْطَرَبَتِ الْمُتُونُ وَتَعَارَضَتْ أَوْ أُشْكِلَتْ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى... هَذَا وَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالسَّمَاعِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْشَى أَنْ يَكُونَ قَدْ رَوَى بَعْضَهَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَأَمْثَالِهِ فَتَكُونَ مُرْسَلَةً. وَلَكِنَّ مَجْمُوعَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ تُثْبِتُ هَذِهِ الْآيَةَ بِالْجُمْلَةِ فَنَنْظِمُهَا فِي سِلْكِ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَيُحْمَلُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَمَا فِي بَعْضِهَا مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنَ الْأَسْبَابِ، كَالرِّوَايَةِ عَنْ مِثْلِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ رُوَاةِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ». "تفسير المنار" (8/210، 211). ويرد على ما ذكره رشيد رضا: بأن التعارض في أول الآيات ظهورًا تعارض ظاهري، ويمكن الجمع بين الأحاديث بأن الأولية في حديث الدجال أولية متعلقة بالآيات الأرضيةـ والأولية في حديث طلوع الشمس من مغربها أولية متعلقة بالآيات السماوية العلوية كما سبق بيانه، ومجرد تعارض الأحاديث ظاهرًا لا يعني إسقاط العمل بها، لعلمنا أن الأحاديث الصحيحة لا يمكن أن تتعارض تعارضًا حقيقيًا، قال الباقلاني: «فَكُلُّ خَبَرَيْنِ عُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهِمَا فَلاَ يَصِحُّ دُخُولُ التَّعَارُضِ فِيهِمَا عَلَى وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُمَا مُتَعَارِضَيْنِ» "الكفاية" للخطيب البغدادي (2/260) وأما احتجاجه بأنه يحتمل أن يكون رواه عن كعب الأحبار فلا عبرة به، لأن المعوَّل في الباب ليس على حديث أبي هريرة وحده، بل ثبت طلوع الشمس من مغربها من رواية عدد من الصحابة منهم: أبو موسى الأشعري، وحذيفة بن أسيد، وعبد الله بن عمرو، وأبو سعيد الخدري وغيرهم، فهي ليست رواية واحدة لأبي هريرة حتى يمكن الطعن فيها بمثل ذلك، وأيضًا فإن هذه الدعوى تتضمن طعنًا في الصحابة، فإنهم منزَّهون عن أن يكذبوا على النبي ، فينسبون الحديث إليه ولم يقله! راجع"آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية" لمشاري المطرفي (ص313-326). ونسب أيضًا إلى المنجمين والملحدين، قال ابن الملقن: «قيل: إن الحكمة في طلوعها من المغرب -فيما حكاه الثعلبي عن عبد العزيز بن يحيى الكلبي- أن إبراهيم - عليه السلام - قال لنمروذ: ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾ [البقرة: 258] وأن الملحدة والمنجمين عن آخرهم ينكرون وقوع ذلك ويقولون: هو غير كائن فيطلعها الله يومًا من المغرب ليري المنكرين قدرته». "التوضيح لشرح الجامع الصحيح" (22/349). وانظر "القناعة فيما يحسن الإحاطة به من أشراط الساعة" للسخاوي (1/58).