البحث

عبارات مقترحة:

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

موالاة الكفار

نتناول موضوع إظهار المودّة للكفّار، والتصادق مع الكفار أقسامها وأنواعها، والتفريق بين برّهم وموالاتهم، مع ذكر الأدلّة من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل وأقوال العلماء الموقعين عن ربّ العالمين على نقضهم لأوثق عرى الإيمان، وبيان ضلالهم الذي ارتكبوه متحرّين مع ذلك العدل والإنصاف بلا شطط في القول أو زيغ في الوصف.

الأهمية

إنّ مناصرة أعداء الله أو مولاتهم في غاية الخطورة فقد قال صلى الله عليه وسلّم: «إنّ من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله» ، قال أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله «إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، ولكن انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة».

التعريف

التعريف لغة

الموالاة لغةً ضد المعاداة يقال : ولي الشيء وولي عليه ولاية - بالكسر – وولاية - بالفتح - فبالكسر السّلطان وهو الاسم، وبالفتح النّصرة وهي المصدر. وزعم الفرّاء أنّ الكسر والفتح يطلق على المعنيين جميعا، فكلّ من ولي أمرك فهو وليّ. ويقال: هو وليّ بيّن الولاية ووال بيّن الولاية، قال ابن الأعرابيّ: المعنى الّذي يوضّحه: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصّلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه. والموالاة ضدّ المعاداة. وتقول: والى فلان فلانا: إذا أحبّه وناصره. وروى ابن سلّام عن يونس أنّ المولى له مواضع في كلام العرب، فيطلق على المولى في الدّين، والمولى في العصبة، وعلى الحليف الّذي انضمّ إليك فعزّ بعزّك وامتنع بمنعتك، ويطلق على المعتق الّذي ينتسب بنسبك، وكذا العتيق، وعلى ابن العمّ، والعمّ، والأخ، والابن، ويطلق على النّاصر، وعلى المحبّ، وعلى التّابع والملازم. "لسان العرب" (15 /411)، "مختار الصحاح" (1 /345)، "المصباح المنير" (2 /672).

التعريف اصطلاحًا

وقبل أن نشرع في تعريف مصطلح (موالاة الكفّار) نعرّف الولاء بالمعنى الاصطلاحي، فالولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهرًا. قال تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة: 257]. يقول ابن تيمية: «أصل الموالاة هي المحبة، كما أن أصل المعاداة البغض، فإن التحاب يوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يوجب التباعد والاختلاف، وقد قيل: المولى من الولي، وهو القرب، وهذا يلي هذا، أي يقرب منه. والعدو من العدواء، وهو البعد، ومنه العدوة، والشيء إذا ولي الشيء ودنا منه وقرب إليه اتصل به، كما أنه إذا عدي عنه ونأى عنه وبعد منه كان ماضياً عنه. فأولياء الله ضد أعدائه، يقربهم منه ويدنيهم إليه ويتولاهم ويتولونه ويحبهم ويرحمهم، ويكون عليهم منه صلاة، وأعداؤه يبعدهم ويلعنهم، وهو إبعاد منه ومن رحمته، ويبغضهم ويغضب عليهم ، وهذا شأن المتوالين والمتعادين». " قاعدة في المحبة" (ضمن جامع الرسائل) لابن تيمية (2/384). "شرح الطحاوية" (ص403)، و"تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد" (ص422). فموالاة الكفار: هي التّقرّب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنّوايا. كتاب "الإيمان" لنعيم ياسين (ص145).

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

هي العموم والخصوص المطلق. إذ الموالاة الاصطلاحية موالاة مخصوصة، وهذا من صور المجاز اللغوي الصحيحة المعتبرة، وهي قصر العام على بعض أفراده ، فيكون المعنى الاصطلاحي مجازًا لغويًّا وحقيقة عرفية خاصة بأهل الاصطلاح.

الأقسام والأنواع

قسَّم بعض العلماء موالاة الكافر إلى قسمين اثنين: الأوّل: الموالاة الصغرى: وهي التي لا تخرج صاحبها من الملة، وهي محرمة؛ ومن صورها التعصب للكافر لأنه من أبناء الوطن؛ أو الحزب أو لشراكة في مال أو تجارة؛ يعني من أجل مصلحةٍ دنيوية، وموالاته في تلك المصلحة، مع بغضه ديانةً؛ قال ابن تيمية: «قد تحصل للرجل موادتهم لرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه، ولا يكون به كافرًا». "الفتاوى" (7 /523). الثاني: موالاةٌ كفرية: وهي مودة الكفار من أجل دينهم، ومحبتهم بالقلب ديانةً، وقد يتمنى نصرتهم على المسلمين، قال سبحانه وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: 51). "الولاء والبراء في الإسلام" البركاتي (ص 22).

الفروق

الفرق بين موالاة الكفار و البر

أولًا: ينبغي علينا أن نعرف ما هو البرّ، وقد عرّف النبي صلى الله عليه وسلّم لنا البرّ بقوله: «البرّ حسن الخلق». صحيح مسلم (2553). ولا شكّ أنّه من خلال هذا التعريف يتبيّن الفرق بين البرّ والموالاة فليس حسن الخلق ولا اللطف ملازمان للمحبّة والنصرة. قال ابن حجر: «البر والصلة والإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد المنهي عنه». "فتح الباري" (5/233) انظر: البر

الأدلة

القرآن الكريم

موالاة الكفار في القرآن الكريم
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة: 1] إلى قوله ﴿ َومَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة: 1]. وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118]. وقال الله تعالى: ﴿لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: 28]. قال ابن جرير رحمه الله : «ومعنى ذلك: لا تتخذوا، أيها المؤمنون، الكفار ظهرا وأنصارا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم، فإنه من يفعل ذلك ="فليس من الله في شيء"، يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر». "تفسير ابن جرير" (6 /313). وقال تعالى: ﴿ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]. وقال تعالى: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾ [النساء] إلى قوله تعالى : ﴿ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ [النساء: من الآية 139-141]. وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51]. قال ابن جرير رحمه الله : «يعني تعالى ذكره بقوله: "ومن يتولهم منكم فإنه منهم"، ومن يتول اليهود والنصارى دون المؤمنين، فإنه منهم. يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض. وإذا رضيه ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه». "تفسير ابن جرير" (10 /400). وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ , وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة 58-57]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 55-56]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً﴾ [النساء: 97-98]. وقال تعالى: ﴿ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ و َفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ , وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81]. قال الونشريسي في رسالته "أسنى المتاجر" (ص30) التي تناول فيها مسألة مساكنة المشركين في ديارهم بعد سرده هذه الآيات: «وتكرار هذه الآيات في هذا المعنى، وجريها على نسق ووتيرة واحدة مؤكد للتحريم ورافع للاحتمال المتطرق إليه؛ فإن المعنى إذا نص عليه، وأُكِّدَ بالتَّكرار، فقد ارتفع الاحتمال لا شك، فتتعاضد هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، والإجماعات القطعية، على هذا النهي». ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي: «يُفهم من ظواهر هذه الآيات أن من تولى الكفار عمدًا واختيارًا، رغبة فيهم، أنه كافر مثلهم». " أضواء البيان" للشنقيطي (2/111).

السنة النبوية

موالاة الكفار في السنة النبوية
أمّا الأدلّة من السنّة فقد وردت أحاديث بذمّ السكنى معهم، وهو دون مظاهرة الكفار وقتال المسلمين معهم، فقد جاء عنه أنّه قال: «مَن ‌جامعَ ‌المُشرِكَ وسكنَ معهُ فإنَّهُ مِثْلُه». أخرجه أبو داود (2787) وحسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2330). وقال : «أنا بريء من ‌كل ‌مُسلم ‌يقيم بين أظْهُرِ المشركين» قالوا: يا رسول الله، لم؟ قال: «لا تَرَاءَى نارَاهما». أخرجه أبو داود (2645) والترمذي (1604). وعن جرير رضي الله عنه عن النبي قال: «برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في ديارهم». أخرجه الطبراني وصححه الألباني في " الصحيحة" (768). وعنه قال: «من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة». أخرجه الطبراني وصححه الألباني (1193). ومن حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه عن النبي : «لا يقبل اللَّه تعالى من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملًا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين». أخرجه ابن ماجة وحسنه الألباني في " الصحيحة" (369). وقال : «إني بريء من كلّ مسلم مع مشرك». رواه النسائي (8 /36) وحسّنه الألباني في "صحيح الجامع" (2 /17 /1474)، قال ابن الأثير –رحمه الله-: «ومعنى براءته منه له وجهان: أحدهما: البراءة من دمه وغرامة ديته. والثاني: البراءة منه في الدين والإبان على جهة التعظيم والإنكار لمقامه بينهم كقوله: "من شد علينا السلاح فليس منا". وهذا ومثاله كثيرًا ما يجيء في ألفاظه ومقصده منها: التفظيع والإكبار لشأن هذا الأمر حتى يجتنب، وأن الإنسان إذا علم أنه بمخالفته يتبرأ منه ترك ذلك، وفيه دليل على أنه إذا كان أسيرا في أيديهم وأمكنه الخلاص منهم لا يحل له المقام بينهم. "الشافي في شرح مسند الشافعي" للرافعي (5 /224).

الإجماع

قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: «وصح أن قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [المائدة : 51] إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار فقط، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين». "المحلى" (12 /33). وقال الونشريسي في رسالته "أسنى المتاجر" (ص30) التي تناول فيها مسألة مساكنة المشركين في ديارهم: «فلا تجد في تحريم هذه الإقامة، وهذه الموالاة الكفرانية مخالفًا من أهل القبلة، المتمسكين بالكتاب العزيز الذي ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد﴾ [فصلت: 42] فهو تحريم مقطوع به من الدين؛ كتحريم الميتة، والدم، و لحم الخنزير، وقتل النفس بغير حق وأخواته من الكليات الخمس، التي أطبق أرباب الملل و الأديان على تحريمها، ومن خالف الآن في ذلك أو رام الخلاف من المقيمين معهم، والراكنين إليهم فجوَّز هذه الإقامة، واستخفَّ أمرَها واستسهل حكمها فهو مارق من الدين، ومفارق لجماعة المسلمين، ومحجوج بما لا مدفع فيه لمسلم، ومسبوق بالإجماع الذي لا سبيل إلى مخالفته، وخرق سبيله».

وجه عده من النواقض

إنّ الإيمان بالله يلازم بغض الكفر وأهله وعدم ولايتهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «فبين سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه مستلزم لعدم ولايتهم، فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان؛ لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم». "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 /550). ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله : «قوله: (ووالى في الله) هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة، فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لا بد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب. وهي النصرة والإكرام، والاحترام والكون مع المحبوبين باطنًا وظاهرًا. وقوله: (وعادى في الله) هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه. أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطنًا وظاهرًا، وإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه كما قال تعالى: ﴿قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده﴾». "تيسير العزيز الحميد" (413 – 414).

أقوال أهل العلم

«فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية، تورث المحبة والموالاة لهم؛ فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان». ابن تَيْمِيَّة "اقتضاء الصراط المستقيم" (1 /550)
«فإن محبة ‌الموالاة الشركية، والمساكنة النصرانية، والعزم على رفض الهجرة، والركون إلى الكفار، والرضا بدفع الجزية عليهم، ونبذ العزة الاسلامية، والطاعة الإمامية، والبيعة السلطانية، وظهور السلطان النصراني عليها، وإذلاله إياها فواحش عظيمة مُهلكة، قاصمةٌ للظهور، يكاد أن تكون كفرًا، والعياذُ بالله». "أسنى المتاجر" (ص47).
الوَنْشَرِيسي

مسائل متعلقة

حكم فقهاء الأندلس على ابن عباد الذي والى الكفار في مسائل الأقضية والشهادات من "نوازل البرزلي" في الورقة الخامسة عقب كلام لابن عبد الغفور عن بعض المتأخرين في تقسيم الأئمة إلى ضروب ما نصه : «قلت: ولم يتكلم في حكم الفئة التي وقعت استعانتها بالعدو، وأحفظ أني رأيت لابن الصيرفي في دولة لمتونة من صنهاجة أن المعتمد بن عباد استعان بهم في حرب المرابطين، فنصرهم الله عليه وهرب هو، ثم نزل على حكم يوسف بن تاشفين أمير صنهاجة، فاستفتى فيه الفقهاء فأكثرهم أفتى أنها ردة، وقاضِيه مع بعض الفقهاء لم يرها ردة، ولم يبح دمه بالردة، فأمضى ذلك من فتواه، وأخذ بالأيسر، ونقله إلى غمات، وسكنه بها إلى أن مات بها». انتهى منه بلفظه، ونقله الزياتي في نوازله بواسطة السكتاني، والعلمي في آخر نوازله قبيل الجامع بعد أن قال : «وانظر من استعان بالكافر على المسلم». ومن فتوى للحافظ سيدي أحمد بن محمد المقري ما نصه : «ويرحم الله علماء الأندلس أواخر المئة الخامسة، حيث أفتوا بخلع ابن عبّاد حيث أعطى بعض المعاقل للكفار أهل الزيغ والعناد، بل أفتى جمهورهم بقتله والإراحة منه، فهو من أعظم المهمات، وأخذ ابن تاشفين بفتوى الأقل بصون دمه، فخلعه ونقله إلى غمات». الدواهي المدهية للفرق المحمية" للكتاني (ص111، 114). وانظر "النوازل الصغرى" للوزاني (1/415، 428)، و"المعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوى المتأخرين من علماء المغرب" للونشريسي (3/23).