البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الكذب في القول واليمين

قد تضافرتْ نصوصُ الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب، ومن أضراره إحداث الريبة عند الإنسان، والريبة هي التهمة والشك، والكذب محل تهمة وشك، ومن حرمة المسلم على المسلم أن لا تكذب عليه، والكذب يجعل الإنسان يقع في خصلة من خصال المنافقين، وهو بوابة لمساوئ الأخلاق، وجسر إلى رذائل الأعمال وتغيير الفطر المستقيمة، وانحراف العادات القويمة.

التعريف

التعريف لغة

قال ابن منظور: «الكَذِبُ نقيضُ الصِّدْقِ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً. .. تقول كذَّبت الرجل إذا نسبته إلى الكذب وأكْذَبتُه إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب». "لسان العرب" لابن منظور (1 704).

التعريف اصطلاحًا

قال النووي: «الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل». "شرح مسلم" للنووي (1 /69). وقال أيضًا: «واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل، وإنما يأثمُ في العمد». "الأذكار" (ص378). وفي "فتح الباري" لابن حجر (1 /201) : «هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطأً».

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن أصله اللغوي.

الفروق

الفرق بين الكذب في القول واليمين و الخرص

الفرق بين الخرص والكذب: «أن الخرص هو الحزر وليس من الكذب في شيء والخرص ما يحزر من الشيء يقال كم خرص نخلك أي كم يجئ من ثمرته، وإنما استعمل الخرص في موضع الكذب؛ لأن الخرص يجري على غير تحقيق فشبه بالكذب واستعمل في موضعه. وأما التكذيب فالتصميم على أن الخبر كذب بالقطع عليه ونقيضه التصديق». "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري (ص 214).

الفرق بين الكذب في القول واليمين و الافتراء والبهتان

الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان: «الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك. و الافتراء: أخص منه، لأنه الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه، ولذا يقال لمن قال: (فعلت كذا ولم أفعل كذا) مع عدم صدقه في ذلك: هو كاذب، ولا يقال: هو مفتر، وكذا من مدح أحدا بما ليس فيه، يقال: إنه كاذب في وصفه، ولا يقال: هو مفتر، لأن في ذلك مما يرتضيه المقول فيه غالبًا. وقال سبحانه حكاية عن الكفار: ﴿افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا﴾ [الأنعام: 93] لزعمهم أنه أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه. وأيضًا قد يحسن الكذب على بعض الوجوه، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعدة الزوجة، كما وردت به الرواية، بخلاف الافتراء. وأما البهتان : فهو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له». "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري (ص 449).

الفرق بين الكذب في القول واليمين و الإفك

«الكذب: اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، وأصله في العربية التقصير ومنه قولهم كذب عن قرنه في الحرب إذا ترك الحملة عليه وسواء كان الكذب فاحش القبح أو غير فاحش القبح. و الإفك: هو الكذب الفاحش القبح مثل الكذب على الله ورسوله أو على القرآن ومثل قذف المحصنة وغير ذلك مما يفحش قبحه وجاء في القرآن على هذا الوجه قال الله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [الجاثية: 7]». "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري (ص450).

الفرق بين الكذب في القول واليمين و التعريض

الكلام يعني به المُتكلِّم معنى، وذلك المعنى يريد أن يفهمه المخاطب، فإذا لم يكن على ما يعنيه فهو الكذب المحض، وإن كان على ما يعنيه ولكن ليس على ما يفهمه المخاطب؛ فهذه المعاريض، وهي كذب باعتبار الأفهام؛ وإن لم تكن كذبًا باعتبار الغاية السائغة. "قاعدة في الغيبة" لابن تيمية (ص43- ضمن مجموع علمي).

الأدلة

القرآن الكريم

الكذب في القول واليمين في القرآن الكريم
قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُون﴾. [البقرة: ]. وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾. [النحل: 105]. وقال سبحانه: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾. [الجاثية: 7]. وقال عز وجل: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ﴾. [الشعراء: 221 - 223]. وقال في وصف المنافقين: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ﴾ [الحشر: 11 - 12]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ [الأنعام: 93]. وقال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ ﴾ [الزمر: 60].

السنة النبوية

الكذب في القول واليمين في السنة النبوية
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ، قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان». أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59). وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع». أخرجه مسلم (4). وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي قال: «من حلف بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال، ومن قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جهنم». أخرجه البخاري (1363). وعن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة». أخرجه الترمذي (2516)، والنسائي (5711). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ كَذّابًا». أخرجه مسلم (2607).

الإجماع

يقول ابن رشد رحمه الله: «الكذب فيما لا مضرة فيه، ولا يقصد به وجهاً من وجوه الخير، وهو قول الرجل في حديثه كان كذا وكذا، وجرى كذا وكذا، لِما لم يكن ولا جرى، فهذا الكذب محرم في الشريعة بإجماع العلماء». "البيان والتحصيل" (17/151). ويقول النووي رحمه الله: «وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة». "الأذكار" للنووي (ص 377).

أقوال أهل العلم

«لأن يضعني الصدق- وقلما يضع- أحب إلي من أن يرفعني الكذب، وقلما يفعل». العَدَوِي "أدب الدنيا والدين" للماوردي (1 /263).
«أعظم الخطايا الكذب، ومن يعف يعف الله عنه». ابن مَسْعُود أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1 /138).
«الكذب فجور، والنميمة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نم فقد سحر». ابن عبَّاس "عيون الأخبار" لابن قتيبة (2 /31).
«زعموا زاملة الكذب». عَبْد الله بن عُمَر "عيون الأخبار" لابن قتيبة (2 /32).
حَذَارِكَ مِنْ كَذْبِ اليمينِ فإنَّهُ*****لَيُوجِبُ سُخْطَ اللَّهِ إنْ يُتَعَمَّدِ وأَوْجِبْ لِإِنْجَا هالِكٍ مِنْ ظَلَامَةٍ*****ونَدْبٍ لمندوبٍ لإصلاحِ مُفْسِدِ المَرْداوي "الألفية في الآداب الشرعية" (ص63).
«إنما يضرُّ الإنسانَ الكذبُ، والإصرار على كثرة الخطأ، والتجرِّي على تدليس الباطل، فإنه خيانة وجناية، والمرء المسلم يُطبَع على كل شئ إلا الخيانة والكذب». الذَّهَبي "ميزان الاعتدال" (1/3).

الصور

1- الكذب على الله تعالى: قال تعالى: ﴿ قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60]. 2-الكذب على النبي صلى عليه وسلم: في الحديث: «مَن كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». أخرجه البخاري(107). 3- الكذب على الناس في الحديث والعهود: ع ن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم: «إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يُكْتَبَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ كَذّابًا». أخرجه مسلم (2607). 4- الكذب على الأبناء والأطفال: عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: «أتى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في بيتِنا وأنا صبيٌّ قال : فذهبتُ أخرجُ لألعبَ فقالت أمي : يا عبدَ اللهِ تعالَ أُعطيكَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : وما أردتِ أن تُعطيه ؟ قالت : أُعطيه تمرًا قال : فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أما إنك لو لم تُعطِه شيئًا كُتبتْ عليكِ كَذِبةٌ». أخرجه أبو داود (4991)، وأحمد (15740). 5-الكذب في وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة: انتحال شخصية من الشخصيات المشهورة أو المعروفة والتسمي بأسمائهم والتصريح والكتابة وكأنها من نتاجهم أو أفكارهم أو نسبة الكلام إليهم. 6- الكذب لإضحاك الناس: روي عن النَّبي أنه قال: «ويل للذي يحدث بالحديث، ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له». أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315). 7- كذب التاجر في بيان سلعته: عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: «أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها، لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين»، فنزلت: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ [آل عمران: 77]». أخرجه البخاري (4551). 8- الكذب في الشهادة : فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت». أخرجه البخاري (5976)، ومسلم (87).

الأقسام والأنواع

الكذب المحرم: ومن صوره الكذب على الله ورسوله والكذب على الناس والكذب في المعاملات وغيرها، وقد تقدمت. الكذب الجائز: والأصل فيه حديث أم كلثوم بنت عقبة أن النبي قال: «ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا». متفق عليه. وزاد مسلم في رواية له: " قالت أُمّ كلثوم: «ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأَةِ زَوْجَها. وفي روايةٍ : بهذا الإسْنادِ، إلى قَوْلِهِ: ونَمَى خَيْرًا ولَمْ يَذْكُرْ ما بَعْدَهُ». أخرجه مسلم (2605). وعن أسماء بنت يزيد، عن النبي قال: «لا ‌يصلح ‌الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه، أو كذب في الحرب، فإن الحرب خدعة، أو كذب في إصلاح بين الناس». أخرجه أحمد (27597)، وفي سنده ضعف. قال الحجاوي: «الكذب حرام إلا في ثلاثة مواضع، وهي: خداع الكفار في الحرب، وللزوجة، وللإصلاح، فهذه المواضع يباح الكذب فيها، نص عليه أحمد. فالكذب بين اثتنين أو قبيلتين: هو أن ينمي من أحدهما إلى صاحبه خيرًا، ويُبلغُه جميلًا، وإن لم يكن سمعه منه، يريد بذلك الإصلاح، أو كان سمع منه كلامًا قبيحًا فبدله بخير منه؛ إذ لو وقف على ذلك لزادت الخصومة بينهما ونشأت العداوة. وأما الكذب ‌في ‌الحرب: فهو أن يظهر من نفسه قوة، ويتحدث بما يقوي أصحابَه، ويكيد به عدوه، وقد روي عن النبي : «الحرب خدعة»، وكان إذا أراد غزوة ورى بغيرها. والكذب للزوجة هو أن يعدَها، ويُمَنيها، ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه، ليستديم بذلك صحبتها، ويستصلحَ به خلقها. قاله البغوي في "شرح السنة". وظاهر كلام الأصحاب إباحة الكذب للزوجة دون كذب الزوجة له، والظاهر إباحته لكل منهما فيما بينه وبين صاحبه، ولأن صحبتهما تطول، وإصلاح الإنسان ما بينه وبين صاحبه أفضل من إصلاحه ما بينه وبين الناس». "شرح منظومة الآداب" (ص113-115). وزاد بعض أهل العلم حالةً رابعة، وهي: دفع المظالم كمن اختفى عنده رجل ممن يريد قتله فيجحده. "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص282-283). وقال النووي: «وقد ضبط العلماءُ ما يُباح منه. وأحسنُ ما رأيتُه في ضبطه، ما ذكرَه الإِمامُ أبو حامد الغزالي». "الأذكار" (ص377). وكلام الغزالي في ضبط الكذب المباح أورده في كتابه "إحياء علوم الدين"، وحاصله كما نقله النووي: «الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يُمكن التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذبُ فيه حرامٌ، لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه، وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندَه أو عندَ غيره وديعة وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها، وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه فأخذَها الظالمُ قهرًا، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفَه عليها، لزمَه أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورّ، حنثَ على الأصحّ، وقيل لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حَرْبٍ، أو إصلاحِ ذاتِ البين، أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلّه أن يورّي، ومعنى التورية أن يقصدَ بعبارته مقصودًا صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ. ولو لم يقصد هذا، بل أطلق عبارةَ الكذب، فليس بحرام في هذا الموضع.. . وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي له، مثلُ أن يأخذَه ظالمٌ، ويسألَه عن ماله ليأخذَه، فله أن ينكرَه، أو يسألَه السلطانُ عن فاحشةٍ بينَه وبينَ الله تعالى ارتكبَها، فله أن ينكرَها ويقول ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلًا. وقد اشتهرتِ الأحاديث بتلقين الذين أقرّوا بالحدود الرجوع عن الإِقرار. وأما غرضُ غيره، فمثل أن يُسأَلَ عن سرّ أخيه فينكرَهُ ونحو ذلك، وينبغي أن يُقابِلَ بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدّ ضرراً، فله الكذبُ، وإن كان عكسُه، أو شكّ، حَرُمَ عليه الكذبُ، ومتى جازَ الكذبُ، فإن كان المبيحُ غرضًا يتعلّقُ بنفسه، فيستحبّ أن لا يكذبَ، ومتى كان متعلقاً بغيره، لم تجز المسامحةُ بحقّ غيره، والحزمُ تركه في كل موضعٍ أُبيحَ، إلا إذا كان واجبًا». انظر: "البيان والتحصيل" لابن رشد (17/151)، "إحياء علوم الدين" للغزالي (5 /488-495)، "القوانين الفقهية" لابن جزي (ص282-283)، و"شرح منظومة الآداب" للحجاوي (ص115-118)، و"غذاء الألباب" للسفاريني (1 /140-141).

العقوبة

الكذب يهدي إلى الفجور. الكذاب لا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه. الكذاب لا يفلح أبدًا. الكذب من علامات النفاق. الكذاب توعده الله بجهنم.

وسائل الاجتناب

على المسلم أنْ يكون محسناً الظنَ بالله، ويعلم جازماً أنْ ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبذلك يعلم أنَّ ما كُتِبَ له سيأتيه لا محالةَ وخاصة في أمور الدنيا. صحبة الأخيار الصادقين: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾. [التوبة: 119]، وقال تعالى: ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[الزخرف: 67]. النظر في سيرة الصادقين، وعلى رأسهم رسول الله . تحري الصدق ولو ظهر أن الهلاك فيه: «تحَرُّوا الصِّدقَ، وإن رأيتم أنَّ الهلَكةَ فيه فإنَّ فيه النَّجاةَ». أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص446). تعويد النفس على الصدق وتذكر عاقبة الصادقين: قال تعالى: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [المائدة: 119]. إذا وقع المؤمن في شيءٍ من هذه الصفة القبيحة (الكذب) فعليه أنْ يعمل على التخلص من هذه الصفة المذمومة عقلًا وشرعًا. تذكر عاقبة الكذب وآثاره الخطيرة. ومن ذلك أنْ يستحضر عظمة الله ويثق به؛ لأنَّ كثيرًا من الكذب سببه الخوف من أشياء وهمية يصورها الشيطان.