البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الغيبة

حرّمَ الإسلام التعدّي على الأعراض وجعلَ ذلكَ من الكبائر، من ذلك المغتاب الذي يذكرُ أخاه بغيبته فيما يكره،وقد صوّر ذلك الفعل بمن يأكل لحمَ أخيه ميتًا، تحذيرًا للمغتاب من هذا الفعل.

التعريف

التعريف لغة

الغيب والغيبة، بفَتح الغَين: كل مَا غَابَ عَن العيون سَواء كَانَ محصلاً في القلوب أَو غير محَصل، والغيبة: الوقيعة في النّاس من هذا، لأنَّها لا تقال إلا في غَيبَة، يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب. انظر، "معجم مقاييس اللغة " لابن فارس (4 /403)، "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" للعيني (8 /208).

التعريف اصطلاحًا

ذِكْرُ شَخْصٍ غائب بِمَا يَكْرَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَلو كانت موجودة فيه، وهذا صريحٌ في حديث النبي صلّى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة: قيلَ: يا رسولَ اللهِ ما الغيبةُ؟ قالَ: «ذِكرُكَ أخاكَ بما يَكرَهُ قالَ: أرأيتَ إن كانَ فيهِ ما أقولُ؟ قالَ: إن كانَ فيهِ ما تقولُ فقَدْ اغتبتَهُ وإن لم يَكن فيهِ ما تقولُ فقد بَهتَّهُ». أخرجه مسلم (2589) "الفروع " لابن مفلح (6 /487)، " الذخائر في شرح منظومة الكبائر "للسفاريني(ص 216). ولا تقتصر الغيبة على الكلام باللسان، وإنما كل حركة أو إشارة أو إيماءة أو تمثيل أو كتابة في الصحف أو على الإنترنت، أو أي شيءٍ يفهم منه تنقص الطرف الآخر؛ فكل ذلك حرام داخل في معنى الغيبة، والإثم يزداد بحسب الملأ وكثرتهم الذين يذكر فيهم المغتاب. "حرمة المسلم على المسلم" لماهر الفحل.

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

كلاهما يشترك في معنى الخفاء والسّتر، والغيبة الشرعية ذكر الشخص الغائب بما يكره كما أسلفنا.

الفروق

الفرق بين الغيبة و البهتان

الغيبة: ذكركَ أخاكَ بما يكره بما هو فيه. البُهتان: ذكركَ أخاكَ بما يكره بما ليس فيه. يقول الجوهري في تعريف الغيبة: «أن يتكلم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه. فإن كان صدقاً سُمِّيَ غيبَةً، وإن كان كذباً سمِّي بُهتاناً». "الصحاح في اللغة" للجوهري (1 /196).

الفرق بين الغيبة و الهمز واللمز

الفرق بين الغيبة والنميمة والغمز واللمز: 1- الغيبة ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض. 2- النميمة أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها أن فلاناً يقصد قتلك في موضع كذا أو يأخذ مالك في وقت كذا ونحو ذلك لأنه من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة. 3- الغمز أن تعيب الإنسان بحضوره. 4- اللمز: أن تعيب الإنسان بغيبته، وقيل بالعكس. انظر "الذخيرة " للقرافي (13 /241).

الأدلة

القرآن الكريم

الغيبة في القرآن الكريم
- صوّرت الآيات الكريمة المغتاب بمن يأكلُ لحمَ أخيه ميتًا لعظيمِ جُرمه: قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12] يقول الهيتمي: «حكمة تحريمها - أي الغيبة - مع أنها صدقٌ، المبالغةُ في حفظ عرض المؤمن، والإشارة إلى عظيم تأكد حرمته وحقوقه، وزاد تعالى ذلك تأكيدًا وتحقيقا بتشبيه عرضه بلحمه ودمه مع المبالغة في ذلك أيضا بالتعبير فيه بالأخ، فقال - عز قائلا -: ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا﴾ [الحجرات: 12] ووجه التشبيه، أنَّ الإنسان يتألم قلبه من قرض عرضه، كما يتألم بدنه من قطع لحمه لأكله بل أبلغ؛ لأنَّ عرض العاقل عنده أشرف من لحمه ودمه». "الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي(2 /10) - وقد أثبتَ اللهُ الويلَ للمغتاب: فقال: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾[الهمزة: 1]. قال مقاتل بن سليمان: «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ: يعني الطعَّان المغتاب، الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه». "تفسير مقاتل بن سليمان" (4 /837).

السنة النبوية

الغيبة في السنة النبوية
- لعظيمِ حُرمة المسلم وعرضه فقد أولى رسولُ الله صلّى الله عليه وسلم هذا الموضوع أيَّما اهتمام في خطبة حجة الوداع: عن عبدالله بن عباس: أنَّ رَسولَ اللَّهِ خَطَبَ النّاسَ يَومَ النَّحْرِ فَقالَ: «يا أيُّها النّاسُ أيُّ يَومٍ هذا؟، قالوا: يَوْمٌ حَرامٌ ، قالَ: فأيُّ بَلَدٍ هذا؟، قالوا: بَلَدٌ حَرامٌ ، قالَ: فأيُّ شَهْرٍ هذا؟، قالوا: شَهْرٌ حَرامٌ ، قالَ: فإنَّ دِماءَكُمْ وأَمْوالَكُمْ وأَعْراضَكُمْ علَيْكُم حَرامٌ ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، فأعادَها مِرارًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقالَ: اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هلْ بَلَّغْتُ - قالَ ابنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهما: فَوالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّها لَوَصِيَّتُهُ إلى أُمَّتِهِ، فَلْيُبْلِغِ الشّاهِدُ الغائِبَ، لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ». أخرجه البخاري (1739). قال ابن حجر الهيتمي: «الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة أنها كبيرة: لكنها تختلف عظماً وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النفس بقوله : «كُلُّ المُسلم على المسلم حرام، دمُهُ ومالهُ وعرضهُ». أخرجه مسلم (2564) والغصب والقتل كبيرتان إجماعًا، فكذا ثلم العرض». " الزواجر عن اقتراف الكبائر" للهيتمي (2 /555). - ومع شنيع الصّورة التي شبهت بها الغيبة في القرآن فقد جاءت مبالغة أخرى في التحذيرِ من الغيبة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «الرِّبا سبعونَ حوبًا وأيسرُها كنِكاحِ الرَّجُلِ أُمَّهُ وإنَّ أربى الرِّبا عِرْضُ الرَّجلِ المسلِمِ». أخرجه ابن ماجة (2274) - ووضّح صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه معنى الغيبة: أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قَالَ : "أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ " قَالُوا : اللهُ، وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. " قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ : "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ. أخرجه مسلم (2589).

الإجماع

قال القرطبي: «لا خلاف أنَّ الغيبة من الكبائر، وأنَّ من اغتاب أحداً عليه أنْ يتوب إلى الله عز وجل». " تفسير القرطبي" (16 /337). قال ابن كثير: «والغيبةُ مُحرَّمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحة، كما في الجرح والتعديل والنصيحة». " تفسير ابن كثير" (7 /380). واعتبر الإمام ابن حجر الهيتمي الغيبة من الكبائر، قال:

أقوال أهل العلم

«لا غيبة في الإسلام إلا في ثلاثة: صاحب بدعة، وإمام جائر، وفاسق معلن». الحسن البَصْري "البيان والتحصيل" (18/498).

الأضرار والمفاسد

1ــ الغيبة تزيد في رصيد السيئات وتنقص من رصيد الحسنات: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي : حسبك من صَفيَّةَ كذا وكذا، فقال : «لقد قلتِ كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته». أخرجهُ أبو داود (4875). 2ـــ الغيبة من أربى الربا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «الرِّبا سبعونَ حوبًا وأيسرُها كنِكاحِ الرَّجُلِ أُمَّهُ وإنَّ أربى الرِّبا عِرْضُ الرَّجلِ المسلِمِ». أخرجه ابن ماجة (2274) 3ــ صاحب الغيبة مفلس يوم القيامة: توجب العذاب يوم القيامة ، فهي من المعاصي العظيمة ، ومقترفها يقع في حقين : حق الله ، وحق العبد ، وهو محاسَب على تقصيره بحق الله. فأما حق العبد فهو إما أنْ يتحلله في الدنيا ، أو يعطيه من حسناته أو يحمل من سيئاته إنْ لم يكن له حسنات يعطيه منها، وهذا هو المفلس كما ورد في الحديث في صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ، قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ». أخرجه مسلم (2581). 4- يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته: فالغيبة تُعرِّض صاحبها للافتضاح، فكلما فضحَ الإنسانُ غيرَه فإنَّ الله يفضحه ؛ إذ الجزاء من جنس العمل، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته». أخرجه البيهقي (9213). 5- الذي يقع في أعراض الناس في خطر عظيم يوم القيامة : عن أنس بن مالك عن النبي : «لما عُرج بي مررتُ بقومٍ لهم أظفارٌ من نحاسٍ يخمشون وجوهَهم وصدورَهم ! فقلتُ: من هؤلاءِ يا جبريلُ؟ قال: هؤلاءِ الذين يأكلون لحومَ الناسِ ، ويقَعون في أعراضِهم». أخرجه أبو داود (4878) 6- الغيبة داءٌ فتّاكٌ ومِعْوَلٌ هدّام يفتك في بنيان المجتمع، وهو أسرع إفساداً في المجتمع من الآكلة في الجسد، والغيبة تُعرِّض العلاقات للانهيار وتزعزع الثقة بين الناس وتغيّر الموازين وتقلع المحبة والألفة والنصرة من بين المؤمنين ، وتثبت جذور الشر والفساد بين الناس. "حرمة المسلم على المسلم" لماهر الفحل. 7- الغيبة أذيةٌ لعباد الله تعالى ، ومن آذى عباد الله فقد توعده الله تعالى بعذاب شديد ، قال تعالى : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً﴾ [الأحزاب : 58 ]. 8- الغيبة من الظلم والاعتداء على الآخرين ، ومعلوم أنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأنَّ أثر الظلم سيءٌ ، وعاقبته عاقبةٌ وخيمةٌ قال تعالى : وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [ إبراهيم : 42 ]. وفي الحديث القدسي : «يا عبادي ، إني حرّمتُ الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرّماً فلا تظالموا». أخرجه مسلم (2577).

وسائل الاجتناب

من أهم أسباب التخلص من الغيبة أن يستشعر العبد أنَّه بهذه الغيبة يتعرض لسخط الله ومقته ، وأنَّ قوله وفعله مسجلٌ عليه في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وعلى المرء أنْ يستحضر دائمًا أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد قال تعالى: ﴿مَا يَلفِظُ مِنْ قَولٍ إلاَّ لَدَيهِ رَقيبٌ عَتيدٌ﴾ [ق : 19]. ثم عليه أن يستعين بأمور: 1 - التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة وتقديم رضاه على رضا المخلوقين. 2 - زيادة رصيد الإيمان وتقويته بالعلم النافع والعمل الصالح. 3 - أن ينشغل الإنسان بالبحث عن عيوبه، ويكف عن عيوب الآخرين وتتبعها، فعلى المسلم أن يعرف أنه إن وجد عيبًا في أخيه المسلم فإنَّ فيه عيوبًا كثيرة. 4 - اختيار الصحبة الصالحة التي تقربك من الله وتبعدك عن المعاصي والابتعاد عن رفاق السوء. 5 - تربية الفرد تربية إسلامية سليمة قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية. 6 - استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد ويقوي إيمانه ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى، من طاعات وعبادات وعلم وتعلم. 7 - قناعة الإنسان بما رزقه الله، وشكره على هذه النعم، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى. 8 - أن يضع الإنسان نفسه مكان الشخص الذي اغتيب، ليجد أنه لن يرضى هذا لنفسه. 9 - كظم الغيظ والصبر على الغضب، كي لا يكونا دافعاً للغيبة. 10 - الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يؤدي به إلى الغيبة. 11- أن تعلم أن تأذي غيرك بالغيبة كتأذيك بها، فكيف ترضى لغيرك ما تتأذى به. 12- الصمت وحفظ اللسان: عليك أخي المسلم أنْ تراقب لسانك لتعرف هل أنت واقع في هذا الداء ، فإنْ كنت كذلك فاعلم أنَّ من أهم أسباب التخلص من الغيبة أنْ يحفظ الإنسان لسانه ، فمن أعظم أسباب السلامة حفظ اللسان ، ومن أعظم أبواب الوقاية الصمت في وقته. 13- من أسباب الخلاص من الغيبة أنّ يستحضر المغتاب دائماً أنه يهدي غيره من حسناته؛ لأنَّ الغيبة ظلم، والظلم يقتص به يوم القيامة للمظلوم من الظالم وقد قال النَّبيُّ : «إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا، أُذن لهم بدخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم بمسكنه في الجنة، أدل بمنـزله كان في الدنيا». أخرجه البخاري برقم (2440) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. انظر " الزواجر عن اقتراف الكبائر " للهيتمي (2 /30-31)، " كتاب موسوعة الأخلاق الإسلامية: الدرر السنية" لمجموعة من المؤلفين (2 /419)، "حرمة المسلم على المسلم" لماهر الفحل.

مسائل متعلقة

مما يبيح الغيبة

الأول: التظلُّم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولايةٌ أو قدرةٌ على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكَر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرتَه على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجُرْه عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصودُه التوصلَ إلى إزالة المنكَر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا. الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخَلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجلٍ أو شخصٍ أو زوجٍ كان مِن أمره كذا، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيينٍ، ومع ذلك فالتعيين جائزٌ. الرابع: تحذيرُ المسلمين من الشرِّ ونصيحتهم، وذلك من وجوهٍ: منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجبٌ للحاجة. ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسانٍ، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المُشاوَرِ ألا يُخفيَ حالَه، بل يذكر المساوئ التي فيه بنيَّةِ النصيحة. ومنها: إذا رأى متفقهًا يتردد إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ يأخذ عنه العلمَ، وخاف أن يتضرَّر المتفقِّه بذلك، فعليه نصيحته؛ ببيان حاله، بشرط أن يقصِدَ النصيحة، وهذا مما يُغلَط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة، فليتفطَّن لذلك! ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بألا يكونَ صالحًا لها، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلًا، ونحو ذلك، فيجب ذِكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة، أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته؛ كالمجاهر بشُرب الخمر، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرُمُ ذِكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقبٍ، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم، جاز تعريفُهم بذلك، ويحرُمُ إطلاقُه على جهة التنقُّص، ولو أمكن تعريفهم بغير ذلك كان أَوْلى. انظر "الذخائر في شرح منظومة الكبائر " للسفاريني (ص226)، " رياض الصالحين " للنووي (صـ 451: 450).

التوبة من الغيبة

هذا الذنبُ يتضمَّن حقين: حقٌّ لله، وحقٌّ للآدمي، فالتَّوبة منه بتحلل الآدمي لأجل حقه، والنَّدم فيما بينه وبين الله لأجل حقه، وأن يذكر المغتاب والمقذوف في مواضع غيبته وقذفه بضد ما ذكره من الغيبة، فيبدل غيبته بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه، وقذفه بذكر عفته، ويستغفر له بقدر ما اغتابه، والصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكرُهُ بمحاسنِ ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، حتى لا يُدخِل الحزن على قلبه. "الوابل الصيب " لابن القيَّم (ص219)، " الرائد. . دروس في التربية والدعوة " مازن الفريح (ص62).

ماذا يفعل من سمع الغيبة؟

على المسلم إذا سمع غيبة المسلم أنْ يتقي الله ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويذب عن عرض أخيه المسلم ويمنع المغتاب من الغيبة؛ فإنَّ المغتاب والسامع شريكان قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ [ الإسراء: 36] وروي عن النَّبيِّ أنَّه قال: «من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة». أخرجه أحمد (6 /449-450) والترمذي (1931). تدبر أخي المسلم، أنا لو رأينا أحداً قائماً على جنازة رجل من المسلمين يأكل لحمه ألسنا نقوم جميعًا، وننكر عليه؟! بلى فلماذا لا ننكر على من يغتاب إخواننا المسلمين، ونذب عن أعراضهم؟ "حرمة المسلم على المسلم " ماهر الفحل.

صور الغيبة

من الناس ‌من ‌يغتاب موافقةً لجُلَسائه وأصحابه وعشائره، مع علمه أن المغتاب بريء مما يقولون، أو فيه بعض ما يقولون، لكن يرى أنه لو أنكر عليهم قطع المَجلِس واستثقله أهل المجلس، ونفَرُوا عنه، فيرى موافقتهم من حسن المعاشرة وطيب المصاحبة، وقد يغضبون فيغضب لغضبهم فيخوض معهم. ومنهم من يخرج الغيبة في قوالب شتى؛ تارةً في قالب ديانة وصلاح، فيقول: ليس لي عادة أن أذكر أحدًا إلا بخير، ولا أحب الغيبة ولا الكذب، وإنما أخبركم بأحواله، ويقول: والله إنه مسكين، أو رجل جيد ولكن فيه كيت وكيت، وربما يقول: دعونا منه، الله يغفر لنا وله، وإنما قصده استنقاصُه وهضمٌ لجانبه، ويخرجون الغيبة في قوالب صلاح وديانة، يخادعون الله بذلك كما يخادعون مخلوقًا، وقد رأينا منهم ألوانا كثيرة من هذا وأشباهه. ومنهم من يرفع غيره رياء فيرفع نفسه، فيقول: لو دعوت البارحة في صلاتي لفلان لما بلغني عنه كيت وكيت، ليرفع نفسه ويضعه عند من يعتقده، أو يقول: فلان بليد الذهن قليل الفهم، وقصده مدح نفسه، وإثبات معرفته، وأنه أفضل منه. ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة، فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد، وإذا أثنى على شخص أزال ذلك عنه بما استطاع من تنقصه في قالب دين وصلاح، أو في قالب حسد وفجور وقدح ليُسقِطَ ذلك عنه. ومنهم من يُخرج الغيبة في قالب تمسخُرٍ ولعب ليضحك غيره باستهزائه ومحاكاته واستصغار المستهزَأِ به. ومنهم من يخرج الغيبة في قالب التعجُّب، فيقول: تعجَّبتُ من فلان كيف لا يفعل كيت وكيت، ومن فلان كيف وقع منه كيت وكيت، وكيف فعل كيت وكيت فيخرج اسمه في مَعرِضِ تعجُّبه. ومنهم من يخرج الاغتمام فيقول مسكين فلان غمني ما جرى له، وما تم له، فيظن من يسمعه أنه يغتمُّ له، ويتأسَّفُ، وقلبه منطوٍ على التشفي به، ولو قدر لزاد على ما به، وربما يذكره عند أعدائه ليشتفوا به، وهذا وغيرُه من أعظم أمراض القلوب والمخادعات لله ولخلقِه. ومنهم من يظهر الغيبة في قالب غضب وإنكار منكر، فيظهر في هذا الباب أشياء من زخارف القول وقصده غير ما أظهر. والله المستعان. "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (28 /236-238).