البحث

عبارات مقترحة:

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الحياء

الحياءُ خلقٌ كريمٌ فاضل، من الأخلاق الشّريفة الّتي تحملُ صاحبها على تركِ كلِّ قبيحٍ، وتمنعه من التّقصير في حق ذي الحق. وقد حث الإسلام على التحلي بهذا الخُلق الكَريم، ورتّب على الالتزام به فوائد وثمرات عديدة تعودُ على المُسلم بالنّفع في الدّنيا والآخرة.

التعريف

التعريف لغة

الحياء: الحشمة، ضد الوقاحة. حيي منه حياء واستحيا واستحى فهو حَيِيٌّ؛ وهو الانقباض والانزواء. انظر "مقاييس اللغة" لابن فارس (2/122)، "لسان العرب" لابن منظور (14/217)، "المصباح المنير" للفيومي (1/160). قال الواحدي: «قال أهل اللغة: أصل الاستحياء من الحياة، واستحيا الرّجل لقوّة الحياة فيه؛ لشدّة علمه بمواقع العيب؛ فالحياءُ من قوّة الحِس ولُطفه وقوّة الحياة». "التفسير البسيط" للواحدي (2 /271).

التعريف اصطلاحًا

الحياء في الاصطلاح: انقباضُ النّفسِ من شيءٍ وتركه حذرًا من اللّوم فيه. انظر "التعريفات" للجرجاني (ص94) فهو خلقٌ كريمٌ فاضل، من الأخلاق الشّريفة الّتي تحملُ صاحبها على تركِ كلِّ قبيحٍ، وتمنعه من التّقصير في حق ذي الحق. انظر "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (1 /68)

الفروق

الفرق بين الحياء و الخجل

الخجلُ خلقٌ يدلُّ على ضَعَةِ صاحبه ومَهَانته وقُصوره؛ فهو لا يستطيعُ أن يرفَعَ رأسهُ ليُنكر مُنكراً ولا أن يقولَ كلمة الحقّ؛ لأنّه يخجل. أمّا الحياء الشّرعي فهو الّذي يحملُ صاحبه دائمًا على فعلِ ما يليق؛ فالنّبي صلى الله عليه وسلّم كان أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، ومع ذلكَ كان يقول كلمة الحق، ويُبلغ دين الله عزّ وجل، ويغضبُ لله تعالى إذا انتُهكت حُرماته، ويغارُ لله غيرةً لا يغارها أحد من النّاس، ولم يكُن الحياء مانعًا له من القيامِ بما يجبُ لله تعالى، أو يَحسُن من الفضائل. فالمانعُ الّذي يمنعُ الإنسان عن فعل ما يليقُ ليس من الحياء، إنّما هو خَوَر وضَعف ومذلّة ومهانة، فيجبُن في بعض المقامات الّتي كان يجبُ عليه أن ينطقَ بالحقِّ فيها، ويفعلَ ما ينبغي. انظر"أعمال القلوب" للسبت (2 /478).

الفضل

الحياءُ أصلٌ لكلّ خير، وهو أفضل وأجلّ الأخلاق وأعظمها قدْراً، وأكثرُها نفعاً، بل هوَ خاصّة الإنسانيّة؛ لأنّ الحيوان لا حياء له، فمَن لا حياء له ليس معه من الإنسانيّة إلا اللّحم والدّم، وصورتها الظّاهرة، صورته صورة إنسان، وداخلته داخلة حيوان، كما أنّه لس معه من الخير شيءٌ إذا تخلى من الحياء، ولولا هذا الخُلُق لم يُقر الضيف، ولم يوفَ بالوعد، ولَم تؤدَ الأمانة، ولَم تُقضَ لأحدٍ حاجة، ولا تحَرَّى الرجل الجميل فآثره، والقبيح فتجنّبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع عن فاحشة، وكثيرٌ من النّاس لولا الحياء الّذي فيه لم يؤدِّ شيئاً من الأمور المُفترضة عليه؛ فإنّ الباعث على هذه الأفعال إمّا ديني، وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإمّا دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من المخلوقين. انظر "مفتاح دار السعادة" لابن القيم (1 /277).

الأدلة

القرآن الكريم

الحياء في القرآن الكريم
قال الله تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ [القصص: 25] وقال عن نبيه صلى الله عليه وسلّم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: 53]

السنة النبوية

الحياء في السنة النبوية
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «استحيوا مِن الله حقَّ الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه. قال: ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة، ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك، فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء» أخرجه الترمذي (2458) الحياء من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم لرجلٍ من الأنصار حينما مرَّ به وهو يعظُ أخاهُ في الحياء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «دَعْهُ فإنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ» أخرجه البخاري (24) (6118). كما أنّ الحياء خلق الإسلام، كما في حديث أنس رضي الله عنه: «إنَّ لِكُلِّ دينٍ خُلقًا وإنَّ خُلقَ هذا الدِّينِ الحياءُ» أخرجه ابن ماجه (4181). والحياءُ صفةٌ يحبّها الله تعالى: «أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، قالَ للأشجِّ العَصريِّ: إنَّ فيكَ خَصلتينِ يحبُّهما اللَّهُ: الحِلمَ، والحياءَ» أخرجه ابن ماجة (4188) عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما. كما أنّ الحياء من صفات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم أشدّ حياءً من العذراء في خدرها. أخرجه البخاري (3562) (6102) (6119)، ومسلم (2320). وقال صلى الله عليه وسلّم في موسى عليه السلام: «إِنَّ مُوسَى كانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرَى مِن جِلْدِهِ شَيءٌ اسْتِحْيَاءً» أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (3404)

أقوال أهل العلم

«خمس من علامات الشقاء: القسوة في القلب، وجُمود العين، وقلّةُ الحياء، والرّغبةُ في الدّنيا، وطولُ الأمل» الفُضَيْل بن عِيَاض أخرجه ابن أبي الدنيا في "الزهد" (208)
«الحياءُ والتّكرم خصلتان من خِصال الخير، لَمْ يكونا في عبدٍ إلا رفعه الله عزّ وجل بهما» الحَسن بن علي أخرجه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (109)
من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه عمر بن الخطاب
العلم الأكبر : الهيبة والحياء؛ فإذا ذهبت الهيبة والحياء، لم يبق فيه خير. ابن عطاء
من تكلم في الحياء ولا يستحي من الله عز وجل فيما يتكلم به، فهو مستدرج. أبو عثمان

الصور

الحياءُ ثلاثة أنواع: النوع الأول: الحياءُ من الله تعالى؛ ويكونُ بامتثال أوامره، واجتنابِ نواهيه. فعن سعيد بن زيد الأزدي، أنّه قال للنبي صلى الله عليه وسلّم: أوصِني، قال: «أُوصيكَ أن تَستَحي مَنَ اللهِ تعالى، كما تَستَحي مِن الرَّجلِ الصَّالِحِ مِن قومِك» أخرجه ابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق" (91) النّوع الثاني: الحياءُ من الخَلق؛ ويكون بكفَ الأذى عنهم بجميع أنواعه، سواء كان بالقول أو الفعل، وترك سوء الظّن بهم، وترك المُجاهرة بكلّ قبيح. وبين الحياء من الله تعالى والحياء من النّاس مُلازمةٌ أكيدة، يقول زيد بن ثابت رضي الله عنه: «مَنْ لَم يستحِ من النّاس، لم يستحِ من الله» أخرجه أبو داود (359) النّوع الثالث: الحياءُ من النفس، ويكون بالعفاف، وصيانة الخَلوات، وهذا النوع أكمل ما يكونُ من الحياء؛ فإنّ العبدَ إذا استحى من نفسِه كان أولى وأجدر بأن يستحي من غيره.

وسائل الاكتساب

إنّ الطّريق إلى تنمية الحياء وغرسه في النّفوس يتحقق بأمور، منها: أوّلًا: استحضار مُراقبة الله تعالى ونَظَره إلى العبد، وتحقيقه يكون باستحضار معيّة الله تعالى، وكلّما اشتدّت هذه المّراقبة أوجبت للعبد من الحياء ما لا يَحصُل بدونها. ثانيًا: تقويةُ المعرفةِ بالله عزّ وجل، وذلك من خلال التّعرف على صِفات الكَمال الّتي وصف الله تعالى بها نفسه؛ فإنّ العبدَ إذا عرف ربه بصفاته الكاملة معرفة صحيحة عظُمَ في قلبه، فهابه، وخافَه، واستحيا منه وعظّمه. ثالثًا: تنميةُ العفّة في النّفوس، وإشاعة العفاف؛ فالعفّة هي أحدُ أركان حُسن الخلق الأربعة. رابعًا: معرفة النّفس وضبطها، فلا تتعالى ولا تتكبر؛ فإنّ الإنسان إذا ضبط نفسَه وعرفها، وكان فقيهًا بها فإنه يستطيعُ بعد ذلك بعون الله تعالى أن يسيطر عليها، فيضبط سلوكه، فيوجبُ له ذلك: الحياء من الله، واستكثار نعمه، واستقلال ما يُقدّمه في مُقابل هذه النّعم من ألوان العبوديات، فلا يكون مُدِلّاً على ربّه جلّ شأنه بعمله الصّالح. خامسًا: مُجالسةُ من يُستحيا منه؛ لأن الطبع سراق، والنّاسُ كأسراب القطا جُبلوا على تشبّه بعضهم ببعض، فمَن جالَس أهل الحياء تخلق بأخلاقهم، ومن جالس أهل الجفاء والبذاء فإنه كذلك يتخلق بأخلاقهم. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /494_495)

الفوائد والمصالح

من فوائد الحياء وثمراته: أوّلاً: أنّه يزجرُ صاحبه عن المعصية، ومقارفة ما لا يَليق، وبِغياب الحياء تُدمَّر الأخلاق، وتُرتكب الفواحش والمُوبقات. ثانياً: أنّه يورث دوام المُراقبة لله تعالى؛ ويورثُ العبد رفعة. ثالثاً: تحصيل محبّة الله؛ فالله حييٌ ستير، يُحبُّ أهل الحياء، كما أنَّ الحياء يورثُ حياة القلب، ويؤثّرُ في حجم المُخالفة والمعصية، فشتّان بين من يفعل المعصية وهو متبجّح من غير حياء ومن يفعلها وهو مستحٍ من الله تعالى. انظر "أعمال القلوب" للسبت (2 /502)

نماذج وقصص

هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: «يا معشرَ المُسلمين استحيوا من الله، فوالذي نفسي بيده إنّي لأظلَّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنعاً بثوبي استحياءً من ربي عز وجل». رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/34)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/142) (7732). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «إنِّي لأغتسلُ في البيتِ المُظلم، فأحني ظهري إذا أخذتُ ثوبي حياءً من ربّي» أخرجه ابن أبي شيبة (1 /106). وهذا محمد بن يحيى لما وضعوه على السرير يغسلونه بعد موته قالت جارية مملوكةٌ له: «خدمتُ أبا عبد الله ثلاثين سنة، وكنت أضعُ لهُ الماء، فما رأيتُ ساقه قط، وأنا مِلكٌ له» "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي (4 /190).