البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

غزوة الخندق

كانت غزوة الأحزاب بقيادة رسول الله ، وذلك أن يهود بني النضير بعد إجلاء رسول الله لهم لنقضهم العهد همَوا بالانتقام من المسلمين، فبدأوا بتحريض القبائل على غزو رسول الله ، فألّبوا قريشا، ودعوهم إلى الخروج على رسول الله ، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وحلفاؤها بنو أسد وسُلَيما ففارقوهم على مثل ذلك، فلما سمع رسول الله بهذا الجمع شاور أصحابه في الأمر، فأشار عليه سليمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، فبدؤوا بالحفر، وقد ظهرت معجزات كثيرة أثناء حفر الخندق، وجاء الأحزاب وعسكروا حول الخندق، ولم يزل حيي بن أخطب بكعب القرظي حتى نقضت بنو قريظة عهد رسول الله وميثاقه وحاربت مع الأحزاب، وعظُم عند ذلك البلاء على المسلمين، واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم، وحين ذلك أراد رسول الله أن يجري صلحا مع غطفان فلم يقبل ذلك سعد بن معاذ والصحابة، ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال إلا ما تداعوا إليه من البراز، فلم يزل الأمر شديدا على المسلمين حتى أتى نعيم بن مسعود رسول الله ، وأخبره بأنه أسلم ولم يَعْلم قومه بإسلامه، فقال رسول الله : "إنما أنت فينا رجلٌ واحدٌ، فخذِّل عنّا إن استطعت، فإن الحربَ خدعةٌ"، فثبّط نعيم قومًا عن قوم، وأوقع بينهم شرًا، حتى لم يعد يطمئن أحد إلى احد، فخذل الله بينهم، وبعث الله عليهم في ليلة شاتية شديدة البرد ريحا قويا، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم، حتى رأوا ان يرتحلوا فارتحلوا، فلما أصبح رسول الله انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمين، واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثلاثة.

اسمها

غزوة الخندق. انظر: "السيرة" لابن كثير، (3 /180)، "السيرة" لابن هشام (3 /165)، وتسمى الأحزاب. انظر: "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 259)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62)

وقتها

كانت غزوة الخندق في ذي القعدة، وقال الزهري أنها كانت في شوال سنة أربع، وعن ابن إسحاق وقتادة والبيهقي أنها كانت في شوال سنة خمس. وقال البيهقي: " لا اختلاف بينهم في الحقيقة، لأن مرادهم أن ذلك بعد مضي أربع سنين وقبل اكتمال خمس". انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /180)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 259)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62).

موقعها

عسكر النبي بالمسلمين إلى سفح سلع، وجعل سلعًا خلف ظهره، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم. انظر: "السيرة" لابن كثير (3 /197)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /63).

عدد المسلمين

كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف. انظر: "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي ص (259)، "السيرة" لابن كثير (3 /197)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62).

عدد المشركين

كان المشركون عشرة آلاف. انظر: "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 259)، وفي قول آخر أن قريش كانوا أربعة آلاف، وعقد اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم ألف وخمسمائة بعير، وأما سائر الأحزاب فقد كان بنو سليم فكانوا سبعمائة، وأما فزارة فكانوا ألف بعير، وأشجع أربعمائة وبنو مرة أربعمائة، وخرج معهم غيرهم. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62).

قائد المسلمين

كان رسول الله قائد المسلمين، وكان يحمل لواء المهاجرين زيد بن حارثة وكان يحمل لواء الأنصار سعد بن عبادة. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /63).

قائد المشركين

كان قائد الأحزاب جميعهم قريش أبو سفيان، وقائد غطفان عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر. وكان يقود بني سليم سفيان عبد شمس حليف حرب بن أمية، وأما بنو أسد فقد كان يقودهم طلحو بن خُويلد الأسدي، وأما فزارة فكان يقودهم عُيَيْنة بن حصن، وأشجع يقودهم مسعود بن رُخيلة، وأما بنو مرة فكان يقودهم الحارث بن عوف. انظر: "السيرة" لابن كثير (3 /182)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62).

سببها

بعد إجلاء الرسول بني النضير، ساروا إلى خيبر، فخرج نفرٌ من أشرافهم ووجوههم إلى مكة، فألّبوا قريشا، ودعوهم إلى الخروج إلى رسول الله ، ثم خرجوا من عندهم فأتوا غطفان وسُلَيما ففارقوهم على مثل ذلك، فتجهّزت قريش وجمعوا أحابيشهم، ومن تبعهم من العرب. انظر: "السيرة" لابن كثير (2 /181-182)، "السيرة" لابن هشام، (3 /167)، ابن سعد، الطبقات الكبرى، (2 /62).

أحداثها

وكان من خبر هذه الغزوة أن اليهود حزّبت الأحزاب، وهم النفر من اليهود منهم سلّام بن أبي الحُقيق النضري وحُيي بن أخطب النضري وكِنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق، وهَوذة بن قيس الوائلي وأبر عمار الوائلي في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل، وهم الذين حزَّبوا الأحزاب على رسول الله ، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول الله ، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خيرٌ أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خيرٌ من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم في سورة النساء: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ سورة آل عمران: 51، فلما قالوا ذلك لقريش سرَّهم ونشطوا لِما دعوهم إليه من حَرْب رسول الله ، فاجتمعوا لذلك واستعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاؤوا غطفان من قَيْس عَيْلان، فدَعَوْهم إلى حرب النبي ، وأخبروهم بأنهم يكونون معهم عليه، وأن قريشا قد تابعهم على ذلك واجتمعوا فيه. فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة في فزارة والحارث بن عوف بن أبي حارثة في بني نمرة، ومسعر بن أبي رُخيلة بن نُوَبرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع. انظر: "السيرة" لابن هشام، (3 /167)، "السيرة" لابن كثير (2 /181-182)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /62). فلما سمع بهم رسول الله وما أجمعوا له، شاورهم في الأمر، فأشار عليه سليمان الفارسي بالخ ندق، فأعجب ذلك المسلمين، فضرب الخندق على المدينة، وعمل فيه رسول الله ترغيبا للمسلمين في الأجر، وعمل فيه المسلمون، ودأب فيه ودأبوا، وتحلَّف طائفة من المنافقين يعتذرون بالضَّعف، ومنهم من ينسلُّ خُفية بغير إذنه ولا علمه إلى أهليهم، وقد كان الرجل من المسلين إذ نابته النائبة من الحاجة التي لا بدّ منها يذكر ذلك للرسول ، ويستأذنه في اللحوق بحاجته، فيأذن له، وقد أنزل الله تعالى في ذلك قوله تعالى في سورة الفرقان: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ سورة الفرقان: 62. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /167-168)، "السيرة" لابن كثير (3 /183)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 260). قال ابن هشام: "اللواذ: الاستتار بالشيء عند الهرب". "السيرة" لابن هشام (3 /168). وفي البخاري: عن حُمَيد سمعتُ أنسا قال: "خرج رسول الله إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ ولم يكن لهم عَبيد يعملون ذلك لهم، فلمّا رأى ما بهم من النّصب والجوع، قال: اللهم إن العيش عيش الآخرة، فارحم الأنصار و المهاجرة، فقالوا له مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا. .. على الجهاد ما بقينا أبدا …" أخرجه البخاري (2834). وفي رواية أخرى قال: "يؤتون بملء كفّي من الشعير، فيصنع لهم بإهالةٍ سنحةٍ تُوضَع بين يدي القوم، والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريحة مُنتِن". أخرجه البخاري (4100). وعن ابن عازب قال: "كان رسول الله ينقل التراب يوم الخندق حتّى أغمر بَطنه، أو اغبرّ بطنُه يقول: والله لولا الله ما اهتدينا. .. ولا تصدقنا ولا صلينا … فأنزلنْ سـكينةً علينـا. .. وثبِّت الأقدام إنْ لاقَيْنا … إن الأُولى قد بغوا علينا … إذا أرادوا فتنةً أبينا … ورفع بها صوته: أبَينا، أبَينا.." أخرجه البخاري (4106). وقد ظهرت معجزات أثناء حفر الخندق، وكان في حفر الخندق أحاديث من الله فيها عبرةٌ في تصديق رسول الله وتحقيق بنوءته، عاين ذلك المسلمون. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /171)، "السيرة" لابن كثير (3 /186)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /67). فمن ذلك: ما رواه جابر رضي الله عنه قال: "إن كنا يوم الحندق نحفر، فعرضت كُدْيةٌ شديدة، فجاؤوا النبيَّ، فقالوا: هذه كُدْيةٌ عَرَضتْ في الخندق، فقال: أنا نازل، ثمَ قال وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام، لا نذوق ذواقا، فأخذ النبي المِعول، فضرب، فعاد كثيبًا أَهْيَل أو أَهْيَم، فقلتُ: يا رسول الله، ائذن لي في البيت، فقلتُ لامرأتي: رأيت بالنبيّ شيئاً ما كان في ذلك صبرٌ، فعندك شيءٌ؟ قالت: عندي شعيرٌ وعَناقٌ، فذبحتُ العَناق، وطَحنتُ الشعير، حتى جعلنا اللحم في البُرمة، ثم جئت النبي، والعجين قد انكسر، والبُرمة بين الأثافي، قد كادت أن تنضج، فقلتُ طُعَيِّمٌ لي، فقم أنت يا رسول الله ورجلُ أو رجلان، قال: كم هو؟ فذكرتُ له، قل لها: لا تنزعْ البرمة، ولا الخبز من التنور، حتى آتي، فقال: قوموا، فقالم المهاجرون والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلتُ: نعم، فقال: ادحلوا، ولا تضاغطوا، فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويُخمِّر البٌرمة والتنور إذا أخذ منه، ويُقرِّب إلى أصحابه، ثم ينزع، فمل ينزل يكسر الخبز ويغرف، حتى شبعوا، وبقي بقيّة، قال: كلي هذا واهدي، فإن الناس أصابتهم مجاعة". أخرجه البخاري (4101)، ومسلم نحوه (2039). وروى البيهقي أن عدد المهاجرين والأنصار كانوا ثمانمائة أو قال ثلاثمائة. انظر: "الدلائل" للبيهقي (3 /417). قال ابن إسحاق: وحُدِّثتُ عن سلمان الفارسي أنه قال: ضربتُ في ناحية من الخندق، فغلّظت عليّ صخرة، ورسول الله قريب مني، فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان عليّ، نزل فأخذ المعول من يدي، فضرب به ضربة لمعت تحت المعول بَرقة، ثم ضرب به ضربة أخرى، فلمعت تحته برقة أخرى، قال: ثم ضرب به الضربة الثالثة، فلمعت به برقة أخرى، قال: قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله.ما هذا الذي رأيتُ؟ لمع تحت المعول وأنت تضرب، قال: أوَقد رأيت ذلك يا سلمان؟ قال: قلت: نعم، قال: أما الأولى فإن الله فتح عليّ باب اليمن، وأما الثانية فإن الله فتح عليّ باب الشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق. انظر: "السيرة" لابن كثير (2 /191)، "السيرة" لابن هشام(3 /171). وفي رواية البراء بن عازب أن رسول الله قال: "الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأُبصِر قصورها الحُمُر من مكاني هذا، ثم قال بسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر أُعطِيتُ مفاتيح فارس، والله انى لأبصر المدائن، وأُبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال بسم الله وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله انى لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا". أخرجه النسائي (8858)، أحمد (18716)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: "إسناده ضعيف"، والبيهقي في الدلائل (3 /421). قال ابن كثير: "وخطّ الرسول الخندق بين كل عشرة أربعين ذراعًا، قال: واحتقَّ المهاجرون والأنار في سلمان، فقال رسول الله لى الله عليه وسلم: سَلمان منا أهل البيت". "السيرة" لابن كثير (3 /192). قال ابن هشام: "واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم". "السيرة" لابن هشام (3 /172). قال ابن إسحاق: "ولما فرغ رسول الله من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة بين الجُرف وزغابة في عشرة آلاف من أحاديثهم ومن تبعهم من بني كنافة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نَقَمي إلى جانب أحد. فخرج رسول الله والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سَلْع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء فحُعِلوا فوق الآطام". انظر: "السيرة" لابن هشام، (3 /171-172)، "السيرة" لابن كثير (3 /197). عن عائشة رضي الله عنها: "﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ سورة الأحزاب: 10، قالت: كان ذلك يوم الخندق". أخرجه البخاري (3877). ولما نزل الأحزاب حول المدينة أغلق بنو قريظة حصنهم دونهم، وخرج حُيي بن أخطب النضري ليحرض كعب بن أسد القرظي صاحب عقدهم وعهدهم، فأتاه فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دون حُيى، فاستأذن عليه فأبى أن يفتح له، فناداه: ويحك يا كعب افتح لي، قال: ويحك يا حُيى، إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدتُ محمداً فلستُ بناقضٍ ما بينى وبينه، ولم أرَ منه إلا وفاءً وصدقًا، قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعلٍ، قال: والله إن أغلقتَ دوني إلا خوفًا على جشيشتك -نوع طعام- أن آكل معك منها فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر وبحرٍّ طامٍ، قال: وما ذاك؟ قال: جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من رومة، وبغطفانٍ على قادتها وسادتها، حتى أنزلتهم بذنب نَقمَي إلى جانب أحُد، قد عاهدوني وعاقدونى على ألا يبرَحوا حتى نستأصل محمدًا ومن معه، فقال كعب: جئتني والله بذُل الدهر وبجهام -أي السحاب الذي لا ماء فيه- قد هراق ماؤه يرعد ويبرق وليس فيه شئ، ويحك يا حُيى، فدعني وما أنا عليه، فإنى لم أرَ من محمد إلا وفاء وصدقا، وقد تكلم عمرو بن سعد القرظي وذكّرهم ميثاق رسول الله وعهده ومعاقدتهم إياه على نصره، وقال: إذا لم تنصروه فاتركوه وعدوه. فلم يزل حيي بكعب حتى سمع له، يعنى في نقض عهد رسول الله وفي محاربته مع الأحزاب، على أن أعطاه حُيى عهد الله وميثاقه لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدًا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله ، وأمر كعب بن أسد وبنو قريظة حيى بن أخطب أن يأخذ لهم من قريش وغطفان رهائن تكون عندهم لئلا ينالهم ضَيم إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمدا، قالوا: وتكون الرهائن تسعين رجلا من أشرافهم، فنازلهم حُيى على ذلك، فعند ذلك نقضوا العهد ومزقوا الصحيفة التى كان فيها العقد إلا بني سعنة، أسد وأسيد وثعلبة، فإنهم خرجوا إلى رسول الله . انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /172-173)، "السيرة" لابن كثير (3 /198). فلما انتهى الخبر إلى رسول الله وإلى المسلمين بعث سعد بن معاذ، وهو يومئذ سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبدالله بن رواحة وخوات بن جبير قال: انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم، فتنظروا أحقٌّ ما بلغَنا عنهم، فإن كان حقًا فالحنوا لي لحنًا أعرفه، ولا تفتّوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس. فخرجوا حتى أتوهم، فدخلوا معهم حصنهم فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحِلف فقالوا: الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم، يريدون بنى النضير، ونالوا من رسول الله ، فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم فأغضبوه، فقال له سعد بن معاذ: إنا والله ما جئنا لهذا، ولما بيننا أكبر من المشاتمة، ثم ناداهم سعد بن معاذ فقال: إنكم قد علمتم الذى بيننا وبينكم يا بنى قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير أو أمر منه، ونالوا من رسول الله وقالوا: من رسول الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد، فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد ابن عبادة: دع عنك مشاتمتهم، لما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول الله فسلموا عليه ثم قالوا: عضل والقارة، أي كغدرهم بأصحاب الرجيع خبيب وأصحابه، فقال رسول الله : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين. ثم تقنّع رسول الله بثوبه حين جاءه الخبر عن بنى قريظة، فاضطجع ومكث طويلا، فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه اضطجع، وعرفوا أنه لم يأته عن بنى قريظة خير، ثم إنه رفع رأسه وقال: أبشروا بفتح الله ونصره. فلما أن أصبحوا دنا القوم بعضهم من بعض وكان بينهم رمى بالنبل والحجارة، قال سعيد بن المسيب: قال رسول الله : اللهم إنى أسألك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد. وعظُم عند ذلك البلاء واشتدّ الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظنّ المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق، حتى قال معتب بن قشير أخو بنى عمرو بن عوف: كان محمد يعِدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائطّ! وحتى قال أوس بن قيظي: يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو، وذلك عن ملأ من رجال قومه، فأذَنْ لنا أن نرجع إلى دارنا فإنها خارج من المدينة. قال ابن إسحاق: هؤلاء وأمثالهم المرادون بقوله تعالى في سورة الأحزاب: وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) فأقام رسول الله مرابطًا، وأقام المشركون يحاصرونه بضعاً وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بينهم حربٌ إلا الرميا بالنبل. ولما اشتد على الناس البلاء جرت محاولة للصلح مع غطفان، فقد بعث رسول الله إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المرى، وهما قائدا غطفان وأعطاهما ثلث ثمار المدينة، على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، إلا المراوضة. فلما أراد رسول الله أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين فذكر لهما ذلك، واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا ؟ فقال: بل شئٌ أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتْكم عن قوسٍ واحدةٍ وكالبوكم من كل جانبٍ، فأردتُ أن أكسِر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما. فقال له سعد بن معاذ: يارسول الله قد كُنّا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قِرىً أو بيعًا، أفحين أكرمَنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزّنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ مالنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم! فقال النبي : أنت وذاك، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا. قال: فأقام النبي وأصحابه محاصرين. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /173-174)، "السيرة" لابن كثير (3 /202). قال ابن سعد: "فكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يومًا، ويغدو خالد بن الوليد يومًا، ويغدو عمرو بن العاص يومًا ويغدو هُبيرة بن أبي وهب يومًا، ويغدو ضرار بن الخطاب يومًا، فلا يزالون يُجيلون خيلهم، ويتفرّقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون أصحاب رسول الله ، ويقدمون رماتهم فيرمون". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /64). وأصيب سعد بن معاذ بسهم يومئذ، فقطع منه الأكحل، فدعا قائلًا: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحب إلى أن أجاهد من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه. اللهم وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لى شهادة ولا تُمتني حتى تقر عيني من بني قريظة. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /177-178)، "السيرة" لابن كثير (3 /201)، لابن سعد "الطبقات الكبرى" (2 /64). ولم يكن بينهم وبين عدوهم قتال إلا أن رؤساءهم أجمعوا أن يغدوا يومًا فغدوا جميعًا، ومعهم رؤساء الأحزاب، وتداعوا إلى البراز، منهم عمرو بن عبد ود بن أبى قيس وعكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبى وهب المخزوميان، وضرار بن الخطاب ابن مرداس، تلبسو ا للقتال، ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم، حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدةٌ ما كانت العرب تكيدها. ثم تيمّموا مكانًا من الخندق ضيقًا، فضربوا خيلهم فاقتحمتْ منه، فجالتْ بهم في السبخة بين الخندق، وخرج على بن أبى طالب في نفر معه من المسلمين حتى أخذوا عليه الثغرة التي أقحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم. وكان عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد، فلما كان يوم الخندق خرج مُعلَّما ليُرى مكانه، فلما خرج هو وخيله قال: من يبارز ؟ فبرز له على بن أبى طالب رضى الله عنه، فقال له: يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال: أجل، قال له علي، فإنى أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الاسلام، قال: لا حاجة لى بذلك، قال: فإنى أدعوك إلى النزال، قال له: لم يا ابن أخي، فوالله ما أحب أن أقتلك! قال له علي: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي رضي الله عنه، وخرجت خيلهم منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /176)، "السيرة" لابن كثير (3 /204)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /64-65)، "دلائل النبوة" للبيهقي (3 /438). وعرضت قريش فداءً مقابل جثة عمرو، وأعطوا بجيفته مالا، فقال رسول الله : "ادفعوا إليهم جيفته، فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية"، فلم يقبل منهم شيئا. انظر: "السيرة" لابن كثير (3 /205). وفي رواية ابن عباس أن النبي قال: "لا خير في جسده ولا في ثمنه". أخرجه البيهقي "السنن الكبرى" (18136). قال ابن سعد: "فلما كان من الغد، باتوا يعبؤون أصحابهم، وفرقوا كتائبهم، ونحَوا إلى رسول الله كتيبة غليظة فيها خالد بن الوليد، فقاتلوهم يومهم ذلك إلى هُوي من الليل ما يقدرون أن ينزلوهم من موضعهم". "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /64). وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحصن من كتائبهم، فحاصروهم، فلما حانت صلاة العصر دنت الكتيبة، فلم يقدر النبي ولا أحدٌ من أصحابه الذين كانوا معه أن يُصَلوا الصلاة على نحو ما أرادوا، فانكفأت الكتيبة مع الليل. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد، (2 /65)، "السيرة" لابن كثير (3 /211). وعن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقوله ؟ فقد بلغت القلوب الحناجر! قال: نعم: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا ، قال: فضرب الله وجوه أعدائه بالريح". أخرجه أحمد (11009)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تخريجه على مسند أحمد: "إسناده ضعيف". وجاء عمر بن الخطاب يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال: "يا رسول الله ما كدت أن أصلى حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي : والله ما صليتها، فنزلنا مع رسول الله بطحان، فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب". أخرجه البخاري (945)، مسلم (1462). فقد روى علي رضي الله عنه عن النبي أنه قال يوم الخندق: "ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس". أخرجه البخاري (4111)، مسلم (1451). عن أبي أوفى ري الله عنه قال: "دعا رسول الله على الأحزاب فقال: اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم". أخرجه البخاري، (2933). وعن أبي هريرة أن رسول الله كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعزّ جنده، ونصر عبده ، وغلب الأحزاب وحده، فلا شئ بعده". أخرجه البخاري (4114). وأقام رسول الله وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم عليهم وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم. ثم أتى نعيم بن مسعود رسول الله فقال: يا رسول الله إنى قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي، فمُرْنى بما شئت، فقال رسول الله : "إنما أنت فينا رجلٌ واحدٌ، فخذِّل عنّا إن استطعت، فإن الحربَ خدعةٌ". فثبّط نعيم قومًا عن قوم، وأوقع بينهم شرًا، فخرج حتى أتى بنى قريظة، وكان لهم نديمًا في الجاهلية، فقال: يا بني قريظة قد عرفتم وُدّي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم، قالوا: صدقت لستَ عندنا بمتهمٍ، فقال لهم: إن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم، البلد بلدكم، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم، لا تقدرون على أن تتحوّلوا منه إلى غيره، وإن قريشًا وغطفان قد جاؤوا لحرب محمد وأصحابه، وقد ظاهرتموهم عليه، وبلدهم ونساؤهم وأموالهم بغيره، فليسوا كأنتم، فإن رأوا نهزة أصابوها، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلّوا بينكم وبين الرجل ببلدكم، ولا طاقة لكم به إن خلا بكم، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنًا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدًا حتى تناجزوه، قالوا: لقد أشرت بالرأي. ثم خرج حتى أتى قريشًا، فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم وُدّي لكم وفراقي محمدا، وإنه قد بلغني أمرٌ قد رأيتُ عليّ حقا أن أبلغكموه نصحًا لكم فاكتموا عنّي، قالوا: نفعل، قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد، وقد أرسلوا إليه: إنا قد ندمْنا على ما فعلنا، فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم، ثم نكون معك على من بقي منهم حتى تستأصلهم، فأرسل إليهم: أن نعم، فإن بَعثتْ إليكم يهودٌ يلتمسون منكم رهنًا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا. ثم خرج حتى أتى غطفان فقال: يا معشر غطفان إنكم أصلى وعشيرتي، وأحبُّ الناس إليّ ولا أراكم تتهموني، قالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: فاكتموا عني، قالوا: نفعل ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذّرهم ما حذّرهم. فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس، وكان من صنيع الله تعالى لرسوله أن أرسل أبو سفيان بن حرب ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبى جهل في نفر من قريش وغطفان، فقال لهم: إنا لسنا بدار مقام، هلك الخف والحافر، فأعدوا للقتال حتى نناجز محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه، فأرسلوا إليهم: إن اليوم يوم السبت، وهو يوم لا نعمل فيه شيئا، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا فأصابهم ما لم يخف عليكم، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم، يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلادنا، ولا طاقة لنا بذلك منه. فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة، قالت قريش وغطفان: والله إن الذى حدثكم نعيم بن مسعود لحق، فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحقٌّ، ما يريد القوم إلا أن تقاتلوا، فإن رأوا فرصة انتهزوها، وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم، فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله ما نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم وبعث الله الريح في ليلة شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /179-180)، "السيرة" لابن كثير (3 /217-218)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /65-70). وقد حدث إبراهيم ابن يزيد التيمي عن أبيه، قال: "كنا عند حذيفة فقال له رجل: لو أدركت رسول الله قاتلت معه وأبليت، فقال له حذيفة: أنت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رأيتنا مع رسول الله ليلة الأحزاب في ليلة ذات ريح شديدة وقرّ، فقال رسول الله : ألا رجلٌ يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة ؟ فلم يجبْه منا أحدٌ، ثم الثانية ثم الثالثة مثله، ثم قال: يا حذيفة قم فأتنا بخبر القوم، فلم أجد بُدًا إذ دعاني باسمي أن أقوم، فقال: ائتني بخبر القوم ولا تذعرهم عليّ، قال: فمضيتُ كأنّما أمشي في حمّام حتى أتيتُهم، فإذا أبو سفيان يصلى ظهره بالنار، فوضعت سهما في كبد قوسي، وأردتُ أن أرميه، ثم ذكرْت قول رسول الله : لا تذعرهم علي، ولو رميته لأصبته، فرجعت كأنما أمشي في حمام، فأتيت رسول الله ، فأصابني البرد حين رجعت وقررت، فأخبرت رسول الله وألبسني من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أبرح نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحتُ قال رسول الله : قم يا نومان". أخرجه مسلم، (4741). فقد كان مما رواه حذيفة أن أبا سفيان قام بالناس فقال: يا معشر قريش! لينظر امرؤ من جليسه، قال حذيفة، فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جنبي، فقلت: من انت؟ قال: فلان ابن فلان، فنادى أبو سفيان بالرحيل، ثم قال: يا معشر قريش! إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخف، واخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدة الريح ما ترون، ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام الى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث. انظر: "السيرة" لابن هشام (3 /182)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /66). ورجع إلى النبي صلى اله عليه وسلم بخبر القوم، وأنه تركهم يرحلون، إذا الريح في عسكرهم ما تجاوز عسكرهم شبرا، والريح تضرب بها، وقد أنزل الله تعالى في هذا من سورة الأحزاب: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ سورة الأحزاب: 9، يعنى الآيات كلها إلى قوله: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ سورة الأحزاب: 25". "دلائل النبوة" للبيهقي (3 /452). قال ابن هشام: "فلما أصبح رسول الله انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمين، وضعوا السلاح". "السيرة" لابن هشام (3 /183). روى سليمان بن صُرد رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول حين أجلى الأحزاب عنه: "الآن نغزوهم (ولا يغزونا) نحن نسير إليهم". أخرجه البخاري (4110). واستشهد من المسلمين يوم الخندق ثلاثة من بنى عبد الاشهل، وهم سعد بن معاذ وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو، وعبد الله بن سهل، والطفيل بن النعمان، وثعلبة بن غنمة الجشميان السلميان، وكعب بن زيد النجارى، أصابه سهم غرب فقتله، وقتل من المشركين ثلاثة وهم: منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار، أصابه سهم فمات منه بمكة، ونوفل بن عبدالله بن المغيرة اقتحم الخندق بفرسه فتورّط فيه فقتل هناك وطلبوا جسده بثمن كبير. انظر: "السيرة" لابن كثير (3 /222).

نتيجتها

لم يحدث قتال بين المسلمين والمشركين وانما تراموا بالنبل. استشهد من المسلمين ثلاثة، وقتل من المشركين ثلاثة. ونقضت بنو قريظة العهد.

دروس وعِبَر

1- استدل طائفة من العلماء بهذه الأحاديث على كون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. 2- استدل طائفة بهذا الصنيع على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال. انظر: "السيرة" لابن كثير (3 /211). 3- جواز الخدعة والكذب في الحرب. 4- وجوب الاستئذان من قائد الحرب أو الكتيبة عند الاضطرار لمغادرة مكان الغزو.