البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

غزوة فتح مكة

خرج رسول الله إلى مكة في رمضان سنة ثمان، لما نقضت قريش العهد، ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وكتم أمره، فسار ومن معه من المسلمين حتى بلغوا الكديد فأفطر رسول الله وأفطروا، ولما كان ببعض الطريق لقيه عمه العباس ومعه عياله، ودخل رسول مكة، ونادى منادي رسول الله : من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن إلا بضع نفر استثناهم، وأمر بقتلهم وإن وُجِدوا تحت استار الكعبة، ودخلها رسول الله وهو يقرأ سورة الفتح، و استقبل رسول الله الحجر الأسود واستلمه و طاف بالبيت، و كسر الأصنام حول الكعبة وداخلها، وأزال التصاوير، وصلى، ثم خطب في الناس، وبايعهم على الإسلام والإيمان والجهاد . وفي هذه الغزوة كان كتاب حاطب بن بلتعة إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله إليهم، وفيه إسلام أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وأبي سفيان بن حرب، إسلام والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأعطى رسول الله لصفوان بن أمية الأمان وتركه بالخيار أربعة أشهر، وبعد الفتح تخوفت الأنصار أن يتركهم رسول الله ويبقى في مكة موطنه وبلده، فكلمهم رسول الله واطمأنوا، وأقر رسول الله عثمان بن طلحة على السدانة والعباس على السقاية، وبعد الفتح بث رسول الله السرايا خارج الحرم يدعون الناس إلى الإسلام.

اسمها

غزوة فتح مكة.

وقتها

كانت غزوة فتح مكة سنة ثمان للهجرة، والذي اتفق عليه أهل السير أن رسول الله خرج في عاشر رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه. روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله غزا غزوة الفتح في رمضان». أخرجه البخاري (4275)، ومسلم (1113). وروى أيضا: «أن النبي خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان، وقديد أفطر وأفطروا». أخرجه البخاري (4276). قال ابن حجر: «لا خلاف أنه استهل رمضان في عام غزوة الفتح وهو بالمدينة، ثم سافر في أثنائه، ووقع في رواية بن إسحاق في المغازي عن الزهري في حديث الباب أنه خرج لعشر مضين من رمضان، ووقع في مسلم من حديث أبي سعيد اختلاف من الرواة في ضبط ذلك، والذي اتفق عليه أهل السير أنه خرج في عاشر رمضان، ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه». "فتح الباري" لابن حجر (4 /181). انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /135)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 306)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /4)، "زاد المعاد" لابن القيم (3 /347)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 404).

موقعها

خرج رسول الله من المدينة لغزو مكة.

عدد المسلمين

خرج رسول الله من المدينة ومعه عشرة آلاف رجل. انظر: البخاري (4276)، "السيرة" لابن هشام (2 /421)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /135)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 307)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /4)، "زاد المعاد" لابن القيم (3 /349)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 403).

قائد المسلمين

رسول الله

سببها

وكان سبب ذلك: أن قريشًا نقضت العهد الذي كان بينها وبين رسول الله ، وأعانت بني بكر بالكراع والسلاح على خزاعة التي دخلت في عقد رسول الله وعهده. قال ابن إسحاق: فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله وبين قريش، كان فيما شرطوا لرسول الله وشرط لهم: أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه. فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله وعهده. قال: فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرا بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل، وهو يومئذ قائدهم، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة، وهم على الوتير، ماء لهم، فأصابوا منهم رجلًا، وتحاوزوا واقتتلوا، ورفدت بني بكر قريش بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، فلما انتهوا إليه، قالت بنو بكر: يا نوفل، إنا قد دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال: كلمة عظيمة، لا إله له اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه، وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا يقال له منبه، وكان منبه رجلا مفقودا خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد، وقال له منبه: يا تميم، انج بنفسك، فأما أنا فو الله إني لميت، قتلوني أو تركوني، لقد انبت فؤادي، وانطلق تميم فأفلت، وأدركوا منبها فقتلوه، فلما دخلت خزاعة مكة، لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له رافع. قال ابن إسحاق: فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة، وأصابوا منهم ما أصابوا، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة، وكان في عقده وعهده، خرج عمرو بن سالم الخزاعي، ثم أحد بني كعب، حتى قدم على رسول الله المدينة، وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس، فقال: يا رب إني ناشد محمدا. .. حلف أبينا وأبيه الأتلدا قد كنتم ولدا وكنا والدا. .. ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا فانصر هداك الله نصرا أعتدا. .. وادع عباد الله يأتوا مددا فيهم رسول الله قد تجردا. .. إن سيم خسفا وجهه تربدا في فيلق كالبحر يجري مزبدا. .. إن قريشا أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا. .. وجعلوا لي في كداء رصدا وزعموا أن لست أدعو أحدا. .. وهم أذل وأقل عددا هم بيتونا بالوتير هجدا. .. وقتلونا ركعا وسجدا فقال رسول الله : نصرت يا عمرو بن سالم. ثم عرض لرسول الله عنان من السماء، فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /389- 395)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /135)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 306)، "فتح الباري" لابن حجر (8 /4)، "زاد المعاد" لابن القيم (3 /348- 351)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 401).

أحداثها

لما نقضت قريش العهد خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة يسأل رسول الله وأصحابه الصلح وقد بعثته قريش إلى رسول الله ليشد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا، لكنه أخفق في ذلك. قال ابن إسحاق: ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله ، قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر. ثم خرج حتى أتى رسول الله فكلمه، فلم يرد عليه شيئا، ثم ذهب إلى أبي بكر، فكلمه أن يكلم له رسول الله ، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه، فقال: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله ؟ فو الله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به. ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، وعنده فاطمة بنت رسول الله ورضي عنها، وعندها حسن بن علي، غلام يدب بين يديها، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحما، وإني قد جئت في حاجة، فلا أرجعن كما جئت خائبا، فاشفع لي إلى رسول الله، فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه. فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنة محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قالت: والله ما بلغ بني ذاك أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله قال: يا أبا الحسن، إني أرى الأمور قد اشتدت علي، فانصحني، قال: والله ما أعلم لك شيئا يغني عنك شيئا، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال: أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا؟ قال: لا والله، ما أظنه، ولكني لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس، إني قد أجرت بين الناس. ثم ركب بعيره فانطلق، فلما قدم على قريش. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /396- 397). وأمر رسول الله بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، وكتم جهته عن أصحابه. قال ابن إسحاق: فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله ، فقال: أي بنية: أأمركم رسول الله أن تجهزوه؟ قالت: نعم، فتجهز، قال: فأين ترينه يريد؟ قالت: لا، والله ما أدري. ثم إن رسول الله أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، فتجهز الناس. "السيرة" لابن هشام (2 /397). ولما أجمع رسول الله المسير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله من الأمر في السير إليهم، ثم أعطاه امرأة، فأطلع الله نبيه عليه السلام على ذلك، فبعث عليا وصحابيان آخران معه، فاستخرج الكتاب من قرون رأسها، أي من ضفائرها. ففي الصحيحين: ان رسول الله بعث عليا وأبا مرثد الغنوي والزبير، وفي رواية أخرى لهما ايضا: أنه بعث عليا والزبير والمقداد، وكلاهما في الصحيح. وفي السيرة اقتصر ابن إسحاق على ذكر علي والزبير رضي الله عنهما فقط. انظر: الأولى: أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494)، والثانية: أخرجه البخاري (4274)، ومسلم (2494)، وانظر كذلك: "السيرة" لابن هشام (2 /398). وقال ابن حجر: 7 /594: «فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعا له». "فتح الباري" لابن حجر (7 /520). وقصة ذلك في الصحيحين: قال علي رضي الله عنه: «بعثني رسول الله وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام، وكلنا فارس، قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها، حيث قال رسول الله ، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابا، فقلنا: ما كذب رسول الله ، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت الى حجزتها، وهي محتجزة بكساء، فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله ، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال النبي : ما حملك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله ، أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي : صدق ولا تقولوا له إلا خيرا، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع إلى أهل بدر؟ فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو: فقد غفرت لكم، فدمعت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم». أخرجه البخاري (3983)، ومسلم (2494). فأنزل الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ﴾ سورة الممتحنة: 1 إلى قوله: ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ سورة الممتحنة: 1. واختلف في هذه المرأة: فذكر الواقدي أنها كانت امرأة من مزينة من أهل العرج، يقال لها: كنود، وأخرج في رواية أخرى أنها سارة، وذكر ابن هشام أنها من مزينة، وأنها سارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب، وأما كونها أم سارة فذُكِرَت في حديث أنس رضي الله عنه الذي أخرجه البيهقي: أن أم سارة كانت مولاة لقريش، فأتت النبي فشكت إليه الحاجة، ثم إن رجلا بعث معها بكتاب إلى أهل مكة... أخرجه البيهقي "دلائل النبوة" (5 /60 - 61)، وانظر كذلك: "المغازي" للواقدي (2 /798- 799)، "السيرة" لابن هشام (2 /398). واستخلف على المدينة أبا رهم، وقال ابن سعد ومغلطاي: استعمل عبد الله بن أم مكتوم. انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /135)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 307). وخرج مع رسول الله المهاجرون والأنصار، ولم يتخلف عنه منهم أحد، وأوعبوا، وفي كل القبائل عدد وإسلام، ثم مضى رسول الله وهو صائم، والناس صيام، ولما بلغ الكديد أفطر، وأفطر الناس معه. قال ابن إسحاق: ثم مضى رسول الله لسفره، واستخلف على المدينة أبا رهم، كلثوم بن حصين ابن عتبة بن خلف الغفاري، وخرج لعشر مضين من رمضان الله ، وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد، بين عسفان وأمج أفطر، ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين. "السيرة" لابن هشام (2 /399- 400). روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي خرج في رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف، وذلك على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة، فسار هو ومن معه من المسلمين إلى مكة، يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد، وهو ماء بين عسفان وقديد أفطر وأفطروا»، قال الزهري: «وإنما يؤخذ من أمر رسول الله الآخر فالآخر». أخرجه البخاري (4276). وقال ابن عباس: «سافر رسول الله في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء من ماء، فشرب نهارا ليريه الناس، فأفطر حتى قدم مكة، قال: وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله في السفر، وأفطر فمن شاء صام ومن شاء أفطر». أخرجه البخاري (4279)،. وكان العباس قد خرج قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا، فلقي رسول الله بالجحفة ويقال: وبذي الحليفة وقيل فوق ذلك، ومعه عياله، فأرسلهم إلى المدينة، وانصرف مع النبي . قال ابن إسحاق: «وقد كان العباس بن عبد المطلب لقي رسول الله ببعض الطريق. قال ابن هشام: لقيه بالجحفة مهاجرا بعياله، وقد كان قبل ذلك مقيما بمكة على سقايته، ورسول الله عنه راض، فيما ذكر ابن شهاب الزهري». "السيرة" لابن هشام (2 /400). ولقيه أيضا أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية بالأبواء، وقيل: بين السّقيا والعرج، وقيل: بنيق العقاب، وهما ابن عمه وابن عمته، فأسلما. قال ابن إسحاق: «وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله أيضا بنيق العقاب، فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله، ابن عمك وابن عمتك وصهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال. قال: فلما خرج الخبر إليهما بذلك، ومع أبي سفيان بني له. فقال: والله ليأذنن لي أو لآخذن بيدي بني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا، فلما بلغ ذلك رسول الله رق لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه، فأسلما». "السيرة" لابن هشام (2 /400- 401). فلما نزل رسول الله مر الظهران، نزله عشاء، فأمر الجيش فأوقدوا النيران، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلم يأتهم خبر عن رسول الله ، ولا يدرون ما هو فاعل، وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبرا أو يسمعون به، وكان نفس العباس قد رقّت لأهل مكة، فخرج ليلا راكبا بغلة النبي لكي يجد أحدا فيُعْلِم أهل مكة بمجيء النبي ليستأمنوه، فسمع صوت أبي سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، فأركب أبا سفيان خلفه، وأتى به النبي فأسلم، وانصرف الآخران ليعلما أهل مكة. روى هشام بن عروة عن أبيه قال: «لما سار رسول الله عام الفتح، فبلغ ذلك قريشا، خرج أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، يلتمسون الخبر عن رسول الله ، فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران، فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة، فقال أبو سفيان: ما هذه، لكأنها نيران عرفة؟ فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو، فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك، فرآهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم فأخذوهم، فأتوا بهم رسول الله فأسلم أبو سفيان، فلما سار قال للعباس: احبس أبا سفيان عند حطم الخيل، حتى ينظر إلى المسلمين. فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي ، تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان، فمرت كتيبة، قال: يا عباس من هذه؟ قال: هذه غفار، قال: ما لي ولغفار، ثم مرت جهينة، قال مثل ذلك، ثم مرت سعد بن هذيم فقال مثل ذلك، ومرت سليم، فقال مثل ذلك، حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها، قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان، اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمار، ثم جاءت كتيبة، وهي أقل الكتائب، فيهم رسول الله وأصحابه، وراية النبي مع الزبير بن العوام، فلما مر رسول الله بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال: كذا وكذا، فقال: كذب سعد، ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة. قال: وأمر رسول الله أن تركز رايته بالحجون. قال عروة: وأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس، يقول للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله أن تركز الراية، قال: وأمر رسول الله يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل النبي من كدا، فقتل من خيل خالد بن الوليد رضي الله عنه يومئذ رجلان: حبيش بن الأشعر، وكرز بن جابر الفهري». أخرجه البخاري (4280). وانظر قصة ذلك مفصلا عند ابن إسحاق في السيرة، وفيه قال: ومرت القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: يا عباس، من هذه؟ فأقول: سليم، فيقول: ما لي ولسليم، ثم تمر القبيلة فيقول: يا عباس، من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: ما لي ولمزينة، حتى نفدت القبائل، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها، فإذا أخبرته بهم، قال: ما لي ولبني فلان، حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء. قال ابن هشام: وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها. قال ابن إسحاق: فيها المهاجرون والأنصار، رضي الله عنهم، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، فقال: سبحان الله: يا عباس، من هؤلاء؟ قال: قلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما، قال: قلت: يا أبا سفيان، إنها النبوة. قال: فنعم إذن. قال: قلت: النجاء إلى قومك، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه، فقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأحمس، قبح من طليعة قوم! قال: ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: قاتلك الله! وما تغني عنا دارك، قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /402- 405). ودفع رسول الله الراية لسعد بن عبادة، ولما قال لأبي سفيان مقولته ذلك أخذ رسول الراية منه، ودفعه إلى قيس ابنه، وروي أن النبي لما نزع منه الراية دفعها إلى الزبير. قال ابن حجر: «والذي يظهر في الجمع أن عليا أرسل بنزعها وأن يدخل بها ثم خشي تغير خاطر سعد فأمر بدفعها لابنه قيس ثم إن سعدا خشي أن يقع من ابنه شيء ينكره النبي فسأل النبي أن يأخذها منه فحينئذ أخذها الزبير وهذه القصة الأخيرة قد ذكرها البزار من حديث أنس بإسناد على شرط البخاري ولفظه كان قيس في مقدمة النبي لماقدم مكة فكلم سعد النبي أن يصرفه عن الموضع الذي فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك». "فتح الباري" لابن حجر (8 /9). وسار رسول فدخل مكة من كداء التي بأعلى مكة، وضربت له هنالك قبة. روى هشام بن عروة عن أبيه، أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: «أن النبي دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة». أخرجه البخاري (4290). ودخلها رسول يوم الفتح وهو يقرأ سورة الفتح. قال عبد الله بن مغفل: «رأيت رسول الله يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح يرجع، وقال: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع». أخرجه البخاري (4281)، ومسلم (794). وأمر رسول الله خالد بن الوليد أن يدخلها من أسفلها، وكان على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة، وقبائل من قبائل العرب، وكان أبو عبيدة على الرجالة والحسر، وهم الذين لا سلاح معهم، وقال لخالد ومن معه: إن عرض لكم أحد من قريش فاحصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا، فما عرض لهم أحد إلا أناموه. وتجمع سفهاء قريش، وأخفاؤها مع عكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو بالخندمة؛ ليقاتلوا المسلمين، وكان حماس بن قيس بن خالد أخو بني بكر يعد سلاحا قبل دخول رسول الله فقالت له امرأته: لماذا تعد ما أرى؟ قال: لمحمد وأصحابه، قالت: والله ما يقوم لمحمد وأصحابه شيء، قال: إني والله لأرجو أن أخدمك بعضهم، ثم شهد الخندمة مع صفوان وعكرمة وسهيل بن عمرو، فلما لقيهم المسلمون ناوشوهم شيئا من قتال فقتل كرز بن جابر الفهري، وخنيس بن خالد بن ربيعة من المسلمين، وأصيب من المشركين نحو اثني عشر رجلا، ثم انهزموا، وانهزم حماس صاحب السلاح، حتى دخل بيته فقال لامرأته: أغلقي علي بابي، فقالت: وأين ما كنت تقول؟. قال أبو هريرة: «أقبل رسول الله حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال أبو هريرة: قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: لا يأتيني إلا أنصاري، فقال: اهتف لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله : ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: حتى توافوني بالصفا، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن». أخرجه مسلم (1780). ثم سار رسول الله والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله حتى أتى الكعبة، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف بالبيت، وكان بيده قوس، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما، فكلما مر بصنم أشار إليه بالقوس قائلا: ﴿جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾ سورة الإسراء: 81، والأصنام تتساقط على وجوهها. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «دخل النبي مكة يوم الفتح، وحول البيت ستون وثلاث مائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ سورة الإسراء: 81، ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ سورة سبأ: 49». أخرجه البخاري (4286)، ومسلم (1781). وفي حديث أبي هريرة قال: «… قال: وأقبل رسول الله حتى أقبل إلى الحجر، فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه، ويقول: ﴿جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ سورة الإسراء: 81، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو». أخرجه مسلم (1780). وكان طوافه على راحلته، ولم يكن محرمًا، فلما أكمل طوافه دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها فرأى فيها الصور فأزالها، وكبر في نواحي البيت، ووحد الله. روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي : قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط، ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه». أخرجه البخاري (4288)، وبنحوه عند مسلم (1331). قال ابن إسحاق: «لما نزل رسول الله مكة، واطمأن الناس، خرج حتى جاء البيت، فطاف به سبعا على راحلته، يستلم الركن بمحجن في يده، فلما قضى طوافه، دعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، ففتحت له، فدخلها، فوجد فيها حمامة من عيدان، فكسرها بيده ثم طرحها». "السيرة" لابن هشام (2 /411). روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، فدخل رسول الله ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا، ثم خرج، فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله: أين صلى رسول الله ؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه. قال عبد الله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة». أخرجه البخاري (4289). ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفا ينتظرون ماذا يصنع. قال ابن إسحاق: «قام رسول الله على باب الكعبة، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا، ففيه الدية مغلظة، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها. يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب، ثم تلا هذه الآية: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ سورة الحجرات: 13 الآية كلها. ثم قال: يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء». "السيرة" لابن هشام (2 /411). «فلما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله في الناس خطيبا، فحمد الله، وأثنى عليه، ومجده بما هو أهله. ثم قال رسول الله فيما رواه أبو شريح العدوي عنه: «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب». أخرجه البخاري (4295)، ومسلم (1781). وقال أبو هريرة: «لما فتح الله عز وجل على رسول الله مكة، قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال: إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لن تحل لأحد كان قبلي، وإنها أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفدى، وإما أن يقتل، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله : إلا الإذخر، فقام أبو شاه، رجل من أهل اليمن، فقال: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله : اكتبوا لأبي شاه، قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله ». أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355)، واللفظ لمسلم. وروى عطاء بن أبي رباح ان: «جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمع رسول الله ، يقول عام الفتح وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال رسول الله عند ذلك: قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه». أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581). وبايع رسول الله الناس يوم الفتح. قال مجاشع: «أتيت النبي بأخي بعد الفتح، قلت: يا رسول الله، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة. قال: ذهب أهل الهجرة بما فيها. فقلت: على أي شيء تبايعه؟ قال: أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد، فلقيت معبدا بعد، وكان أكبرهما، فسألته، فقال: صدق مجاشع». أخرجه البخاري (4305)، ومسلم (1863). روى محمد بن الأسود بن خلف: «أن أباه الأسود رأى النبي يبايع الناس يوم الفتح، قال: جلس عند قرن مسقلة، فبايع الناس على الإسلام والشهادة، قال: قلت: وما الشهادة؟ قال: أخبرني محمد بن الأسود بن خلف أنه بايعهم على الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله». أخرجه أحمد (15431)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «إسناده محتمل للتحسين، محمد بن الأسود بن خلف، من رجال "التعجيل" روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات" وبقية رجاله ثقات رجال الصحيح». قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي يوم فتح مكة: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا». أخرجه البخاري (3077)، ومسلم (1353). وبايع رسول الله النساء. قالت عائشة بنت قدامة: «أنا مع أمي رائطة بنت سفيان الخزاعية، والنبي يبايع النسوة، ويقول: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا، ولا تسرقن، ولا تزنين، ولا تقتلن أولادكن، ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، ولا تعصين في معروف. قالت: فأطرقن، فقال لهن النبي : قلن: نعم فيما استطعتن. فكن يقلن، وأقول معهن، وأمي تلقنني: قولي أي بنية: نعم، فيما استطعت، فكنت أقول كما يقلن». أخرجه أحمد (15431)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الارناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف». وكانت هند بنت عتبة ممن أسلمت وبايعت رسول الله يوم الفتح. قالت عائشة رضي الله عنها: «جاءت هند بنت عتبة، قالت: يا رسول الله، ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، قال: وأيضا والذي نفسي بيده، قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل مسيك، فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا؟ قال: لا أراه إلا بالمعروف». أخرجه البخاري (3825)، ومسلم (1714). وكانت القبائل تعرض على رسول الله وتبايع. قال عمرو بن سلمة: «قال لي أبو قلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيته فسألته، فقال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان، فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا. فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص». أخرجه البخاري (4302). قال أنس رضي الله عنه: «أقمنا مع النبي عشرا نقصر الصلاة». أخرجه البخاري (4297). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «أقام النبي بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين». أخرجه البخاري (4298- 4299). قال ابن حجر: «وقد جاء من روايات عدة أنه مكث ثمانية عشر يومًا، وهي عند أبي داود من حديث عمران بن حصين، وأخرى سبعة عشر يومًا وبعضها خمسة عشر يومًا، وقد جمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة يومًا عد يومي الدخول والخروج، ومن قال سبع عشرة يومًا حذفهما، ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما وأما رواية "خمسة عشر" فضعفها النووي في الخلاصة، وليس بجيد لأن رواتها ثقات رقم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي. وإذا ثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر، واقتضى ذلك أن رواية تسعة عشر أرجح الروايات، وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه، ويرجحها أيضًا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة». انظر تفصيل القصة وأحداثها في: "المغازي" للواقدي (2/)، "السيرة" لابن هشام (2 /389- 426)، "الطبقات الكبرى" لابن سعد (2 /134- 145)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 306- 314)، "زاد المعاد" لابن القيم (3 /347- 369)، "صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 401- 429).

نتيجتها

سار رسول الله ومن معه من المسلمين حتى بلغوا الكديد فأفطروا. وببعض الطريق لقي رسول الله عمه العباس وكان قد أسلم قبلها، ولقيه أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة وأبو سفيان بن حرب فأسلموا، ورجع حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء ليعلما أهل مكة بقدوم رسول الله والمؤمنين. دخل رسول مكة وهو يقرأ سورة الفتح، ونادى مناديه : من دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن إلا بضع نفر استثناهم وأمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة. واستقبل رسول الله الحجر الأسود واستلمه و طاف بالبيت، و كسر الأصنام حول الكعبة وداخلها، وأزال التصاوير، ثم خطب في الناس، وبايعهم على الإسلام والإيمان والجهاد.

أحداث متعلقة

لباس رسول الله أثناء دخوله مكة. روى أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر...». أخرجه البخاري (4286)، ومسلم (1357). وروى جابر بن عبد الله الأنصاري: «أن رسول الله دخل مكة، وقال قتيبة: دخل يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء بغير إحرام». أخرجه مسلم (1358). وروى جعفر بن عمرو بن حريث عن أبيه: «أن رسول الله خطب الناس وعليه عمامة سوداء»، وفي رواية له: «كأني أنظر إلى رسول الله على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها بين كتفيه». أخرجه مسلم (1359). صلاة رسول الله داخل الكعبة. جاء من حديث ابن عمر عند البخاري أن رسول الله صلى في الكعبة. روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته، مردفا أسامة بن زيد، ومعه بلال، ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة، حتى أناخ في المسجد، فأمره أن يأتي بمفتاح البيت، فدخل رسول الله ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا، ثم خرج، فاستبق الناس، فكان عبد الله بن عمر أول من دخل، فوجد بلالا وراء الباب قائما، فسأله: أين صلى رسول الله ؟ فأشار له إلى المكان الذي صلى فيه. قال عبد الله: فنسيت أن أسأله كم صلى من سجدة». أخرجه البخاري (4289). وجاء من حديث ابن عباس المتفق عليه أن رسول الله لم يصلّ. روى ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، فأمر بها فأخرجت، فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام، فقال النبي : قاتلهم الله، لقد علموا ما استقسما بها قط، ثم دخل البيت، فكبر في نواحي البيت، وخرج ولم يصل فيه». أخرجه البخاري (4288)، وبنحوه عند مسلم (1331). قال إبراهيم العلي: «والصحيح والله أعلم أن المثبت مقدم على النافي، والذين دخلوا مع النبي هم الذين رووا أنه صلى داخلها، وهم أعلم بذلك ممن لم يدخل معه، وهو ابن عباس… وأما القول أن ابن عباس روى عدم الصلاة في الكعبة عن أخيه الفضل، وهو ممن دخل مع النبي ، فلعل الفضل قد اشتغل بالدعاء، ولذلك لم ير النبي ، والله أعلم». صحيح السيرة النبوية" لإبراهيم العلي (ص 417). وقال النووي: «أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال؛ لأنه مثبت فمعه زيادة علم فواجب ترجيحه». "شرح النووي على مسلم" (9 /82). إسلام والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن جدته أسماء بنت أبي بكر، قالت: لما وقف رسول الله بذي طوى قال أبو قحافة لابنة من أصغر ولده: أي بنية، اظهري بي على أبي قبيس، قالت: وقد كف بصره، قالت: فأشرفت به عليه، فقال: أي بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا، قال: تلك الخيل، قالت: وأرى رجلا يسعى بين يدي ذلك مقبلا ومدبرا، قال: أي بنية، ذلك الوازع، يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها، ثم قالت: قد والله انتشر السواد، قالت: فقال: قد والله إذن دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فانحطت به، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته، قالت: وفي عنق الجارية طوق من ورق، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها، قالت: فلما دخل رسول الله مكة، ودخل المسجد، أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله قال: هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه؟ قال أبو بكر، يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت، قال: قالت: فأجلسه بين يديه، ثم مسح صدره، ثم قال له: أسلم، فأسلم، قالت: فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة، فقال رسول الله : غيروا هذا من شعره، ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته، وقال: أنشد الله والإسلام طوق أختي، فلم يجبه أحد، قالت: فقال: أي أخية، احتسبي طوقك، فو الله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل. "السيرة" لابن هشام (2 /405- 406). تحليل القول في وقت إسلام العباس بن أبي طالب: اختلف في الوقت الذي أسلم فيه العباس رضي الله عنه، فقيل: أسلم قبل الهجرة، وأقام بأمر النبي له في ذلك لمصلحة المسلمين. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /400). قال ابن حجر: «وكان العباس أسن من النبي بسنتين أو بثلاث، وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة، وقيل قبل ذلك، وليس ببعيد، فإن في حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط ما يؤيد ذلك، وأما قول أبي رافع في قصة بدر: كأن الإسلام دخل علينا أهل البيت، فلا يدل على إسلام العباس حينئذ، فإنه كان ممن أسر يوم بدر، وفدى نفسه وعقيلا ابن أخيه أبي طالب كما سيأتي، ولأجل أنه لم يهاجر قبل الفتح لم يدخله عمر في أهل الشورى، مع معرفته بفضله واستسقائه به». "فتح الباري" لابن حجر (7 /77). إذن الرسول للقتال في مكة إنما كان ساعة من النهار، ثم حرم بعد إلى الأبد. روى أبو شريح العدوي أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة: «ائذن لي أيها الأمير، أحدثك قولا قام به رسول الله الغد يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي حين تكلم به، إنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرا، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها، فقولوا له: إن الله أذن لرسوله، ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب. فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصيا، ولا فارا بدم، ولا فارا بخربة. قال أبو عبد الله: الخربة: البلية». أخرجه البخاري (4295)، ومسلم (1781). وكان قصة ذلك أن رسول الله حين افتتح مكة أمن الناس كلهم إلا نفرا سماهم والا من بدره بالقتال وتجهزوا له، فلما كان الغد من يوم الفتح عَدَت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه، وهو مشرك، فغضب رسول الله غضبا شديدا، وقام فيهم خطيبا، وقال خطبته ذلك، ثم ودى رسول الله ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة. قال أبو شريح الخزاعي الكعبي، وكان من أصحاب رسول الله : «أذن لنا رسول الله يوم الفتح في قتال بني بكر حتى أصبنا منهم ثأرنا وهو بمكة، ثم أمر رسول الله برفع السيف، فلقي رهط منا الغد رجلا من هذيل في الحرم يؤم رسول الله ليسلم، وكان قد وترهم في الجاهلية، وكانوا يطلبونه فقتلوه، وبادروا أن يخلص إلى رسول الله فيأمن، فلما بلغ ذلك رسول الله غضب غضبا شديدا، والله ما رأيته غضب غضبا أشد منه، فسعينا إلى أبي بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم نستشفعهم، وخشينا أن نكون قد هلكنا، فلما صلى رسول الله قام فأثنى على الله عز وجل بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن الله عز وجل هو حرم مكة ولم يحرمها الناس، وإنما أحلها لي ساعة من النهار أمس، وهي اليوم حرام كما حرمها الله عز وجل أول مرة، وإن أعتى الناس على الله عز وجل ثلاثة: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل في الجاهلية، وإني والله لأدين هذا الرجل، الذي قتلتم، فوداه رسول الله ». أخرجه أحمد (16376)، طبعة الرسالة، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على مسند أحمد: «حديث صحيح دون قوله: "وإن أعتى الناس على الله عز وجل ثلاثة: رجل قتل فيها، ورجل قتل غير قاتله، ورجل طلب بذحل في الجاهلية" فحسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف، مسلم بن يزيد من رجال "التعجيل"، وذكره المزي في "تهذيب الكمال" تمييزا، انفرد بالرواية عنه الزهري، ولم يؤثر توثيقه عن غير ابن حبان، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين». المستثنون من العفو والأمان، وإهدار رسول الله دماء بعض المشركين. وأمن رسول الله الناس يوم الفتح، فقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، حيث إنه عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، واستثنى من ذلك بعض المشركين سماهم بأسمائهم، وأهدر دماءهم، وأمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة، منهم : عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وكان أخو عثمان بن عفان للرضاعة، ففر إليه يوم الفتح حتى استأمنه، فأسلم. ومقيس بن صبابة: وإنما أمر رسول الله بقتله، لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ، ورجوعه إلى قريش مشركا، فقتله نميلة بن عبد الله، رجل من قومه. وعكرمة بن أبي جهل، وهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام، فاستأمنت له من رسول الله ، فأمنه، فخرجت في طلبه إلى اليمن، حتى أتت به رسول الله ، فأسلم. روى مصعب بن سعد عن سعد، قال: «لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله الناس، إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: اقتلوهم، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة؛ عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح، فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر، فسبق سعيد عمارا، وكان أشب الرجلين فقتله، وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه، وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف، فقال أصحاب السفينة: أخلصوا، فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا، فقال عكرمة: والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص، لا ينجيني في البر غيره، اللهم إن لك علي عهدا، إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده، فلأجدنه عفوا كريما، فجاء فأسلم، وأما عبد الله بن سعد بن أبي السرح، فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان، فلما دعا رسول الله الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي ، قال: يا رسول الله، بايع عبد الله، قال: فرفع رأسه، فنظر إليه، ثلاثا كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله، فقالوا: وما يدرينا يا رسول الله ما في نفسك، هلا أومأت إلينا بعينك؟ قال: إنه لا ينبغي لنبي أن يكون له خائنة أعين». وقال أبو داود: كان عبد الله أخا عثمان من الرضاعة، وكان الوليد ابن عقبة أخا عثمان لأمه، وضربه عثمان الحد إذ شرب الخمر. أخرجه النسائي (4067)، وأبو داود (2683)، والحاكم (2329)، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن أبي داود: «إسناده حسن، السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة وأسباط بن نصر وأحمد بن المفضل حديثهم حسن، لا يرتقي إلى الصحة»، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6 /168، 169، رواه أبو داود وغيره باختصار، ورواه أبو يعلى والبزار، ورجالهما ثقات. وابن خطل، قتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي، اشتركا في دمه. روى الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن النبي دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتله، قال مالك: ولم يكن النبي فيما نرى والله أعلم يومئذ محرما». أخرجه البخاري (4286)، ومسلم (1357). وقينتان لابن خطل، كانتا تغنيان بهجاء رسول الله ، فأمر رسول الله بقتلهما معه، فقتلت إحداهما، وهربت الأخرى، حتى استؤمن لها رسول الله بعد، فأمنها فأسلمت. روى عمرو ابن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي، حدثني جدي عن أبيه: «أن رسول الله قال يوم فتح مكة: أربعة لا أؤمنهم في حل ولا حرم، فسماهم، قال: وقينتين كانتا لمقيس، فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى فأسلمت». أخرجه أبو داود (2684) وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تخريجه على سنن أبي داود: «صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عثمان». والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، وكان ممن يؤذيه بمكة، فقتله علي بن أبي طالب. قال ابن هشام: وكان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث ابن نقيذ، فرمى بهما إلى الأرض. وسارة، مولاة لبعض بني عبد المطلب، وكانت ممن يؤذيه بمكة، فاستؤمن لها فأمنها، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرسا في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها. واستأمنت أم هانئ رجلا فأجازها رسول الله . وروى أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله، أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب، أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب، تقول: «ذهبت إلى رسول الله عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالبن فقال: مرحبا بأم هانئ، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذاك ضحى». أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336). وهبّار بن الأسود، الذي عرض لزينب بنت رسول الله حين هاجرت، فنخس بها حتى سقطت على صخرة وأسقطت جنينها، ففر ثم أسلم وحسن إسلامه. وذكر ابن حجر ومغلطاي أن رسول الله أهدر كذلك دم كعب بن زهير، وهند بنت عتبة، ووحشي بن حرب. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (8 /12)، "الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفاء" لمغلطاي (ص 311- 312). أمر صفوان بن أمية، وإعطاء رسول الله الأمان له. قال ابن إسحاق: خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير بن وهب: يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه، وقد خرج هاربا منك، ليقذف نفسه في البحر، فأمنه، صلى الله عليك، قال: هو آمن، قال: يا رسول الله، فأعطني آية يعرف بها أمانك، فأعطاه رسول الله عمامته التي دخل فيها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه، وهو يريد أن يركب في البحر، فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي، الله الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان من رسول الله قد جئتك به، قال: ويحك! اغرب عني فلا تكلمني، قال: أي صفوان، فداك أبي وأمي، أفضل الناس، وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، ابن عمك، عزه عزك، وشرفه شرفك، وملكه ملكك، قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذاك وأكرم. فرجع معه، حتى وقف به على رسول الله ، فقال صفوان: إن هذا يزعم أنك قد أمنتني قال: صدق، قال: فاجعلني فيه بالخيار شهرين، قال: أنت بالخيار فيه أربعة أشهر. قال ابن إسحاق: فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله عندهما على النكاح الأول. انظر: "السيرة" لابن هشام (2 /417- 418). صلاة رسول الله يوم الفتح. وصلى رسول الله يوم الفتح ثمان ركعات. ذكرت أم هانئ: «أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، ثم صلى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلى صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود». أخرجه البخاري (4292). وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: «ما حدثنا أحد أنه رأى النبي يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: «إن النبي دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود». أخرجه البخاري (1176)، ومسلم (336). وذُكِر في رواية أخرى أن أم هانئ بنت أبي طالب: «ذهبت إلى رسول الله عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره، قالت: فسلمت عليه، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالبن فقال: مرحبا بأم هانئ، فلما فرغ من غسله، قام فصلى ثماني ركعات ملتحفا في ثوب واحد، فلما انصرف، قلت: يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا قد أجرته، فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ. قالت أم هانئ: وذاك ضحى». أخرجه البخاري (357)، ومسلم (336). وقد وقع بعض التعارض الظاهري بين الحديثين، فإن الأول يفيد أن رسول الله اغتسل في بيت أم هانئ، والثاني يفيد أنها وجدته يغتسل وفاطمة تستره، وقد جمع بين هاتين الروايتين ابن حجر، فقال: «وجمع بينهما بأن ذلك تكرر منه، ويؤيده ما رواه ابن خزيمة من طريق مجاهد عن أم هانئ، وفيه أن أبا ذر ستره لما اغتسل، وفي رواية أبي مرة عنها أن فاطمة ابنته هي التي سترته، ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة، وكانت هي في بيت آخر بمكة، فجاءت إليه، فوجدته يغتسل، فيصح القولان، وأما الستر فيحتمل أن يكون أحدهما ستره في ابتداء الغسل والآخر في أثنائه، والله أعلم... وحكى عياض عن قوم: أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك، قالوا: وإنما هي سنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك. وقال عياض أيضا: ليس حديث أم هانئ بظاهر في أنه قصد بها سنة الضحى، وإنما فيه أنها أخبرت عن وقت صلاته فقط، وقد قيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه فيه، وتعقبه النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به، لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أم هانئ أن النبي صلى سبحة الضحى، ولمسلم في كتاب الطهارة من طريق أبي مرة عن أم هانئ في قصة اغتساله يوم الفتح ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى، وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت: قدم رسول الله مكة، فصلى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه؟ قال: هذه صلاة الضحى، واستدل به على أن أكثر صلاة الضحى ثمان ركعات...». انظر: "فتح الباري" لابن حجر (3 /53- 54). قال ابن القيم: «ثم دخل رسول الله دار أم هانئ بنت أبي طالب، فاغتسل وصلى ثمان ركعات في بيتها، وكانت ضحى فظنها من ظنها صلاة الضحى، وإنما هذه صلاة الفتح، وكان أمراء الإسلام إذا فتحوا حصنا أو بلدا صلوا عقيب الفتح هذه الصلاة، اقتداء برسول الله ، وفي القصة ما يدل على أنها بسبب الفتح شكرا لله عليه، فإنها قالت: ما رأيته صلاها قبلها ولا بعدها». "زاد المعاد" لابن القيم (3 /361). تخوف الأنصار أن يتركهم رسول الله ويبقى في مكة موطنه وبلده: ولما فتح الله مكة على رسوله، وهي بلده ووطنه ومولده، تخوف الأنصار من بقاء الرسول في مكة، فقال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها؟ورسول الله يدعو على الصفا رافعا يديه، وأُخْبِر رسول الله ذلك، فطمأنهم الرسول أنه معهم ولا يبدل بهم احدا. قال أبو هريرة في حديثه الطويل: «… فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي، قال رسول الله : يا معشر الأنصار! قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذاك، قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون، ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله : إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم...». أخرجه مسلم (1780). إقرار الرسول عثمان بن طلحة على السدانة والعباس على السقاية. قال ابن إسحاق: «ثم جلس رسول الله في المسجد، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك، فقال رسول الله : أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال: هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء». "السيرة" لابن هشام (2 /412). وذكر الواقدي في المغازي قال: «ثم نزل رسول الله ومعه المفتاح، فتنحى ناحية المسجد فجلس، وكان رسول الله قد قبض السقاية من العباس وقبض المفتاح من عثمان، فلما جلس قال: ادعوا إلي عثمان! فدعى له عثمان بن طلحة، وكان رسول الله قال لعثمان يوما، وهو يدعوه إلى الإسلام، ومع عثمان المفتاح، فقال: لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت! فقال عثمان: لقد هلكت إذا قريش وذلت. فقال رسول الله : بل عمرت وعزت يومئذ. فلما دعاني بعد أخذه المفتاح ذكرت قولة ما كان قال، فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر، ثم قال: خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة، لا ينزعها إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا بالمعروف. قال عثمان: فلما وليت ناداني فرجعت إليه، فقال: ألم يكن الذي قلت لك؟ قال: فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول الله! فأعطاه المفتاح، والنبي مضطجع بثوبه، وقال: أعينوه! وقال: قم على الباب وكل بالمعروف. ودفع رسول الله السقاية إلى العباس، فكان العباس يليها دون بني عبد المطلب في الجاهلية وولده بعدهم». "المغازي" للواقدي (2 /837). وسرقت فاطمة المخزومية، فأمر بقطع يدها، فكلمه فيها أسامة، فأنكر ذلك عليه. روى عروة عن عائشة رضي الله عنها: «أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم رسول الله ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد، حب رسول الله ، فكلم رسول الله ، فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب، قال: يا أيها الناس، إنما ضل من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها». أخرجه البخاري (6788)، ومسلم (1688).

دروس وعِبَر

ذكر ابن حجر فوائد لقصة حاطب بن أبي بلتعة، وهي: أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب؛ لأن حاطبا رضي الله عنه دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة، ووقع منه ما وقع. وفيه الرد على من كفر المسلم بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب. وفيه أن من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحده، بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين. وفيه جواز التشديد في استخلاص الحق، والتهديد بما لا يفعله المهدد تخويفا لمن يستخرج منه الحق. وفيه هتك ستر الجاسوس. وفيه من أعلام النبوة إطلاع الله تعالى نبيه على قصة حاطب مع المرأة. وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك. وفيه جواز العفو عن العاصي. وفيه أن العاصي لا حرمة له، وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة، ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها علي رضي الله عنه بتجريدها. وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع. وقد استشكل إقامة الحد على مسطح رضي الله عنه بقذف عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك مع أن مسطحا رضي الله عنه من أهل بدر، فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة، وسومح حاطب، وعلل بكونه من أهل بدر، والجواب: أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها. وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب، ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار. وفيه تأدب عمر رضي الله عنه، وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه. وفيه منقبة لعمر رضي الله عنه ولأهل بدر كلهم. وفيه البكاء عند السرور، ويحتمل أن يكون عمر رضي الله عنه بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب رضي الله عنه. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7 /490). ذكر ابن حجر فوائد لحديث بلال في صلاة رسول الله داخل الكعبة، وهي: رواية الصاحب عن الصاحب. سؤال المفضول مع وجود الأفضل والاكتفاء به. والحجة بخبر الواحد. وفيه اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة. وفيه السؤال عن العلم والحرص عليه. وفيه فضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي ليعمل بها. وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي في بعض المشاهد الفاضلة، ويحضره من هو دونه، فيطلع على ما لم يطلع عليه؛ لأن أبا بكر وعمر وغيرهما ممن هو أفضل من بلال ومن ذكر معه لم يشاركوهم في ذلك. وفيه مشروعية الأبواب والغلق للمساجد. وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور، فإنه صلى بين العمودين، ولم يصل إلى أحدهما، والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار. ويستفاد منه أن قول العلماء تحية المسجد الحرام الطواف مخصوص بغير داخل الكعبة لكونه جاء فأناخ عند البيت، فدخله، فصلى فيه ركعتين، فكانت تلك الصلاة إما لكون الكعبة كالمسجد المستقل، أو هو تحية المسجد العام، والله أعلم. وفيه استحباب دخول الكعبة. انظر: "فتح الباري" لابن حجر (7 /490). ذكر ابن القيم فوائد ولطائف واستنباطات فقهية لفتح مكة، منها: كانت صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم، أمن الناس به وكلم بعضهم بعضا وناظره في الإسلام وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام. وفيها: أن أهل العهد إذا حاربوا من هم في ذمة الإمام وجواره وعهده صاروا حربا له بذلك، ولم يبق بينهم وبينه عهد. وفيها: انتقاض عهد جميعهم بذلك، ردئهم ومباشريهم، إذا رضوا بذلك، وأقروا عليه ولم ينكروه. وفيها: جواز صلح أهل الحرب على وضع القتال عشر سنين، وهل يجوز فوق ذلك؟ الصواب أنه يجوز للحاجة والمصلحة الراجحة. وفيها: جواز تجريد المرأة كلها وتكشيفها للحاجة والمصلحة العامة. وفيها: أن الرجل إذا نسب المسلم إلى النفاق والكفر متأولا وغضبا لله ورسوله ودينه لا لهواه وحظه، فإنه لا يكفر بذلك، بل لا يأثم به، بل يثاب على نيته وقصده. وفيها: أن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة الماحية، كما وقع الجسّ من حاطب مكفرا بشهوده بدرا. وفي هذه القصة جواز مباغتة المعاهدين إذا نقضوا العهد، والإغارة عليهم، وألا يعلمهم بمسيره إليهم. وفيها: جواز بل استحباب كثرة المسلمين وقوتهم وشوكتهم وهيئتهم لرسل العدو إذا جاءوا إلى الإمام، كما يفعل ملوك الإسلام، كما أمر النبي بإيقاد النيران ليلة الدخول إلى مكة، وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان عند خطم الجبل، وهو ما تضايق منه، حتى عرضت عليه عساكر الإسلام وعصابة التوحيد وجند الله. وفيها: جواز دخول مكة للقتال المباح بغير إحرام، كما دخل رسول الله والمسلمون، وهذا لا خلاف فيه. وفيها البيان الصريح بأن مكة فتحت عنوة، كما ذهب إليه جمهور أهل العلم، ولا يعرف في ذلك خلاف إلا عن الشافعي وأحمد في أحد قوليه. انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3 /369- 387). ثم ذكر ابن القيم فوائد لخطبته العظيمة ثاني يوم الفتح وما فيه من أنواع العلم، وهي: فمنها قوله : «إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس»: فهذا تحريم من الله لمكة شرعي قدري سبق به قدره يوم خلق هذا العالم، ثم ظهر به على لسان خليله إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما. ومنها: قوله : «ولا يعضد بها شجر» في تحريم قلع شجر مكة، على تفصيل في ذلك. وقوله : «ولا يختلى خلاها»: في تحريم قلع حشيش مكة ما دام رطبا. وقوله : «ولا ينفر صيدها»: صريح في تحريم التسبب إلى قتل الصيد واصطياده بكل سبب. وقوله : «ولا يلتقط ساقطتها إلا من عرفها»: فيه دليل على أن لقطة الحرم لا تملك بحال، وأنها لا تلتقط إلا للتعريف لا للتمليك. وقوله : «ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يقتل وإما أن يأخذ الدية»: فيه دليل على أن الواجب بقتل العمد لا يتعين في القصاص، بل هو أحد شيئين، إما القصاص وإما الدية. وقوله : «إلا الإذخر»: بعد قول العباس له: إلا الإذخر. يدل على مسألتين: إحداهما: إباحة قطع الإذخر. والثانية: أنه لا يشترط في الاستثناء أن ينويه من أول الكلام، ولا قبل فراغه. وفي القصة: أن النبي دخل البيت وصلى فيه، ولم يدخله حتى محيت الصور منه، ففيه دليل على كراهة الصلاة في المكان المصور، وهذا أحق بالكراهة من الصلاة في الحمام. وفي القصة: أنه دخل مكة، وعليه عمامة سوداء، ففيه دليل على جواز لبس السواد أحيانا. ومما وقع في هذه الغزوة: إباحة متعة النساء، ثم حرمها قبل خروجه من مكة، واختلف في الوقت الذي حرمت فيه المتعة، على أربعة أقوال: أحدها: أنه يوم خيبر، وهذا قول طائفة من العلماء. منهم الشافعي وغيره. والثاني: أنه عام فتح مكة، وهذا قول ابن عيينة وطائفة. والثالث: أنه عام حنين، وهذا في الحقيقة هو القول الثاني، لاتصال غزاة حنين بالفتح. والرابع: أنه عام حجة الوداع، وهو وهم من بعض الرواة، والصحيح: أن المتعة إنما حرمت عام الفتح، ثم ذكر أدلة ذلك. وفي قصة الفتح من الفقه جواز إجارة المرأة وأمانها للرجل والرجلين. انظر: "زاد المعاد" لابن القيم (3 /388- 408).