البحث

عبارات مقترحة:

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

معركة الزلاقة

كان الْأَذْفُونْشِ ملك الافرنج تمكن في البلاد وتمرد على المسلمين، واستولى على مدينة طليطلة سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وكان المعتمد يؤدي إلى الْأَذْفُونْشِ ضريبة كل سنة، فلما ملك الْأَذْفُونْشِ طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة على عادته، فردها عليه ولم يقبلها منه، فأرسل إليه يتهدده ويطل منه هذه المرة عددا من القلاع والحصون، فغضب لذلك المعتمد وصفع الرسول وقتل الجنود الذين معه، فلما وصل الخبر إلى الْأَذْفُونْشِ قصده في جيش عرمرم، فاستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، ونزل الْأَذْفُونْشِ بالزَّلّاقَة بالقرب من بَطَلْيُوس، فسار نحوه المسلمون في عساكرهم، واختار ابن تاشفين ابن عباد أن يكون هو المصادم للفرنج أولا، وأن يكون ابن تاشفين ردفا له، ففعلوا ذلك، فخذل الفرنج، واستحر القتل فيهم، فلم يفلت منهم أحد، ونجا الْأَذْفُونْشِ في نفر يسير، ولم يرجع من الفرنج إلى بلادهم غير ثلاثمائة فارس، وأصاب المعتمد جراحات في وجهه، وغنم المسلمون غنيمة عظيمة.

اسم المعركة

معركة الزَّلّاقَةُ.

وقتها

ذكره أهل السير والمغازي من أحداث سنة تسع وسبعين وأربعمائة من الهجرة 497ه /1100م، في خلافة المستظهر بالله، أبو العباس السلجوقي. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (8 /307)، "تاريخ ابن خلدون" (10 /832)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 112).

موقعها

الزَّلّاقَةُ موضع بالقرب من بَطَلْيُوس. قال الحموي: «أصله من قولهم مكان زلق أي دحض، وزلقت رجله تزلق زلقا، والزَّلّاقَة: الموضع الذي لا يمكن الثبوت عليه من شدّة زلقه، والتشديد للتكثير، والزَّلّاقَة: أرض بالأندلس بقرب قرطبة كانت عندها وقعة في أيام أمير المسلمين يوسف بن تاشفين مع الأذفنش ملك الإفرنج مشهورة». "معجم البلدان" لياقوت الحموي (3 /146). وقال الحميري: «من إقليم بَطَلْيُوس من غرب الأندلس». "الروض المعطار" للحميري (ص 287). وبَطَلْيُوسُ. قال الحموي: «مدينة كبيرة بالأندلس من أعمال مَارِدَة، على نهر آنة غربي قرطبة، ولها عمل واسع». "معجم البلدان" لياقوت الحموي (1 /447).

الطرف الأول

قائد المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، ومعه المعتمد على الله أبو عبد الله محمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين.

الطرف الثاني

قائد العدو ملك الفرنج بالأندلس الْأَذْفُونْشِ.

سببها

وسبب هذه الغزوة أن الْأَذْفُونْشِ ملك الفرنج بالأندلس قوي شأنه وعظم ملكه وكثرت عساكره، وتمكن في البلاد وتمرد على المسلمين، منذ تفرقت بلاد الأندلس، وصار كل بلد بيد ملك، فصاروا مثل ملوك الطوائف، فحينئذ طمع الفرنج فيهم، وأخذوا كثيرا من ثغورهم، فلما كان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة جمع الْأَذْفُونْشِ عساكره وسار إلى مدينة طليطلة من بلاد الأندلس، وهي من أكبر البلاد وأحصنها، فحصرها سبع سنين، وأخذها من القادر بالله بن المأمون بن يحيى بن ذي النون، وكان قد عرف من أين يؤتى البلد، وكيف الطريق إلى ملكه، فازداد قوة إلى قوته. وكان المعتمد على الله أبو عبد الله محمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس من المسلمين، وكان يملك أكثر البلاد مثل قرطبة وإشبيلية، وكان يؤدي إلى الْأَذْفُونْشِ ضريبة كل سنة، فلما ملك الْأَذْفُونْشِ طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة على عادته، فردها عليه ولم يقبلها منه، فأرسل إليه يتهدده ويتوعده أنه يسير إلى مدينة قرطبة ويتملكها إلا أن يسلم إليه جميع الحصون التي في الجبل، ويبقي السهل للمسلمين، وكان الرسول في جمع كثير كانوا خمسمائة فارس، فأنزله محمد بن عباد، وفرق أصحابه على قواد عسكره، ثم أمر كل من عنده منهم رجل أن يقتله، وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه، وسلم من الجماعة ثلاثة نفر، فعادوا إلى الْأَذْفُونْشِ فأخبروه الخبر وكان متوجها إلى قرطبة ليحاصرها، فلما بلغه الخبر عاد إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار، ورحل المعتمد إلى إشبيلية، واستعان المسلمون بأمير المسلمين يوسف بن تاشفين صاحب سبتة ومراكش، ليكوموا قوة على الْأَذْفُونْشِ. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (8 /298).

أحداثها

عاد المعتمد إلى إشبيلية، وسمع مشايخ قرطبة باستيلاء الْأَذْفُونْشِ ملك الفرنج على طليطلة وبما فعله المعتمد برسول الْأَذْفُونْشِ، ولما رأوا قوة الفرنج وضعف المسلمين، واستعانة بعض ملوكهم بالفرنج على بعض اجتمعوا، وقالوا: هذه بلاد الأندلس قد غلب عليها الفرنج، ولم يبق منها إلا القليل، وإن استمرت الأحوال على ما نرى عادت نصرانية كما كانت، وساروا إلى القاضي عبد الله بن محمد بن أدهم، فقالوا له: ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصغار والذلة، وعطائهم الجزية بعد أن كانوا يأخذونها، وقد رأينا رأيا نعرضه عليك. قال: ما هو؟ قالوا: نكتب إلى غرب إفريقية ونبذل لهم، فإذا وصلوا إلينا قاسمناهم أموالنا، وخرجنا معهم مجاهدين في سبيل الله، قال: نخاف إذا وصلوا إلينا يخربون بلادنا كما فعلوا بإفريقية، ويتركون الفرنج ويبدءون بكم، والمرابطون أصلح منهم وأقرب إلينا، قالوا له: فكاتب أمير المسلمين، وارغب إليه ليعبر إلينا، ويرسل بعض قواده، وقدم عليهم المعتمد بن عباد وهم في ذلك، فعرض عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه، فقال له ابن عباد: أنت رسولي إليه في ذلك فامتنع، وإنما أراد أن يبرئ نفسه من تهمة، فألح عليه المعتمد، فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، فأبلغه الرسالة، وأعلمه ما فيه المسلمون من الخوف من الْأَذْفُونْشِ. وكان أمير المسلمين بمدينة سبتة، ففي الحال أمر بعبور العساكر إلى الأندلس، وأرسل إلى مراكش في طلب من بقي من عساكره، فأقبلت إليه تتلو بعضها بعضا، فلما تكاملت عنده عبر البحر وسار، فاجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية، وكان قد جمع عساكره أيضا، وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير، وقصده المتطوعة من سائر بلاد الأندلس. ووصلت الأخبار إلى الْأَذْفُونْشِ، فجمع فرسانه وسار من طليطلة، وكتب إلى أمير المسلمين كتابا كتبه له بعض أدباء المسلمين، يغلظ له القول، ويصف ما عنده من القوة والعدد والعدد، وبالغ الكاتب في الكتاب، فأمر أمير المسلمين أبا بكر بن القصيرة أن يجيبه، وكان كاتبا مفلقا، فكتب فأجاد، فلما قرأه على أمير المسلمين قال: هذا كتاب طويل، أحضر كتاب الْأَذْفُونْشِ واكتب في ظهره الذي يكون سترا له، فلما عاد الكتاب إلى الْأَذْفُونْشِ ارتاع لذلك، وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم، فازداد استعدادا. وسار أمير المسلمين والمعتمد بن عباد حتى أتوا أرضا يقال لها الزَّلّاقَة، من بلد بَطَلْيُوس، وأتى الْأَذْفُونْشِ فنزل موضعا بينه وبينهم ثمانية عشر ميلا، فقيل لأمير المسلمين: إن ابن عباد ربما لم ينصح، ولا يبذل نفسه دونك، فأرسل إليه أمير المسلمين يأمره أن يكون في المقدمة، ففعل ذلك، وسار، وقد ضرب الْأَذْفُونْشِ خيامه في لحف جبل، والمعتمد في سفح جبل آخر يتراءون، وينزل أمير المسلمين وراء الجبل الذي عنده المعتمد، وظن الْأَذْفُونْشِ أن عساكر المسلمين ليس إلا الذي يراه. وكان الفرنج في خمسين ألفا، فتيقنوا الغلب، وأرسل الْأَذْفُونْشِ إلى المعتمد في ميقات القتال، وقصده الملك، فقال: غدا الجمعة، وبعده الأحد، فيكون اللقاء يوم الاثنين، فقد وصلنا على حال تعب، واستقر الأمر على هذا، وركب ليلة الجمعة سحرا، وصبح بجيشه جيش المعتمد بكرة الجمعة، غدرا وظنا منه أن ذلك المخيم هو جميع عسكر المسلمين، فوقع القتال بينهم، فصبر المسلمون، فأشرفوا على الهزيمة. وكان المعتمد قد أرسل إلى أمير المسلمين يعلمه بمجيء الفرنج للحرب، فقال: احملوني إلى خيام الفرنج، فسار إليها، فبينما هم في القتال وصل أمير المسلمين إلى خيام الفرنج فنهبها، وقتل من فيها، فلما رأى الفرنج ذلك لم يتمالكوا أن انهزموا، وأخذهم السيف، وتبعهم المعتمد من خلفهم، ولقيهم أمير المسلمين من بين أيديهم، ووضع فيهم السيف، فلم يفلت منهم أحد، ونجا الْأَذْفُونْشِ في نفر يسير، وجعل المسلمون من رؤوس القتلى كوما كثيرة، فكانوا يؤذنون عليها إلى أن جيفت فأحرقوها. وكانت الوقعة يوم الجمعة في العشر الأول من شهر رمضان سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وأصاب المعتمد جراحات في وجهه، وظهرت ذلك اليوم شجاعته، ولم يرجع من الفرنج إلى بلادهم غير ثلاثمائة فارس، وغنم المسلمون كل ما لهم من مال وسلاح ودواب وغير ذلك. وعاد ابن عباد إلى إشبيلية، ورجع أمير المسلمين إلى الجزيرة الخضراء، وعبر إلى سبتة، وسار إلى مراكش، فأقام بها إلى العام المقبل، وعاد إلى الأندلس، وحضر معه المعتمد بن عباد في عسكره، وعبد الله بن بلكين الصنهاجي، صاحب غرناطة، في عسكره، وساروا حتى نزلوا على ليط، وهو حصن منيع بيد الفرنج، فحصروه حصرا شديدا فلم يقدروا على فتحه، فرحلوا عنه بعد مدة، ولم يخرج إليهم أحد من الفرنج لما أصابهم في العام الماضي، فعاد ابن عباد إلى إشبيلية، وعاد أمير المسلمين إلى غرناطة، وهي طريقه، ومعه عبد الله بن بلكين، فغدر به أمير المسلمين، وأخذ غرناطة منه وأخرجه منها، فرأى في قصوره من الأموال والذخائر ما لم يحوه ملك قبله بالأندلس، ومن جملة ما وجده سبحة فيها أربعمائة جوهرة، قومت كل جوهرة بمائة دينار، ومن الجواهر ما له قيمة جليلة، إلى غير ذلك من الثياب والعدد وغيرها، وأخذ معه عبد الله، وأخاه تميما ابني بلكين إلى مراكش، فكانت غرناطة أول ما ملكه من بلاد الأندلس. انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (8 /307- 310)، "تاريخ ابن خلدون" (10 /832)، "معارك إسلامية خالدة" لمحمد الجنباز (ص 112).

نتيجتها

انتصر المعتمد والمسلمون في هذه المعركة انتصارا عظيما، وانهزم الفرنج، وأخذ السيف فيهم، فلم يفلت منهم أحد، ونجا الْأَذْفُونْشِ في نفر يسير، وجعل المسلمون من رؤوس القتلى كوما كثيرة، فكانوا يؤذنون عليها إلى أن جيفت فأحرقوها. أصاب المعتمد في هذه المعركة جراحات في وجهه، وظهرت شجاعته، ولم يرجع من الفرنج إلى بلادهم غير ثلاثمائة فارس، وغنم المسلمون كل ما لهم من مال وسلاح ودواب وغير ذلك. عاد ابن عباد إلى إشبيلية، ورجع أمير المسلمين إلى الجزيرة الخضراء، ثم تابعوا فتوحاتهم في البلاد. ومن الأحداث التي وقعت في هذه المعركة أن الْأَذْفُونْشِ رأى في منامه كأنه راكب فيل، وبين يديه طبل صغير، وهو ينقر فيه، فقص رؤياه على القسيسين، فلم يعرفوا تأويلها فأحضر رجلا مسلما، عالما بتعبير الرؤيا، فقصها عليه، فاستعفاه من تعبيرها، فلم يعفه، فقال: تأويل هذه الرؤيا من كتاب الله العزيز، وهو قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ الفيل: 1، وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ المدثر: 8- 10، ويقتضي هلاك هذا الجيش الذي تجمعه، فلما اجتمع جيشه رأى كثرته فأعجبته، فأحضر ذلك المعبر، وقال له: بهذا الجيش ألقى إله محمد، صاحب كتابكم، فانصرف المعبر، وقال لبعض المسلمين: هذا الملك هالك وكل من معه، وذكر قول رسول الله : «ثلاث مهلكات» الحديث، وفيه: «وإعجاب المرء بنفسه».