الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
الجُلُوسُ: القُعُودُ، وهو نَقيضُ القِيامِ، يُقالُ: جَلَسَ على الكُرْسِيِّ، يَجْلِسُ جُلوساً، أيْ: قَعَدَ. وأَصْلُه: الِارْتِفاعُ في الشَّيْءِ، والجُلوسُ إنَّما هو لِمَنْ كان مُضْطَجِعاً، والقُعودُ لِمَنْ كانَ قائِما. ويُطْلَقُ الجُلوسُ بِـمَعنى الاِعْتِمادِ، يُقالُ جَلَسَ مُتَّكِئاً، أي: مُعتَمِداً على أحد جانِبَيْهِ، ولا يُقالُ قَعَدَ مُتَّكِئاً. ويأْتي أيضاً بِمعنى الإِقامَةِ والتَّمَكُّنِ.
يَرِد مصطَلَحُ (جُلوس) في الفقهِ في مَواطِنَ، منها: كِتابُ الطَّهارَةِ، باب: نَواقِض الوُضوءِ، وباب: الاِسْتِجْمار، وفي كِتابِ الصَّلاةِ: باب: سَتْر العَوْرَةِ في الصَّلاةِ، وباب: مَكْروهات الصَّلاةِ، وفي كِتاب الجَنائِزِ، باب: صِفَة دَفْنِ الـمَـيِّتِ، وفي كِتابِ الحدودِ، باب: حَدّ الزِّنا. ويُطْلَق بِـمَعنى " الاِنْتِظار " في كِتابِ الطَّهارَةِ، باب: الاِسْتِحاضَة. ويُطْلَق في عِلمِ العَقيدَةِ، باب: الأَسْماءِ والصفاتِ، عند الكلامِ عن صِفَةِ الاِسْتِواءِ للهِ تعالى.
جلس
قُعُودُ المُصَلِّي في الصَّلاةِ بين السَّجْدَتَيْنِ.
الجُلُوسُ: القُعُودُ، وهو نَقيضُ القِيامِ، وأَصْلُه: الِارْتِفاعُ في الشَّيْءِ، ويُطْلَقُ بِـمَعنى الاِعْتِمادِ.
* الفروق اللغوية : (ص 164)
* مقاييس اللغة : (1/473)
* الصحاح : (3/914)
* المحكم والمحيط الأعظم : (7/270)
* مختار الصحاح : (ص 59)
* لسان العرب : (6/39)
* تاج العروس : (15/506)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 128)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 29)
* القاموس الفقهي : (ص 64)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (15/262) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجُلُوسُ فِي اللُّغَةِ مِنْ جَلَسَ، يَجْلِسُ بِالْكَسْرِ جُلُوسًا، وَالْمَجْلِسُ بِكَسْرِ اللاَّمِ مَوْضِعُ الْجُلُوسِ، وَبِفَتْحِهَا الْمَصْدَرُ. وَالْجَلْسَةُ بِالْفَتْحِ لِلْمَرَّةِ، وَبِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْجَالِسُ كَجِلْسَةِ الاِسْتِرَاحَةِ وَالتَّشَهُّدِ، وَجِلْسَةِ الْفَصْل بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ؛ لأَِنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْجُلُوسِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ (جُلُوسٌ) عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقُعُودُ:
2 - الْقُعُودُ مَصْدَرُ قَعَدَ يَقْعُدُ، وَالْقَعْدَةُ بِالْفَتْحِ لِلْمَرَّةِ، وَبِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ نَحْوُ: قَعَدَ قِعْدَةَ الْمُصَلِّي (2) .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ: أَنَّ الْجُلُوسَ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ، كَمَا يُقَال: جَلَسَ مُتَرَبِّعًا وَقَعَدَ مُتَرَبِّعًا، وَقَدْ يُفَارِقُ الْجُلُوسُ الْقُعُودَ، وَمِنْهُ: جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا، أَيْ: حَصَل وَتَمَكَّنَ، إِذْ لاَ يُسَمَّى هَذَا قُعُودًا.
وَيُقَال أَيْضًا: جَلَسَ مُتَّكِئًا، وَلاَ يُقَال: قَعَدَ مُتَّكِئًا بِمَعْنَى الاِعْتِمَادِ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا فَالْجُلُوسُ أَعَمُّ مِنَ الْقُعُودِ.
وَقِيل: الْجُلُوسُ هُوَ الاِنْتِقَال مِنْ سُفْلٍ إِلَى عُلْوٍ، وَالْقُعُودُ عَكْسُهُ، فَعَلَى الأَْوَّل يُقَال لِمَنْ هُوَ نَائِمٌ أَوْ سَاجِدٌ: اجْلِسْ ".
وَعَلَى الثَّانِي يُقَال لِمَنْ هُوَ قَائِمٌ " اقْعُدْ (3) ".
ب - الاِحْتِبَاءُ:
3 - الاِحْتِبَاءُ فِي اللُّغَةِ، قُعُودُ الشَّخْصِ عَلَى مَقْعَدَتِهِ، وَضَمُّ فَخِذَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ، وَاشْتِمَالُهُمَا مَعَ ظَهْرِهِ بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بِالْيَدَيْنِ (4) . وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى فَالاِحْتِبَاءُ نَوْعٌ مِنَ الْجُلُوسِ (5) .
ج - الاِفْتِرَاشُ:
4 - لِلاِفْتِرَاشِ فِي اللُّغَةِ مَعْنَيَانِ:
الْمَعْنَى الأَْوَّل: الْبَسْطُ، كَمَا يُقَال: افْتَرَشَ ذِرَاعَيْهِ إِذَا بَسَطَهُمَا عَلَى الأَْرْضِ، كَالْفِرَاشِ لَهُ. وَالثَّانِي: الْجُلُوسُ عَلَى مَا فَرَشَهُ، وَمِنْهُ: افْتِرَاشُ الْبِسَاطِ. وَافْتِرَاشُ الْمَرْأَةِ: اتِّخَاذُهَا زَوْجَةً (6) .
وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الاِفْتِرَاشَ عَلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَهُمْ هَيْئَةٌ مِنَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ (7) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ.
د - التَّوَرُّكُ:
5 - التَّوَرُّكُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَرِكِ، وَهُوَ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ، يُقَال: نَامَ مُتَوَرِّكًا أَيْ مُعْتَمِدًا عَلَى أَحَدِ وَرِكَيْهِ
وَاخْتُلِفَ فِي التَّوَرُّكِ فِي التَّشَهُّدِ فَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ وَضْعُ الْوَرِكِ عَلَى الرِّجْل الْيُمْنَى وَفَسَّرَهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُ نَصْبُ الرِّجْل الْيُمْنَى وَوَرِكُهُ بِالأَْرْضِ وَإِخْرَاجُ رِجْلِهِ الْيُسْرَى مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ (8) .
فَالتَّوَرُّكُ عَلَى هَذَا هَيْئَةٌ مِنْ هَيْئَاتِ الْجُلُوسِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْجُلُوسِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ " تَوَرُّكٌ ". أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْجُلُوسِ:
أَدَاءُ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ جَالِسًا:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ جَالِسًا إِلاَّ لِعُذْرٍ، أَوْ إِذَا كَانَ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، لأَِمْرِهِ ﷺ بِلاَلاً بِالْقِيَامِ بِقَوْلِهِ: قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ (9) .
وَكَانَ مُؤَذِّنُو رَسُول اللَّهِ ﷺ يُؤَذِّنُونَ قِيَامًا، (10) وَلأَِنَّ الْقِيَامَ أَبْلَغُ فِي الإِْعْلاَمِ، كَمَا أَنَّ الأَْذَانَ وَالإِْقَامَةَ قَاعِدًا خِلاَفُ الْمُتَوَارَثِ.
وَقَال ابْنُ حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا بَطَل، وَكَذَلِكَ قَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إِلَى عَدَمِ إِجْزَاءِ أَذَانِ الْقَاعِدِ، وَحَكَى أَبُو الْبَقَاءِ: أَنَّهُ يُعِيدُ إِنْ أَذَّنَ قَاعِدًا.
وَأَمَّا صَاحِبُ الْعُذْرِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُؤَذِّنَ جَالِسًا، قَال الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ: رَأَيْتُ أَبَا زَيْدٍ صَاحِبَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ رِجْلُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيل اللَّهِ يُؤَذِّنُ قَاعِدًا (11) . جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ:
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُؤَذِّنِ الْفَصْل بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالصَّلاَةِ الْمَنْدُوبَةِ، فَإِنْ لَمْ يُصَل، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْوَقْتُ وَقْتَ جَوَازٍ يَفْصِل بَيْنَهُمَا بِجَلْسَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فِيمَا سِوَى الْمَغْرِبِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ:
الْفَصْل فِي الْمَغْرِبِ لاَ يَكُونُ بِجَلْسَةٍ بَل بِسَكْتَةٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُفْصَل بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِقَامَتِهِ لِصَلاَةٍ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجْلِسُ جَلْسَةً خَفِيفَةً مِقْدَارَ الْجَلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ مِنَ السُّنَّةِ (12) .
وَالْخِلاَفُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ، فَلَوْ جَلَسَ لاَ يُكْرَهُ عِنْدَهُ أَيْضًا.
وَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يُفْصَل فِي الْمَغْرِبِ بِرَكْعَتَيْنِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي قَوْلٍ: يُفْصَل بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَقُعُودٍ لَطِيفٍ؛ لِضِيقِ وَقْتِهَا (13) .
الْجُلُوسُ قَبْل تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ:
8 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْل تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا دَخَل أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ (14) ، وَاخْتَلَفُوا فِي فَوَاتِهَا بِالْجُلُوسِ، فَإِذَا جَلَسَ قَبْل الصَّلاَةِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ، لِحَدِيثِ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ وَنَصُّهُ: " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُول اللَّهِ ﷺ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ فَقَال لَهُ: يَا سُلَيْكُ، قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا. ثُمَّ قَال: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا (15) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَفُوتُ بِهِ فَلاَ يَفْعَلُهَا بَعْدَهُ (16) . وَتَمَامُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ) .
الْجُلُوسُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجُلُوسَ بَدَلٌ عَنِ الْقِيَامِ فِي صَلاَةِ الْفَرِيضَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقِيَامِ، فَمَنْ لاَ يُطِيقُ الْقِيَامَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَالِسًا (17) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: صَل قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ (18) .
وَفِي بَيَانِ الْعَجْزِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلاَةُ الْمَرِيضِ) .
10 - وَأَمَّا أَدَاءُ صَلاَةِ النَّفْل جَالِسًا فَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي إِبَاحَةِ التَّطَوُّعِ جَالِسًا، وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَل، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ (19) . وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ صَلاَةُ الرَّجُل قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاَةِ (20) .
وَلأَِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ طُول الْقِيَامِ، فَلَوْ وَجَبَ فِي التَّطَوُّعِ لَتُرِكَ أَكْثَرُهُ، فَسَامَحَ الشَّارِعُ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِيهِ تَرْغِيبًا فِي تَكْثِيرِهِ، كَمَا سَامَحَ فِي فِعْلِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ (21) .
وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ مَكْرُوهٌ (22) .
الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ:
11 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ رُكْنٌ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا (23) .
وَقَال أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِفَرْضِيَّتِهِ.
وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَرُوِيَ وُجُوبُهُ. يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلأَْدِلَّةِ، وَعَلَيْهِ الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَصِفَةُ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ الاِفْتِرَاشُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّوَرُّكُ كَجُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ عِنْدَ الْجَمِيعِ؛ لأَِنَّهُ مِنْ تَمَامِ صِفَةِ الْجُلُوسِ (24) .
وَفِي التَّعْدِيل فِي الْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ فِي الذِّكْرِ الْمَسْنُونِ فِيهَا وَقَدْرِهِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَعْدِيلٌ) (وَدُعَاءٌ) .
جِلْسَةُ الاِسْتِرَاحَةِ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ لَدَى الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لاَ يَجْلِسُ جِلْسَةَ الاِسْتِرَاحَةِ، وَيُكْرَهُ فِعْلُهَا تَنْزِيهًا لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃، وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ، قَال التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَل عِنْدَ أَهْل الْعِلْمِ، وَقَال أَبُو الزِّنَادِ: تِلْكَ السُّنَّةُ (25) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْخَلاَّل أَنَّهُ يُسَنُّ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جِلْسَةٌ لِلاِسْتِرَاحَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ تَقُومُ عَنْهَا، لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْل أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى (26) .
وَصِفَةُ الْجُلُوسِ هُنَا كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَدْرًا وَهَيْئَةً، وَيُكْرَهُ تَطْوِيلُهُ، وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْل الرَّافِعِيِّ: " أَنَّهَا خَفِيفَةٌ " وَقَوْل النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ " أَنَّهَا خَفِيفَةٌ جِدًّا ".
ثُمَّ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ: بِأَنَّهَا لِلْفَصْل بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَحَكَى النَّوَوِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا: مِنَ الثَّانِيَةِ، وَهُنَاكَ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَبْدَاهُ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَهُوَ: أَنَّهَا مِنَ الرَّكْعَةِ الأُْولَى (27) . وَمِنْ خَصَائِصِ جِلْسَةِ الاِسْتِرَاحَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهَا - أَنَّهَا لاَ يَدْعُو فِيهَا بِشَيْءٍ (28) .
الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ:
13 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل سُنَّةٌ، لأَِنَّهُ يَسْقُطُ بِالسَّهْوِ فَأَشْبَهَ السُّنَنَ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَتَّى يَجِبَ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا سُجُودُ السَّهْوِ، وَلاَ يَجِبُ إِلاَّ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ (29) .
وَأَمَّا فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهِ فَرْضٌ، وَقَدْرُهُ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إِلَى " عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "، لِقَوْلِهِ ﷺ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ، أَوْ قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُكَ (30) عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقَعْدَةِ (31) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدَيْنِ سُنَّةٌ، قَال ابْنُ جُزَيٍّ: وَفِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجُلُوسَ الأَْخِيرَ وَاجِبٌ، وَالأَْصَحُّ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ مِقْدَارُ السَّلاَمِ (32) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ فِي الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ رُكْنٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ ﵃، وَالْحَسَنُ.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ (33) .
وَأَمَّا هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ فَالاِفْتِرَاشُ لِلرَّجُل، وَالتَّوَرُّكُ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْقَعْدَةِ الأُْولَى أَمِ الأَْخِيرَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هَيْئَةُ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ التَّوَرُّكُ. وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ لِلْقُعُودِ هَيْئَةٌ لِلإِْجْزَاءِ، فَكَيْفَمَا قَعَدَ فِي جَلَسَاتِهِ أَجْزَأَهُ، لَكِنَّ السُّنَّةَ فِي جُلُوسِ آخِرِ الصَّلاَةِ التَّوَرُّكُ وَفِي أَثْنَائِهَا الاِفْتِرَاشُ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل هِيَ الاِفْتِرَاشُ، وَفِي الثَّانِي التَّوَرُّكُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي أَنْ تَجْلِسَ مُتَرَبِّعَةً، لأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵁ كَانَ يَأْمُرُ النِّسَاءَ أَنْ يَتَرَبَّعْنَ فِي الصَّلاَةِ، أَوْ أَنْ تَسْدُل رِجْلَيْهَا فَتَجْعَلَهُمَا فِي جَانِبِ يَمِينِهَا، وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ السَّدْل أَفْضَل، لأَِنَّهُ غَالِبُ فِعْل عَائِشَةَ ﵂، وَلأَِنَّهُ أَشْبَهَ بِجِلْسَةِ الرَّجُل (34) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ يُسَنُّ التَّوَرُّكُ فِي كُل تَشَهُّدٍ يُسَلَّمُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَانِيًا، كَتَشَهُّدِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، لأَِنَّهُ تَشَهُّدٌ يُسَنُّ تَطْوِيلُهُ فَسُنَّ فِيهِ التَّوَرُّكُ كَالثَّانِي.
وَلاَ يَتَوَرَّكُ الرَّجُل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلاَّ فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ مِنْ صَلاَةٍ فِيهَا تَشَهُّدَانِ. وَاسْتَدَل الْحَنَابِلَةُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُول: فِي كُل رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى (35) ، وَلأَِنَّ التَّشَهُّدَ الثَّانِيَ إِنَّمَا تَوَرَّكَ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ، وَمَا لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ تَشَهُّدٌ وَاحِدٌ لاَ اشْتِبَاهَ فِيهِ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الْفَرْقِ (36) . الْجُلُوسُ بَيْنَ كُل تَرْوِيحَتَيْنِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ:
14 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُخَيَّرُ بَيْنَ كُل تَرْوِيحَتَيْنِ بَيْنَ الْجُلُوسِ ذَاكِرًا أَوْ سَاكِتًا، وَبَيْنَ صَلاَتِهِ نَافِلَةً مُنْفَرِدًا، وَهَذَا الْجُلُوسُ سُنَّةٌ كَمَا يُفِيدُهُ كَلاَمُ الْكَنْزِ، وَمُسْتَحَبٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيُّ (37) .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَرِيحَ بَعْدَ كُل أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي صَلاَةِ التَّرَاوِيحِ بِجَلْسَةٍ يَسِيرَةٍ، قَال الْحَنَابِلَةُ: وَهُوَ فِعْل السَّلَفِ، وَلاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِ، وَلاَ يَدْعُو الإِْمَامُ فِي الْجُلُوسِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (38) .
الْجُلُوسُ قَبْل الْخُطْبَتَيْنِ وَبَعْدَ الصُّعُودِ إِلَى الْمِنْبَرِ:
15 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْخَطِيبَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ فِي الْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجْلِسُ؛ لأَِنَّ الْجُلُوسَ لاِنْتِظَارِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ الأَْذَانِ فِي الْجُمُعَةِ، وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْعِيدَيْنِ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى الْجُلُوسِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ لِيَسْتَرِيحَ؛ وَلأَِنَّهُ أَهْدَى لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْتَتِحَهُ، وَفِيهِ زِيَادَةُ وَقَارٍ (39) .
حُكْمُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَمِقْدَارُهُ:
16 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ خُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَال: رَأَيْتُ عَلِيًّا يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى فَرَغَ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا بِطُمَأْنِينَةٍ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْخُطْبَةِ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا (40) . وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةً، وَأَمَّا مِقْدَارُهَا فَقَدْ قِيل: مِقْدَارُ قِرَاءَةِ ثَلاَثِ آيَاتٍ، وَقَال جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: بِقَدْرِ سُورَةِ الإِْخْلاَصِ، وَقِيل: مِقْدَارُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لأَِنَّهُ فَصْلٌ بَيْنَ مُشْتَبِهَتَيْنِ (41) .
الْخُطْبَةُ جَالِسًا:
17 - مَنْ خَطَبَ جَالِسًا: فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ، لأَِنَّ الصَّلاَةَ تَصِحُّ مِنَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ عَنِ الْقِيَامِ فَالْخُطْبَةُ أَوْلَى، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي خُطْبَتَيِ الْعِيدِ دُونَ الْجُمُعَةِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لأَِنَّ خُطْبَةَ الْعِيدِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فَأَشْبَهَتْ صَلاَةَ النَّافِلَةِ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ ﵁ لَمَّا أَسَنَّ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَيُفْصَل بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ (42) .
الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ:
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ: فَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَقِيل: أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا مَعَ مُحَمَّدٍ - أَنَّهُ حَرَامٌ (43) ، لِمَا رَوَاهُ حُذَيْفَةُ قَال: نَهَانَا رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ (44) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى جَوَازِهِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَسَ عَلَى مِرْفَقَةِ حَرِيرٍ (45) ، وَكَانَ عَلَى بِسَاطِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ مِرْفَقَةُ حَرِيرٍ. وَأَيْضًا رُوِيَ أَنَّ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةِ حَرِيرٍ؛ وَلأَِنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْحَرِيرِ اسْتِخْفَافٌ وَلَيْسَ بِتَعْظِيمٍ، فَجَرَى مَجْرَى الْجُلُوسِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ (46) .
وَهَذَا فِي الْخَالِصِ مِنْهُ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (حَرِيرٌ) .
الْجُلُوسُ لِلأَْكْل وَالشُّرْبِ:
19 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُنْدَبُ الْجُلُوسُ لِلأَْكْل وَالشُّرْبِ وَأَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا بِلاَ عُذْرٍ خِلاَفُ الأَْوْلَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (47) .
وَأَمَّا هَيْئَةُ الْجُلُوسِ لِلأَْكْل فَقَدْ صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ أَحْسَنَ الْجَلَسَاتِ لِلأَْكْل الإِْقْعَاءُ عَلَى الْوَرِكَيْنِ وَنَصْبُ الرُّكْبَتَيْنِ، ثُمَّ الْجِثِيُّ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ، ثُمَّ نَصْبُ الرِّجْل الْيُمْنَى، وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى (48) .
وَالْمَنْدُوبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى أَوْ مَعَ الْيُسْرَى، أَوْ أَنْ يَجْلِسَ كَالصَّلاَةِ، وَجَثَا رَسُول اللَّهِ ﷺ مَرَّةً عَلَى رُكْبَتِهِ (49) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَاسْتَحْسَنُوا أَثْنَاءَ الأَْكْل الْجُلُوسَ عَلَى الرِّجْل الْيُسْرَى، وَنَصْبَ الْيُمْنَى أَوِ التَّرَبُّعَ. وَيُسْتَحَبُّ لِلضَّيْفِ أَنْ لاَ يُطِيل الْجُلُوسَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الأَْكْل، بَل يَسْتَأْذِنُ رَبَّ الْمَنْزِل وَيَنْصَرِفَ (50) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (51) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَكْلٌ) .
جُلُوسُ مَنْ يَتْبَعُ الْجِنَازَةَ قَبْل وَضْعِهَا:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمُتَّبِعِ الْجِنَازَةِ الْجُلُوسُ قَبْل وَضْعِهَا، وَلاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بَعْدَ الْوَضْعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ لاَ يَجْلِسُ حَتَّى يُوضَعَ الْمَيِّتُ فِي اللَّحْدِ، فَكَانَ قَائِمًا مَعَ أَصْحَابِهِ عَلَى رَأْسِ قَبْرٍ، فَقَال يَهُودِيٌّ: هَكَذَا نَصْنَعُ بِمَوْتَانَا، فَجَلَسَ ﷺ وَقَال لأَِصْحَابِهِ: خَالِفُوهُمْ (52) . أَيْ فِي الْقِيَامِ.
ثُمَّ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (53) ، فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: إِذَا اتَّبَعْتُمُ الْجِنَازَةَ فَلاَ تَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ: حَتَّى تُوضَعَ بِالأَْرْضِ (54) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَ الْقَبْرِ قَبْل أَنْ تُوضَعَ الْجِنَازَةُ عَنِ الأَْعْنَاقِ (55) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ قَامَ مُنْتَظِرًا، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ (56) .
الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ:
21 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُرَخَّصُ الْجُلُوسُ فِي الْمُصِيبَةِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلرِّجَال فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ، أَمَّا فِيهِ فَيُكْرَهُ، وَلاَ تَجْلِسُ النِّسَاءُ قَطْعًا.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لاَ بَأْسَ بِهِ لأَِهْل الْمَيِّتِ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ يَأْتُونَهُمْ وَيُعَزُّونَهُمْ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ يَجُوزُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُل لِلتَّعْزِيَةِ (57) . لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قُتِل زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، جَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ (58) .
وَقَال مُتَأَخِّرُو فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ: يُكْرَهُ لَهُ الْجُلُوسُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ إِلَيْهِ مَنْ يُعَزِّي، بَل إِذَا فَرَغَ، وَرَجَعَ النَّاسُ مِنَ الدَّفْنِ فَلْيَتَفَرَّقُوا، وَيَشْتَغِل النَّاسُ بِأُمُورِهِمْ، وَصَاحِبُ الْبَيْتِ بِأَمْرِهِ (59) .
وَإِلَى الْكَرَاهَةِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَنْزِيهِيَّةٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مُحْدَثٌ آخَرُ.
وَنُقِل عَنْ أَحْمَدَ: الرُّخْصَةُ لأَِهْل الْمَيِّتِ (60) . أَمَّا الْجُلُوسُ عَلَى بَابِ دَارِ الْمَيِّتِ: فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لأَِنَّهُ عَمَل أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ (61) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِجَوَازِهِ حَيْثُ قَالُوا: لاَ بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتَّبِعَ الْجِنَازَةَ، أَوْ يَخْرُجُ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيهُ، لأَِنَّهُ فَعَلَهُ السَّلَفُ (62) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَعْزِيَةٌ) .
الْجُلُوسُ عَلَى الْقُبُورِ:
22 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الْقُبُورِ إِذَا كَانَ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فَلاَ يَجُوزُ قَوْلاً وَاحِدًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقُبُورِ، لِمَا رَوَى أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلاَ تُصَلُّوا إِلَيْهَا (63) .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ: لأََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ (64) . قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ أَثْنَاءَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ يَجْلِسُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا بِحَسَبِ مَرْتَبَتِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ (65) . وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ: يَنْبَغِي لِلزَّائِرِ أَنْ يَدْنُوَ مِنَ الْقَبْرِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ فِي الْحَيَاةِ لَوْ زَارَهُ.
وَيَرَى الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَنَسَبَ الْقَوْل إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَوَازَ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا ﵁ كَانَ يَتَوَسَّدُ الْقَبْرَ، وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ (66) .
قَال الطَّحَاوِيُّ: وَتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا إِذَا كَانَ الْجُلُوسُ لِلْقِرَاءَةِ (67) .
الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِلْقَضَاءِ:
23 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ جُلُوسِ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ لِلْحُكْمِ، وَالْجَامِعُ أَوْلَى؛ لأَِنَّهُ أَشْهَرُ، وَيَخْتَارُ مَسْجِدًا فِي وَسَطِ الْبَلَدِ؛ لِئَلاَّ يَبْعُدَ عَلَى قَاصِدِيهِ.
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَفْصِل بَيْنَ الْخُصُومِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَال: إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِلْحُكْمِ (68) وَلِئَلاَّ يَشْتَبِهَ عَلَى الْغُرَبَاءِ مَكَانُهُ. وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ، وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَهُ دَكَّةٌ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنَّهُ يَجْلِسُ بِغَيْرِ يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، وَيُكْرَهُ جُلُوسُهُ يَوْمَ عِيدٍ؛ لأَِنَّهُ يَوْمُ فَرَحٍ وَسُرُورٍ، وَمُصَافَاةٍ لاَ يَوْمُ مُخَاصَمَةٍ. وَبِغَيْرِ يَوْمِ قُدُومِ الْحَاجِّ وَخُرُوجِهِ؛ لاِشْتِغَال النَّاسِ فِيهِ بِتَهْنِئَةِ الْقَادِمِينَ، أَوْ وَدَاعِ الْخَارِجِينَ، وَبِغَيْرِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ. وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَجْلِسُ بِرِحَابِ الْمَسْجِدِ الْخَارِجَةِ عَنْهُ وَاسْتَحْسَنَ صَاحِبُ جَوَاهِرِ الإِْكْلِيل هَذَا، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ ﷺ: جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ رَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَخُصُومَاتِكُمْ (69) . وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَجْلِسَ الْقَاضِي فِي دَارٍ لاَ فِي مَسْجِدٍ، فَيُكْرَهُ عِنْدَهُمُ اتِّخَاذُهُ مَجْلِسًا لِلْحُكْمِ فِي الأَْصَحِّ، صَوْنًا لَهُ عَنِ ارْتِفَاعِ الأَْصْوَاتِ، وَاللَّغَطِ الْوَاقِعَيْنِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ عَادَةً؛ وَلأَِنَّ الْقَضَاءَ قَدْ يَحْضُرُهُ مُشْرِكٌ وَهُوَ نَجِسٌ بِالنَّصِّ (70) .
وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لِجُلُوسِ الْقَاضِي آدَابًا كَثِيرَةً مِنْهَا:
- أَنْ يَكُونَ مَجْلِسُهُ فَسِيحًا، وَاسِعًا لِئَلاَّ يَتَأَذَّى بِضِيقِهِ الْحَاضِرُونَ.
- وَأَنْ يَكُونَ بَارِزًا، ظَاهِرًا، لِيَعْرِفَ الْقَاضِي مَنْ يَرَاهُ.
- وَأَنْ يَكُونَ مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ وَرِيحٍ وَغُبَارٍ وَدُخَانٍ، لاَئِقًا بِالْوَقْتِ مِنْ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ.
- وَأَنْ يُبْسَطَ لَهُ شَيْءٌ، وَلاَ يَجْلِسَ عَلَى التُّرَابِ وَلاَ عَلَى الْحَصِيرِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ بِهَيْبَتِهِ مِنْ أَعْيَنِ الْخُصُومِ (71) .
وَفِي الْجُلُوسِ بَيْنَ يَدَيِ الْقَاضِي، وَالْعَدْل بَيْنَ الْخَصْمِ فِي مَجْلِسِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قَضَاءٌ) .
حَدُّ الْمَرْأَةِ وَهِيَ جَالِسَةٌ:
24 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُضْرَبُ فِي جَمِيعِ الْحُدُودِ الَّتِي فِيهَا الضَّرْبُ جَالِسَةً، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال: تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً، وَالرَّجُل قَائِمًا؛ وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ، وَجُلُوسُهَا أَسْتَرُ لَهَا.
وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهَا تُحَدُّ قَائِمَةً، كَمَا تُلاَعِنُ.
وَأَمَّا الرَّجُل فَلَمْ يَقُل بِضَرْبِهِ جَالِسًا فِي الْحُدُودِ إِلاَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِالْقِيَامِ، وَلأَِنَّهُ مَجْلُودٌ فِي حَدٍّ، فَأَشْبَهَ الْمَرْأَةَ (72) .
الْجُلُوسُ لِلتَّبَوُّل:
25 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجُلُوسُ أَثْنَاءَ التَّبَوُّل لِئَلاَّ يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ، قَال ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁: مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ تَبُول وَأَنْتَ قَائِمٌ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَبُول قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقُوهُ، مَا كَانَ يَبُول إِلاَّ قَاعِدًا (73) . وَقَال التِّرْمِذِيُّ: هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ، وَقَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ أَحَادِيثُ لاَ تَثْبُتُ، وَلَكِنْ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ ثَابِتٌ، فَلِذَا قَال الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ. وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لاَ تَحْرِيمٍ (74) .
وَقَدْ رُوِيَتِ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْل بْنِ سَعْدٍ، وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ.
وَرَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَال قَائِمًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (75) .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قَضَاءُ الْحَاجَةِ) .
__________
(1) المصباح المنير، ومختار الصحاح مادة: (جلس) .
(2) المصباح المنير مادة: (قعد) .
(3) المرجع السابق.
(4) لسان العرب، وتاج العروس، والنهاية لابن الأثير مادة: (حبو) .
(5) الموسوعة الفقهية. مصطلح (احتباء) .
(6) المصباح المنير، والمغرب للمطرزي، والقاموس المحيط مادة: (فرش) .
(7) الموسوعة الفقهية مصلح (افتراش) ، وابن عابدين 1 / 321، 341، ونهاية المحتاج 1 / 520، 521، والمغني 1 / 523.
(8) لسان العرب المحيط مادة: (ورك) ، والمغرب مادة: (ورك) ، ونهاية المحتاج 1 / 500، والمغني 1 / 539.
(9) حديث: " يا بلال، قم فناد بالصلاة ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 77 - ط السلفية) .
(10) حديث: " كان مؤذنو رسول الله ﷺ يؤذنون قياما " يدل على هذا حديث: " يا بلال قم، فناد بالصلاة " وقد سبق تخريجه
(11) الاختيار 1 / 44، ابن عابدين 1 / 263 ط - دار إحياء التراث العربي، وحاشية الدسوقي 1 / 196، والقوانين الفقهية / 53، ونهاية المحتاج 1 / 410 ط مصطفى البابي الحلبي، والإنصاف 1 / 415، والمغني 1 / 424. وأثر أبي زيد، روى الحسن بن محمد العبدي قال: دخلت على أبي يزيد الأنصاري، فأذن وأقام وهو جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا، وكان أعرج أصيب رجله في سبيل الله تعالى. أخرجه البيهقي (1 / 392 - ط دائرة المعارف العثمانية) .
(12) حديث: " جلوس المؤذن بين الآذان والإقامة في المغرب من السنة " لم نجده بلفظ (جلوس المؤذن. . .) وقد رواه بلفظ (جلوس الإمام. . .) الديلمي في مسند الفردوس (2 / 175 - ط دار الكتاب العربي) وقال المناوي: " فيه هشيم بن بشير، أورده الذهبي في الضعفاء " فيض القدير (3 / 350 - ط المكتبة التجارية) .
(13) فتح القدير 1 / 215 ط دار إحياء التراث العربي، وابن عابدين 1 / 261، والاختيار 1 / 42، 44 ط دار المعرفة، وحاشية الدسوقي 1 / 314 ط دار الفكر، وأسنى المطالب 1 / 103 ط المكتبة الإسلامية، وكشاف القناع 1 / 243.
(14) حديث أبي قتادة: " إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 527 ط السلفية) ، مسلم (1 / 495 ط عيسى الحلبي) .
(15) حديث: " جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله ﷺ. . . . . " أخرجه مسلم (2 / 597 - ط الحلبي) .
(16) ابن عابدين 1 / 456، وحاشية الدسوقي 1 / 313، وروضة الطالبين 1 / 332، 333، والمغني 2 / 135.
(17) ابن عابدين 1 / 299، 468، 475، وحاشية الدسوقي 1 / 235، 236، وجواهر الإكليل 1 / 55، 57، ونهاية المحتاج 2 / 465، وروضة الطالبين 2 / 26، 1 / 232، والمغني 2 / 143، 144.
(18) حديث عمران بن الحصين: " صل قائما ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 587 - ط السلفية) .
(19) حديث: " من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 586 - ط السلفية) من حديث عمران بن حصين.
(20) حديث: " صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة " أخرجه مسلم (1 / 507 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو.
(21) ابن عابدين 1 / 468، وجواهر الإكليل 1 / 50، 57، وروضة الطالبين 1 / 232، والمغني 2 / 142.
(22) ابن عابدين 1 / 475، وجواهر الإكليل 1 / 55، 57.
(23) حديث: " كان النبي ﷺ إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا ". أخرجه مسلم (1 / 357 - 358 - ط الحلبي) .
(24) ابن عابدين 1 / 312، 321، 340، والقوانين الفقهية / 69، وجواهر الإكليل 1 / 49، 53 وما بعدها، وحاشية الدسوقي 1 / 249، وروضة الطالبين 2 / 318، ونهاية المحتاج 1 / 517، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 10، 11، والإنصاف 2 / 70، 71، والمغني 1 / 523.
(25) ابن عابدين 1 / 340، والقوانين الفقهية / 68، ونهاية المحتاج 1 / 518، ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة / 35، والمنثور في القواعد 2 / 10، 11، والأذكار / 56 ط دار الكتاب العربي، والمغني 1 / 530، والإنصاف 2 / 71، 72، 73.
(26) حديث مالك بن الحويرث: " أن النبي ﷺ كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى "، أخرجه البخاري (الفتح 2 / 163 - ط السلفية) .
(27) نهاية المحتاج 1 / 518، والأذكار / 56، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 10، 11، والمغني 1 / 529، 530، والإنصاف 2 / 71 وما بعدها
(28) المنثور في القواعد للزركشي 2 / 10، 11.
(29) ابن عابدين 1 / 301، والاختيار 1 / 53، 54، والقوانين الفقهية / 69، وجواهر الإكليل 1 / 48، وحاشية الدسوقي 1 / 249، ونهاية المحتاج 1 / 520، 521، والمغني 1 / 532، 533، 539.
(30) حديث ابن مسعود في وصف التشهد: " فإذا فعلت ذلك أو. . . ". أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1 / 162 - ط المصطفائي - باكستان) وأصله في أبي داود (1 / 593 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(31) الاختيار لتعليل المختار 1 / 54، وابن عابدين 1 / 301.
(32) القوانين الفقهية لابن جزي / 69، وجواهر الإكليل 1 / 48، وحاشية الدسوقي 1 / 249.
(33) نهاية المحتاج 1 / 520، 521، والمغني 1 / 532، 533، 539، والإنصاف 2 / 113.
(34) ابن عابدين 1 / 321، 341، والقوانين الفقهية / 69، وجواهر الإكليل 1 / 51، وحاشية الدسوقي 1 / 249، ونهاية المحتاج 1 / 520، 521، وروضة الطالبين 1 / 261، والمغني 1 / 532، 539، وكشاف القناع 1 / 363، 364، والإنصاف 2 / 75، 89، 113 وما بعدها.
(35) حديث: " في كل ركعتين: التحية، وكان يفرش رجله اليسرى. . . ". أخرجه مسلم (1 / 358 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(36) نهاية المحتاج 1 / 520 وما بعدها، وروضة الطالبين 1 / 261، والمغني 1 / 540.
(37) ابن عابدين 1 / 474، وفتح القدير 1 / 406 ط دار إحياء التراث العربي.
(38) نهاية المحتاج 2 / 125، والإنصاف 2 / 181، وشرح منح الجليل 1 / 206 ط مكتبة النجاح، وأسهل المدارك 1 / 301، وكفاية الطالب 2 / 321.
(39) ابن عابدين 1 / 56، ومواهب الجليل 2 / 172، وروضة الطالبين 2 / 73، والإنصاف 2 / 429، 430، وكشاف القناع 2 / 55، والمغني 2 / 386.
(40) حديث: " كان يخطب يوم الجمعة خطبتين " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 406 - ط السلفية) ومسلم (2 / 589 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر. وانظر فتح القدير 2 / 29، 46، 47، وابن عابدين 1 / 544، 561، والاختيار 1 / 82، 83، 87، ومواهب الجليل 2 / 165، 171، 172، وشرح الزرقاني 2 / 60، ونهاية المحتاج 2 / 312، 318، وروضة الطالبين 2 / 27، 31، 73، والإنصاف 2 / 397.
(41) فتح القدير 2 / 29، والاختيار 1 / 82، 83، وابن عابدين 1 / 544، ومواهب الجليل 2 / 172، وروضة الطالبين 2 / 32، والإنصاف 2 / 397، وكشاف القناع 2 / 36.
(42) فتح القدير 2 / 29، والاختيار 1 / 82، وروضة الطالبين 2 / 27، 73، ونهاية المحتاج 2 / 306، والإنصاف 2 / 397، وكشاف القناع 2 / 36، والمغني 2 / 303، 387.
(43) ابن عابدين 5 / 226، والقوانين الفقهية / 442، وأسنى المطالب 1 / 275، وكشاف القناع 5 / 171.
(44) حديث: " نهانا رسول الله ﷺ عن لبس الحرير. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 291 - ط السلفية) .
(45) حديث: " أن النبي ﷺ جلس على مرفقة حرير " قال العيني: " هذا لم يثبت عن النبي ﷺ أصلا، ولا ذكره أحد من أرباب النقل لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف " البناية في شرح الهداية (9 / 218 - ط دار الفكر) .
(46) ابن عابدين 5 / 226.
(47) ابن عابدين 5 / 216، والقوانين الفقهية / 442، ومغني المحتاج 3 / 250 ط مصطفى البابي الحلبي سنة 1985، وروضة الطالبين 7 / 340، وكشاف القناع 5 / 177.
(48) ابن عابدين 5 / 482 و 5 / 216، ودليل الفالحين 3 / 233.
(49) الشرح الصغير 4 / 756.
(50) كشاف القناع 5 / 174، 177.
(51) سورة الأحزاب / 53.
(52) حديث: " عن عبادة بن الصامت أنه ﷺ كان لا يجلس. . . ". أخرجه الترمذي (3 / 331 - ط الحلبي) وقال: " هذا حديث غريب، وبشر بن رافع ليس بالقوي في الحديث ".
(53) ابن عابدين 1 / 598، وكشاف القناع 2 / 129.
(54) حديث: " إذا اتبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع " أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 178 ط السلفية) ومسلم (2 / 660 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد.
(55) جواهر الإكليل 1 / 112، ومواهب الجليل 2 / 227.
(56) روضة الطالبين 2 / 115.
(57) ابن عابدين 1 / 604، ومواهب الجليل 2 / 230.
(58) حديث عائشة: " لما قتل زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 166 - ط السلفية) .
(59) ابن عابدين 1 / 604.
(60) روضة الطالبين 2 / 144، والأذكار / 136، والإنصاف 2 / 565.
(61) ابن عابدين 1 / 604
(62) الإنصاف 2 / 565
(63) حديث: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها ". أخرجه مسلم (2 / 668 - ط الحلبي) .
(64) ابن عابدين 1 / 604، وروضة الطالبين 2 / 139، وكشاف القناع 2 / 140، والمغني 2 / 565 وحديث: " لأن يجلس أحدكم على جمرة. . . . " أخرجه مسلم (2 / 667 - ط الحلبي) .
(65) ابن عابدين 1 / 605.
(66) مواهب الجليل 2 / 252، وجواهر الإكليل 1 / 171 ط دار المعرفة، وابن عابدين 1 / 606.
(67) ابن عابدين 1 / 606، 607.
(68) حديث: " إنما بنيت المساجد لذكر الله وللحكم " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 70 - ط دائرة المعارف العثمانية) : " غريب بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم، ليس فيه الحكم " انتهى. وبدون هذه الزيادة هو في صحيح مسلم (1 / 237 - ط الحلبي) من حديث أنس.
(69) ابن عابدين 4 / 310، والاختيار 2 / 85، وجواهر الإكليل 2 / 223، 224، والمغني 9 / 44، 45، 46 وحديث: " جنبوا مساجدكم. . . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 247 - ط الحلبي) من حديث واثلة بن الأسقع مطولا، وقال البوصيري: " إسناده ضعيف ".
(70) القليوبي 4 / 302، وابن عابدين 4 / 310.
(71) المراجع السابقة، والمغني 9 / 80، 81، 82.
(72) ابن عابدين 3 / 147، وجواهر الإكليل 2 / 294، والقليوبي 4 / 204، والمغني 8 / 313 - 315، 316.
(73) حديث: " من حدثكم أن رسول الله ﷺ كان يبول قائما فلا تصدقوه. . . . " أخرجه النسائي (1 / 26 ط دار البشائر الإسلامية) والترمذي (1 / 17 ط مصطفى الحلبي) ، وابن ماجه (1 / 112 ط عيسى الحلبي) من حديث عائشة، وقال الترمذي (حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح) . أخرجه الحاكم (1 / 181 ط دار الكتاب العربي) بنحوه منها وقال: (حديث صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي.
(74) ابن عابدين 1 / 229، 230، وحاشية الدسوقي 1 / 104، 105، وجواهر الإكليل 1 / 17، والقوانين الفقهية / 41، والقليوبي 1 / 38، وروضة الطالبين 1 / 66، والمغني 1 / 164.
(75) حديث حذيفة " أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم فبال قائما " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 328 ط السلفية) . ومسلم (1 / 229 ط عيسى الحلبي) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 262/ 15
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".