الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
المال الحرام الخبيث المكتسب مما لا يحل كسبه، ولا أكله . مثل الرشوة، والغصب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن، وثمن الخنزير، والكلب، ونحوهما . وسمي بذلك لأنه يسحت الطاعات، ويذهبها . ومن شواهده عَنْ سَعِيدٍ بن المسيب، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - قَالَ : "ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ ". ابن أبي شيبة :20906.
المال الحرام الخبيث المكتسب مما لا يحل كسبه، ولا أكله.
التَّعْرِيفُ:
1 - السُّحْتُ لُغَةً: مَا خَبُثَ وَقَبُحَ مِنَ الْمَكَاسِبِ فَلَزِمَ عَنْهُ الْعَارُ وَقَبِيحُ الذِّكْرِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِهَا.
وَاصْطِلاَحًا: كُل مَالٍ حَرَامٍ لاَ يَحِل كَسْبُهُ وَلاَ أَكْلُهُ، وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لأَِنَّهُ يُسْحِتُ الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا.
وَقَدْ يَخُصُّ بِهِ الرِّشْوَةَ وَمَا يَأْخُذُهُ الشَّاهِدُ وَالْقَاضِي، وَالسَّحْتُ (بِفَتْحِ السِّينِ) وَالإِْسْحَاتُ: الاِسْتِئْصَال وَالإِْهْلاَكُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} (1) أَيْ يَسْتَأْصِلَكُمْ.
وَمِنَ السُّحْتِ: الرِّبَا وَالرِّشْوَةُ وَالْغَصْبُ وَالْقِمَارُ وَالسَّرِقَةُ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَالْمَال الْمَأْكُول بِالْبَاطِل (2) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْغَصْبُ:
2 - الْغَصْبُ هُوَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا. (3)
فَالْغَصْبُ نَوْعٌ مِنَ السُّحْتِ، وَالسُّحْتُ أَشْمَل مِنْهُ لأَِنَّهُ كُل كَسْبٍ خَبِيثٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَنْقَسِمُ السُّحْتُ إِلَى أَنْوَاعٍ مِنْهَا:
الرِّشْوَةُ:
3 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرِّشْوَةَ - مَا يُعْطَى لإِِبْطَال حَقٍّ، أَوْ لإِِحْقَاقِ بَاطِلٍ - نَوْعٌ مِنَ السُّحْتِ لاَ خِلاَفَ فِي حُرْمَتِهِ وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى الْكُفْرِ إِذَا اسْتَحَلَّهُ الآْخِذُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} (4) أَيْ كَانُوا يَسْمَعُونَ الْكَذِبَ وَيَقْبَلُونَ الرِّشَا، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: كُل لَحْمٍ أَنْبَتَهُ السُّحْتُ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ قِيل: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ؟ قَال: الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ. (5)
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الْهَدِيَّةُ لِلْحَاكِمِ أَوِ الْقَاضِي أَوْ صَاحِبِ الْجَاهِ، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ فَقَدْ أَكَل السُّحْتَ، وَإِذَا أَخَذَ الرِّشْوَةَ بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ. وَلِخَبَرِ: هَدَايَا الْعُمَّال سُحْتٌ (6) لِقَوْلِهِ ﷺ: هَدَايَا الأُْمَرَاءِ سُحْتٌ.
(7) وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (رِشْوَةٍ) .
كَسْبُ الْحَجَّامِ:
4 - مِنْ أَنْوَاعِ السُّحْتِ كَسْبُ الْحَجَّامِ: أَيْ أُجْرَتُهُ مِنَ الْحِجَامَةِ حَيْثُ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى حُرْمَةِ أُجْرَةِ الْحِجَامَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ (8) وَفِي رِوَايَةٍ: شَرُّ الْمَكْسَبِ مَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ. (9) الْحَدِيثُ. وَقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ مِنَ السُّحْتِ كَسْبَ الْحَجَّامِ. (10)
إِلاَّ أَنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ يَرَى إِبَاحَةَ الاِسْتِئْجَارِ لِلْحِجَامَةِ، وَأَنَّ أَجْرَ الْحَجَّامِ مُبَاحٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ: احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ (11) .، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْذَنُ أَنْ يُطْعَمَ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُجِيزِينَ يَرَى أَنَّ الْحِجَامَةَ مِنَ الْحِرَفِ الدَّنِيئَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مُلاَبَسَةِ النَّجَاسَةِ كَالْكُنَاسَةِ فَيُكْرَهُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَحْتَرِفَ بِهَا، قَال الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ أَنَّهُ طَيِّبٌ وَمَنْ أَخَذَ طَيِّبًا لاَ تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ وَلاَ تَنْحَطُّ مَرْتَبَتُهُ، وَقَال ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بَعْدَ مَا ذَكَرَ حَدِيثَ احْتِجَامِ النَّبِيِّ ﷺ: هَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ طَيِّبٌ، لأَِنَّ الرَّسُول ﷺ لاَ يَجْعَل ثَمَنًا وَلاَ جُعْلاً عِوَضًا لِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِل (12) .
(ر: حِجَامَةٌ، أُجْرَةٌ، كَسْبٌ) .
مَهْرُ الْبَغِيِّ:
5 - مِنْ أَنْوَاعِ السُّحْتِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَهُوَ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ فِي مُقَابِل الزِّنَى، سُمِّيَ مَهْرًا مَجَازًا.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَتِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: شَرُّ الْمَكَاسِبِ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ (13) وَقَوْلِهِ ﷺ: مِنَ السُّحْتِ مَهْرُ الْبَغِيِّ (14) الْحَدِيثُ.
قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِمَهْرِ الزَّانِيَةِ لأَِنَّهُ كَسْبٌ خَبِيثٌ وَلاَ يُرَدُّ إِلَى الدَّافِعِ، لأَِنَّهُ دَفَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ فِي مُقَابِل عِوَضٍ لاَ يُمْكِنُ لِصَاحِبِهِ اسْتِرْجَاعُهُ، وَلِكَيْ لاَ يُعَانَ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ بِحُصُول غَرَضِهِ وَرُجُوعِ مَالِهِ (15) .
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى، مَهْرٍ، أُجْرَةٍ) . حُلْوَانُ الْكَاهِنِ:
6 - مِنْ أَنْوَاعِ السُّحْتِ كَذَلِكَ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَهُوَ مَا يَأْخُذُهُ الْكَاهِنُ مُقَابِل إِخْبَارِهِ عَمَّا سَيَكُونُ، وَمُطَالَعَةِ الْغَيْبِ فِي زَعْمِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَال فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَثَمَنِ الْكَلْبِ وَالاِسْتِعْجَال فِي الْقَضِيَّةِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَعَسْبِ الْفَحْل وَالرِّشْوَةِ فِي الْحُكْمِ وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَثَمَنِ الْمَيْتَةِ: مِنَ السُّحْتِ (16) .
وَلِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ. وَفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنَ اسْتِطْلاَعِ الْغَيْبِ (17) .
وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (كِهَانَةٍ، عِرَافَةٍ) .
ثَمَنُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَمَا شَابَهَهَا:
7 - مِنْ أَنْوَاعِ السُّحْتِ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ وَالأَْصْنَامِ. وَهَذِهِ الأَْنْوَاعُ مُتَّفَقٌ عَلَى حُرْمَتِهَا لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (1) .
وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ قَال: مِنَ السُّحْتِ كَسْبُ الْحَجَّامِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْكَلْبِ وَثَمَنُ الْخَمْرِ وَثَمَنُ الْمَيْتَةِ. الْحَدِيثُ (2) . وَالتَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٍ، أُجْرَةٍ، ثَمَنٍ) .
مَا أُخِذَ بِالْحَيَاءِ:
8 - مِنْ أَنْوَاعِ السُّحْتِ مَا أُخِذَ بِالْحَيَاءِ وَلَيْسَ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ كَمَنْ يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ مَالاً بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ الشَّخْصُ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ وَالْقَهْرِ (3) .
رَاجِعْ مُصْطَلَحَ: حَيَاءٍ.
__________
(1) سورة طه / 61.
(2) لسان العرب، المصباح المنير، تاج العروس، المعجم الوسيط، غريب القرآن مادة (سحت) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 6 / 182، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 432، وكفاية الطالب الرباني 2 / 332، وتفسير أبي السعود 2 / 29.
(3) لسان العرب، المصباح المنير مادة غصب، ابن عابدين 5 / 113، جواهر الإكليل 2 / 148، القوانين الفقهية ص 334، مغني المحتاج 2 / 275، كفاية الطالب 2 / 332، المغني لابن قدامة 5 / 238.
(4) سورة المائدة / 42.
(5) حديث: " كل لحم أنبته السحت ". أخرجه ابن جرير (10 / 323 - ط دار المعارف) من حديث عمر بن حمزة العمري مرسلا.
(6) حديث: " هدايا العمال سحت ". أخرجه ابن عدي في الكامل (1 / 281 - ط دار الفكر) من حديث جابر بن عبد الله، وقال عن راويه: " أحاديثه غير محفوظة "، وأورده الهيثمي في المجمع (4 / 151 - ط القدسي) بلفظ: " هدايا الأمراء غلول " وقال: " رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن ".
(7) تفسير القرطبي 6 / 182، أحكام القرآن للجصاص 2 / 232، تفسير الطبري 10 / 318، تفسير أبي السعود 2 / 29، نيل الأوطار 5 / 46، سبل السلام 3 / 80، 113، المغني لابن قدامة 4 / 232، 5 / 299، مغني المحتاج 2 / 10، 275، 3 / 399، نهاية المحتاج 8 / 242، كفاية الطالب 2 / 332. وحديث: " هدايا الأمراء من السحت ". أورده السيوطي في الدر المنثور (2 / 284 - ط الميمنية) من حديث جابر بن عبد الله، وعزاه إلى عبد الرزاق في تفسيره وابن مردويه.
(8) حديث: " كسب الحجام خبيث ". أخرجه مسلم (3 / 1199 - ط الحلبي) من حديث رافع بن خديج.
(9) حديث: " شر الكسب: مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام ". أخرجه مسلم (3 / 1199 - ط الحلبي) من حديث رافع بن خديج.
(10) حديث: " من السحت كسب الحجام ". أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (4 / 129 - ط مطبعة الأنوار المحمدية) من حديث أبي هريرة بإسنادين يقوي أحدهما الآخر.
(11) حديث: " احتجم النبي ﷺ وأعطى الحجام أجره ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 258 - ط السلفية) من حديث ابن عباس.
(12) المصادر السابقة.
(13) حديث: " شر الكسب ثمن الكلب. . . " تقدم ف / 4.
(14) حديث: " من السحت مهر البغي " تقدم ف / 4 ضمن حديث: شر الكسب.
(15) المصادر السابقة.
(16) تفسير الطبري 10 / 318، تفسير القرطبي 6 / 182، أحكام القرآن للجصاص 2 / 432، سبل السلام 3 / 7، 13، 80، مغني المحتاج 2 / 10، 275، 3 / 393، نهاية المحتاج 8 / 242، كفاية الطالب 2 / 332، المغني لابن قدامة 4 / 232، 5 / 299، تفسير أبي السعود 2 / 29.
(17)
الموسوعة الفقهية الكويتية: 255/ 24