البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

إنكار معلوم من الدين بالضرورة

جحد ما يُعرف من شرع الله مما كان قطعيًّا مشهورًا بحيث لا يخفى على العامّة المخالطين للعلماء؛ بأن يعرفون بداهة من غير افتقار إلى نظر واستدلال = فعل شنيع، وفاعله قد ارتكب ناقضًا من نواقض الإيمان، فيحكم بكفره إن جحده عالـمًا به غير متأوّل بإجماع العلماء.

الأهمية

تأتي أهميّة هذا الموضوع من حيث ارتباطه بنواقض الإيمان، فصاحبه كافرٌ بإجماع العلماء إن جحد ما يعلم بالضرورة عالـمًا به غير متأوّل لعظم انتهكه من الردّ والإعراض والإباء فهو لم يستسلم لما شرع الله له، بل تجرّأ فجحد بعض أحكامه، ومن هنا كان إنكاره خروجًا من الملّة بإجماع العلماء.

التعريف

التعريف لغة

لإنكار في اللّغة: جاء في القاموس: «النّكُر بالضم وبضمتين، المنكر كالنكراء، والأمر الشديد، والنكرة خلاف المعرفة، وتناكر تجاهل، والقوم تعادوا، ونكر فلان الأمر كفرح نكرًا -محركة-، ونُكُرًا ونُكُورا بضمها، ونكيرًا، وأنكره واستنكره وتناكره جهله، والمنكر ضد المعروف» "القاموس المحيط" (ص 487) وقال في المعجم الوسيط: «نَكر فلان نَكَرا ونُكرا ونكارة، فطن وجاد رأيه والشيء جهله، وفي التنزيل العزيز: فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ ونَكُر الأمر نكارة، صعب واشتدّ وصار منكرًا، وأنكر الشيء جهله، وفي التنزيل العزيز: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وحقه جحده، وفي التنزيل العزيز: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا» "المعجم الوسيط" (2 /951) أمّا: (العلم الضروري) فقد عرّفه أبو الفرج في مقدمة "الإيضاح" في الفقه حيث قال: «حدُّ العلم الضروري في اللُّغة:
الحمل على الشيء والإلجاء إليه» "التحبير" للمرداوي (1 /243)

التعريف اصطلاحًا

أمّا في الاصطلاح فقد جاء في تعريف المعلوم من الدّين بالضرورة: «وهو أن يكون قطعيًا مشهورًا بحيث لا يخفى على العامّة المخالطين للعلماء بأن يعرفون بداهة من غير افتقار إلى نظر واستدلال». "الفتاوى الحديثية" لابن حجر الهيثمي (200). وعليه فإنّ إنكار معلوم من الدّين بالضرورة هو: جحد ما يُعرف من القطعي المشهور الذي لا يخفى على العامّة المخالطين للعلماء بأن يعرفون بداهة من غير افتقار إلى نظر واستدلال.

العلاقة بين التعريفين اللغوي والاصطلاحي

هي العموم والخصوص المطلق إذ الإنكار في الاصطلاح إنكار مخصوص بسمات معيّنه، وهذا من صور المجاز اللغوي الصحيحة المعتبرة، وهي قصر العام على بعض أفراده ، فيكون المعنى الاصطلاحي مجازا لغويًا وحقيقةً عرفيةً خاصَّة بأهل الاصطلاح.

الأقسام والأنواع

بيَّن الإمام السيوطي رحمه الله مراتبَ ما فيه الكُفْر من المسائل، وذكر المعلوم من الدِّين بالضَّرورة مُبَيِّنَه فقال: «أحدها: ما نكَفِّرُه قطعًا، وهو ما فيه نصٌّ، وعُلِمَ من الدِّين بالضَّرورة بأنْ كان من أمور الإسلام الظَّاهرة، التي يشتركُ في معرفتها الخواصُّ والعوام؛ كالصَّلاة والزَّكاة والصَّوم والحج وتحريم الزِّنا ونحوه. الثاني: ما لا نكفره قطعًا، وهو ما لا يعرفه إلاَّ الخواص، ولا نصَّ فيه؛ كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف. الثالث: ما يكفرُ به على الأَصَحِّ، وهو المشهورُ المنصوص عليه، الذي لم يبلغ رُتبة الضَّرورة؛ كحِلِّ البَيْع، وكذا غيرُ المنصوص على ما صححه النووي. الرابع: ما لا على الأصح، وهو ما فيه نصٌّ؛ لكنَّه خفيٌّ غير مشهور؛ كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب». "الأشباه والنظائر في فروع الشافعية"(1 /744).

الفروق

الفرق بين إنكار معلوم من الدين بالضرورة و جحود

إنّ العلاقة بين الجحد والإنكار هي العموم والخصوص، نقل ابن هشام عن أبي جعفر النحّاس أنّه قال: «الْجحْد فِي اللُّغَة إِنْكَار مَا تعرفه لَا مُطلق الْإِنْكَار». "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" (ص 279).

الأدلة

القرآن الكريم

إنكار معلوم من الدين بالضرورة في القرآن الكريم
ومن الأدلّة -التي وردت في كتاب الله- الدّالة على كفر منكر ما يعلم بالضرورة ولا يجهله العامَّةُ والخاصَّةِ ، قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73]. قال ابن الوزير رحمه الله : «إنَّ المتواتراتِ نوعان: أحَدُهما: ما عَلِمَه العامَّةُ مع الخاصَّةِ، كمِثلِ كَلِمةِ التوحيدِ، وأركانِ الإسلامِ، فيكفُرُ جاحِدُه مُطلَقًا؛ لأنَّه قد بلَغَه التنزيلُ، وإنَّما ردَّه بالتأويلِ، وإنْ لم يَعلَمْ هو ثبوتَ ما جحده من الدِّينِ؛ بسبب ما دخل فيه من البِدَع والشُّبَه التي ربَّما أدَّت إلى الشَّكِّ في الضَّروراتِ، ودَفعِ العُلومِ، والحُجَّةُ على التكفيرِ بذلك مع الشَّكِّ قَولُه تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73]، والمعلومُ أنَّهم ما قَصَدوا تكذيبَ عيسى، بل قصدوا تصديقَه، ويدُلُّ على هذا التعليلِ بالبلوغِ، وعلى أنَّ الَجهَل قَبْلَه عُذرٌ لا بَعْدَه قَولُه تعالى: ﴿ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام: 92]، وهي من أوضَحِ الأدِلَّةِ على ذلك، وللهِ الحَمدُ». يُنظر: "العواصم والقواصم" (4/173).

السنة النبوية

إنكار معلوم من الدين بالضرورة في السنة النبوية
أمّا من السنّة فما ورد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنّه قال: «بَيْنَمَا أَنَا أَطُوفُ عَلَى إِبِلٍ لِي ضَلَّتْ، إِذْ أَقْبَلَ رَكْبٌ أَوْ فَوَارِسُ مَعَهُمْ لِوَاءٌ ، فَجَعَلَ الْأَعْرَابُ يُطِيفُونَ بِي لِمَنْزِلَتِي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَوْا قُبَّةً، فَاسْتَخْرَجُوا مِنْهَا رَجُلًا فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَعْرَسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ». أخرجه أبو داود في "سننه" برقم (4456)، (4457)، والنسائي في "الكبرى" برقم (5464)، (5465)، (5466)، (7182)، (7183)، (7184)، (7185) والترمذي في "جامعه" برقم (1362). قال الشوكانيّ رحمه الله: «والحديث فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة، فإن الله تعالى يقول: ﴿​وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ اْلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: 22]، ولكنه لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلًا، وذلك من موجبات الكفر، والمرتد يقتل للأدلة الآتية». "نيل الأوطار" (7 /137).

الإجماع

قال القاضي عِياضٌ: «أجمع المُسلِمون على تكفيرِ كُلِّ من استحَلَّ القَتْلَ، أو شُرْبَ الخَمْرِ، أو الزِّنا؛ مِمَّا حَرَّم اللهُ، بعد عِلْمِه بتحريمِه، كأصحابِ الإباحةِ مِن القرامِطةِ، وبعضِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ، وكذلك نقطَعُ بتكفيرِ كُلِّ من كذَّب، وأنكر قاعدةً من قواعِدِ الشَّرعِ، وما عُرِف يقينًا بالنَّقلِ المتواتِرِ مِن فِعلِ الرَّسولِ، ووقع الإجماعُ المتَّصِلُ عليه، كمن أنكر وجوبَ الخَمْسِ الصَّلَواتِ..». "الشفا" (2/287).

وجه عده من النواقض

لا شكّ أنّ من أنكر معلومًا من الدّين بالضرورة فقد افترى على كذبًا، وارتكب ناقضًا من نواقض الإيمان فيحكم بكفره إن جحده عالمًا به غير متأوّل، قال ابن قدامة رحمه الله في أثناء كلامه عن تارك الصلاة: «فإن كان جاحداً لوجوبها (أي الصلاة) نظر فيه، فإن كان جاهلاً به، وهو ممن يجهل ذلك كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره لأنه معذور، فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر ولم يقبل منه ادّعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمين يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، ولا يجحدها إلا تكذيبًا لله تعالى، ورسوله وإجماع الأمة، وهو يصير مرتدًّا عن الإسلام، ولا أعلم في هذا خلافًا». "المغني" (2 /442).

أقوال أهل العلم

«إنْ جَحَد مجمَعًا عليه يُعلَمُ من دينِ الإسلامِ ضَرورةً، كَفَر إن كان فيه نَصٌّ، وكذا إن لم يكُنْ فيه نصٌّ في الأصَحِّ، وإن لم يُعلَمْ من دينِ الإسلامِ ضَرورةً بحيث لا يعرِفُه كُلُّ المُسلِمين، لم يَكفُرْ. واللهُ أعلَمُ» النَّوَوِي "روضة الطالبين" (10/65).
«قد يَتركُ الرَّجُلُ دينَه، ويفارِقُ الجماعةَ، وهو مقرٌّ بالشَّهادتين، ويدَّعي الإسلامَ، كما إذا جحد شيئًا من أركانِ الإسلامِ» ابن رَجَب "جامع العلوم والحكم" (1/318).
«من اعتقد حِلَّ شيءٍ أُجمِعَ على تحريمِه، وظهر حُكمُه بين المُسلِمين، وزالت الشُّبهةُ فيه؛ للنُصوصِ الواردةِ، كلَحمِ الخِنزيرِ، والزِّنا، وأشباهِ هذا مما لا خِلافَ فيه- كَفَر...» ابن قُدَامَة "المغني" (12/276).
«يكفُرُ من جحد وجوبَ عبادةٍ من الخَمسٍ، ومنها الطَّهارةُ، أو حُكمًا ظاهرًا مجمَعًا عليه إجماعًا قطعيًّا بلا تأويلٍ، كتحريمِ زنًا أو لحمِ -لا شَحمِ- خِنزيرٍ، أو حشيشةٍ، أو حِلَّ خُبزٍ ونحوِه، أو شَكَّ فيه، ومِثْلُه لا يجهَلُه، أو يجهَلُه وعُرِّف وأصَرَّ». مَرْعي الكَرْمي "غاية المنتهى" (2/498).
ومَنْ جَحَدَ الإيجابَ كَفِّرْهُ إنْ نشَأْ*****بدارِ الْهُدى ما بينَ أَهْلِ التَّعَبُّدِ كذا كلُّ مَجموعٍ على حُكْمِهِ مَتَى*****يكُنْ ظاهِرًا دُونَ الْخَفِيِّ الْمُبَعَّدِ فمَنْ جَحَدَ الأركانَ أوْ حُرْمَةَ الزِّنَا*****وخَمْرٍ وحِلَّ الماءِ والخبزِ يَجْحَدِ وأَشباهِها مِنْ ظاهِرِ الْحُكْمِ مُجْمَعٌ*****عليهِ لِجَهْلٍ عَرِّفَنْهُ وأَرْشِدِ فمَنْ لمْ يَتُبْ أوْ ليسَ يَجْهَلُ مِثْلُهُ*****لِمَجحودِهِ يَكْفُرْ وبالسَّيْفِ فاقْدُدِ ومَنْ حَلَّلَ المحظورَ مِنْ غيرِ شُبْهَةٍ*****عن النفسِ والأموالِ كَفِّرْهُ تُرْشَدِ وإنْ كانَ بالتأويلِ منهُ اسْتَحَلَّهُ*****فلا كُفْرَ حتَّى يَسْتَبِينَ بِمُرْشِدِ المَرْداوي "الألفية في الآداب الشرعية" (ص68-69).
«ومن جحد ما لا يتمُّ الإسلام بدونِه أو جحدَ حُكمًا ظاهرًا أُجمِع على تحريمه أو حِلِّه إجماعًا قطعيًّا، أو ثبت جزمًا، كتحريم لحم خنزير، أو حِلِّ خُبزٍ، ونحوِهِمَا كَفَر». ابن قائِد "نجاة الخلف في اعتقاد السلف" (ص5).
«فإن استحل ما أجمع على تحريمه، أو ثبت جزمًا بغير الإجماع كفر». ابن حَمْدَان "نهاية المبتدئين" (ص45).
«كفر الجحود الخاص المقيد: أن يجحد فرضًا من فروض الإسلام، أو تحريمَ محرَّمٍ من محرَّماته، أو صفةً وصف الله بها نفسه، أو خبرًا أخبر الله به= عمدًا، أو تقديمًا لقول من خالفه عليه لغرضٍ من الأغراض». ابن قَيِّم الجَوْزِيَّة "مدارج السالكين" (1/522).