البحث

عبارات مقترحة:

الحميد

(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

المروءة

المروءة من الخصال الكريمة، وهي من خِصال الرّجولة، ويُراد بها: مُراعاة الأحوال إلى أنْ تكونَ على أفضلها؛ حتى لا يَظهَرَ منها قبيحٌ عن قَصد، ولا يتوجه إليها ذمٌّ باستحقاق، وقد امتدح الله عزّ وجل في كتابه الكريم من اتّصف بهذه الصفة، ولها فوائد ومصالح عديدة تعود بالنفع والخير على الفرد في حياته وآخرته.

التعريف

التعريف لغة

المروءة: كمالُ الرّجوليّة، مَرؤَ الرّجلُ يمرؤُ مُروءةً، فهوَ مريءٌ على فعيل، وتمرّأ على تفعَّلَ: صارَ ذا مروءة. وتمرّأَ: تكلّفَ المروءة. وتمرّأ بنا، أي: طلَبَ بإكرامنا اسم المروءة. وفلانٌ يتمرَّأ بنا، أي: يطلبُ المروءة بنقصِنا أَوْ عَيْبنا. انظر "مقاييس اللغة" لابن فارس (5 /315)، "لسان العرب" لابن منظور (1 /156).

التعريف اصطلاحًا

قال الماوردي: «المروءة: مُراعاة الأحوال إلى أنْ تكونَ على أفضلها؛ حتى لا يَظهَرَ منها قبيحٌ عن قَصد، ولا يتوجه إليها ذمٌّ باستحقاق». "أدب الدنيا والدّين" للماوردي (306). وقال الكفوي: «المروّة: هي الإنسانيّة، وقيل: هي الرّجوليّة الكاملة». "الكليات" للكفوي (874). وقال الجرجاني: «هي قوّةٌ للنفس مَبدأٌ لصُدور الأفعال الجميلة عنها المُستتبعة للمدحِ شرعًا وعقلًا وعُرفًا». "التعريفات" للجرجاني (210). وقد ضبط الفقهاء حدّ المروءة، لأهمية ذلك في باب الشهادات، فإن سقوط المروءة مما ترد به الشهادة. قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين" (ص568-569) : «و المروءة : تَخلُّقٌ بخُلُق أمثالِه في زمانِه ومكانِه. فالأكل في سوقٍ، والمشي مكشوف الرأس، وقبلةُ زوجةٍ وأمة بحضرة الناس، وإكثار حكاياتٍ مُضحِكَة، ولُبسُ فقيهٍ قِبَاءً وقَلَنْسُوة حيث لا يعتاد، وإكبابٌ على لعب الشطرنج أو غناء أو سماعِه، وإدامةُ رقص يسقطُها. والأمر فيه يختلف بالأشخاص والأحوال والأماكن. وحرفة دنيئة كحِجامةٍ، وكَنسٍ ودَبغٍ ممن لا تليقُ به تسقِطُها ، فإن اعتادها وكانت حرفة أبيه؛ فلا في الأصح».

الأدلة

القرآن الكريم

المروءة في القرآن الكريم
يبيّن الله تعالى صفات عباده الّذين اتصفوا بأعلى صفات المروءة ووصلوا إلى غاياتها في قوله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا (67)﴾ [الفرقان]. وقال تعالى: ﴿دْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10)﴾ [المؤمنون: 1-10]. وقيل لسفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: قد استنبطت من القرآن كل شيء، فأين المروءة فيه؟ فَقَالَ: «في قوله تعالى: ﴿ خُذِ ‌اْلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِاْلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ اْلْجَٰهِلِينَ﴾ [الأعراف: 199]. ففيه المروءة وحسن الادب ومكارم الأخلاق: فجمع في قوله: ﴿ خُذِ ‌اْلْعَفْوَ ﴾: صلةَ القاطعين، والعفوَ عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: ﴿ وَأْمُرْ بِاْلْعُرْفِ ﴾: صلةُ الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغضُّ الأبصار، والاستعدادُ لدار القرار. ودخل في قوله: ﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ اْلْجَٰهِلِينَ ﴾ الحضُّ على التخلُّق بالحِلم، والإعراضُ عن أهل الظلم، والتنزُّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، والأفعال الرشيدة وقال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ﴾ [القصص: 77]، و فيها عينُ المروءةِ وحقيقتها». "عين الأدب والسياسة" لابن الهذيل (ص132).

السنة النبوية

المروءة في السنة النبوية
عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: «سَأَلْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قالَ: إيمَانٌ باللَّهِ، وجِهَادٌ في سَبيلِهِ، قُلتُ: فأيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ؟ قالَ: أعْلَاهَا ثَمَنًا، وأَنْفَسُهَا عِنْدَ أهْلِهَا، قُلتُ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قالَ: تُعِينُ ضَايِعًا، أوْ تَصْنَعُ لأخْرَقَ، قالَ: فإنْ لَمْ أفْعَلْ؟ قالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بهَا علَى نَفْسِكَ». أخرجه البخاري (2518). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «السَّاعِي علَى الأرْمَلَةِ والْمِسْكِينِ، كالْمُجاهِدِ في سَبيلِ اللهِ، وأَحْسِبُهُ قالَ، وكالْقائِمِ لا يَفْتُرُ، وكالصَّائِمِ لا يُفْطِرُ». أخرجه مسلم (2892). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فأطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ، فأعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ منهما تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إلى فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلَهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بيْنَهُمَا، فأعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الذي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ أَوْجَبَ لَهَا بهَا الجَنَّةَ، أَوْ أَعْتَقَهَا بهَا مِنَ النَّارِ». أخرجه مسلم (2630).

أقوال أهل العلم

«اعلَم أنَّ من شواهدِ الفضلِ ودلائل الكرَمِ المروءة التي هي حِليةُ النُّفوس، وزينةُ الهِمَم». المَاورْدي "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص323).
«مِنْ تَمامِ المروءَةِ خدمةِ الرَّجلِ ضَيفه، كما خدمَهم أبونا إبراهيم الخليل بنفسه وأهله» محَّمد بن علي "غذاء الألباب" للسفاريني (2 /151).
«المروءة أن لا تعملَ عملاً في السّرِ تستحي منه في العلانية». الإِمَام الشَّافِعي "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص315).
«لو علمت أن ‌الماء ‌البارد ينقص من مروءتي ما شربته» "حلية الأولياء" (9/123).

الصور

أوّلها : مروءةُ المرء مع نفسه: وهي أن يحملها قسراً على ما يُجملُ ويزين، وترك ما يقبح ويشين؛ ليصير لها ملكة في العلانية. فمَن أراد شيئاً في سرّه وخلوته: ملكه في جهره وعلانيته؛ فلا يكشفُ عورته في الخلوة، ولا يتجشأ بصوتٍ مزعج ما وجدَ إلى خِلافِه سبيلاً، ولا يُخرج الرّيح بصوت وهو يقدر على خِلافه. وبالجملة: فلا يفعلُ خالياً ما يُستحيا من فعله في الملأ، إلا ما لا يحظرُه الشّرع والعقل، ولا يكون إلا في الخلوة؛ كالجماع والتخلي ونحو ذلك. ثانيها : المروءة مع الخلق: بأن يستعمل معهم شروط الأدبِ والحياء والخلق الجميل، ولا يُظهر لهم ما يكرهه هومن غيره لنفسه، وليتخذ النّاس مرآة نفسه؛ فكلّ ما كرهه ونفرَ عنه، من قول أو فعل أو خلق، فليتجنبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله. ثالثها : المروءة مع الحق سبحانه وتعالى: وذلك بالاستحياء من نظره إليك، واطّلاعه عليك في كلّ لحظة ونفَس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان. فإنّه قد اشتراها منك، وأنتَ ساعٍ في تسليم المبيع، وتقاضي الثّمن، وليس من المروءة تسليمُه مَعيبًا. انظر "تهذيب مدارج السالكين" للعزي (ص439-440).

وسائل الاكتساب

من الأمور التي تُعين على اكتساب المروءة: أوّلًا: علو الهمة والتطلع إلى السمو بالنفس، والترقي بها إلى المعالي. ثانيًا: مُنافسة أصحاب المروءات ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية. قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26] ثالثًا: شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها. رابعًا: المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات. خامسًا: مجالسة أهل المروءات، ومجانبة السفهاء وأهل السوء. سادسًا: الزوجة الصالحة. قال مسلمة بن عبد الملك: «ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة». انظر "روضة العقلاء" لابن حبان البستي (ص234).

الفوائد والمصالح

أوّلًا: تُعلِّم الإنصاف والصّدق والاحتمال والصّبر. ثانيًا: تُبعد المُسلم عمّا يكرهُ الله والمسلمون. ثالثًا: رفع الهمم للملمّات، والتّرفع عن المُحقّرات. رابعًا: شُكر المُنعم على ما أنعَم. خامسًا: التحلّي بالحزم عند العزم، والعفو عندَ المقدِرة. سادسًا: تُكسِب الإنسان مكارِم الأخلاق. سابعًا: تبتعد بالإنسان عن كُلّ ما يؤذي صِفة الكمال في الإنسان. ثامنًا: مُساعدة الأهل والإخوان والجيران. تاسعًا: تُعلي شرف النفس وقدرها. عاشرًا: تُخلّص الإنسان من غرور الهوى، ونوازع الشهوة. انظر "أدب الدنيا والدين" للماوردي (306-310).

نماذج وقصص

مروءة النبي صلى الله عليه وسلّم: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ببُرْدَةٍ، فَقالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: أتَدْرُونَ ما البُرْدَةُ؟ فَقالَ القَوْمُ: هي الشَّمْلَةُ، فَقالَ سَهْلٌ: هي شَمْلَةٌ مَنْسُوجَةٌ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ، أكْسُوكَ هذِه، فأخَذَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا فَلَبِسَهَا، فَرَآهَا عليه رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، ما أحْسَنَ هذِه، فَاكْسُنِيهَا، فَقالَ: نَعَمْ فَلَمَّا قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَامَهُ أصْحَابُهُ، قالوا: ما أحْسَنْتَ حِينَ رَأَيْتَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخَذَهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ إيَّاهَا، وقدْ عَرَفْتَ أنَّه لا يُسْأَلُ شيئًا فَيَمْنَعَهُ، فَقالَ: رَجَوْتُ بَرَكَتَهَا حِينَ لَبِسَهَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لَعَلِّي أُكَفَّنُ فِيهَا. أخرجه البخاري (6036). مروءة الشافعي رحمه الله: قال الرّبيع: «كان الشّافعي رحمه الله مارّاً بالحذّائين فسقطَ سوطه، فوثبَ غلامٌ ومسحه بكمه وناوله، فأعطاه سبعة دنانير». "سير أعلام النبلاء" للذهبي (10 /37). مروءة أحمد بن مهدي رحمه الله: يقول أحمد بن مهدي: «جاءتني امرأة ببغداد ليلة، فذكرت أنها من بنات النّاس، وأنّهاامتُحنت، وسألتني أن أسترها، قالت: فقد أُكرهت على نفسي، وأنا حبلى، وقلتُ: إنك زوجي فلا تفضحني. فنكبتُ عنها ومضيت. فلم أشعرُ حتى جاء إمامُ المحلة والجيران يهنئوني بالولد الميمون، فأظهرت التهلل، وأعطيت في اليوم الثاني للإمام دينارين، وقلت: أعطها نفقة، فقد فارقتها، وكنتُ أعطيها في كلّ شهرٍ دينارين حتّى أتى على ذلك سنتان، فمات الطفل، وجاءني النّاس يعزوني فكنتُ أظهر لهم التّسليمَ والرّضا، فجاءتني بعد أيام بالدّنانير فردّتها ودعَت لي، فقالت: ستركَ الله كما سترتني، فقلت: هذا الذّهب كان صلةً للولد، وقد ورثتيه، وهو لك». "سير أعلام النبلاء" للذهبي (12 /598).