الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
الجَهالَةُ: مصدر الفعل " جَهِل "، ومعناها: خُلُوُّ النَّفْسِ مِن العِلْمِ، يُقال: جَهِلَ الشَّيْءَ، يَجْهَلُهُ، جَهْلاً وجَهالَةً، فهو جاهِلٌ: إذا لم يَعلَم به، والجَهالَةُ: أن تَفْعَل فِعْلاً بِغَيرِ عِلْمٍ، وضِدُّها: العِلْمُ والمَعْرِفَةُ. وتأْتي بِمعنى اعْتِقَاد الشَّيْءِ على خِلافِ ما هو عليه.
يَرِد مُصْطلَح (جَهالَة) في كثير مِن الكُتُبِ والأَبْوابِ الفِقْهِيَّةِ؛ ومن ذلك: كتاب النَّكاح، باب: المهر، وباب: الخُلعُ، وفي كتاب البُيوعِ، باب: الإجارة، وباب: الوكالَة، وباب: الشَّرِكَة، والوصِيَّة، والهِبَة، والجَعالَة، والوَقف، والرَّهن، والسَّلَم، وغير ذلك، وفي كتاب الحُدودِ، والقِصاصِ، وغير ذلك. ويُطْلَق في العَقِيدَةِ بمعنى الجهل، ويُراد به: فِعْلُ الشَّيْءِ بِخِلافِ ما حَقُّهُ أن يُفْعَلَ، سَواءً اعْتَقَدَ فيه اعْتِقَاداً صَحِيحاً أو فاسِداً. وَيُطْلَق أيضاً ويُرادُ به: الجَهْلُ، وهو خُلُوُّ النَّفْسِ مِن العِلْمِ.
جهل
عَدَمُ العِلْمِ بالمَبيعِ، أو ثَمَنِهِ، أو نَحْوِ ذَلِك.
الجَهالَةُ: مصدر الفعل " جَهِل "، ومعناها: فِعْلُ الشَّيءِ مِن غير عِلْمٍ، يُقال: جَهِلَ الشَّيْءَ، يَجْهَلُهُ، جَهْلاً وجَهالَةً: إذا لم يَعلَم به.
* العين : (3/390)
* تهذيب اللغة للأزهري : (6/37)
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/165)
* مختار الصحاح : (ص 119)
* الـمغني لابن قدامة : (4/365)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (16/169)
* لسان العرب : (11/129)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/113)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (16/170) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجَهَالَةُ لُغَةً: مِنْ جَهِلْتُ الشَّيْءَ خِلاَفَ عَلِمْتُهُ وَمِثْلُهَا الْجَهْل، وَالْجَهَالَةُ أَنْ تَفْعَل فِعْلاً بِغَيْرِ الْعِلْمِ (1) .
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ: فَإِنَّ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يُشْعِرُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، فَيَسْتَعْمِلُونَ الْجَهْل - غَالِبًا - فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَ الإِْنْسَانُ مَوْصُوفًا بِهِ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْجَهْل مُتَعَلِّقًا بِخَارِجٍ عَنِ الإِْنْسَانِ كَمَبِيعٍ وَمُشْتَرًى وَإِجَارَةٍ وَإِعَارَةٍ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا أَرْكَانُهَا وَشُرُوطُهَا، فَإِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَلَّبُوا جَانِبَ الْخَارِجِ، وَهُوَ الشَّيْءُ الْمَجْهُول، فَوَصَفُوهُ بِالْجَهَالَةِ، وَإِنْ كَانَ الإِْنْسَانُ مُتَّصِفًا بِالْجَهَالَةِ أَيْضًا. وَهَذَا الْبَحْثُ مُرَاعًى فِيهِ الْمَعْنَى الثَّانِي: أَمَّا الْمَعْنَى الأَْوَّل فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَهْلٌ) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْغَرَرُ:
2 - الْغَرَرُ لُغَةً الْخَطَرُ وَالتَّعْرِيضُ لِلْهَلَكَةِ، أَوْ هُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ مَحْبُوبٌ وَبَاطِنٌ مَكْرُوهٌ، وَغَرَّ يَغُرُّ غَرَارَةً وَغُرَّةٌ فَهُوَ غَارٌّ، وَغِرٌّ: أَيْ: جَاهِلٌ بِالأُْمُورِ غَافِلٌ عَنْهَا (2) .
وَغَرَّ الرَّجُل غَيْرَهُ يَغُرَّهُ غَرًّا وَغُرُورًا فَهُوَ غَارٌّ وَالآْخَرُ مَغْرُورٌ أَيْ خَدَعَهُ وَأَطْمَعَهُ بِالْبَاطِل.
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ قَال الرَّمْلِيُّ: الْغَرَرُ مَا احْتَمَل أَمْرَيْنِ أَغْلَبُهُمَا أَخْوَفُهُمَا، وَقِيل مَا انْطَوَتْ عَنَّا عَاقِبَتُهُ (3) .
3 - قَال الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ يَتَوَسَّعُونَ فِي عِبَارَتَيِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَيَسْتَعْمِلُونَ إِحْدَاهُمَا مَوْضِعَ الأُْخْرَى.
ثُمَّ يُفَرِّقُ الْقَرَافِيُّ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمَجْهُول وَقَاعِدَةِ الْغَرَرِ بِقَوْلِهِ: وَأَصْل الْغَرَرِ هُوَ الَّذِي لاَ يَدْرِي هَل يَحْصُل أَمْ لاَ؟ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ.
وَأَمَّا مَا عُلِمَ حُصُولُهُ وَجُهِلَتْ صِفَتُهُ فَهُوَ الْمَجْهُول كَبَيْعِهِ مَا فِي كُمِّهِ فَهُوَ يَحْصُل قَطْعًا، لَكِنْ لاَ يَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ هُوَ.
فَالْغَرَرُ وَالْمَجْهُول كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَيُوجَدُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الآْخَرِ وَبِدُونِهِ.
أَمَّا وُجُودُ الْغَرَرِ بِدُونِ الْجَهَالَةِ، فَكَشِرَاءِ الْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَعْلُومِ قَبْل الإِْبَاقِ لاَ جَهَالَةَ فِيهِ وَهُوَ غَرَرٌ لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي هَل يَحْصُل أَمْ لاَ؟ .
وَالْجَهَالَةُ بِدُونِ الْغَرَرِ كَشِرَاءِ حَجَرٍ لاَ يَدْرِي أَزُجَاجٌ هُوَ أَمْ يَاقُوتٌ؟ مُشَاهَدَتُهُ تَقْتَضِي الْقَطْعَ بِحُصُولِهِ فَلاَ غَرَرَ، وَعَدَمُ مَعْرِفَتِهِ تَقْتَضِي الْجَهَالَةَ بِهِ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَكَالْعَبْدِ الآْبِقِ الْمَجْهُول الصِّفَةِ قَبْل الإِْبَاقِ.
4 - ثُمَّ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ يَقَعَانِ فِي سَبْعَةِ أَشْيَاءَ:
1 - فِي الْوُجُودِ، كَالآْبِقِ قَبْل الإِْبَاقِ.
2 - وَالْحُصُول إِنْ عَلِمَ الْوُجُودَ كَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ.
3 - وَفِي الْجِنْسِ كَسِلْعَةٍ لَمْ يُسَمِّهَا.
4 - وَفِي النَّوْعِ كَعَبْدٍ لَمْ يُسَمِّهِ.
5 - وَفِي الْمِقْدَارِ كَالْبَيْعِ إِلَى مَبْلَغِ رَمْيِ الْحَصَاةِ.
6 - وَفِي التَّعْيِينِ، كَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
7 - وَفِي الْبَقَاءِ كَالثِّمَارِ قَبْل بُدُوِّ صَلاَحِهَا، فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَارِدَ لِلْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ (4) .
ب - الْقِمَارُ:
5 - الْقِمَارُ لُغَةً: الرِّهَانُ: يُقَال: قَامَرَ الرَّجُل غَيْرَهُ مُقَامَرَةً وَقِمَارًا: رَاهَنَهُ، وَقَامَرْتُهُ قِمَارًا فَقَمَرْتُهُ: غَلَبْتُهُ فِي الْقِمَارِ. وَالْمَيْسِرُ: قِمَارُ أَهْل الْجَاهِلِيَّةِ بِالأَْزْلاَمِ (5) .
قَال أَبُو حَيَّانَ: وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَاسْمُ الْمَيْسِرِ يُطْلَقُ عَلَى سَائِرِ ضُرُوبِ الْقِمَارِ.
فَالْقِمَارُ عَقْدٌ يَقُومُ عَلَى الْمُرَاهِنَةِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْجَهَالَةِ، لأَِنَّ كُل قِمَارٍ فِيهِ جَهَالَةٌ، وَلَيْسَ كُل مَا فِيهِ جَهَالَةٌ قِمَارًا فَمَثَلاً بَيْعُ الْحَصَاةِ - وَهُوَ أَنْ يَقُول الْمُشْتَرِي: أَيُّ ثَوْبٍ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِي بِهَا فَهُوَ لِي - قِمَارٌ كَمَا يَقُول ابْنُ رُشْدٍ، وَهُوَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ فِيهِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ (6) .
ج - إِبْهَامٌ:
6 - مِنْ مَعَانِي الإِْبْهَامِ أَنْ يَبْقَى الشَّيْءُ لاَ يُعْرَفُ الطَّرِيقُ إِلَيْهِ (7) . (ر: إِبْهَامٌ) .
د - شُبْهَةٌ:
7 - الشُّبْهَةُ: مَا يُشَبَّهُ بِالثَّابِتِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ. وَيُقَال: اشْتَبَهَتِ الأُْمُورُ وَتَشَابَهَتْ: الْتَبَسَتْ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ، وَتَقُول: شَبَّهْتَ عَلَيَّ يَا فُلاَنُ: إِذَا خَلَطَ عَلَيْكَ، وَاشْتَبَهَ الأَْمْرُ إِذَا اخْتَلَطَ (8) . (ر: شُبْهَةٌ) . أَقْسَامُ الْجَهَالَةِ:
الْجَهَالَةُ عَلَى ثَلاَثِ مَرَاتِبَ:
8 - الأُْولَى: الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ:
وَهِيَ الْجَهَالَةُ الَّتِي تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ وَهِيَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا عِلْمًا يَمْنَعُ مِنَ الْمُنَازَعَةِ.
وَمِنَ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ بُيُوعُ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ كَبَيْعِ حَبَل الْحَبَلَةِ، وَبَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْحَصَاةِ، وَبَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَالْمَلاَقِيحِ، فَهَذِهِ وَنَحْوُهَا بُيُوعٌ جَاهِلِيَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ فِيهَا. وَيُنْظَرُ كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْطِنِهِ.
9 - الثَّانِيَةُ: الْجَهَالَةُ الْيَسِيرَةُ:
وَهِيَ الْجَهَالَةُ الَّتِي لاَ تُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا وَتَصِحُّ مَعَهَا الْعُقُودُ وَذَلِكَ كَأَسَاسِ الدَّارِ وَحَشْوَةِ الْجُبَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
10 - الثَّالِثَةُ: الْجَهَالَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ:
وَهِيَ مَا كَانَتْ دُونَ الْفَاحِشَةِ وَفَوْقَ الْيَسِيرَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ هَل تَلْحَقُ بِالْمَرْتَبَةِ الأُْولَى أَوِ الثَّانِيَةِ؟
وَسَبَبُ اخْتِلاَفِهِمْ فِيهَا أَنَّهَا لاِرْتِفَاعِهَا عَنِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ أُلْحِقَتْ بِالْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ وَلاِنْحِطَاطِهَا عَنِ الْكَثِيرَةِ أُلْحِقَتْ بِالْيَسِيرَةِ.وَمِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا هَذِهِ الضُّرُوبُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ بُيُوعٌ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا شَرْعًا، مَنْطُوقٌ بِهَا، وَبُيُوعٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا، وَالْمَنْطُوقُ بِهِ أَكْثَرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَبَعْضُهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ (9) ، وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْهُ ﵊ مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ السُّنْبُل حَتَّى يَبْيَضَّ (10) . وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ حَتَّى يَسْوَدَّ (11) . وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (بَيْعٌ فَاسِدٌ ف 9) .
أَحْكَامُ الْجَهَالَةِ:
تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ مَرَاتِبُ الْجَهَالَةِ إِجْمَالاً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ حَيْثُ فُحْشُهَا وَقِلَّتُهَا، وَمَا تَرَدَّدَ بَيْنَهُمَا، وَفِيمَا يَأْتِي تَوْضِيحٌ لأَِثَرِ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ الْمُخْتَلِفَةِ:
الْجَهَالَةُ فِي الْبَيْعِ:
11 - تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ) أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مَعْلُومَيْنِ عِلْمًا يَمْنَعُ الْمُنَازَعَةَ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَجْهُولاً جَهَالَةً فَاحِشَةً وَهِيَ الَّتِي تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَالْفَسَادُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُنَا بِمَعْنَى الْبُطْلاَنِ، فَلاَ يَقْبَل التَّصْحِيحَ. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْجَهَالَةُ بِمَحَل الْعَقْدِ، كَبَيْعِ الْمَعْدُومِ وَالْمَضَامِينِ وَالْمَلاَقِيحِ كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً عِنْدَهُمْ.
وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِبَعْضِ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ أَوْ كَانَتْ فِي الثَّمَنِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنَّهُ يَقْبَل التَّصْحِيحَ بِالْقَبْضِ أَوِ التَّعْيِينِ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَجْلِسِ (12) .
وَكَذَلِكَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَتْ جَهَالَةُ الأَْجَل فَاحِشَةً، كَقُدُومِ زَيْدٍ مَثَلاً أَوْ مَوْتِهِ، لأَِنَّهَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ (وَانْظُرْ: بَيْعٌ، وَبَيْعٌ فَاسِدٌ ف 9 - 12) .
وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَوْجُودًا حِينَ الْعَقْدِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْدُومًا فَلاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ مَا يَفْسُدُ مِنَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْجَهَالَةِ إِجْمَالاً.
وَالْجَهَالَةُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ قَدْ تَكُونُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ فِي الثَّمَنِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
أ - الْجَهَالَةُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ:
الْجَهَالَةُ فِي صِيغَةِ الْعَقْدِ تَكُونُ بِإِجْرَاءِ الْعَقْدِ عَلَى صِفَةٍ لاَ تُفِيدُ الْعِلْمَ الَّذِي يَقْطَعُ النِّزَاعَ.
وَهِيَ تَتَحَقَّقُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا مَا يَلِي:
الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ مَعَ التَّفْصِيل. وَأَحَدُ هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ: أَنْ يَقُول الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بِكَذَا حَالًّا، وَبِأَعْلَى مِنْهُ مُؤَجَّلاً وَيُوَافِقُ الْمُشْتَرِي وَيَتِمُّ الْعَقْدُ عَلَى الإِْبْهَامِ وَيَفْتَرِقَانِ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا (13) ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ) .
بَيْعُ الْحَصَاةِ:
13 - بَيْعُ الْحَصَاةِ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ. وَقَدْ وَرَدَ نَهْيُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (14) . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْحَصَاةِ) اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِهِ، وَأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ الْجَهَالَةُ وَتَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ. بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ:
14 - بَيْعُ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ مِنْ بُيُوعِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْهُمَا (15) .
وَعَلَّل الْحَنَابِلَةُ فَسَادَ بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ بِعِلَّتَيْنِ: الْجَهَالَةِ، وَكَوْنِهِ مُعَلَّقًا عَلَى شَرْطٍ.
وَعَلَّل الشَّوْكَانِيُّ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ وَإِبْطَال خِيَارِ الْمَجْلِسِ.
وَأَمَّا بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ فَقَدْ عَلَّل الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَسَادَهُ بِالأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ؛ وَبِالْجَهَالَةِ وَبِتَعْلِيقِ التَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ.
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل الْكَلاَمِ عَلَيْهِمَا فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) .
ب - الْجَهْل بِالْمَبِيعِ:
15 - يَتَحَقَّقُ الْجَهْل بِذَاتِ الْمَحَل كَمَا لَوْ بَاعَ قَطِيعًا إِلاَّ شَاةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ شَاةً مِنْ هَذَا الْقَطِيعِ.
وَمِثْلُهُ مَا لَوْ بَاعَ بُسْتَانًا إِلاَّ شَجَرَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
أَمَّا لَوْ عَيَّنَ الْمُسْتَثْنَى فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ لِزَوَال الْجَهَالَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ) مَعَ التَّفْصِيل وَاخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ.
16 - وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُ مَجْهُول الصِّفَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ إِذْ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَمِيعِ الأَْوْصَافِ قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْجَهَالَةِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ بَيْعِ مَجْهُول الصِّفَةِ؛ لأَِنَّ لِلْمُشْتَرِي خِيَارَ الرُّؤْيَةِ الثَّابِتِ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَبِذَلِكَ تَنْتَفِي الْجَهَالَةُ (16) .
بَيْعُ مَا يَكْمُنُ فِي الأَْرْضِ:
17 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا يَكْمُنُ فِي الأَْرْضِ قَبْل قَلْعِهِ، كَالْبَصَل وَالثُّومِ وَالْفُجْل وَالْجَزَرِ وَنَحْوِهَا؛ لأَِنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُرَ، وَلَمْ يُوصَفْ، فَهُوَ مِنَ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ (17) ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْحَمْل.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَأَثْبَتُوا لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ عِنْدَ قَلْعِهِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ قَيَّدُوا صِحَّةَ الْبَيْعِ بِشُرُوطٍ ثَلاَثَةٍ: أ - أَنْ يَرَى الْمُشْتَرِي ظَاهِرَهُ.
ب - أَنْ يُقْلَعَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَرَى.
ج - أَنْ يُحْزَرَ إِجْمَالاً، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ حَزْرٍ بِالْقِيرَاطِ أَوِ الْفَدَّانِ. فَإِذَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ يَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولاً؛ لأَِنَّ هَذِهِ طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ (18) .
بَيْعُ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ:
18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْبَيْعِ لِنَهْيِ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ (19) . لأَِنَّهُ بَيْعٌ مَعْدُومٌ؛ وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ، وَمِثْلُهُ بَيْعُ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ.
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) .
بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ:
19 - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ قَبْل انْفِصَالِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ (20) ؛ وَلأَِنَّهُ مَجْهُول الصِّفَةِ وَالْمِقْدَارِ. وَمِثْلُهُ بَيْعُ السَّمْنِ فِي اللَّبَنِ، وَبَيْعُ النَّوَى فِي التَّمْرِ.
وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) .
بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ:
20 - لاَ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْهُ (21) ؛ وَلأَِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ، وَلاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ وَلأَِنَّهُ مَجْهُولٌ فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) .
بَيْعُ الْمَعْدُومِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْمَعْدُومِ كَبَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ، وَبَيْعِ الْمَضَامِينِ، وَبَيْعِ الْمَلاَقِيحِ، وَحَبَل الْحَبَلَةِ لِلنَّصِّ؛ وَلأَِجْل الْجَهَالَةِ (22) . وَقَدْ سَبَقَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) . بَيْعُ الْجُزَافِ:
22 - بَيْعُ الْجُزَافِ هُوَ الْبَيْعُ بِلاَ كَيْلٍ وَلاَ وَزْنٍ وَلاَ عَدٍّ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَيْهِ. (ر: بَيْعُ الْجُزَافِ) .
ج - الْجَهَالَةُ فِي الثَّمَنِ:
23 - إِذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الأَْثْمَانِ الْمُتَعَامَل بِهَا فِي الْبَلَدِ وَلَيْسَ أَحَدُهَا غَالِبًا فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ لِلْجَهَالَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ (ثَمَنٌ، بَيْعٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي السَّلَمِ:
24 - الْجَهَالَةُ فِي السَّلَمِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي رَأْسِ الْمَال " الثَّمَنِ " وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الأَْجَل، فَأَمَّا الثَّمَنُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ جِنْسِهِ، وَنَوْعِهِ، وَصِفَتِهِ، وَقَدْرِهِ.
وَأَمَّا الْمُسَلَّمُ فِيهِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ، وَالنَّوْعِ، وَالصِّفَةِ، وَالْقَدْرِ، كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا أَوْ ذَرْعًا.
وَعِلَّةُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الأُْمُورِ إِزَالَةُ الْجَهَالَةِ؛ لأَِنَّ الْجَهَالَةَ فِي كُلٍّ مِنْهَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَمِنْ ثَمَّ تَكُونُ مُفْسِدَةً لِلْعَقْدِ (23) . قَال ﷺ: مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (24) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ " سَلَمٌ ".
الْجَهَالَةُ بِرَأْسِ مَال الْمُضَارَبَةِ:
25 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَال فِيهِ مَعْلُومًا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُول الْقَدْرِ دَفْعًا لِجَهَالَةِ الرِّبْحِ (25) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الإِْجَارَةِ:
26 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإِْجَارَةِ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ وَالأُْجْرَةُ مَعْلُومَتَيْنِ عِلْمًا يَنْفِي الْجَهَالَةَ الْمُفْضِيَةَ لِلنِّزَاعِ، وَإِلاَّ فَلاَ تَنْعَقِدُ الإِْجَارَةُ. (ر: إِجَارَةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الأَْجَل:
27 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ التَّأْجِيل فِي الأُْمُورِ الَّتِي يَقْبَلُهَا التَّأْجِيل بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الأَْجَل مَعْلُومًا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (26) . أَمَّا إِذَا كَانَ الأَْجَل مَجْهُولاً فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (أَجَلٌ 2: 33، 37 ف 71 وَ 81) .
إِبْرَاءُ الْمَجْهُول:
28 - قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ اشْتِرَاطَ الْعِلْمِ بِالْمُبْرَأِ، وَمِنْ ثَمَّ فَلاَ يَصِحُّ الإِْبْرَاءُ لِمَجْهُولٍ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَبْرَأَ أَحَدٌ مَدِينَيْهِ عَلَى التَّرَدُّدِ لَمْ يَصِحَّ - خِلاَفًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ - فَيَجِبُ تَعْيِينُ الْمُبْرَأِ بِمَا تَزُول بِهِ الْجَهَالَةُ عَنْهُ. (ر: إِبْرَاءٌ: ف 30) .
الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُول:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُول عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ قَالُوا: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُول إِذَا كَانَ لاَ سَبِيل إِلَى مَعْرِفَتِهِ، فَأَمَّا مَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ فَلاَ يَصِحُّ الصُّلْحُ عَلَيْهِ مَعَ الْجَهْل.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَأَمَّا كَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ مَعْلُومًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الصُّلْحِ حَتَّى أَنَّ مَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ حَقًّا فِي عَيْنٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ فَصَالَحَ عَلَى مَالٍ مَعْلُومٍ جَازَ؛ لأَِنَّ الصُّلْحَ كَمَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الإِْسْقَاطِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِجَهَالَةِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فَيَصِحُّ بِطَرِيقِ الإِْسْقَاطِ فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَالْقَبْضِ؛ لأَِنَّ السَّاقِطَ لاَيَحْتَمِل ذَلِكَ، وَأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيمَا لاَ يَحْتَمِل التَّسَلُّمَ وَالْقَبْضَ لاَ تَمْنَعُ جَوَازَ الصُّلْحِ (27) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الصُّلْحَ عَنِ الْمَجْهُول لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّهُ كَالْجَهَالَةِ فِي الْبَيْعِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَ الْمَجْهُول لاَ يَصِحُّ (28) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (صُلْحٌ وَإِبْرَاءٌ) .
زَوَال الْجَهَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ:
30 - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ زَوَال الْجَهَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ بَعْدَ انْعِقَادِهِ فَاسِدًا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا.
قَال الْمَوْصِلِيُّ: وَرَوَى الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ سَائِرَ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ (29) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ فَاسِدٌ) ف 37 (ج 9 113) .
وَقَال ابْنُ رُشْدٍ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ (أَيِ: الْبَيْعَ بِشَرْطِ السَّلَفِ) مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا تَرَكَ الشَّرْطَ قَبْل الْقَبْضِ، فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ، وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلاَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْل قَوْل الْجُمْهُورِ.
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ يَتَضَمَّنُ فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ مَجْهُولاً، لاِقْتِرَانِ السَّلَفِ بِهِ.
ثُمَّ قَال: وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ هَل إِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قَبْل الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ أَمْ لاَ يَرْتَفِعُ، كَمَا لاَ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللاَّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلاَل مِنْ أَجْل اقْتِرَانِ الْمُحَرِّمِ الْعَيْنِ بِهِ؟ وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ: هُوَ هَل هَذَا الْفَسَادُ حُكْمِيٌّ أَوْ مَعْقُولٌ؟
فَإِنْ قُلْنَا: حُكْمِيٌّ لَمْ يَرْتَفِعْ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ ارْتَفَعَ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ.
وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ حُكْمِيٌّ، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً وَإِنْ تَرَكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوِ ارْتَفَعَ الْغَرَرُ (30) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: إِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ ثُمَّ حُذِفَ الشَّرْطُ لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَذْفُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي وَجْهٍ: يَنْقَلِبُ صَحِيحًا إِنْ حُذِفَ فِي الْمَجْلِسِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (31) .
وَفِي حَاشِيَةِ الْجَمَل لَوْ زَادَا أَوْ نَقَصَا فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَلَوْ فِي السَّلَمِ، أَوْ أَحْدَثَا أَجَلاً أَوْ خِيَارًا ابْتِدَاءً أَوْ زِيَادَةً، أَوْ شَرْطًا فَاسِدًا، أَوْ صَحِيحًا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ (أَيْ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ) الْتُحِقَ كُلٌّ مِنْهَا بِالْعَقْدِ (أَيْ: بِالْمُقْتَرِنِ بِهِ) وَكَذَا حَطُّ بَعْضِ مَا ذُكِرَ، إِذْ مَجْلِسُ الْعَقْدِ كَنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا صَلَحَ لِتَعْيِينِ رَأْسِ مَال السَّلَمِ وَعِوَضِ الصَّرْفِ. وَقِيسَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ عَدَمِ الاِسْتِقْرَارِ.
أَمَّا بَعْدَ اللُّزُومِ (أَيْ: بَعْدَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ) فَلاَ يُلْتَحَقُ بِالْعَقْدِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِلاَّ لَوَجَبَتِ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ عَلَى الشَّفِيعِ كَمَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَهُ (32)
الصُّلْحُ عَلَى بَدَل الْقِصَاصِ:
31 - يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى بَدَل الْقِصَاصِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْبَدَل مَعْلُومًا أَمْ مَجْهُولاً، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْجَهَالَةُ غَيْرَ فَاحِشَةٍ، وَإِلاَّ فَإِنْ كَانَتْ فَاحِشَةً كَمَا إِذَا صَالَحَ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ دَارٍ أَوْ دَابَّةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ، فَسَدَتِ التَّسْمِيَةُ فِي الصُّلْحِ، وَوَجَبَتِ الدِّيَةُ لأَِنَّهَا مُتَفَاوِتَةٌ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا فَاحِشَةٌ (33) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صُلْحٌ) (وَقَتْلٌ عَمْدٌ) .
جَهَالَةُ الْمَكْفُول لَهُ:
32 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي الأَْصَحِّ - وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ مَعْرِفَةِ الْكَفِيل الْمَكْفُول لَهُ (وَهُوَ الدَّائِنُ) لأَِنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولاً لاَ يَحْصُل مَا شُرِعَتْ لَهُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ، وَكَذَلِكَ لِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ تَشْدِيدًا وَتَسْهِيلاً.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ - إِلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ مَعَ جَهَالَةِ الْمَكْفُول لَهُ (34) لِحَدِيثِ جَابِرٍ ﵁ قَال: مَاتَ رَجُلٌ فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَوَضَعْنَاهُ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ عِنْدَ مَقَامِ جِبْرِيل، ثُمَّ آذَنَّا رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَجَاءَ مَعَنَا خُطًى ثُمَّ قَال: لَعَل عَلَى صَاحِبِكُمْ دَيْنًا قَالُوا: نَعَمْ دِينَارَانِ، فَتَخَلَّفَ، فَقَال لَهُ رَجُلٌ مِنَّا يُقَال لَهُ أَبُو قَتَادَةَ: يَا رَسُول اللَّهِ هُمَا عَلَيَّ فَجَعَل رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: هُمَا عَلَيْكَ وَفِي مَالِكَ وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ؟ فَقَال: نَعَمْ، فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَجَعَل رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا لَقِيَ أَبَا قَتَادَةَ يَقُول: مَا صَنَعَتِ الدِّينَارَانِ حَتَّى كَانَ آخِرُ ذَلِكَ قَال: قَدْ قَضَيْتُهُمَا يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: الآْنَ حِينَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ (35) .
ضَمَانُ الْحَقِّ الْمَجْهُول:
33 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى صِحَّةِ ضَمَانِ الْحَقِّ الْمَجْهُول كَقَوْلِهِ: مَا أَعْطَيْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ. وَهَذَا مَجْهُولٌ.
وَقَال الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ يَصِحُّ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ، كَفَالَةٌ) .
جَهَالَةُ الرَّهْنِ وَالْمَرْهُونِ بِهِ:
34 - يُشْتَرَطُ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا لِلْعَاقِدَيْنِ فَلَوْ جَهِلاَهُ أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ الرَّهْنُ، كَمَا فِي الضَّمَانِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ تَعَرُّضًا لِذَلِكَ (36) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (رَهْنٌ) . الْجَهَالَةُ فِي الْوَكَالَةِ:
35 - يُشْتَرَطُ فِي الْوَكَالَةِ الْعِلْمُ بِالْمُوَكَّل بِهِ عِلْمًا تَنْتَفِي مَعَهُ الْجَهَالَةُ، وَلِهَذَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ) .
أَمَّا الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بَيْنَ مُجِيزٍ وَمَانِعٍ، فَمَنْ مَنَعَ نَظَرَ إِلَى كَثْرَةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فِي الْمُوَكَّل بِهِ (37) .
وَتَفْصِيل الْخِلاَفِ فِي ذَلِكَ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ (وَكَالَةٌ) .
الْجَهْل فِي الْجَعَالَةِ:
36 - الْجَعَالَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ جَهَالَةِ الْعَمَل لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْل بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (38) .
هَذَا إِذَا كَانَ الْجُعْل مَعْلُومًا. أَمَّا إِذَا كَانَ الْجُعْل مَجْهُولاً فَإِنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَصِحُّ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَعَالَةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الشَّرِكَةِ:
37 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ شَرِكَةِ الأَْبْدَانِ، وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ، وَشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، مِنْ حَيْثُ الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ، وَمَنْ مَنَعَهَا نَظَرَ إِلَى الْجَهَالَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا (39) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرِكَةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الْهِبَةِ:
38 - تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول (40) .
عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (هِبَةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الْوَصِيَّةِ:
39 - تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول (41) .
عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الْوَقْفِ:
40 - يَصِحُّ وَقْفُ الْمَعْلُومِ وَالْمَجْهُول (42) .
عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَقْفٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الإِْقْرَارِ:
41 - يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا. وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْجَهَالَةَ بِالْمُقَرِّ لَهُ لاَ يَصِحُّ مَعَهَا الإِْقْرَارُ؛ لأَِنَّ الْمَجْهُول لاَ يَصْلُحُ مُسْتَحَقًّا.
وَأَمَّا الْمُقَرُّ بِهِ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ بِهِ لاَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الإِْقْرَارِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَيُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى الْبَيَانِ، لأَِنَّهُ هُوَ الْمُجْمِل (43) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِقْرَارٌ ف 12، 27، 35) .
الْجَهَالَةُ فِي النَّسَبِ:
42 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ بِالنَّسَبِ عَلَى الْمُقِرِّ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُول النَّسَبِ. (ر: إِقْرَارٌ ف 63) .
الْجَهَالَةُ فِي الْمَهْرِ:
43 - يُشْتَرَطُ فِي الْمَهْرِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَلاَ تَصِحُّ تَسْمِيَةُ مَهْرٍ مَجْهُولٍ، فَإِنْ غَفَل وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْل (44) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (نِكَاحٌ وَمَهْرٌ) .
الْجَهَالَةُ فِي الْخُلْعِ:
44 - يَصِحُّ الْخُلْعُ بِعِوَضٍ مَجْهُولٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، كَالْخُلْعِ عَلَى مَا بِيَدِهَا مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، فَلَهُ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَمَّى مَتَاعًا.
وَيَصِحُّ الْخُلْعُ أَيْضًا بِشَيْءٍ مَعْدُومٍ كَالْخُلْعِ عَلَى مَا حَمَلَتْ غَنَمُهَا.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ صِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى بَدَلٍ مَجْهُولٍ (45) .
جَهَالَةُ الْمَقْذُوفِ:
45 - يُشْتَرَطُ لإِِقَامَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَى الْقَاذِفِ الْعِلْمُ بِالْمَقْذُوفِ، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْقَاذِفِ (46) .
عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي: (حَدٌّ، قَذْفٌ) .
جَهَالَةُ وَلِيِّ الْقَتِيل:
46 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ جَهَالَةَ وَلِيِّ الْقَتِيل لاَ تَمْنَعُ مِنَ الْقِصَاصِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْهُ؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وُجُوبٌ لِلاِسْتِيفَاءِ، وَالاِسْتِيفَاءُ مِنَ الْمَجْهُول مُتَعَذِّرٌ، فَتَعَذَّرَ الإِْيجَابُ لَهُ (47) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِصَاصٌ) . جَهَالَةُ الْمُدَّعَى بِهِ:
47 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ إِقَامَةِ الدَّعْوَى الْعِلْمُ بِالْمُدَّعِي لِتَعَذُّرِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ بِالْمَجْهُول، وَالْعِلْمُ بِالْمُدَّعِي إِنَّمَا يَحْصُل بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا الإِْشَارَةُ، وَإِمَّا التَّسْمِيَةُ (48) . عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (دَعْوَى) .
جَهَالَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ:
48 - يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ لِتَصِحَّ الشَّهَادَةُ، وَإِلاَّ فَإِنَّ جَهَالَتَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ. عَلَى تَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: (جهل) .
(2) لسان العرب والمصباح المنير والمعجم الوسيط والفروق للقرافي 3 / 266.
(3) المهذب 1 / 269، ونهاية المحتاج 3 / 392.
(4) الفروق 3 / 265، وبهامشه تهذيب الفروق 3 / 270.
(5) لسان العرب، والمصباح المنير.
(6) بداية المجتهد 2 / 148 ط دار المعرفة، وتفسير أبي حيان 2 / 157.
(7) مقاييس اللغة.
(8) المصباح المنير، ولسان العرب مادة: (شبه) والكليات 3 / 79.
(9) الفروق للقرافي 3 / 265، وتهذيب الفروق 3 / 270 - 272.
(10) حديث: " أن النبي ﷺ نهى عن بيع السنبل حتى يبيض " جزء من حديث أخرجه مسلم (3 / 1165 - 1166 - ط عيسى الحلبي) من حديث ابن عمر.
(11) حديث: " أن النبي ﷺ نهى عن بيع العنب حتى يسود " أخرجه أبو داود (3 / 668 - ط عزت عبيد الدعاس) والترمذي (3 / 521 - مصطفى الحلبي) . من حديث أنس. وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وأخرجه الحاكم (2 / 19 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
(12) انظر مجلة الأحكام العدلية (مادة 363 و 364) .
(13) حديث: " من باع بيعتين في بيعة. . . " أخرجه أبو داود (3 / 739 - ط عزت عبيد الدعاس) والحاكم (2 / 45 - ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن) وصححه ووافقه الذهبي من حديث أبي هريرة.
(14) حديث: " نهى النبي ﷺ عن بيع الحصاة وعن. . . " أخرجه مسلم (3 / 1153 - ط عيسى الحلبي) . من حديث أبي هريرة.
(15) حديث: " نهى النبي ﷺ عن الملامسة " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 358 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1151 ط عيسى الحلبي) . من حديث أبي هريرة.
(16) ابن عابدين 4 / 29 - 30، والقوانين الفقهية ص 247، والمجموع 9 / 288، والمغني 4 / 109.
(17) حديث: " النهي عن بيع الغرر " سبق تخريجه ف 13.
(18) ابن عابدين 4 / 140، والبدائع 5 / 164، وبداية المجتهد ص 157، والدسوقي 3 / 20، 176، 186، والمجموع 9 / 308، والمغني 4 / 104 ط الرياض، والقواعد النورانية ص 123.
(19) حديث: " نهى النبي ﷺ عن ضربة الغائص " جزء من حديث أخرجه ابن ماجه (3 / 740 - ط عيسى الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري. ونقل الزيلعي عن عبد الحق الأشبيلي أنه قال: إسناده لا يحتج به. (نصب الراية 4 / 15 - ط المجلس العلمي بالهند) .
(20) حديث: " النهي عن بيع اللبن في الضرع " أخرجه الدارقطني 3 / 14 - ط دار المحاسن، والبيهقي (5 / 340 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال البيهقي: تفرد به عمر بن فروخ وليس بالقوي، ورواه غيره موقوفا. وكذا صوب الدارقطني وقفه على ابن عباس.
(21) حديث: " النهي عن بيع السمك في الماء " أخرجه أحمد (1 / 388 - ط الميمنية) وصوب الدارقطني والخطيب وقفه. (التلخيص الحبير لابن حجر 3 / 7 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(22) القياس في الشرع الإسلامي لابن تيمية ص 26 - 27.
(23) البدائع 5 / 207، وابن عابدين 4 / 206، ومغني المحتاج 2 / 110 وما بعدها، والفواكه الدواني 2 / 144، وكشاف القناع 3 / 292 وما بعدها.
(24) حديث: " من أسلف فليسلف. . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 428 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1227 ط عيسى الحلبي) واللفظ له. من حديث ابن عباس.
(25) البدائع 6 / 83، وابن عابدين 4 / 506، والخرشي 6 / 203، وبداية المجتهد 2 / 335، ومغني المحتاج 2 / 310، والمغني 5 / 67.
(26) سورة البقرة / 282.
(27) البدائع 6 / 49، وتبين الحقائق 5 / 32، والمغني 4 / 545.
(28) الدسوقي 3 / 309 - 310، وأسنى المطالب 2 / 216، ومغني المحتاج 2 / 178.
(29) ابن عابدين 4 / 119، والاختيار 2 / 26، والفتاوى الهندية 3 / 133، وتبين الحقائق 4 / 44 وما بعدها.
(30) بداية المجتهد 2 / 162 وما بعدها ط مصطفى الحلبي، وشرح منح الجليل 2 / 570.
(31) الروضة 3 / 410، والأشباه للسيوطي ص 183، ومغني المحتاج 2 / 40.
(32) حاشية الجمل 3 / 85.
(33) تبين الحقائق 5 / 35 و 36.
(34) بدائع الصنائع 6 / 1، وحاشية الدسوقي 3 / 334، ومغني المحتاج 2 / 200، والمغني 1 / 591 - 592، وابن عابدين 4 / 267.
(35) حديث: " أبي قتادة عندما كفل دين الميت. . . ". أخرجه الحاكم (2 / 58 - ط دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن) ، والبيهقي (6 / 74 - ط دائرة المعارف العثمانية) ، وأحمد (3 / 330 - ط الميمنية) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.
(36) مغني المحتاج 2 / 126، والدسوقي 3 / 231 - 232.
(37) ابن عابدين 4 / 254 وما بعدها، وبداية المجتهد 2 / 302، ومغني المحتاج 2 / 223، والمغني مع الشرح الكبير 5 / 211 - 213.
(38) سورة يوسف / 72.
(39) المغني 5 / 3، 12، وبداية المجتهد 2 / 255.
(40) مجمع الأنهر 2 / 339، وفتح الجواد 1 / 625، والفواكه الدواني 2 / 216، وكشف المخدرات ص 315.
(41) الفواكه الدواني 2 / 328، وكفاية الأخيار 2 / 19.
(42) مجمع الأنهر 1 / 738 - 739، والروضة 5 / 319.
(43) تبين الحقائق 3 / 200، وابن عابدين 3 / 184، والدسوقي 4 / 325، ومغني المحتاج 2 / 227، والمغني 8 / 215، 227 وما بعدها.
(44) مجمع الأنهر 1 / 347، والقوانين الفقهية ص 206، ومغني المحتاج 3 / 220، وكشف المخدرات ص 370.
(45) ابن عابدين 2 / 561 - 562، ومجمع الأنهر 1 / 448، والدسوقي 2 / 310، ومغني المحتاج 3 / 265، والمغني 7 / 61، وكشف المخدرات ص 385، والقوانين الفقهية ص 154.
(46) البدائع 7 / 42.
(47) البدائع 2 / 240.
(48) البدائع 6 / 222.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 167/ 16