الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
حالة يتلبس بها الشخص توجِبُ عليه الْوُضُوءَ، أَوِ الْغُسْل لأداء بعض الفرائض كالصلاة، وقراءة القرآن . ومن أمثلته كون الشخص جنباً لقوله تَعَالَى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﭼالمائدة :6، وفي الحديث الشريف : "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ ." البخاري : 135.
الحَدَثُ: الخارِجُ مِن أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، يُقال: أَحْدَثَ، يُحْدِثُ، حَدَثاً وإِحْداثاً، أيْ: خَرَجَ منه بَوْلٌ ونَحْوُهِ. وأَصْلُه مِن الحُدوثِ، وهو: الوُقوعُ والتَّجَدُّدُ، يُقال: حَدَثَ الأَمْرُ، أيْ: تَجَدَّدَ ووَقَعَ بعد أن لم يَكُنْ، ومنه سُمِّيَ الخارِجُ مِنْ أَحَدِ السَّبيلَيْنِ -أي: القُبُلُ والدُّبُرُ- حَدَثاً؛ لأنّه يَتَجَدَّدُ خُروجُهُ مِن البَدَنِ. والحَدَثُ: الواقِعَةُ. ويأْتي أيضاً بِمعنى صَغِيرِ السِّنِّ.
يَرِد مُصطلَح (حَدَث) في الفقه في كتاب الصَّلاةِ، باب: شُرُوط الصَّلاةِ، وكتاب الحَجِّ، باب: الطَّواف بِالكَعْبَةِ، وكتاب الاعْتِكاف، باب: سُنَن الاعْتِكافِ، وغَيْر ذلك مِن الأبواب. ويُطْلق في كِتابِ الحَجْرِ، باب: أَسْباب الحَجْرِ، وكتاب القضاءِ، باب: الشَّهادَة، ويُراد به: صَغيرُ السِّنِّ، كالطِّفْلِ والصَّبِيّ. وَيُطْلَق أيضاً في عِلمِ أُصولِ الفِقْهِ، باب: الاجْتِهاد والتَّقْلِيدِ، ويُراد به: الواقِعَةُ والنّازِلَة التي تَقَعُ بِالنَّاسِ في زَمَنٍ مُعَيَّنٍ.
حدث
السَّبَبُ الذي يُوجِبُ الوُضُوءَ أو الغُسْلَ أو التَّيَمُّمَ.
الحَدَثُ: سَبَبٌ شَرْعِيٌّ ووَصْفٌ يُوجِبُ الوُضُوءَ أو الغُسْلَ أو بَدَلَهُما، وهو التَّيَمُّمُ، أو يُقال: هو الوَصْفُ الشَّرْعِيُّ (أو الحُكْمِيُّ) الذي يَحِلُّ في الأعضاءِ ويُزِيلُ الطَّهارَةَ ويَمْنَعُ مِن صِحَّةِ الصَّلاةِ ونَحْوِها. وهو على قِسمَينِ: 1- حدَثٌ أصغَرٌ: وهو الحَدَثُ المُوجِبُ لِلطَّهارَةِ الصُّغْرَى، وهي الوُضُوءُ أو بَدَلَهُ، كخُروجِ البَوْلِ والرِّيحِ والغائِطِ والنَّوْمِ. 2- حَدَثٌ أكْبَرٌ: وهو الحَدَثُ المُوجِبُ لِلطَّهارَةِ الكُبْرَى، وهي الغُسْلُ أو بَدَلَهُ، كَنُزولِ المَنِيِّ وخُروجِ دَمِ الحَيْضِ.
الحَدَثُ: الخارِجُ مِن أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ -أي القُبُل أو الدُّبُر-، وأَصْلُه مِن الحُدوثِ، وهو: الوُقوعُ والتَّجَدُّدُ.
حالة يتلبس بها الشخص توجِبُ عليه الْوُضُوءَ، أَوِ الْغُسْل لأداء بعض الفرائض كالصلاة، وقراءة القرآن.
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 17)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/124)
* العين : (3/177)
* تهذيب اللغة : (4/234)
* المحكم والمحيط الأعظم : (2/252)
* مختار الصحاح : (ص 68)
* لسان العرب : (2/131)
* تاج العروس : (5/206)
* شرح حدود ابن عرفة : (ص 33)
* القاموس الفقهي : (ص 79)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 176)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (17/108)
* حاشية ابن عابدين : (1/57)
* جواهر الإكليل : (1/5)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (1/51)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (1/28) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَدَثُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْحُدُوثِ: وَهُوَ الْوُقُوعُ وَالتَّجَدُّدُ وَكَوْنُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَمِنْهُ يُقَال: حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ إِذَا تَجَدَّدَ وَكَانَ مَعْدُومًا قَبْل ذَلِكَ. وَالْحَدَثُ اسْمٌ مِنْ أَحْدَثَ الإِْنْسَانُ إِحْدَاثًا: بِمَعْنَى الْحَالَةِ النَّاقِضَةِ لِلْوُضُوءِ. وَيَأْتِي بِمَعْنَى الأَْمْرِ الْحَادِثِ الْمُنْكَرِ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلاَ مَعْرُوفٍ، وَمِنْهُ مُحْدَثَاتُ الأُْمُورِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ أُمُورٌ:
أ - الْوَصْفُ الشَّرْعِيُّ (أَوِ الْحُكْمِيُّ) الَّذِي يَحِل فِي الأَْعْضَاءِ وَيُزِيل الطَّهَارَةَ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا الْوَصْفُ يَكُونُ قَائِمًا بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ فِي الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ، وَبِجَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْحَدَثِ الأَْكْبَرِ، وَهُوَ الْغَالِبُ فِي إِطْلاَقِهِمْ. كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
وَقَدْ وَرَدَ هَذَا التَّعْرِيفُ فِي كُتُبِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ بِاخْتِلاَفٍ بَسِيطٍ فِي الْعِبَارَةِ (2) . ب - الأَْسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْل، وَلِهَذَا نَجِدُ الْحَنَفِيَّةَ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ: خُرُوجُ النَّجَسِ مِنَ الآْدَمِيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِمَا مُعْتَادًا كَانَ أَمْ غَيْرَ مُعْتَادٍ (3) .
وَالْمَالِكِيَّةُ يُعَرِّفُونَهُ بِأَنَّهُ الْخَارِجُ الْمُعْتَادُ مِنَ الْمُخْرَجِ الْمُعْتَادِ فِي حَال الصِّحَّةِ (4) ، وَالْحَنَابِلَةُ يُعَرِّفُونَهُ بِمَا أَوْجَبَ وُضُوءًا أَوْ غُسْلاً (5) ، كَمَا وَضَعَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بَابًا لِلأَْحْدَاثِ ذَكَرُوا فِيهَا أَسْبَابَ نَقْضِ الْوُضُوءِ (6) .
ج - وَيُطْلَقُ الْحَدَثُ عَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (7)
د - وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ إِطْلاَقَهُ عَلَى خُرُوجِ الْمَاءِ فِي الْمُعْتَادِ كَمَا قَال الدُّسُوقِيُّ (8) .
وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الإِْطْلاَقَاتِ هُوَ الأَْوَّل، أَمَّا الْمَنْعُ فَإِنَّهُ حُكْمُ الْحَدَثِ، وَهُوَ الْحُرْمَةُ وَلَيْسَ نَفْسَ الْحَدَثِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ (9) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الطَّهَارَةُ:
2 - الطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ وَالْخُلُوصُ مِنَ الأَْدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالأَْنْجَاسِ، أَمْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِهِمَا.
وَفِي الشَّرْعِ رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلاَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ أَوْ رَفْعُ حُكْمِهِ بِالتُّرَابِ.
فَالطَّهَارَةُ ضِدُّ الْحَدَثِ (ر: طَهَارَةٌ) .
ب - الْخَبَثُ:
3 - الْخَبَثُ بِفَتْحَتَيْنِ النَّجَسُ، وَإِذَا ذُكِرَ مَعَ الْحَدَثِ يُرَادُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ أَيِ الْعَيْنُ الْمُسْتَقْذِرَةُ شَرْعًا، وَمِنْ هُنَا عَرَّفُوا الطَّهَارَةَ بِأَنَّهَا النَّظَافَةُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ.
وَالْخُبْثُ بِسُكُونِ الْبَاءِ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ خَبُثَ الشَّيْءُ خُبْثًا ضِدُّ طَابَ، يُقَال: شَيْءٌ خَبِيثٌ أَيْ نَجِسٌ أَوْ كَرِيهُ الطَّعْمِ، وَالْخُبْثُ كَذَلِكَ الشَّرُّ وَالْوَصْفُ مِنْهُ الْخُبْثُ وَجَمْعُهُ الْخُبُثُ (10) ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ (11) أَيْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ، وَاسْتُعْمِل فِي كُل حَرَامٍ
ج - النَّجَسُ:
4 - النَّجَسُ بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ نَجُسَ الشَّيْءُ نَجَسًا، ثُمَّ اسْتُعْمِل اسْمًا لِكُل مُسْتَقْذَرٍ، وَالنَّجِسُ بِكَسْرِ الْجِيمِ ضِدُّ الطَّاهِرِ، وَالنَّجَاسَةُ ضِدُّ الطَّهَارَةِ، فَالنَّجَسُ لُغَةً يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ، وَعُرْفًا يَخْتَصُّ بِالأَْوَّل كَالْخُبْثِ. وَإِذَا أَحْدَثَ الإِْنْسَانُ وَنُقِضَ وُضُوءُهُ يُقَال لَهُ: مُحْدِثٌ، وَلاَ يُقَال لَهُ نَجِسٌ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ. أَمَّا الْخُبْثُ فَيَخُصُّ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ كَمَا أَنَّ الْحَدَثَ يَخُصُّ الْحُكْمِيَّةَ، وَالطَّهَارَةُ ارْتِفَاعُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا (12) .
أَقْسَامُ الْحَدَثِ:
5 - سَبَقَ فِي تَعْرِيفِ الْحَدَثِ أَنَّهُ بِالإِْطْلاَقِ الأَْوَّل وَصْفٌ يَحِل بِالأَْعْضَاءِ وَيَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا. فَهَذَا الْوَصْفُ إِنْ كَانَ قَائِمًا فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ وَأَوْجَبَ غُسْلاً يُسَمَّى حَدَثًا أَكْبَرَ، وَإِذَا كَانَ قَائِمًا بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ وَأَوْجَبَ غَسْل تِلْكَ الأَْعْضَاءِ فَقَطْ يُسَمَّى حَدَثًا أَصْغَرَ (13) .
وَالْحَدَثُ بِالإِْطْلاَقِ الثَّانِي أَيِ الأَْسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ الْوُضُوءَ أَوِ الْغُسْل كَذَلِكَ نَوْعَانِ: حَدَثٌ حَقِيقِيٌّ، وَحَدَثٌ حُكْمِيٌّ.
وَالْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ: فَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجَدَ أَمْرٌ يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ النَّجَسِ الْحَقِيقِيِّ غَالِبًا فَيُقَامُ السَّبَبُ مَكَانَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا، وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يُوجَدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ جُعِل حَدَثًا شَرْعًا تَعَبُّدًا مَحْضًا. وَهَذَا التَّقْسِيمُ صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَتَدُل عَلَيْهِ تَعْلِيلاَتُ غَيْرِهِمْ.
أَسْبَابُ الْحَدَثِ:
أَوَّلاً - خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ:
6 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ النَّجَسِ مِنَ الآْدَمِيِّ الْحَيِّ مِنَ السَّبِيلَيْنِ (الدُّبُرِ وَالذَّكَرِ أَوْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) مُعْتَادًا كَانَ كَالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، أَمْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَدَمِ الاِسْتِحَاضَةِ (14) . أَوْ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالْجُرْحِ وَالْقُرْحِ وَالأَْنْفِ وَالْفَمِ سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ دَمًا أَوْ قَيْحًا أَوْ قَيْئًا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ الْمُعْتَادِ مِنَ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ، لاَ حَصًى وَدُودٍ وَلَوْ بِبِلَّةٍ، وَهَذَا يَشْمَل الْبَوْل وَالْغَائِطَ وَالْمَذْيَ وَالْمَنِيَّ وَالْوَدْيَ وَالرِّيحَ، سَوَاءٌ أَكَانَ خُرُوجُهُ فِي حَال الصِّحَّةِ بِاخْتِيَارٍ، أَمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ، كَسَلَسٍ فَارَقَ أَكْثَرَ الزَّمَنِ، أَيِ ارْتَفَعَ عَنِ الشَّخْصِ، زَمَانًا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ. فَإِنْ لاَزَمَهُ كُل الزَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ نِصْفَهُ فَلاَ نَقْضَ، وَيَشْمَل الْحَدَثُ عِنْدَهُمُ الْخَارِجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إِنِ انْسَدَّ السَّبِيلاَنِ (15) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْخَارِجُ غَيْرُ الْمُعْتَادِ، وَالدُّودُ، وَالْحَصَى، وَالدَّمُ، وَالْقَيْحُ، وَالْقَيْءُ وَنَحْوُهَا لاَ يُعْتَبَرُ حَدَثًا وَلَوْ كَانَ مِنَ الْمَخْرَجِ الْمُعْتَادِ (16) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ عَيْنًا كَانَ أَوْ رِيحًا، طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، جَافًّا أَوْ رَطْبًا، مُعْتَادًا كَبَوْلٍ أَوْ نَادِرًا كَدَمٍ، قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، طَوْعًا أَوْ كَرْهًا. إِلاَّ الْمَنِيَّ فَلَيْسَ خُرُوجُهُ نَاقِضًا قَالُوا: لأَِنَّهُ أَوْجَبَ أَعْظَم الأَْمْرَيْنِ وَهُوَ الْغُسْل فَلاَ يُوجِبُ أَدْوَنَهُمَا وَهُوَ الْوُضُوءُ بِعُمُومِهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا انْسَدَّ مَخْرَجُهُ وَانْفَتَحَ تَحْتَ مَعِدَتِهِ فَخَرَجَ الْمُعْتَادُ (17) . وَقَال الْحَنَابِلَةُ: النَّاقِضُ لِلْوُضُوءِ هُوَ الْخَارِجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا، نَادِرًا كَانَ كَالدُّودِ وَالدَّمِ وَالْحَصَى، أَوْ مُعْتَادًا كَالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَالرِّيحِ، طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، وَكَذَلِكَ خُرُوجُ النَّجَاسَاتِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، فَإِنْ كَانَتْ غَائِطًا أَوْ بَوْلاً نَقَضَ وَلَوْ قَلِيلاً مِنْ تَحْتِ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ السَّبِيلاَنِ مَفْتُوحَيْنِ أَمْ مَسْدُودَيْنِ. وَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَاتُ الْخَارِجَةُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْل كَالْقَيْءِ وَالدَّمِ وَالْقَيْحِ، وَدُونَ الْجِرَاحِ لَمْ يَنْقُضْ إِلاَّ كَثِيرُهَا (18) .
وَمِمَّا سَبَقَ يَظْهَرُ أَنَّ أَسْبَابَ الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ بَعْضُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبَعْضُهَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ:
أَسْبَابُ الْحَدَثِ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ الْمُعْتَادَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ كَالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالرِّيحِ، وَأَيْضًا دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يُعْتَبَرُ حَدَثًا حَقِيقِيًّا قَلِيلاً كَانَ الْخَارِجُ أَوْ كَثِيرًا (19) ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَدَثِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَنَحْوِهِمَا. وَلِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَل عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لاَ، فَلاَ يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (20) .
وَهَذِهِ الأَْسْبَابُ بَعْضُهَا حَدَثٌ أَكْبَرُ فَيُوجِبُ الْغُسْل كَخُرُوجِ الْمَنِيِّ، وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، وَبَعْضُهَا حَدَثٌ أَصْغَرُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ كَالْبَوْل وَالْغَائِطِ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالرِّيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ.
الأَْسْبَابُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا:
أ - مَا يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ نَادِرًا:
8 - مَا يَخْرُجُ مِنَ السَّبِيلَيْنِ نَادِرًا كَالدُّودِ وَالْحَصَى وَالشَّعْرِ وَقِطْعَةِ اللَّحْمِ وَنَحْوِهَا تُعْتَبَرُ أَحْدَاثًا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَبِهِ قَال الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ، لأَِنَّهَا خَارِجَةٌ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَأَشْبَهَتِ الْمَذْيَ، وَلأَِنَّهَا لاَ تَخْلُو عَنْ بِلَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا (21) ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْتَحَاضَةَ بِالْوُضُوءِ لِكُل صَلاَةٍ، وَدَمُهَا خَارِجٌ غَيْرُ مُعْتَادٍ (22) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْخَارِجَ غَيْرَ الْمُعْتَادِ مِنَ السَّبِيلَيْنِ كَحَصًى تَوَلَّدَ بِالْبَطْنِ وَدُودٍ لاَ يُعْتَبَرُ حَدَثًا وَلَوْ بِبِلَّةٍ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ غَيْرِ مُتَفَاحِشٍ بِحَيْثُ يُنْسَبُ الْخُرُوجُ لِلْحَصَى وَالدُّودِ لاَ لِلْبَوْل وَالْغَائِطِ. وَالْقَوْل الثَّانِي عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لاَ وُضُوءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ الدُّودَةُ وَالْحَصَى غَيْرَ نَقِيَّةٍ (23) .
9 - وَاخْتَلَفُوا فِي الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنَ الذَّكَرِ أَوْ قُبُل الْمَرْأَةِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ تُعْتَبَرُ حَدَثًا، وَلاَ يُنْتَقَضُ بِهَا الْوُضُوءُ، لأَِنَّهَا اخْتِلاَجٌ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ رِيحًا مُنْبَعِثَةً عَنْ مَحَل النَّجَاسَةِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُفْضَاةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمُفْضَاةِ فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهَا الْوُضُوءُ، وَقِيل: يَجِبُ، وَقِيل: لَوْ مُنْتِنَةً، لأَِنَّ نَتَنَهَا دَلِيل خُرُوجِهَا مِنَ الدُّبُرِ (24) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْخَارِجَةَ مِنَ الذَّكَرِ أَوْ قُبُل الْمَرْأَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ (25) ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ (26) .
ب - مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ:
10 - الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لاَ يُعْتَبَرُ حَدَثًا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا كَانَ نَجِسًا، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مِنَ النَّجَاسَةِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَائِلاً جَاوَزَ إِلَى مَحَلٍّ يُطْلَبُ تَطْهِيرُهُ وَلَوْ نَدْبًا، كَدَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ عَنْ رَأْسِ جُرْحٍ، وَكَقَيْءٍ مَلأََ الْفَمَ مِنْ مُرَّةٍ أَوْ عَلَقٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ مَاءٍ، لاَ بَلْغَمٍ، وَإِنْ قَاءَ دَمًا أَوْ قَيْحًا نَقَضَ وَإِنْ لَمْ يَمْلأَِ الْفَمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ، وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا إِلاَّ الْغَائِطَ وَالْبَوْل فَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْكَثْرَةُ عِنْدَهُمْ.
وَالْقَوْل بِأَنَّ النَّجِسَ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ حَدَثٌ هُوَ قَوْل كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
مِنْهُمُ: ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عُمَرَ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ (27) .
وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي الأَْحَادِيثِ، مِنْهَا: قَوْلُهُ ﷺ: الْوُضُوءُ مِنْ كُل دَمٍ سَائِلٍ (28) وَقَوْلُهُ ﵊: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ (29) وَلأَِنَّ الدَّمَ وَنَحْوَهُ نَجَاسَةٌ خَارِجَةٌ مِنَ الْبَدَنِ فَأَشْبَهَ الْخَارِجَ مِنَ السَّبِيلَيْنِ (30) .
وَوَجْهُ مَا اشْتَرَطَهُ الْحَنَابِلَةُ مِنَ الْكَثْرَةِ فِي غَيْرِ الْغَائِطِ وَالْبَوْل أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَال فِي الدَّمِ: إِذَا كَانَ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ، وَلِمَا وَرَدَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ دَمٌ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (31) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْل رَبِيعَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ: الْخَارِجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لاَ يُعْتَبَرُ حَدَثًا، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدُ عَنْ جَابِرٍ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ - يَعْنِي فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ - فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَحَلَفَ أَنْ لاَ أَنْتَهِيَ حَتَّى أُهْرِيقَ دَمًا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ النَّبِيِّ ﷺ فَنَزَل النَّبِيُّ ﷺ مَنْزِلاً، فَقَال: مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا (32) ؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الأَْنْصَارِ، فَقَال: كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ قَال: فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ اضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الأَْنْصَارِيُّ يُصَلِّي، وَأَتَى الرَّجُل، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَهُ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةٌ (33) لِلْقَوْمِ، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، فَنَزَعَهُ حَتَّى رَمَاهُ بِثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا (34) بِهِ هَرَبَ، وَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَْنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ: قَال: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَلاَ أَنْبَهْتنِي أَوَّل مَا رَمَى؟ قَال: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا (35) . وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﵊: قَاءَ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ (36) .
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا خَرَجَ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ إِنِ انْسَدَّ مَخْرَجُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَنْسَدَّ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَيُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ (37) .
ثَانِيًا - الْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ:
11 - الْحَدَثُ الْحُكْمِيُّ هُوَ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِخُرُوجِ الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ غَالِبًا فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ احْتِيَاطًا. فَيَأْخُذُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْحَقِيقِيِّ شَرْعًا، وَيَدْخُل فِي هَذَا النَّوْعِ:
- زَوَال الْعَقْل أَوِ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ بِالنَّوْمِ أَوِ السُّكْرِ أَوِ الإِْغْمَاءِ أَوِ الْجُنُونِ أَوْ نَحْوِهَا. وَهَذِهِ الأَْسْبَابُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي الْجُمْلَةِ (38) . وَاسْتَدَل الْفُقَهَاءُ لِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ بِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَال: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لاَ نَنْزِعَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ إِلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ، لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ (39) . وَبِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ (40) .
وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي كَيْفِيَّةِ النَّوْمِ النَّاقِضِ لِلْوُضُوءِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: النَّوْمُ النَّاقِضُ هُوَ مَا كَانَ مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا أَوْ مُسْتَنِدًا إِلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيل مِنْهُ لَسَقَطَ، لأَِنَّ الاِضْطِجَاعَ سَبَبٌ لاِسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِل فَلاَ يَعْرَى عَنْ خُرُوجِ شَيْءٍ عَادَةً، وَالثَّابِتُ عَادَةً كَالْمُتَيَقَّنِ. وَالاِتِّكَاءُ يُزِيل مُسْكَةَ الْيَقِظَةِ، لِزَوَال الْمَقْعَدَةِ عَنِ الأَْرْضِ. بِخِلاَفِ النَّوْمِ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا، لأَِنَّ بَعْضَ الاِسْتِمْسَاكِ بَاقٍ، إِذْ لَوْ زَال لَسَقَطَ، فَلَمْ يَتِمَّ الاِسْتِرْخَاءُ (41) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ النَّوْمُ الثَّقِيل بِأَنْ لَمْ يَشْعُرْ بِالصَّوْتِ الْمُرْتَفِعِ، بِقُرْبِهِ، أَوْ بِسُقُوطِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، طَال النَّوْمُ أَوْ قَصُرَ. وَلاَ يُنْقَضُ بِالْخَفِيفِ وَلَوْ طَال، وَيُنْدَبُ الْوُضُوءُ إِنْ طَال النَّوْمُ الْخَفِيفُ (42) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ مَنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَتَهُ مِنَ الأَْرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَكِّنًا يُنْتَقَضُ عَلَى أَيَّةِ هَيْئَةٍ كَانَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَال: كَانَ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ، أَحْسَبُهُ قَال: قُعُودًا حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلاَ يَتَوَضَّئُونَ (43) . وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لَيْسَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا وُضُوءٌ حَتَّى يَضَعَ جَنْبَهُ إِلَى الأَْرْضِ (44) وَيُنْدَبُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ إِلاَّ مَعَ التَّمْكِينِ خُرُوجًا مِنَ الْخِلاَفِ (45) .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَسَمُوا النَّوْمَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
الأَْوَّل: نَوْمُ الْمُضْطَجِعِ فَيُنْقَضُ بِهِ الْوُضُوءُ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَخْذًا لِعُمُومِ الْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ. الثَّانِي: نَوْمُ الْقَاعِدِ، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا نُقِضَ بِنَاءً عَلَى الْحَدِيثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُنْقَضْ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ. الثَّالِثُ: مَا عَدَا هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَهُوَ نَوْمُ الْقَائِمِ وَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: يُنْقَضُ مُطْلَقًا لِلْعُمُومِ فِي الْحَدِيثَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ: لاَ يُنْقَضُ، إِلاَّ إِذَا كَثُرَ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يَسْجُدُ وَيَنَامُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي فَقُلْتُ لَهُ: صَلَّيْتَ وَلَمْ تَتَوَضَّأْ، وَقَدْ نِمْتَ، فَقَال إِنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إِذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ (46) .
وَالْعِبْرَةُ فِي تَحْدِيدِ الْكَثِيرِ وَالْيَسِيرِ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمُ الْعُرْفُ (47) .
أَمَّا السُّكْرُ وَالْجُنُونُ وَالإِْغْمَاءُ فَدَلِيل نَقْضِ الْوُضُوءِ بِهَا أَنَّهَا أَبْلَغُ فِي إِزَالَةِ الْمُسْكَةِ مِنَ النَّوْمِ، لأَِنَّ النَّائِمَ يَسْتَيْقِظُ بِالاِنْتِبَاهِ، بِخِلاَفِ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.
وَلِتَعْرِيفِ هَذِهِ الأُْمُورِ وَمَعْرِفَةِ حُكْمِهَا وَأَثَرِهَا عَلَى الْوُضُوءِ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا.
الْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ دُونَ الْجِمَاعِ:
12 - وَتَفْسِيرُهَا، كَمَا قَال الْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ يُبَاشِرَ الرَّجُل الْمَرْأَةَ بِشَهْوَةٍ وَيَنْتَشِرَ لَهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ وَلَمْ يَرَ بَلَلاً (48) .
وَقَال فِي الدُّرِّ: أَنْ تَكُونَ بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ أَوِ الرَّجُلَيْنِ مَعَ الاِنْتِشَارِ وَلَوْ بِلاَ بَلَلٍ (49) . فَهَذِهِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - إِلاَّ مُحَمَّدًا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ قَال: بَيْنَمَا رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، وَنَحْنُ قُعُودٌ مَعَهُ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ ثُمَّ أَعَادَ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَسَكَتَ عَنْهُ. وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ. فَلَمَّا انْصَرَفَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ قَال أَبُو أُمَامَةَ: فَاتَّبَعَ الرَّجُل رَسُول اللَّهِ ﷺ حِينَ انْصَرَفَ وَاتَّبَعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْظُرُ مَا يَرُدُّ عَلَى الرَّجُل فَلَحِقَ الرَّجُل رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. قَال أَبُو أُمَامَةَ: فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ حِينَ خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ أَلَيْسَ قَدْ تَوَضَّأْتَ فَأَحْسَنْتَ الْوُضُوءَ؟ قَال: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: ثُمَّ شَهِدْتَ الصَّلاَةَ مَعَنَا فَقَال: نَعَمْ يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ حَدَّكَ، أَوْ قَال ذَنْبَكَ (50) . وَلأَِنَّ الْمُبَاشَرَةَ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لاَ تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ الْمَذْيِ عَادَةً إِلاَّ أَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ جَفَّ بِحَرَارَةِ الْبَدَنِ فَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ أَوْ غَفَل عَنْ نَفْسِهِ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ فَكَانَتْ سَبَبًا مُفْضِيًا إِلَى الْخُرُوجِ، وَهُوَ الْمُتَحَقِّقُ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الاِحْتِيَاطِ (51) .
الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ:
13 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لَمْسَ بَشَرَتَيِ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنْ تَخْتَلِفُ عِبَارَاتُهُمْ فِي الشُّرُوطِ وَالتَّفْصِيل.
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الَّذِي يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هُوَ اللَّمْسُ بِعُضْوٍ أَصْلِيٍّ أَوْ زَائِدٍ يَلْتَذُّ صَاحِبُهُ بِهِ عَادَةً، وَلَوْ لِظُفْرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ سِنٍّ، وَلَوْ بِحَائِلٍ خَفِيفٍ يُحِسُّ اللاَّمِسُ فَوْقَهُ بِطَرَاوَةِ الْجَسَدِ، إِنْ قَصَدَ اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا بِدُونِ الْقَصْدِ، قَالُوا: وَمِمَّنْ يُلْتَذُّ بِهِ عَادَةً الأَْمْرَدُ وَاَلَّذِي لَمْ تَتِمَّ لِحْيَتُهُ، فَلاَ نَقْضَ بِلَمْسِ جَسَدِ أَوْ فَرْجِ صَغِيرَةٍ لاَ تُشْتَهَى عَادَةً، وَلَوْ قَصَدَ. اللَّذَّةَ أَوْ وَجَدَهَا، كَمَا لاَ تُنْقَضُ بِلَمْسِ مَحْرَمٍ بِغَيْرِ لَذَّةٍ، أَمَّا الْقُبْلَةُ بِفَمٍ فَنَاقِضَةٌ وَلاَ تُشْتَرَطُ فِيهَا اللَّذَّةُ وَلاَ وُجُودُهَا (52) . وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: هُوَ لَمْسُ بَشَرَتَيِ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى اللَّذَيْنِ بَلَغَا حَدًّا يُشْتَهَى، وَلَوْ لَمْ يَكُونَا بَالِغَيْنِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِشَهْوَةٍ أَوْ إِكْرَاهٍ أَوْ نِسْيَانٍ، أَوْ يَكُونَ الذَّكَرُ مَمْسُوحًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ عِنِّينًا، أَوِ الْمَرْأَةُ عَجُوزًا شَوْهَاءَ، أَوِ الْعُضْوُ زَائِدًا أَوْ أَصْلِيًّا سَلِيمًا أَوْ أَشَل أَوْ أَحَدُهُمَا مَيِّتًا. وَالْمُرَادُ بِالْبَشَرَةِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ. وَفِي مَعْنَاهَا اللَّحْمُ، كَلَحْمِ الأَْسْنَانِ وَاللِّسَانِ وَاللِّثَةِ وَبَاطِنِ الْعَيْنِ، فَخَرَجَ مَا إِذَا كَانَ عَلَى الْبَشَرَةِ حَائِلٌ وَلَوْ رَقِيقًا. وَالْمَلْمُوسُ فِي كُل هَذَا كَاللاَّمِسِ فِي نَقْضِ وُضُوئِهِ فِي الأَْظْهَرِ.
وَلاَ يُنْقَضُ بِلَمْسِ الْمَحْرَمِ فِي الأَْظْهَرِ، وَلاَ صَغِيرَةٍ، وَشَعْرٍ، وَسِنٍّ، وَظُفْرٍ فِي الأَْصَحِّ، كَمَا لاَ يُنْقَضُ بِلَمْسِ الرَّجُل الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَالْخُنْثَى مَعَ الْخُنْثَى أَوْ مَعَ الرَّجُل أَوِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ، لاِنْتِفَاءِ مَظِنَّتِهَا (53) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَسُّ بَشَرَةِ الذَّكَرِ بَشَرَةَ أُنْثَى أَوْ عَكْسُهُ لِشَهْوَةٍ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ غَيْرِ طِفْلَةٍ وَطِفْلٍ وَلَوْ كَانَ اللَّمْسُ بِزَائِدٍ أَوْ لِزَائِدٍ أَوْ شَلَلٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَلْمُوسُ مَيِّتًا أَوْ عَجُوزًا أَوْ مَحْرَمًا أَوْ صَغِيرَةً تُشْتَهَى، وَلاَ يُنْقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ بَدَنُهُ وَلَوْ وُجِدَ مِنْهُ شَهْوَةٌ، وَلاَ بِلَمْسِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ وَعُضْوٍ مَقْطُوعٍ وَأَمْرَدَ مَسَّهُ رَجُلٌ وَلاَ مَسِّ خُنْثَى مُشْكِلٍ، وَلاَ بِمَسِّهِ رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، وَلاَ بِمَسِّ الرَّجُل رَجُلاً، وَلاَ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ فِيهِمْ (54) .
هَذَا، وَيَسْتَدِل الْجُمْهُورُ فِي اعْتِبَارِهِمُ اللَّمْسَ مِنَ الأَْحْدَاثِ بِمَا وَرَدَ فِي الآْيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى. {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمِ النِّسَاءَ (55) } أَيْ لَمَسْتُمْ كَمَا قُرِئَ بِهِ، فَعَطَفَ اللَّمْسَ عَلَى الْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ وَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا الأَْمْرَ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَدَل عَلَى أَنَّهُ حَدَثٌ كَالْمَجِيءِ مِنَ الْغَائِطِ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ (أَوْ جَامَعْتُمْ) لأَِنَّهُ خِلاَفُ الظَّاهِرِ، إِذْ اللَّمْسُ لاَ يَخْتَصُّ بِالْجِمَاعِ. قَال تَعَالَى: {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ (56) } وَقَال ﷺ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ (57) .
أَمَّا مَا اشْتَرَطَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ قَصْدِ اللَّذَّةِ أَوْ وُجُودِهَا وَالْحَنَابِلَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ اللَّمْسُ بِالشَّهْوَةِ فَلِلْجَمْعِ بَيْنَ الآْيَةِ وَبَيْنَ الأَْخْبَارِ الَّتِي تَدُل عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ بِمُجَرَّدِ الاِلْتِقَاءِ كَمَا سَيَأْتِي (58) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلاَ يَعْتَبِرُونَ مَسَّ الْمَرْأَةِ مِنَ الأَْحْدَاثِ مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَرِجْلاَيَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا (59) . وَعَنْهَا أَنَّهُ ﷺ قَبَّل بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (60) .
مَسُّ فَرْجِ الآْدَمِيِّ:
14 - ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الآْدَمِيِّ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ فِي الشُّرُوطِ وَالتَّفْصِيل:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقُ مَسِّ ذَكَرِ الْمَاسِّ الْبَالِغِ الْمُتَّصِل وَلَوْ كَانَ خُنْثَى مُشْكِلاً بِبَطْنٍ أَوْ جَنْبٍ لِكَفٍّ أَوْ إِصْبَعٍ وَلَوْ كَانَتِ الإِْصْبَعُ زَائِدَةً وَبِهَا إِحْسَاسٌ. وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَمُّدُ أَوِ الاِلْتِذَاذُ. أَمَّا مَسُّ ذَكَرِ غَيْرِهِ فَيَجْرِي عَلَى حُكْمِ اللَّمْسِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَصْدِ أَوْ وُجْدَانِ اللَّذَّةِ (61) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: النَّاقِضُ مَسُّ قُبُل الآْدَمِيِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مُتَّصِلاً أَوْ مُنْفَصِلاً بِبَطْنِ الْكَفِّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ. وَكَذَا (فِي الْجَدِيدِ) حَلْقَةُ دُبُرِهِ وَلَوْ فَرْجَ الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ وَمَحَل الْجَبِّ وَالذَّكَرَ الأَْشَل وَبِالْيَدِ الشَّلاَّءِ عَلَى الأَْصَحِّ، لاَ بِرَأْسِ الأَْصَابِعِ وَمَا بَيْنَهُمَا (62) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَجْعَل مَسَّهُ حَدَثًا: النَّاقِضُ مَسُّ ذَكَرِ الآْدَمِيِّ إِلَى أُصُول الأُْنْثَيَيْنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَاسُّ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لاَ مَسُّ مُنْقَطِعٍ وَلاَ مَحَل الْقَطْعِ، وَيَكُونُ الْمَسُّ بِبَطْنِ الْكَفِّ أَوْ بِظَهْرِهِ أَوْ بِحَرْفِهِ غَيْرِ ظُفْرٍ، مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَلَوْ بِزَائِدٍ (63) .
كَمَا يَنْقُضُ مَسُّ حَلْقَةِ دُبُرٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَمَسُّ امْرَأَةٍ فَرْجَهَا الَّذِي بَيْنَ شَفْرَيْهَا أَوْ فَرْجَ امْرَأَةٍ أُخْرَى، وَمَسُّ رَجُلٍ فَرْجَهَا وَمَسُّهَا ذَكَرَهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ (64) .
وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ مَسَّ الْفَرْجِ حَدَثٌ مَا رَوَاهُ بُسْرُ بْنُ صَفْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلاَ يُصَل حَتَّى يَتَوَضَّأَ (65) وَمَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَال: مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ (66) وَقَوْلُهُ ﷺ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ (67) .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَسَّ الْفَرْجِ لاَ يُعْتَبَرُ مِنَ الأَْحْدَاثِ فَلاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، لِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلاَةِ فَقَال: هَل هُوَ إِلاَّ بَضْعَةٌ مِنْكَ (68) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: يَغْسِل يَدَهُ نَدْبًا لِحَدِيثِ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ أَيْ لِيَغْسِل يَدَهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ ﷺ هَل هُوَ إِلاَّ بَضْعَةٌ مِنْكَ حِينَ سُئِل عَنِ الرَّجُل يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّلاَةِ (69) . الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلاَةِ:
15 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - لاَ يَعْتَبِرُونَ الْقَهْقَهَةَ مِنَ الأَْحْدَاثِ مُطْلَقًا، فَلاَ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِهَا أَصْلاً وَلاَ يَجْعَلُونَ فِيهَا وُضُوءًا، لأَِنَّهَا لاَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ خَارِجَ الصَّلاَةِ فَلاَ تَنْقُضُهُ دَاخِلَهَا، وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجِسًا، بَل هِيَ صَوْتٌ كَالْكَلاَمِ وَالْبُكَاءِ (70) .
وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْحْدَاثِ الَّتِي تَنْقُضُ الْوُضُوءَ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلاَةِ إِذَا حَدَثَتْ مِنْ مُصَلٍّ بَالِغٍ يَقْظَانَ فِي صَلاَةٍ كَامِلَةٍ ذَاتِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَوَضِّئًا أَمْ مُتَيَمِّمًا أَمْ مُغْتَسِلاً فِي الصَّحِيحِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتِ الْقَهْقَهَةُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ ضَحِكَ فِي الصَّلاَةِ قَهْقَهَةً فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ وَالصَّلاَةَ مَعًا (71) .
وَالْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لِجِيرَانِهِ، وَالضَّحِكُ مَا يَسْمَعُهُ هُوَ دُونَ جِيرَانِهِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لاَ صَوْتَ فِيهِ وَلَوْ بَدَتْ أَسْنَانُهُ. قَالُوا: الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُبْطِل الصَّلاَةَ مَعًا، وَالضَّحِكُ يُبْطِل الصَّلاَةَ خَاصَّةً، وَالتَّبَسُّمُ لاَ يُبْطِل شَيْئًا.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلاَ يَبْطُل وُضُوءُ صَبِيٍّ وَنَائِمٍ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى الأَْصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا لاَ يُنْقَضُ وُضُوءُ مَنْ قَهْقَهَ خَارِجَ الصَّلاَةِ، أَوْ مَنْ كَانَ فِي صَلاَةٍ غَيْرِ كَامِلَةٍ، كَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلاَوَةِ (72) .
ثُمَّ قِيل: إِنَّ الْقَهْقَهَةَ مِنَ الأَْحْدَاثِ عِنْدَهُمْ، وَقِيل: لاَ بَل وَجَبَ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلاَةِ إِظْهَارُ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْقَهْقَهَةُ تُنَافِي ذَلِكَ فَنَاسَبَ انْتِقَاضَ وُضُوئِهِ زَجْرًا لَهُ.
وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ حَدَثًا وَإِلاَّ لاَسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الأَْحْوَال مَعَ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِأَنْ تَكُونَ فِي الصَّلاَةِ الْكَامِلَةِ مِنْ مُصَلٍّ بَالِغٍ (73) .
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْقَوْل الثَّانِيَ لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ، لأَِنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجِسًا بَل هِيَ صَوْتٌ كَالْكَلاَمِ وَالْبُكَاءِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ لِلأَْحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا، إِذْ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ الأَْمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلاَةِ وَلاَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا حَدَثًا.
16 - وَفَائِدَةُ الْخِلاَفِ فِي الْقَوْلَيْنِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَكِتَابَةِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ جَعَلَهَا حَدَثًا مَنَعَ كَسَائِرِ الأَْحْدَاثِ، وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً وَزَجْرًا جَوَّزَ (74) . أَكْل لَحْمِ الْجَزُورِ:
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ أَكْل لَحْمِ الْجَزُورِ لاَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَأَكْل سَائِرِ الأَْطْعِمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُل (75) وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ قَال: كَانَ آخِرُ الأَْمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ (76) وَلأَِنَّهُ مَأْكُولٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَأْكُولاَتِ فِي عَدَمِ النَّقْضِ، وَالأَْمْرُ بِالْوُضُوءِ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ أَوِ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ غَسْل الْيَدَيْنِ (77) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ - بِأَنْ أَكْل لَحْمِ الإِْبِل يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى كُل حَالٍ نِيئًا وَمَطْبُوخًا، عَالِمًا كَانَ الآْكِل أَوْ جَاهِلاً (78) . لِقَوْلِهِ ﵊: تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِْبِل وَلاَ تَتَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ (79) . وَقَالُوا: إِنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْل لَحْمِ الْجَزُورِ تَعَبُّدِيٌّ لاَ يُعْقَل مَعْنَاهُ فَلاَ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ، فَلاَ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِشُرْبِ لَبَنِهَا، وَمَرَقِ لَحْمِهَا، وَأَكْل كَبِدِهَا وَطِحَالِهَا وَسَنَامِهَا وَجِلْدِهَا وَكَرِشِهَا وَنَحْوِهِ (80) .
غُسْل الْمَيِّتِ:
18 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوْل بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِتَغْسِيل الْمَيِّتِ، لأَِنَّ الْوُجُوبَ يَكُونُ مِنَ الشَّرْعِ، وَلَمْ يَرِدْ فِي هَذَا نَصٌّ فَبَقِيَ عَلَى الأَْصْل. وَلأَِنَّهُ غَسْل آدَمِيٍّ فَأَشْبَهَ غَسْل الْحَيِّ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ (81) .
وَيَرَى أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ مَنْ غَسَّل الْمَيِّتَ أَوْ بَعْضَهُ وَلَوْ فِي قَمِيصٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَغْسُول صَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا، ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى، مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا. لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِل. الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ، وَلأَِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَسْلَمُ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى فَرْجِ الْمَيِّتِ فَتُقَامُ مَظِنَّةُ ذَلِكَ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ كَمَا أُقِيمَ النَّوْمُ مَقَامَ الْحَدَثِ (82) .
الرِّدَّةُ:
19 - الرِّدَّةُ - وَهِيَ الإِْتْيَانُ بِمَا يُخْرِجُ مِنَ الإِْسْلاَمِ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ - حَدَثٌ حُكْمِيٌّ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَالْمُرْتَدُّ إِذَا عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ وَرَجَعَ إِلَى دِينِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُ الصَّلاَةُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا قَبْل رِدَّتِهِ وَلَمْ يُنْقَضْ وُضُوءُهُ بِأَسْبَابٍ أُخْرَى. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ (83) } وَالطَّهَارَةُ عَمَلٌ.
وَنُقِل عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَلَمْ يَعُدَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الرِّدَّةَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَدَثِ فَلاَ يُنْقَضُ الْوُضُوءُ بِهَا عِنْدَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ (84) } فَشَرَطَ الْمَوْتَ بَعْدَ الرِّدَّةِ لِحُبُوطِ الْعَمَل - كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ (85) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّةٌ)
الشَّكُّ فِي الْحَدَثِ (86) :
20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّكَّ لاَ الْوُضُوءُ. فَلَوْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ (أَيْ عَلِمَ سَبْقَهَا) وَشَكَّ فِي عُرُوضِ الْحَدَثِ بَعْدَهَا فَهُوَ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ عَلَى الْحَدَثِ، لأَِنَّ الْيَقِينَ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ، وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَل عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَمْ يَخْرُجْ فَلاَ يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (87) .
وَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَلَمْ يَعْلَمِ الآْخِرَ مِنْهُمَا، مِثْل مَنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ مُتَطَهِّرًا مَرَّةً وَمُحْدِثًا أُخْرَى وَلاَ يَعْلَمُ أَيَّهُمَا كَانَ لاَحِقًا يَأْخُذُ بِضِدِّ مَا قَبْلَهُمَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُحْدِثًا فَهُوَ الآْنَ مُتَطَهِّرٌ لأَِنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الْحَدَثِ عَنْهَا وَالأَْصْل عَدَمُ تَأَخُّرِهِ، وَإِِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الآْنَ مُحْدِثٌ، لأَِنَّهُ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي تَأَخُّرِ الطَّهَارَةِ عَنْهُ، وَالأَْصْل عَدَمُ تَأَخُّرِهَا، فَإِِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ لِتَعَارُضِ الاِحْتِمَالَيْنِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ (88) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يَنْظُرُ إِِلَى مَا قَبْلَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ (89) .
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ (90) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِشَكٍّ فِي حَدَثٍ بَعْدَ طُهْرٍ عُلِمَ، فَإِِنْ أَيْقَنَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَأَحْدَثَ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَمْ لاَ فَلْيُعِدْ وُضُوءَهُ إِِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مُسْتَنْكَحًا (91) . قَال الْحَطَّابُ: هَذَا إِِذَا شَكَّ قَبْل الصَّلاَةِ، أَمَّا إِِذَا صَلَّى ثُمَّ شَكَّ هَل أَحْدَث أَمْ لاَ فَفِيهِ قَوْلاَنِ.
وَذَكَرَ فِي التَّاجِ وَالإِِْكْلِيل أَنَّ مَنْ شَكَّ أَثْنَاءَ صَلاَتِهِ هَل هُوَ عَلَى وُضُوءٍ أَمْ لاَ فَتَمَادَى عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ عَلَى شَكِّهِ ذَلِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ عَلَى وُضُوئِهِ فَإِِنَّ صَلاَتَهُ مُجْزِئَةٌ، لأَِنَّهُ دَخَل فِي الصَّلاَةِ بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الشَّكُّ الطَّارِئُ. أَمَّا إِِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ قَبْل دُخُولِهِ فِي الصَّلاَةِ فَوَجَبَ أَلاَ يَدْخُل فِي الصَّلاَةِ إِِلاَّ عَلَى طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ.
وَيُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِشَكٍّ فِي السَّابِقِ مِنَ الْوُضُوءِ وَالْحَدَثِ سَوَاءٌ كَانَا مُحَقَّقَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ أَوْ مَشْكُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُحَقَّقًا أَوْ مَظْنُونًا وَالآْخَرُ مَشْكُوكًا أَوْ أَحَدُهُمَا مُحَقَّقًا وَالآْخَرُ مَظْنُونًا (92) .
وَقَال فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ - وَهُوَ أَوَّل مَا شَكَّ - غَسَل الْمَوْضِعَ الَّذِي شَكَّ فِيهِ لأَِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْحَدَثِ فِيهِ، وَإِِنْ صَارَ الشَّكُّ فِي مِثْلِهِ عَادَةً لَهُ بِأَنْ يَعْرِضَ لَهُ كَثِيرًا لَمْ يَلْتَفِتْ إِِلَيْهِ، لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ الْوَسْوَسَةِ فَيَجِبُ قَطْعُهَا (93) . لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ فَيَقُول أَحْدَثْتَ أَحْدَثْتَ فَلاَ يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (94) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (شَكٌّ) (وَوَسْوَسَةٌ) .
حُكْمُ الْحَدَثِ:
21 - الْحَدَثُ إِِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرَ فَيُوجِبُ الْغُسْل، أَوْ أَصْغَرَ فَيُوجِبُ الْوُضُوءَ فَقَطْ، أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدَثِ الأَْكْبَرِ وَأَسْبَابُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا وَمُصْطَلَحِ: (غُسْلٌ) .
وَفِيمَا يَأْتِي أَحْكَامُ الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ:
أَوَّلاً: مَا لاَ يَجُوزُ بِالْحَدَثِ الأَْصْغَرِ:
أ - الصَّلاَةُ:
22 - يَحْرُمُ بِالْمُحْدِثِ (حَيْثُ لاَ عُذْرَ) الصَّلاَةُ بِأَنْوَاعِهَا بِالإِِْجْمَاعِ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: لاَ يَقْبَل اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ (95) وَقَوْلِهِ ﵊: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ (96) وَقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُقْبَل صَلاَةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ (97) وَهُوَ يَعُمُّ الْفَرْضَ وَالنَّفَل، وَمِنْهَا صَلاَةُ الْجِنَازَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
وَفِي مَعْنَى الصَّلاَةِ سَجْدَتَا التِّلاَوَةِ وَالشُّكْرِ وَخُطْبَةُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ جَوَازُ الصَّلاَةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلاَ تَيَمُّمٍ (98) . وَإِِذَا كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ - كَمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ أَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَابًا مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ كَمَا قَال الشَّافِعِيَّةُ - صَلَّى وُجُوبًا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ (99) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (فَقْدُ الطَّهُورَيْنِ) هَذَا إِِذَا كَانَ مُحْدِثًا قَبْل دُخُولِهِ فِي الصَّلاَةِ.
23 - أَمَّا إِِذَا طَرَأَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ، فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَرَوْنَ بُطْلاَنَ الصَّلاَةِ، غَلَبَةً كَانَ الْحَدَثُ أَوْ نِسْيَانًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُصَلِّي فَذًّا أَمْ مَأْمُومًا أَمْ إِِمَامًا، لَكِنْ لاَ يَسْرِي بُطْلاَنُ صَلاَةِ الإِِْمَامِ عَلَى صَلاَةِ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَ مَنْ يُجِيزُونَ الاِسْتِخْلاَفَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفِقْرَةِ التَّالِيَةِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلاَةِ تَبْطُل صَلاَتُهُ وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُهَا، لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدِ الصَّلاَةَ (100) وَلأَِنَّهُ فَقَدَ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِ الصَّلاَةِ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَعُودُ إِِلاَّ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَعَمَلٍ كَثِيرٍ فَفَسَدَتْ صَلاَتُهُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِِنْ سَبَقَ الْمُصَلِّيَ حَدَثٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى لِقَوْلِهِ ﵊: مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لْيَبْنِ عَلَى صَلاَتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لاَ يَتَكَلَّمُ (101) لأَِنَّ الْبَلْوَى فِيمَا سَبَقَ فَلاَ يُلْحَقُ بِهِ مَا يَتَعَمَّدُهُ. وَالاِسْتِئْنَافُ أَفْضَل تَحَرُّزًا عَنْ شُبْهَةِ الْخِلاَفِ. وَقَدْ فَصَّل الْكَاسَانِيُّ ذَلِكَ فَقَال: إِِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ ثُمَّ تَكَلَّمَ أَوْ أَحْدَثَ مُتَعَمِّدًا أَوْ ضَحِكَ أَوْ قَهْقَهَ أَوْ أَكَل أَوْ شَرِبَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْفْعَال مُنَافِيَةٌ لِلصَّلاَةِ فِي الأَْصْل فَلاَ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُنَافِي إِِلاَّ لِضَرُورَةٍ وَلاَ ضَرُورَةَ، وَكَذَا إِِذَا جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ أَجْنَبَ لأَِنَّهُ لاَ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ فَكَانَ لِلْبِنَاءِ مِنْهُ بُدٌّ وَكَذَا لَوْ أَدَّى رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ مَعَ الْحَدَثِ أَوْ مَكَثَ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ رُكْنٍ لأَِنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ لَيْسَ مِنْ أَعْمَال الصَّلاَةِ وَلَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَكَذَا لَوِ اسْتَقَى مِنَ الْبِئْرِ وَهُوَ لاَ يَحْتَاجُ إِِلَيْهِ وَلَوْ مَشَى إِِلَى الْوُضُوءِ فَاغْتَرَفَ الْمَاءَ مِنَ الإِِْنَاءِ أَوِ اسْتَقَى مِنَ الْبِئْرِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِِلَيْهِ فَتَوَضَّأَ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ لأَِنَّ الْوُضُوءَ أَمْرٌ لاَ بُدَّ لِلْبِنَاءِ مِنْهُ وَالْمَشْيُ وَالاِغْتِرَافُ وَالاِسْتِقَاءُ عِنْدَ الْحَاجَةِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْوُضُوءِ، وَلَوِ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً تَيَمَّمَ وَبَنَى لأَِنَّ ابْتِدَاءَ الصَّلاَةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ جَائِزٌ فَالْبِنَاءُ أَوْلَى، وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْبِنَاءِ قَال الْكَاسَانِيُّ: الْمُصَلِّي لاَ يَخْلُو إِِمَّا إِِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ إِِمَامًا.
فَإِِنَّ كَانَ مُنْفَرِدًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِِنْ شَاءَ أَتَمَّ صَلاَتَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تَوَضَّأَ فِيهِ وَإِِنْ شَاءَ عَادَ إِِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي افْتَتَحَ الصَّلاَةَ فِيهِ، لأَِنَّهُ إِِذَا أَتَمَّ الصَّلاَةَ حَيْثُ هُوَ فَقَدْ سَلِمَتْ صَلاَتُهُ عَنِ الْمَشْيِ لَكِنَّهُ صَلَّى صَلاَةً وَاحِدَةً فِي مَكَانَيْنِ، وَإِِنْ عَادَ إِِلَى مُصَلاَّهُ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَالصَّلاَةِ فِي مَكَان وَاحِدٍ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ مَشْيٍ فَاسْتَوَى الْوَجْهَانِ فَيُخَيَّرُ، وَإِِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَانْصَرَفَ وَتَوَضَّأَ فَإِِنْ لَمْ يَفْرُغْ مِنَ الصَّلاَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقْتَدِي بَعْدُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ وَأَتَمَّ بَقِيَّةَ صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ لاَ يُجْزِيهِ. ثُمَّ إِِذَا عَادَ يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَغِل أَوَّلاً بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فِي حَال تَشَاغُلِهِ بِالْوُضُوءِ، لأَِنَّهُ لاَحِقٌ فَكَأَنَّهُ خَلْفَ الإِِْمَامِ فَيَقُومُ مِقْدَارَ قِيَامِ الإِِْمَامِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَمِقْدَارَ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، وَلاَ يَضُرُّهُ إِِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَلَوْ تَابَعَ إِِمَامَهُ أَوَّلاً ثُمَّ اشْتَغَل بِقَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الإِِْمَامِ جَازَتْ صَلاَتُهُ خِلاَفًا لِزُفَرَ، وَإِِنْ كَانَ إِِمَامًا يَسْتَخْلِفُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيَبْنِي عَلَى صَلاَتِهِ، وَالأَْمْرُ فِي مَوْضِعِ الْبِنَاءِ وَكَيْفِيَّتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا سَبَقَ فِي الْمُقْتَدِي، لأَِنَّهُ بِالاِسْتِخْلاَفِ تَحَوَّلَتِ الإِِْمَامَةُ إِِلَى الثَّانِي وَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ (102) .
اسْتِخْلاَفُ الإِِْمَامِ فِي حَالَةِ الْحَدَثِ:
24 - لِلإِِْمَامِ إِِذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمُّ بِهِمُ الصَّلاَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ عُمَرَ ﵁ لَمَّا طُعِنَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلاَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ إِِجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ أَبْطَل الصَّلاَةَ (103) .
وَفِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لِلْحَنَابِلَةِ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِخْلاَفُ قَال الشَّافِعِيَّةُ: لأَِنَّهَا صَلاَةٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ تَصِحُّ بِإِِمَامَيْنِ مَعًا، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّهُ فَقَدَ شَرْطَ صِحَّةِ الصَّلاَةِ فَتَبْطُل صَلاَةُ الْمَأْمُومِينَ بِبُطْلاَنِ صَلاَتِهِ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ (104) .
وَلِجَوَازِ الاِسْتِخْلاَفِ شُرُوطٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِخْلاَفٌ) .
ب - الطَّوَافُ:
25 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الطَّوَافِ لِلْمُحْدِثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا أَمْ وَاجِبًا أَمْ نَفْلاً، فِي نُسُكٍ أَمْ فِي غَيْرِهِ، وَيَعْتَبِرُونَ الطَّهَارَةَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الطَّوَافِ، لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّلاَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ: الطَّوَافُ حَوْل الْبَيْتِ مِثْل الصَّلاَةِ، إِِلاَّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلاَ يَتَكَلَّمَنَّ إِِلاَّ بِخَيْرٍ (105) . وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ عَدُّوا الطَّهَارَةَ فِي الطَّوَافِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ، وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهَا مِنَ السُّنَنِ (106) .
قَال فِي الْبَدَائِعِ: فَإِِنْ طَافَ مُحْدِثًا جَازَ مَعَ النُّقْصَانِ، لأَِنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ شَبِيهٌ بِالصَّلاَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَلاَةٍ حَقِيقَةً، فَلِكَوْنِهِ طَوَافًا حَقِيقَةً يُحْكَمُ بِالْجَوَازِ، وَلِكَوْنِهِ شَبِيهًا بِالصَّلاَةِ يُحْكَمُ بِالْكَرَاهَةِ (107) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (طَوَافٌ) .
ج - مَسُّ الْمُصْحَفِ:
26 - لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ يَمَسُّهُ إِِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (108) } وَلِقَوْلِهِ ﵊: لاَ تَمَسَّ الْقُرْآنَ إِِلاَّ وَأَنْتَ طَاهِرٌ (109) وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ تِلاَوَتِهِ لِمَنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَصْغَر بِغَيْرِ لَمْسٍ.
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنَ الْمَنْعِ مَسَّهُ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ كَمَا إِِذَا كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ عُودٍ طَاهِرَيْنِ أَوْ فِي وِعَائِهِ وَعِلاَقَتِهِ، أَوْ لِمُعَلِّمٍ وَمُتَعَلِّمٍ لِغَرَضِ التَّعْلِيمِ، أَوْ كَانَ حَمْلُهُ فِي حَال الْحَدَثِ غَيْرَ مَقْصُودٍ، كَأَنْ كَانَ فِي صُنْدُوقٍ ضِمْنَ الأَْمْتِعَةِ، وَيَكُونُ الْقَصْدُ حَمْل الأَْمْتِعَةِ وَفِي دَاخِلِهَا قُرْآنٌ.
وَلِتَفْصِيل كُل هَذِهِ الْمَسَائِل مَعَ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ رَاجِعْ مُصْطَلَحَ (مُصْحَفٌ) .
27 - وَيَجُوزُ مَسُّ وَحَمْل كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَرَسَائِل فِيهَا قُرْآنٌ فِي حَالَةِ الْحَدَثِ إِِذَا كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (110) . أَمَّا إِِذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ أَوْ مُسَاوِيًا لِلتَّفْسِيرِ أَوْ يَكُونُ الْقُرْآنُ مَكْتُوبًا عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَفِي مَسِّهِ لِلْمُحْدِثِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (مُصْحَفٌ) .
28 - هَذَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ (الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ) بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، لأَِنَّ الْحَدَثَ الأَْكْبَرَ أَغْلَظُ مِنَ الْحَدَثِ الأَْصْغَرِ. وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ مَا يَأْتِي:
1 - تِلاَوَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِقَصْدِ التِّلاَوَةِ. (ر: تِلاَوَةٌ) .
2 - الاِعْتِكَافُ: كَمَا فُصِّل فِي مُصْطَلَحِ (اعْتِكَافٌ) .
3 - الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. أَمَّا دُخُول الْمَسْجِدِ عُبُورًا أَوْ مُجْتَازًا، فَأَجَازَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِِلاَّ لِضَرُورَةٍ (111) .
لِقَوْلِهِ ﷺ: إِِنَّ الْمَسْجِدَ لاَ يَحِل لِجُنُبٍ وَلاَ لِحَائِضٍ (112) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مَسْجِدٌ) .
وَيَحْرُمُ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ عِلاَوَةً عَلَى ذَلِكَ الصِّيَامُ. (ر: حَيْضٌ، وَنِفَاسٌ) .
ثَانِيًا - مَا يُرْفَعُ بِهِ الْحَدَثُ:
29 - يُرْفَعُ الْحَدَثُ الأَْكْبَرُ بِالْغُسْل، وَالأَْصْغَرُ بِالْغُسْل وَبِالْوُضُوءِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُمَا فِي مُصْطَلَحَيْ: (غُسْلٌ، وَوُضُوءٌ) .
أَمَّا التَّيَمُّمُ فَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الْغُسْل وَالْوُضُوءِ، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ ضَرُورِيٌّ لاَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ لَكِنَّهُ يُبَاحُ لِلْمُتَيَمِّمِ الصَّلاَةُ بِهِ وَنَحْوُهَا لِلضَّرُورَةِ مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ حَقِيقَةً (113) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِِنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ مُطْلَقٌ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْل، فَيَرْفَعُ الْحَدَثَ إِِلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَيَجُوزُ بِهِ مَا يَجُوزُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْل مُطْلَقًا (114) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَيَمُّمٌ) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير في المادة.
(2) ابن عابدين 1 / 57، 58، وحاشية الدسوقي 1 / 32، 114، وجواهر الإكليل 1 / 5، ونهاية المحتاج 1 / 51، 52، 95، والمنثور في القواعد 2 / 41، وكشاف القناع 1 / 28، 29.
(3) البدائع 1 / 24.
(4) الدسوقي 1 / 32، 114.
(5) كشاف القناع 1 / 28.
(6) ابن عابدين 1 / 58، ومغني المحتاج 1 / 17، والمنثور 2 / 41.
(7) مغني المحتاج 1 / 17، وأسنى المطالب شرح روض الطالب 1 / 33، 34، ابن عابدين 1 / 58، والحطاب 1 / 44.
(8) الدسوقي 1 / 38.
(9) نفس المراجع، الحطاب 1 / 44.
(10) لسان العرب والمصباح المنير في المادة، وابن عابدين 1 / 57، والحطاب 1 / 45، وجواهر الإكليل 1 / 5، والمغني 1 / 168.
(11) كان النبي ﷺ إذا دخل الخلاء قال: " اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 242 - ط السلفية) ومسلم (1 / 283 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(12) ابن عابدين 1 / 205، والمصباح المنير، ومغني المحتاج 1 / 17، والحطاب 1 / 45، وكشاف القناع 1 / 28.
(13) نهاية المحتاج 1 / 52، وكشاف القناع 1 / 28، 134.
(14) البدائع للكاساني 1 / 24، والاختيار 1 / 9، 10.
(15) جواهر الإكليل 1 / 19، 20، والحطاب 1 / 290 - 293.
(16) نفس المراجع.
(17) مغني المحتاج 1 / 32، 33.
(18) كشاف القناع 1 / 122، 124.
(19) البدائع 1 / 24، وابن عابدين 1 / 90، 91، وجواهر الإكليل 1 / 19، 20، ومغني المحتاج 1 / 32، 33، والمغني 1 / 168، 169، وكشاف القناع 1 / 22 - 124.
(20) حديث: " إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا. . . " أخرجه مسلم (1 / 276 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(21) المراجع السابقة، والدسوقي 1 / 115.
(22) حديث: " أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 332 - ط السلفية) من حديث عائشة.
(23) جواهر الإكليل 1 / 19، 20، والدسوقي 1 / 115.
(24) ابن عابدين 1 / 92، والبدائع 1 / 25، وجواهر الإكليل 1 / 19، 20، والمغني 1 / 169.
(25) مغني المحتاج 1 / 32، والمغني 1 / 169.
(26) حديث: " لا وضوء إلا من صوت أو ريح " أخرجه الترمذي (1 / 109 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، ونقل ابن حجر في التلخيص (1 / 117 - ط شركة الطباعة الفنية) عن البيهقي أنه قال: هذا حديث ثابت قد اتفق الشيخان على إخراج معناه من حديث عبد الله بن زيد.
(27) ابن عابدين 1 / 93، 94، الاختيار 1 / 10، ومراقي الفلاح 1 / 46، 49، وكشاف القناع 1 / 124، والمغني لابن قدامة 1 / 185.
(28) حديث: " الوضوء من كل دم سائل " أخرجه الدارقطني (1 / 157 - ط دار المحاسن) من حديث تميم الداري وأعله الدارقطني بانقطاع في سنده، وبجهالة راويين فيه.
(29) حديث: " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي، فلينصرف، فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم ". أخرجه ابن ماجه (1 / 385 - 386 - ط الحلبي) من حديث عائشة، وقال البوصيري: " في إسناده إسماعيل بن عياش، وقد روى عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة ".
(30) البدائع 1 / 24، 25، والاختيار 1 / 9 - 11، والمغني 1 / 185 وما بعدها.
(31) المغني 1 / 185.
(32) يكلؤنا أي يحرسنا.
(33) ربيئة القوم هو الرقيب الذي يشرف على المرقب ينظر العدو من أي جهة يأتي فينذر أصحابه.
(34) أي شعروا وعلوا بمكانه.
(35) حديث جابر: " خرجنا مع رسول الله ﷺ. . . " أخرجه أبو داود (1 / 136 - 137 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وصححه ابن حبان (2 / 212 - ط دار الكتب العلمية) .
(36) حديث: " قاء فلم يتوضأ. . . . " قال العيني: " هذا الحديث غريب لا ذكر له في كتب الحديث " البناية في شرح الهداية (1 / 198 - ط دار الفكر) .
(37) مغني المحتاج 1 / 32 - 33، والحطاب 1 / 293.
(38) حاشية ابن عابدين 1 / 95، 96، وجواهر الإكليل 1 / 20، ومغني المحتاج 1 / 33، 34، وكشاف القناع 1 / 125.
(39) حديث صفوان بن عسال: " كان يأمرنا إذا كنا سفراء " أخرجه الترمذي (1 / 159 - ط الحلبي) ثم نقل عن البخاري أنه حسنه.
(40) حديث: " العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ " أخرجه ابن ماجه (1 / 161 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب، وحسنه النووي في المجموع (2 / 13 - ط المنيرية) .
(41) فتح القدير مع الهداية 1 / 42، 43.
(42) جواهر الإكليل 1 / 20، والذخيرة 1 / 224، والمنتقى 1 / 49، والدسوقي 1 / 118، 119.
(43) حديث: " كان أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون العشاء فينامون - أحسبه قال: قعودا - حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون " أخرجه الشافعي في مسنده (1 / 34 - ترتيب السندي - ط مطبعة السعادة) ، وأصله في صحيح مسلم (1 / 248 - ط الحلبي) .
(44) حديث: " ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضع جنبه إلى الأرض ". أخرجه ابن عدي في الكامل (6 / 2459 - ط دار الفكر) في ترجمة مهدي بن هلال، وقال ابن حجر في التلخيص (1 / 120 - ط شركة الطباعة الفنية) " وهو متهم بوضع الحديث ".
(45) مغني المحتاج 1 / 34، وقليوبي 1 / 32، والمجموع 2 / 12، 13.
(46) حديث: " إنما الوضوء على من نام. . . . " أخرجه أبو داود (1 / 139 تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (1 / 111 ط مصطفى الحلبي) من حديث ابن عباس. وضعف أبو داود والترمذي الحديث وتبعهم أحمد شاكر على ذلك في تحقيقه للترمذي.
(47) المغني لابن قدامة 1 / 173 - 175.
(48) البدائع للكاساني 1 / 30.
(49) حاشية ابن عابدين 1 / 99.
(50) حديث أبي أمامة قال: " بينما رسول الله ﷺ في المسجد ونحن قعود معه. . . " أخرجه مسلم (4 / 2117 - 2118 - ط الحلبي) .
(51) البدائع 1 / 30، وابن عابدين 1 / 99، والبناية على الهداية 1 / 201، وجواهر الإكليل 1 / 20، ومغني المحتاج 1 / 34، وكشاف القناع 1 / 128، 129.
(52) جواهر الإكليل 1 / 20، وحاشية الدسوقي 1 / 115، وما بعدها.
(53) مغني المحتاج 1 / 34، 35، وحاشية القليوبي 1 / 32، 33.
(54) كشاف القناع 1 / 128، 129.
(55) سورة النساء / 43.
(56) سورة الأنعام / 7.
(57) حديث: " لعلك لمست. . . " أخرجه أحمد (1 / 238 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عباس.
(58) جواهر الإكليل 1 / 20، ومغني المحتاج 1 / 34، 35، وكشاف القناع 1 / 128، 129.
(59) حديث عائشة: كنت أنام بين يدي رسول الله ﷺ. . أخرجه البخاري (الفتح 1 / 588 - ط السلفية) .
(60) البناية على الهداية 1 / 243، 244 وحديث: " قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ " أخرجه الترمذي (1 / 133 - ط الحلبي) ، وصححه ابن عبد البر كما في نصب الراية (1 / 38 - ط المجلس العلمي) .
(61) جواهر الإكليل 1 / 20، 21.
(62) مغني المحتاج 1 / 35، 36.
(63) كشاف القناع 1 / 127، 128 والمغني 1 / 178.
(64) كشاف القناع 1 / 128.
(65) حديث: " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ " أخرجه الإمام مالك (1 / 42 - ط الحلبي) ، والترمذي (1 / 126 - ط الحلبي) واللفظ للترمذي، وصححه البخاري وأحمد وغيرهما كما في التلخيص لابن حجر (1 / 122 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(66) حديث: " من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فقد وجب عليه الوضوء " أخرجه أحمد (2 / 333 - ط الميمنية) من حديث أبي هريرة.
(67) حديث: " أيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ " أخرجه أحمد (2 / 223 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
(68) حديث: " هل هو إلا بضعة منك " أخرجه أبو داود (1 / 127 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه الفلاس، وقال الطحاوي: " إسناده مستقيم " كذا في التلخيص لابن حجر (1 / 125 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(69) ابن عابدين 1 / 99، والبناية على الهداية 1 / 243، والمغني لابن قدامة 1 / 178، 179.
(70) جواهر الإكليل 1 / 21، وبداية المجتهد 1 / 39، والمغني 1 / 177.
(71) حديث: " من ضحك في الصلاة قهقهة فليعد الوضوء والصلاة معا " أخرجه ابن عدي في الكامل (3 / 1027 - ط دار الفكر) وابن الجوزي في العلل المتناهية (1 / 368 - ط دار نشر الكتب الإسلامية) من حديث عبد الله بن عمر، وقال ابن الجوزي: " هذا حديث لا يصح ".
(72) حاشية ابن عابدين مع الدر المختار 1 / 97، 98، ومراقي الفلاح ص 50، 51، والبناية على الهداية 1 / 226، 227، 233.
(73) المراجع السابقة.
(74) المراجع السابقة.
(75) حديث: " الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل. . . " أخرجه الدارقطني (1 / 151 - ط دار المحاسن) وقال ابن حجر: " فيه الفضل بن المختار وهو ضعيف جدا " التلخيص (1 / 118 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(76) حديث: " كان آخر الأمرين من رسول الله ﷺ ترك الوضوء مما مسته النار " أخرجه أبو داود (1 / 133 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه ابن خزيمة (1 / 128 - ط المكتب الإسلامي) .
(77) بداية المجتهد 1 / 40، وجواهر الإكليل 1 / 21، والمغني 1 / 189.
(78) كشاف القناع 1 / 130، والمغني 1 / 187 - 190.
(79) حديث: " توضئوا من لحوم الإبل ولا تتوضئوا من لحوم الغنم " أخرجه أبو داود (1 / 28 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث البراء بن عازب أنه قال: سئل رسول الله ﷺ عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: " توضئوا منها " وسئل عن لحوم الغنم فقال: " لا توضئوا وأخرجه كذلك ابن خزيمة (1 / 22 - ط المكتب الإسلامي) وقال: " لم نر خلافا بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه ".
(80) نفس المراجع.
(81) بداية المجتهد 1 / 140، والمغني 1 / 191، 192، وكشاف القناع 1 / 129، 130، والإنصاف 1 / 215.
(82) نفس المراجع.
(83) سورة الزمر / 65.
(84) سورة البقرة / 217.
(85) جواهر الإكليل 1 / 21، والحطاب 1 / 299، 300، ونهاية المحتاج 1 / 15، والقوانين الفقهية ص (22) ، والمغني 1 / 176، 177.
(86) الشك هو التردد باستواء أو رجحان. وقيل: هو ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، وإذا طرحه الآخر فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين (القليوبي 1 / 37، والتعريفات للجرجاني) .
(87) حديث: " إذا وجد أحدكم في بطنه. . . " تقدم تخريجه (ف 7) .
(88) ابن عابدين 1 / 102، والبدائع 1 / 33، وحاشية القليوبي 1 / 37، 38، والمغني 1 / 196، 197، ومغني المحتاج 1 / 39.
(89) القليوبي 1 / 38.
(90) ابن عابدين 1 / 102.
(91) الشك المستنكح هو الذي يأتي كل يوم ولو مرة (جواهر الإكليل 1 / 21) .
(92) مواهب الجليل للحطاب مع التاج والإكليل 1 / 300، وجواهر الإكليل 1 / 21.
(93) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني 1 / 33، 101.
(94) حديث: " إن الشيطان يأتي أحدكم فينفخ بين إليتيه " أخرجه البيهقي في الخلافيات عن الشافعي أنه قال: قال رسول الله ﷺ: فذكره، بغير إسناد دون قوله: " فيقول: أحدثت أحدثت "، كذا قال ابن حجر في التلخيص (1 / 128 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(95) حديث: " لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 329 - ط السلفية) ومسلم (1 / 204 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري.
(96) حديث: " لا صلاة لمن لا وضوء له " أخرجه أبو داود (1 / 75 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي هريرة. وفي إسناده ضعف، ولكن له شواهد ذكرها ابن حجر في التلخيص (1 / 72 - 75 - ط شركة الطباعة الفنية) وقال: " مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا ".
(97) حديث: " لا تقبل صلاة بغير طهور " أخرجه مسلم (1 / 204 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(98) بدائع الصنائع 1 / 33، 34، وجواهر الإكليل على متن خليل 1 / 21، ومغني المحتاج 1 / 36، وكشاف القناع 1 / 134، والمغني 1 / 143 - 151.
(99) ابن عابدين 1 / 512، ومغني المحتاج 1 / 36.
(100) حديث: " إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة " أخرجه أبو داود (1 / 141 - 142 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وأعله ابن القطان بجهالة راو فيه، كذا في التلخيص لابن حجر (1 / 274 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(101) حديث: " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي، فلينصرف، فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم ". تقديم تخريجه (ف 10) .
(102) البدائع للكاساني 1 / 220، 224، وانظر حاشية ابن عابدين 1 / 403، فتح القدير 1 / 268، والفتاوى الهندية 1 / 95.
(103) تبيين الحقائق للزيلعي 1 / 145، وجواهر الإكليل 1 / 64، ونهاية المحتاج 2 / 336، 337، والمغني 2 / 202.
(104) نهاية المحتاج 2 / 336، 337، والمغني 2 / 203 وما بعدها.
(105) حديث: " الطواف حول البيت مثل الصلاة، ألا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فلا يتكلمن إلا بخير " أخرجه الترمذي (3 / 284 - ط الحلبي) من حديث عبد الله ابن عباس، وصحح ابن حجر بعض طرقه كما في التلخيص (1 / 130 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(106) بدائع الصنائع للكاساني 1 / 34، وحاشية ابن عابدين 1 / 60، 2 / 149، وجواهر الإكليل 1 / 21، 173، ومغني المحتاج 1 / 36، والمغني 3 / 377، وكشاف القناع 1 / 135.
(107) البدائع 1 / 34.
(108) سورة الواقعة / 79.
(109) حديث: " قال لحكيم بن حزام: لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر " أخرجه الحاكم (3 / 485 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث حكيم بن حزام، وحسن الحازمي إسناده كما في التلخيص لابن حجر (1 / 131 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(110) بدائع الصنائع 1 / 33، 34، وابن عابدين 1 / 116، وجواهر الإكليل 1 / 21، ومغني المحتاج 1 / 37، وكشاف القناع 1 / 135.
(111) حاشية ابن عابدين 1 / 115، 116، وجواهر الإكليل 1 / 23، وحاشية القليوبي 1 / 64، 65، والمغني لابن قدامة 1 / 144، 145.
(112) حديث: " إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض " أخرجه ابن ماجه (1 / 212 - ط الحلبي) من حديث أم سلمة، وقال البوصيري: " إسناده ضعيف ".
(113) حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير 1 / 154، ومغني المحتاج 1 / 97، 105، وكشاف القناع 1 / 161، 199.
(114) تبيين الحقائق للزيلعي 1 / 42، وبدائع الصنائع 1 / 54.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 108/ 17
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".