المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
هو ما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال الخاص، ويكون سبباً للتخفيف في الأحكام الشرعية . ومن شواهده قوله تعالى :ﱫﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﱪ البقرة :184.
المَرَضُ: السَّقَمُ، يُقال: مَرِضَ، يَمرَضُ، مَرضاً: إذا أصابَه السَّقَمُ. وضِدُّهُ: الصِّحَّةُ. ومِن أَسْماءِ المَرَضِ: الدَّاءُ والعِلَّةُ. ويأْتي بِمعنى النُّقْصانِ والضَّعْفِ، فيُقال: بَدَنٌ مَرِيضٌ، أي: ضَعِيفٌ ناقِصُ القُوَّةِ. وأَصْلُه: الفَسادُ والخُروجُ عن الاعْتِدالِ، ومنه سُمِّيَ السَّقَمُ مَرَضاً؛ لأنَّهُ حالَةٌ خارِجَةٌ عن الطَّبْعِ مُفْسِدَةٌ لِلبَدَنِ. والمَرَضُ نَوعانِ: جِسْمِيٌّ، ورُوحانِيٌّ، ومنه سُمِيَ الكَذِبُ والخِداعُ والخِيانَةُ وغير ذلك أَمْراضاً.
يَرِد مُصْطلَح (مَرَض) في الفقه في مَواضِعَ عَدِيدَةٍ، منها: كتاب الصَّلاةِ، باب: صَلاة أَهْلِ الأَعْذارِ، وباب: الجَمْع بين الصَّلاتَيْنِ، وكتاب الصِّيامِ، باب: الأَسْباب المُبِيحَة لِلْفِطْرِ، وكتاب الحَجِّ، باب: شُروط الحَجِّ، وكتاب الجِهادِ، باب: شُرُوط الجِهادِ، وكتاب النِّكاحِ، باب: العُيوب في النِّكاحِ، وكتاب الوَصايا، والوَقْف، والهِبَة، وكتاب الأَضاحِي، باب: عُيوب الأُضْحِيَةِ، وكتاب الجِناياتِ، باب: الجِنايَة على الأَعْضاءِ والمَنافِعِ، وغَيْر ذلك. ويَرِد في علم الطِّبِّ، عند الكلام على عِلْمِ الأمراضِ، وهو فَرْعٌ مِن الطِّبِّ يُعنى بِدِراسَةِ أنواعِ الأمراضِ، وأسبابِ حُدوثِها، وأعراضِها، وكيفِيَّةِ عِلاجِها، والوِقايَةِ مِنها.
مرض
ما يعرض للبدن، فيخرجه عن الاعتدال الخاص، ويكون سبباً للتخفيف في الأحكام الشرعية.
* العين : (7/40)
* تهذيب اللغة : (12/26)
* الـمجموع شرح الـمهذب : (5/109)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/568)
* التعريفات للجرجاني : (ص 211)
* مقاييس اللغة : (5/311)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/203)
* مختار الصحاح : (ص 293)
* لسان العرب : (7/231)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (2/1516)
* القاموس الفقهي : (ص 343)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 422) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَرَضُ فِي اللُّغَةِ: السَّقَمُ، نَقِيضُ الصِّحَّةِ يَكُونُ لِلإِْنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ.
وَالْمَرَضُ أَيْضًا: حَالَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الطَّبْعِ ضَارَّةٌ بِالْفِعْل، قَال ابْنُ الأَْعْرَابِيِّ: أَصْل الْمَرَضِ النُّقْصَانُ (1) .
وَقَال الْفَيْرُوزُ آبَادِي: الْمَرَضُ إِظْلاَمُ الطَّبِيعَةِ وَاضْطِرَابُهَا بَعْدَ صَفَائِهَا وَاعْتِدَالِهَا.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: حَالَةٌ غَيْرُ طَبِيعِيَّةٍ فِي بَدَنِ الإِْنْسَانِ تَكُونُ بِسَبَبِهَا الأَْفْعَال الطَّبِيعِيَّةُ وَالنَّفْسَانِيَّةُ وَالْحَيَوَانِيَّةُ غَيْرَ سَلِيمَةٍ.
وَقِيل: الْمَرَضُ مَا يَعْرِضُ لِلْبَدَنِ فَيُخْرِجُهُ عَنِ الاِعْتِدَال الْخَاصِّ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصِّحَّةُ
2 - الصِّحَّةُ فِي الْبَدَنِ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تُجْرَى الأَْفْعَال مَعَهَا عَلَى الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ، وَرَجُلٌ صَحِيحُ الْجَسَدِ خِلاَفُ مَرِيضٍ، وَجَمْعُهُ أَصِحَّاءُ.
وَالصِّحَّةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَوْنُ الْفِعْل مُسْقِطًا لِلْقَضَاءِ فِي الْعِبَادَاتِ، أَوْ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ ثَمَرَاتِهِ الْمَطْلُوبَةِ عَلَيْهِ شَرْعًا فِي الْمُعَامَلاَتِ، وَبِإِزَائِهِ الْبُطْلاَنُ (3) .
وَالْعِلاَقَةُ بَيْنَ الْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ الْبَدَنِيَّةِ الضِّدِّيَّةُ.
ب - مَرَضُ الْمَوْتِ
3 - مَرَضُ الْمَوْتِ مُرَكَّبٌ مِنْ كَلِمَتَيْنِ: مَرَضٌ وَمَوْتٌ.
أَمَّا الْمَرَضُ فَقَدْ سَبَقَ تَعْرِيفُهُ، وَالْمَوْتُ: هُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ (4) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ مَرَضِ الْمَوْتِ اصْطِلاَحًا، وَلَكِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ مَخُوفًا: أَيْ يَغْلِبُ الْهَلاَكُ مِنْهُ عَادَةً أَوْ يَكْثُرُ، وَأَنْ يَتَّصِل الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْمَوْتُ بِسَبَبِهِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ عَنِ الْمَرَضِ كَقَتْلٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (5) .
وَعِلاَقَةُ الْمَرَضِ بِمَرَضِ الْمَوْتِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ، إِذْ مَرَضُ الْمَوْتِ مَرَضٌ وَلَيْسَ الْعَكْسُ. ج - التَّدَاوِي
4 - التَّدَاوِي لُغَةً: مَصْدَرُ تَدَاوَى أَيْ: تَعَاطَى الدَّوَاءَ، وَأَصْلُهُ دَوَى يُدْوِي دَوِيًّا أَيْ مَرِضَ، وَأَدْوَى فُلاَنًا يُدْوِيهِ بِمَعْنَى: أَمْرَضَهُ، وَبِمَعْنَى عَالَجَهُ أَيْضًا، فَهِيَ مِنَ الأَْضْدَادِ (6) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ التَّدَاوِي عَنْ هَذَا الْمَعْنَى (7) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ التَّدَاوِي قَدْ يَكُونُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى سَبَبًا لِلشِّفَاءِ وَزَوَال الْمَرَضِ.
أَقْسَامُ الْمَرَضِ
5 - قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الأَْمْرَاضُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَرَضٌ غَيْرُ مَخُوفٍ مِثْل: وَجَعِ الْعَيْنِ، وَالضِّرْسِ وَالصُّدَاعِ الْيَسِيرِ، وَحُمَّى سَاعَةٍ، فَهَذَا حُكْمُ صَاحِبِهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ لأَِنَّهُ لاَ يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: الأَْمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالْجُذَامِ وَحُمَّى الرِّبْعِ - وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَذْهَبُ يَوْمَيْنِ وَتَعُودُ فِي الرَّابِعِ (8) - وَالْفَالِجُ فِي انْتِهَائِهِ، وَالسُّل فِي ابْتِدَائِهِ، وَالْحُمَّى الْغِبُّ، فَهَذَا الْقِسْمُ: إِنْ كَانَ صَاحِبُهَا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَعَطَايَاهُ كَالصَّحِيحِ مِنْ جَمِيعِ الْمَال، وَإِنْ أَضْنَى صَاحِبُهَا عَلَى فِرَاشِهِ فَهِيَ مَخُوفَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَبَهْ يَقُول الأَْوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لأَِنَّهُ مَرِيضٌ صَاحِبُ فِرَاشٍ يَخْشَى التَّلَفَ فَأَشْبَهَ صَاحِبَ الْحُمَّى الدَّائِمَةِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي صَاحِبِ الأَْمْرَاضِ الْمُمْتَدَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنْ صُلْبِ الْمَال، لأَِنَّهُ لاَ يُخَافُ تَعْجِيل الْمَوْتِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَبْرَأُ، فَهُوَ كَالْهَرَمِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَرَضٌ مَخُوفٌ يُتَحَقَّقُ تَعْجِيل الْمَوْتِ بِسَبَبِهِ فَيُنْظَرُ فِيهِ: فَإِنْ كَانَ عَقْلُهُ قَدِ اخْتَل مِثْل مَنْ ذَبَحَ أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ، فَهَذَا كَمَيِّتٍ لاَ حُكْمَ لِكَلاَمِهِ وَلاَ لِعَطِيَّتِهِ، لأَِنَّهُ لاَ يَبْقَى لَهُ عَقْلٌ ثَابِتٌ، وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ الْعَقْل كَمَنْ خُرِقَتْ حَشْوَتُهُ أَوِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَلَكِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَقْلُهُ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَتَبَرُّعُهُ، وَكَانَ تَبَرُّعُهُ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ عَمَّرَ ﵁ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ فَقُبِلَتْ وَصِيَّتُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَعَلِيٌّ ﵁ بَعْدَ ضَرْبِ ابْنِ مُلْجِمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلاَنِ قَوْلِهِ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَرَضٌ مَخُوفٌ لاَ يُتَعَجَّل مَوْتُ صَاحِبِهِ يَقِينًا لَكِنَّهُ يُخَافُ ذَلِكَ كَالْبِرْسَامِ - هُوَبُخَارٌ يَرْتَقِي إِلَى الرَّأْسِ، وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ، فَيَخْتَل عَقْل صَاحِبِهِ (9) - وَوَجَعُ الْقَلْبِ وَالرِّئَةِ وَأَمْثَالِهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا، فَلاَ يَنْدَمِل جُرْحُهَا، فَهَذِهِ كُلُّهَا مَخُوفَةٌ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا حُمَّى أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَأَمَّا مَا أَشْكَل أَمْرُهُ فَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْل أَهْل الْمَعْرِفَةِ، وَهُمُ الأَْطِبَّاءُ، لأَِنَّهُمْ أَهْل الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَلاَ يُقْبَل إِلاَّ قَوْل طَبِيبَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، ثِقَتَيْنِ، بَالِغَيْنِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَأَهْل الْعَطَايَا فَلَمْ يُقْبَل فِيهِ إِلاَّ ذَلِكَ (10) .
وَخُلاَصَةُ الْقَوْل: أَنَّ الْمَرَضَ الْمَخُوفَ بِأَنْوَاعِهِ إِنِ اتَّصَل بِهِ الْمَوْتُ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَتَّصِل بِهِ الْمَوْتُ، بِأَنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ، ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ، لأَِنَّهُ لَمَّا صَحَّ بَعْدَ الْمَرَضِ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ (11) .
وَلِتَفْصِيل الأَْحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَرَضِ الْمَوْتِ، وَالْحَالاَتِ الَّتِي تَلْحَقُ بِهِ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (مَرَضُ الْمَوْتِ) .
أَحْكَامُ الْمَرَضِ:
الرُّخَصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَرَضِ
6 - الأَْصْل أَنَّ الْمَرَضَ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْحُكْمِ - أَيْ ثُبُوتَ الْحُكْمِ وَوُجُوبَهُ عَلَى الإِْطْلاَقِ - سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَوِ الْعِبَادِ، وَلاَ أَهْلِيَّةَ الْعِبَارَةِ - أَيِ: التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْحُكْمِ - إِذْ لاَ خَلَل فِي الذِّمَّةِ وَالْعَقْل اللَّذَيْنِ هُمَا مَنَاطُ الأَْحْكَامِ، وَلِهَذَا صَحَّ نِكَاحُ الْمَرِيضِ وَطَلاَقُهُ وَإِسْلاَمُهُ، وَانْعَقَدَتْ تَصَرُّفَاتُهُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - كَمَا سَيَأْتِي - إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْعَجْزِ شُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، وَأُخِّرَ مَا لاَ قُدْرَةَ عَلَيْهِ أَوْ مَا فِيهِ حَرَجٌ (12) .
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُ ذَلِكَ:
أَوَّلاً: جَوَازُ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لِلْمَرَضِ
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا تَيَقَّنَ التَّلَفَ بِاسْتِعْمَال الْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَوْفِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ.
وَالتَّفْصِيل فِي (تَيَمُّمٌ ف 21 وَمَا بَعْدَهَا) . ثَانِيًا: الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ
8 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ بِشُرُوطِهَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَيْفِيَّةُ تَطَهُّرِ وَاضِعِ الْجَبِيرَةِ وَمَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي مُصْطَلَحِ (جَبِيرَةٌ ف 4 - 8) .
ثَالِثًا: كَيْفِيَّةُ صَلاَةِ الْمَرِيضِ وَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ
9 - الأَْصْل فِي الْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إِلَى شَيْءٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ لِمَرَضٍ صَلَّى قَائِمًا مُسْتَنِدًا، ثُمَّ جَالِسًا مُسْتَقْبِلاً، ثُمَّ جَالِسًا مُسْتَنِدًا، ثُمَّ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْمَنِ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ مُسْتَلْقِيًا عَلَى ظَهْرِهِ مُسْتَقْبِل الْقِبْلَةِ بِرِجْلَيْهِ، ثُمَّ مُضْطَجِعًا عَلَى جَنْبِهِ الأَْيْسَرِ، وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الاِضْطِجَاعِ وَالاِسْتِلْقَاءِ.
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ وَكَانَ عَقْلُهُ ثَابِتًا: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يَنْوِي الصَّلاَةَ بِقَلْبِهِ مَعَ الإِْيمَاءِ بِطَرْفِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (13) ، وَلِوُجُودِ مَنَاطِ التَّكْلِيفِ الَّذِي هُوَ الْعَقْل.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا زُفَرَ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ اخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ الإِْيمَاءُ بِرَأْسِهِ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ لأَِنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْل لاَ يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ.
وَقَال - زُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - إِنَّهُ إِنْ تَعَذَّرَ الإِْيمَاءُ بِرَأْسِهِ يُومِئُ بِحَاجِبَيْهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِعَيْنَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ (14) .
إِلاَّ أَنَّ سُقُوطَ الصَّلاَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَمَّا لَوْ كَانَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَل وَهُوَ يَعْقِل فَلاَ تَسْقُطُ بَل تُقْضَى إِذَا صَحَّ اتِّفَاقًا، وَلَوْ مَاتَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّلاَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ حَتَّى لاَ يَلْزَمَهُ الإِْيصَاءُ بِهَا، كَالْمُسَافِرِ إِذَا أَفْطَرَ وَمَاتَ قَبْل الإِْقَامَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَبَهَ عَلَى الْمَرِيضِ أَعْدَادُ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ بِأَنْ وَصَل إِلَى حَالٍ لاَ يُمْكِنُهُ ضَبْطُ ذَلِكَ، فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الأَْدَاءُ، وَلَوْ أَدَّاهَا بِتَلْقِينِ غَيْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْزِئَهُ (15) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْمَرِيضَ يَفْعَل فِي صَلاَتِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّشَهُّدِ مَا يَفْعَلُهُ الصَّحِيحُ، لأَِنَّ مُفَارَقَةَ الْمَرِيضِ الصَّحِيحَ فِيمَا هُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ (16) .
وَإِنْ قَضَى الْمَرِيضُ فَوَائِتَ الصِّحَّةِ فِي الْمَرَضِ، قَضَاهَا كَمَا قَدَرَ قَاعِدًا أَوْ مُومِئًا.
وَإِنْ صَلَّى قَبْل الْوَقْتِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا مَخَافَةَ أَنْ يَشْغَلَهُ الْمَرَضُ عَنِ الصَّلاَةِ إِذَا حَانَ الْوَقْتُ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وُضُوءٍ (17) .
وَإِذَا كَانَ الْمَرِيضُ عَلَى فِرَاشٍ نَجِسٍ إِنْ كَانَ لاَ يَجِدُ فِرَاشًا طَاهِرًا، أَوْ يَجِدُهُ لَكِنْ لاَ يَجِدُ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ إِلَى فِرَاشٍ طَاهِرٍ، يُصَلِّي عَلَى الْفِرَاشِ النَّجِسِ، وَإِنْ كَانَ يَجِدُ أَحَدًا يُحَوِّلُهُ، يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ، وَصَلَّى عَلَى الْفِرَاشِ النَّجِسِ لاَ تَجُوزُ صَلاَتُهُ.
وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ ثِيَابٌ نَجِسَةٌ، وَكَانَ بِحَالٍ لاَ يُبْسَطُ شَيْءٌ إِلاَّ وَيَتَنَجَّسُ مِنْ سَاعَتِهِ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ، وَكَذَا إِذَا لَمْ يَتَنَجَّسِ الثَّانِي لَكِنْ تَلْحَقُهُ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِالتَّحْوِيل (18) .
وَتَفْصِيل الْكَلاَمِ عَلَى كَيْفِيَّةِ صَلاَةِ الْمَرِيضِ مِنْ قِيَامٍ وَجُلُوسٍ وَاضْطِجَاعٍ وَغَيْرِهَا وَكَذَلِكَ الْكَلاَمُ عَلَى الْعَجْزِ الْمُؤَقَّتِ، وَطُمَأْنِينَةِ الْمَرِيضِ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مُصْطَلَحِ (صَلاَةُ الْمَرِيضِ ف 2 - 16) .
وَأَمَّا الْعَجْزُ عَنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ لأَِجْل الْمَرَضِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِقْبَالٌ ف 38، صَلاَةُ الْمَرِيضِ ف 11) .
رَابِعًا: التَّخَلُّفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَصَلاَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
10 - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا بَيْنَ أَهْل الْعِلْمِ: أَنَّ لِلْمَرِيضِ أَنَّ يَتَخَلَّفَ عَنِ الْجَمَاعَاتِ مِنْ أَجْل الْمَرَضِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِي فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ، قَالُوا: وَمَا الْعُذْرُ؟ قَال: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَل مِنْهُ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّى (19) .
وَقَدْ كَانَ بِلاَلٌ ﵁ يُؤَذِّنُ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ يَأْتِي النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ مَرِيضٌ فَيَقُول: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَل بِالنَّاسِ (20) .
وَكُل مَا أَمْكَنَ تَصَوُّرُهُ فِي الْجُمُعَةِ مِنَ الأَْعْذَارِ الْمُرَخِّصَةِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ، يُرَخِّصُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ، إِذْ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الصِّحَّةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ (21) .
وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يَشُقُّ مَعَهُ الإِْتْيَانُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إِنْ شَقَّ عَلَيْهِ مَعَهُ الإِْتْيَانُ مَاشِيًا لاَ رَاكِبًا فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي: صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِْتْيَانُ، وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا إِذَا كَانَتِ الأُْجْرَةُ غَيْرَ مُجْحِفَةٍ وَإِلاَّ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُضُورُ إِلَى الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقِيل: لاَ يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اتِّفَاقًا كَالْمُقْعَدِ (22) .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ فَقَالُوا: إِنْ تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِأَنْ يُرْكِبَهُ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهَا دُونَ الْجَمَاعَةِ (23) .
وَلَوْ حَضَرَ الْمَرِيضُ الْجُمُعَةَ، تَنْعَقِدُ بِهِ، وَإِذَا أَدَّاهَا أَجْزَأَهُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، لأَِنَّ سُقُوطَ فَرْضِ السَّعْيِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِمَعْنًى فِي الصَّلاَةِ بَل لِلْحَرَجِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَحَمَّل، الْتَحَقَ فِي الأَْدَاءِ بِغَيْرِهِ، وَصَارَ كَمُسَافِرٍ صَامَ (24) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ الاِنْصِرَافُ إِذَا حَضَرَ الْجَامِعَ بَعْدَ دُخُول الْوَقْتِ بَل تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ الْمَشَقَّةُ فِي حُضُورِ الْجَامِعِ وَقَدْ حَضَرَ مُتَحَمِّلاً لَهَا، وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّل زَمَنٌ بَيْنَ دُخُول الْوَقْتِ وَالصَّلاَةِ، فَإِنْ لَمْ يَلْحَقْهُ مَزِيدُ مَشَقَّةٍ فِي الاِنْتِظَارِ لَزِمَهُ وَإِلاَّ لاَ.
وَيُنْدَبُ لِلْمَرِيضِ الَّذِي يَتَوَقَّعُ الْخِفَّةَ قَبْل فَوَاتِ الْجُمُعَةِ تَأْخِيرُهُ ظُهْرَهُ إِلَى الْيَأْسِ مِنْ إِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ، وَيَحْصُل الْيَأْسُ بِرَفْعِ الإِْمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ، لأَِنَّهُ قَدْ يَزُول عُذْرُهُ قَبْل ذَلِكَ فَيَأْتِي بِهَا كَامِلاً، فَلَوْ لَمْ يُؤَخِّرْ، وَزَال عُذْرُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ الظُّهْرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْهَا (25) .
وَيُنْدَبُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لاَ يُمْكِنُ زَوَال عُذْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ تَعْجِيل الظُّهْرِ لِيَحُوزَ فَضِيلَةَ أَوَّل الْوَقْتِ.
وَالْمَرْضَى إِذَا فَاتَتْهُمُ الْجُمُعَةُ يُصَلُّونَهَا ظُهْرًا فُرَادَى، وَتُكْرَهُ لَهُمُ الْجَمَاعَةُ (26) .
خَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَعْضَ الأَْمْرَاضِ بِالذِّكْرِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ:
فَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْجُذْمِ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ إِنْ كَانَ رَائِحَتُهُمْ تَضُرُّ بِالْمُصَلِّينَ، وَكَانُوا لاَ يَجِدُونَ مَوْضِعًا يَتَمَيَّزُونَ فِيهِ، أَمَّا لَوْ وَجَدُوا مَوْضِعًا يَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَيَتَمَيَّزُونَ فِيهِ بِحَيْثُ لاَ يَلْحَقُ ضَرَرُهُمْ بِالنَّاسِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّفَاقًا، لإِِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَقِّ النَّاسِ، وَمَا قِيل فِي الْجُذَامِ يُقَال فِي الْبَرَصِ (27) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيُنْدَبُ لِلإِْمَامِ مَنْعُ صَاحِبِ الْبَرَصِ وَالْجُذَامِ مِنَ الْمَسَاجِدِ، وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ (28) .
11 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُمَرِّضَ يَلْحَقُ بِالْمَرِيضِ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفَاصِيل: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ: يَجُوزُ لِلْمُمَرِّضِ التَّخَلُّفُ إِنْ بَقِيَ الْمَرِيضُ ضَائِعًا بِخُرُوجِهِ (29) .
وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِالْقَرِيبِ الْخَاصِّ وَقَالُوا: يَجُوزُ تَخَلُّفُ مُمَرِّضِ الْقَرِيبِ الْخَاصِّ عَنِ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، كَوَلَدٍ، وَوَالِدٍ وَزَوْجٍ، وَتَخَلُّفُ مُمَرِّضِ الأَْجْنَبِيِّ عَنْهَا بِشَرْطَيْنِ: أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَأَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةُ لَوْ تُرِكَ، كَالْعَطَشِ أَوِ الْجَوْعِ، أَوِ الْوُقُوعِ فِي نَارٍ أَوْ مَهْوَاةٍ، أَوِ التَّمَرُّغِ فِي نَجَاسَةٍ.
وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ مُمَرِّضَ الْقَرِيبِ غَيْرَ الْخَاصِّ - كَالْعَمِّ وَابْنِ الْعَمِّ - بِالأَْجْنَبِيِّ، خِلاَفًا لاِبْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ جَعَل تَمْرِيضَ الْقَرِيبِ مُطْلَقًا عُذْرًا لإِِبَاحَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ شَيْءٍ مِنَ الْقَيْدَيْنِ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِي تَمْرِيضِ الأَْجْنَبِيِّ (30) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِمُمَرِّضِ مَرِيضٍ قَرِيبٍ بِلاَ مُتَعَهِّدٍ، أَوْ لَهُ مُتَعَهِّدٌ، لَكِنَّ الْمَرِيضَ يَأْنَسُ بِهِ لِتَضَرُّرِ الْمَرِيضِ بِغَيْبَتِهِ، فَحِفْظُهُ أَوْ تَأْنِيسُهُ أَفْضَل مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ، وَالْمَمْلُوكُ وَالزَّوْجَةُ وَكُل مَنْ لَهُ مُصَاهَرَةٌ، وَالصَّدِيقُ، وَالأُْسْتَاذُ كَالْقَرِيبِ، بِخِلاَفِ الأَْجْنَبِيِّ الَّذِي لَهُ مُتَعَهِّدٌ، أَمَّا الأَْجْنَبِيُّ الَّذِي لاَ مُتَعَهِّدَ لَهُ، فَالْحُضُورُ عِنْدَهُ عُذْرٌ لِجَوَازِ التَّخَلُّفِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمُتَعَهِّدُ مَشْغُولاً بِشِرَاءِ الأَْدْوِيَةِ - مَثَلاً - عَنِ الْخِدْمَةِ فَوُجُودُهُ كَالْعَدِمِ (31) .
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ مُمَرِّضُ الْقَرِيبِ أَوِ الرَّفِيقِ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ لاَ يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، لأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ لِلْجُمُعَةِ فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ، قَال الرَّحِيبَانِيُّ: قَال فِي الشَّرْحِ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلاَفًا.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالأَْوْزَاعِيِّ (32) .
12 - وَيُبَاحُ لِلْمَرْضَى التَّخَلُّفُ عَنْ صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ كَالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول: إِنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الأَْعْيَانِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ، أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الأَْعْيَانِ وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ.
وَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إِذْ أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ (33) .
خَامِسًا: الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ لِلْمَرَضِ
13 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ لِلْمَرِيضِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَاسْتَدَل الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: مَا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلاَةً إِلاَّ لِمِيقَاتِهَا إِلاَّ صَلاَتَيْنِ: صَلاَةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْل مِيقَاتِهَا (34) وَلأَِنَّ أَوْقَاتَ الصَّلاَةِ قَدْ ثَبَتَتْ بِلاَ خِلاَفٍ، وَلاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ صَلاَةٍ عَنْ وَقْتِهَا إِلاَّ بِنَصٍّ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ، إِذْ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ عَنْ أَمْرٍ ثَابِتٍ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: لاَ يُجْمَعُ لِمَرَضٍ لأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل، وَلِخَبَرِ الْمَوَاقِيتِ فَلاَ يُخَالَفُ إِلاَّ بِصَرِيحٍ (35) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ - إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ لِلْمَرِيضِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: جَمَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ (36) .
وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ الْمُبِيحُ لِلْجَمْعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَيِّمِ هُوَ مَا يَلْحَقُهُ بِتَأْدِيَةِ كُل صَلاَةٍ فِي وَقْتِهَا مَشَقَّةٌ وَضَعْفٌ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجْمَعُ إِنْ خَافَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى عَقْلِهِ، أَوْ إِنْ كَانَ الْجَمْعُ أَرْفَقَ بِهِ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: مَنْ خَافَ إِغْمَاءً أَوْ حُمَّى نَافِضًا أَوْ دَوْخَةً عِنْدَ دُخُول وَقْتِ الصَّلاَةِ الثَّانِيَةِ - الْعَصْرِ أَوِ الْعِشَاءِ - قَدَّمَ الثَّانِيَةَ عِنْدَ الأُْولَى جَوَازًا عَلَى الرَّاجِحِ، فَإِنْ سَلِمَ مِنَ الإِْغْمَاءِ وَمَا بَعْدَهُ وَكَانَ قَدْ قَدَّمَ الثَّانِيَةَ أَعَادَ الثَّانِيَةَ بِوَقْتٍ ضَرُورِيٍّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمَرَضِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ مِمَّا يُبِيحُ الْجُلُوسَ فِي الْفَرِيضَةِ عَلَى الأَْوْجَهِ (37) .
وَقَال ابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجْمَعُ جَمْعًا صُورِيًّا، وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّل وَقْتِ الْعَصْرِ، وَيَحْصُل لَهُ فَضِيلَةُ أَوَّل الْوَقْتِ (38) .
وَالْمَرِيضُ - عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْجَمْعِ - مُخَيَّرٌ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَلَهُ أَنْ يُرَاعِيَ الأَْرْفَقَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ يُحَمُّ مَثَلاً فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَدَّمَهَا إِلَى الأُْولَى بِشُرُوطِهَا، وَإِنْ كَانَ يُحَمُّ فِي وَقْتِ الأُْولَى، أَخَّرَهَا إِلَى الثَّانِيَةِ (39) .
سَادِسًا: الْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ مِنْ مُبِيحَاتِ الإِْفْطَارِ فِي الْجُمْلَةِ، وَالأَْصْل فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (40) .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ الإِْفْطَارَ: قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الْمَرَضُ لاَ ضَابِطَ لَهُ، فَإِنَّ الأَْمْرَاضَ تَخْتَلِفُ: مِنْهَا مَا يَضُرُّ صَاحِبَهُ الصَّوْمُ، وَمِنْهَا مَا لاَ أَثَرَ لِلصَّوْمِ فِيهِ كَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَجُرْحٍ فِي الأُْصْبُعِ، وَالدُّمَّل، وَالْقُرْحَةِ الْيَسِيرَةِ، وَالْجَرَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَصْلُحِ الْمَرَضُ ضَابِطًا، وَأَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِكْمَةِ، وَهُوَ مَا يُخَافُ مِنْهُ الضَّرَرُ (41) .
وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ الْكَاسَانِيُّ: إِنَّ مُطْلَقَ الْمَرَضِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلرُّخْصَةِ، لأَِنَّ الرُّخْصَةَ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ لِمَعْنَى الْمَشَقَّةِ بِالصَّوْمِ تَيْسِيرًا لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَتَخْفِيفًا عَلَيْهِمَا، وَمِنَ الأَْمْرَاضِ مَا يَنْفَعُهُ الصَّوْمُ وَيَخِفُّهُ، وَيَكُونُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَرِيضِ أَسْهَل مِنَ الأَْكْل، بَل الأَْكْل يَضُرُّهُ وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ، وَمِنَ التَّعَبُّدِ التَّرَخُّصُ بِمَا يَسْهُل عَلَى الْمَرِيضِ تَحْصِيلُهُ، وَالتَّضْيِيقُ بِمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِ (42) .
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا نَوَى الْمَرِيضُ فِي رَمَضَانَ وَاجِبًا آخَرَ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقِيل وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَرِيضٍ أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ أَنْ يَصُومَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ قَضَاءٍ وَنَذْرٍ وَغَيْرِهِمَا (43) ، لأَِنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً، فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ، لَزِمَهُ الإِْتْيَانُ بِالأَْصْل (44) ، وَلأَِنَّ الرُّخْصَةَ لاِحْتِمَال تَضَرُّرِهِ وَعَجْزِهِ، فَإِذَا صَامَ انْتَفَى ذَلِكَ فَصَارَ كَالصَّحِيحِ (45) ، وَلأَِنَّ أَيَّامَ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنَةٌ لِصَوْمِهِ، فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْفِطْرِ أَوِ الصِّيَامِ عَنْ رَمَضَانَ (46) . إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَلْغُو صَوْمُهُ وَلاَ يُجْزِئُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ لَمْ يَنْوِ (47) .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ إِلَى أَنَّهُ إِنْ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَنْهُ، وَإِلاَّ وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ، لأَِنَّ الشَّارِعَ خَصَّ لَهُ لِيَصْرِفَهُ إِلَى مَا هُوَ الأَْهَمُّ عِنْدَهُ مِنَ الصَّوْمِ أَوِ الْفِطْرِ، فَصَارَ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَلَمَّا نَوَى وَاجِبًا آخَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الأَْهَمُّ عِنْدَهُ، فَيَقَعُ عَنْهُ (48) .
وَالْكَلاَمُ عَلَى خَوْفِ الْمَرِيضِ زِيَادَةَ مَرَضِهِ بِالصَّوْمِ، أَوْ إِبْطَاءَ الْبُرْءِ أَوْ فَسَادَ عُضْوٍ، وَخَوْفِ الصَّحِيحِ الْمَرَضَ أَوِ الشِّدَّةَ أَوِ الْهَلاَكَ وَحُكْمُ الإِْفْطَارِ فِي كُل حَالَةٍ، وَكَيْفِيَّةُ الْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فَاتَهُ صَوْمُ رَمَضَانَ، سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ ف 26، 55، 56، 86، 87) .
وَأُلْحِقَ بِالْمَرِيضِ الْحَامِل وَالْمُرْضِعُ فَيَجُوزُ لَهُمَا الْفِطْرُ بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (صَوْمٌ ف 62) .
الْخُرُوجُ مِنَ الاِعْتِكَافِ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ
15 - ذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ اعْتِكَافًا وَاجِبًا أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ (49) ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ، فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلاَ يُعَرِّجُ يَسْأَل عَنْهُ (50) .
وَفِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَحْمَدَ: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعُودَ الْمَرِيضَ وَلاَ يَجْلِسُ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهُوَ قَوْل عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى عَاصِمُ بْنُ خَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَال: إِذَا اعْتَكَفَ الرَّجُل فَلْيَشْهَدِ الْجُمُعَةَ، وَلْيَعُدِ الْمَرِيضَ، وَلْيَحْضُرِ الْجِنَازَةَ، وَلْيَأْتِ أَهْلَهُ، وَلْيَأْمُرْهُمْ بِالْحَاجَةِ وَهُوَ قَائِمٌ (51) .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الاِعْتِكَافُ تَطَوُّعًا فَفِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ رِوَايَتَانِ:
أ - يَفْسُدُ الاِعْتِكَافُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ كَالصَّوْمِ، وَلِهَذَا قَال: إِنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ كَالاِعْتِكَافِ الْوَاجِبِ، وَلأَِنَّ الشُّرُوعَ فِي التَّطَوُّعِ مُوجِبٌ لِلإِْتْمَامِ عَلَى أَصْل الْحَنَفِيَّةِ صِيَانَةً لِلْمُؤَدَّى عَنِ الْبُطْلاَنِ كَمَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ، وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ.
ب - لاَ يَفْسُدُ وَهُوَ رِوَايَةُ الأَْصْل، لأَِنَّ اعْتِكَافَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَوْ نِصْفَ يَوْمٍ أَوْ مَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَيَخْرُجُ، فَيَكُونُ مُعْتَكِفًا مَا أَقَامَ، تَارِكًا مَا خَرَجَ (52) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ الْخُرُوجُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَطَوُّعٌ فَلاَ يَتَحَتَّمُ وَاحِدٌ مِنْهَا، لَكِنَّ الأَْفْضَل الْمُقَامُ عَلَى اعْتِكَافِهِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يُعَرِّجُ عَلَى الْمَرِيضِ، وَلَمْ يَكُنِ الاِعْتِكَافُ وَاجِبًا عَلَيْهِ (53) .
وَأَمَّا الْخُرُوجُ مِنَ الاِعْتِكَافِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (اعْتِكَافٌ: ف 33، 36، 37) .
الاِسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِلْمَرَضِ
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سَلاَمَةَ الْبَدَنِ مِنَ الأَْمْرَاضِ وَالْعَاهَاتِ الَّتِي تَعُوقُ عَنِ الْحَجِّ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَجِّ.
وَاخْتَلَفُوا هَل هِيَ شَرْطٌ لأَِصْل الْوُجُوبِ كَمَا قَال بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَوْ شَرْطٌ لِلأَْدَاءِ بِالنَّفْسِ كَمَا قَال بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنِ الصَّاحِبَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَكِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ لِمَانِعٍ لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ، كَزَمَانَةٍ أَوْ مَرَضٍ لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَوْ كَانَ مَهْزُول الْجِسْمِ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الثُّبُوتِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلاَّ بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ إِذَا وَجَدَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ، وَمَالاً يَسْتَنِيبُهُ بِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﵄ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمٍ قَالَتْ يَا رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَال: نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (54) .
وَقَال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ: لاَ حَجَّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَطِيعَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (55) ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلأَِنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلاَ تَدْخُلُهَا مَعَ الْعَجْزِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ.
وَإِذَا عُوفِيَ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ مَا أَحَجَّ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ، يَلْزَمُهُ حَجٌّ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ هَذَا الْحَجَّ بَدَل إِيَاسٍ، فَإِذَا بَرَأَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْهُ، فَلَزِمَهُ الأَْصْل، قِيَاسًا عَلَى الآْيِسَةِ إِذَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَاضَتْ لاَ يُجْزِئُهَا تِلْكَ الْعِدَّةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَبِهِ قَال إِسْحَاقُ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَلأَِنَّهُ أَدَّى حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالاً يَسْتَنِيبُ بِهِ فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّ الصَّحِيحَ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَالْمَرِيضُ أَوْلَى (56) .
17 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَرِيضًا يُرْجَى زَوَال مَرَضِهِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: حَجُّ الْفَرْضِ يَقْبَل النِّيَابَةَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ لَكِنْ بِشَرْطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إِلَى الْمَوْتِ لأَِنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ حَتَّى تَلْزَمَ الإِْعَادَةُ بِزَوَال الْعُذْرِ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمَرَضِ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَجَّةِ الإِْسْلاَمِ وَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ، وَأَمَّا الْحَجُّ النَّفْل فَيَقْبَل النِّيَابَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَجْزٍ فَضْلاً عَنْ دَوَامِهِ (57) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَإِنِ اسْتَنَابَ فَحَجَّ النَّائِبُ فَشُفِيَ لَمْ يُجْزِئْهُ قَطْعًا وَإِنْ مَاتَ فَقَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا لاَ يُجْزِئُهُ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَال فَأَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ فَطَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الإِْجْزَاءِ.
وَقَالُوا: إِنَّ حَجَّ التَّطَوُّعِ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ فِيهِ عَنِ الْقَادِرِ قَطْعًا (58) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، فَإِنْ فَعَل لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، لأَِنَّهُ يَرْجُو الْقُدْرَةَ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الاِسْتِنَابَةُ، وَلاَ تُجْزِئُهُ إِنْ فَعَل كَالْفَقِيرِ، وَلأَِنَّ النَّصَّ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْحَجِّ عَنِ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ يُرْجَى مِنْهُ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ، فَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ إِلاَّ مَنْ كَانَ مِثْلَهُ (59) .
18 - وَإِذَا مَرِضَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ فِي الطَّرِيقِ، فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْمَال إِلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ عَنِ الآْمِرِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ، بِأَنْ قِيل لَهُ وَقْتَ الدَّفْعِ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مَرِضَ أَوْ لاَ، لأَِنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلاً مُطْلَقًا (60) .
وَلِلنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ شُرُوطٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (نِيَابَةٌ) .
19 - وَأَمَّا النِّيَابَةُ عَنِ الْمَرِيضِ فِي الرَّمْيِ فَيَجُوزُ فِي الْجُمْلَةِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي (حَجٌّ ف 66) .
20 - وَحُكْمُ طَوَافِ الْمَرِيضِ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (طَوَافٌ ف 11، 16) ، وَكَذَا حُكْمُ سَعْيِهِ فِي مُصْطَلَحِ (سَعْيٌ ف 14) .
جِهَادُ الْمَرِيضِ
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى مَنْ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِتَال وَمَا يَلْزَمُ لَهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جِهَادٌ ف 21) . التَّأْخِيرُ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ لِلْمَرَضِ
22 - الْمَرَضُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ مِمَّا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْحَدُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرِيضِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجْمَ، أَوِ الْجَلْدَ أَوِ الْقَطْعَ: فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ الرَّجْمَ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ هُوَ أَنَّهُ لاَ يُؤَخَّرُ مُطْلَقًا أَيًّا كَانَ نَوْعُ الْمَرَضِ، لأَِنَّ نَفْسَهُ مُسْتَوْفَاةٌ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ.
وَإِنْ كَانَ الْحَدُّ الْجَلْدَ أَوِ الْقَطْعَ وَالْمَرَضُ مِمَّا يُرْجَى بُرْؤُهُ: فَيَرَى الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ وَالْخِرَقِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ تَأْخِيرَهُ، وَقَال جُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ: يُقَامُ الْحَدُّ وَلاَ يُؤَخَّرُ.
وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِمَّا لاَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، أَوْ كَانَ الْجَانِي ضَعِيفًا بِالْخِلْقَةِ لاَ يَحْتَمِل السِّيَاطَ فَهَذَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الْحَال وَلاَ يُؤَخَّرُ، وَيُضْرَبُ بِسَوْطٍ يُؤْمَنُ مَعَهُ التَّلَفُ كَالْقَضِيبِ الصَّغِيرِ، وَشِمْرَاخِ النَّخْل، فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ جَمَعَ ضِغْثًا فِيهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ اسْتِدْلاَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (61) وَهَذَا ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ.
هَذَا فِيمَا إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْجَلْدَ، وَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ لِئَلاَّ يَفُوتَ الْحَدُّ (62) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ (حُدُودٌ ف 41، وَجَلْدٌ ف 13) .
التَّأْخِيرُ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ لِلْمَرَضِ
23 - فَرَّقَ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ قِصَاصِ النَّفْسِ وَالأَْطْرَافِ فِي التَّأْخِيرِ، فَقَالُوا: يَجِبُ تَأْخِيرُ الْقِصَاصِ مِنَ الْجَانِي فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِبُرْءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ مَرَضٍ خِيفَ مِنَ الْقَطْعِ مَعَهُ الْمَوْتُ، لاِحْتِمَال أَنْ يَأْتِيَ جُرْحُهُ عَلَى النَّفْسِ، فَتُؤْخَذُ النَّفْسُ فِيمَا دُونَهَا.
وَكَذَلِكَ تُؤَخَّرُ دِيَةُ الْجُرْحِ الْخَطَأِ لِبُرْئِهِ، خَوْفَ سَرَيَانِهِ لِلْمَوْتِ، فَيَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَتَنْدَرِجُ فِيهَا دِيَةُ الْجُرْحِ.
وَلاَ يُؤَخَّرُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُحَارِبِ، لأَِنَّ الْمُحَارِبَ إِذَا اخْتِيرَ قَطْعُهُ مِنْ خِلاَفٍ، فَلاَ يُؤَخَّرُ بَل يُقْطَعُ مِنْ خِلاَفٍ، وَلَوْ أَدَّى لِمَوْتِهِ، إِذِ الْقَتْل أَحَدُ حُدُودِهِ (63) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَقْتَصَّ عَلَى الْفَوْرِ فِي النَّفْسِ جَزْمًا وَفِي الطَّرَفِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأَِنَّ الْقِصَاصَ مُوجِبُ الإِْتْلاَفِ فَيَتَعَجَّل كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى لاِحْتِمَال الْعَفْوِ.
وَيَقْتَصُّ فِي الْمَرَضِ، وَكَذَا لاَ يُؤَخَّرُ الْجَلْدُ فِي الْقَذْفِ (64) .
إِمَامَةُ الْمَرِيضِ وَالاِقْتِدَاءُ بِهِ
24 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ إِمَامَةِ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ كَالرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ أَوِ الْقِيَامِ، وَمَنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَل يُصَلِّي بِالإِْيمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كُلٍّ عَلَى أَقْوَالٍ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (اقْتِدَاءٌ ف 40) .
زَكَاةُ مَال الْمَرِيضِ
25 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، لأَِنَّ الصِّحَّةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ بِصِفَةِ عَامَّةٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ فِي مَال الْمَجْنُونِ، وَالْجُنُونُ أَيْضًا مَرَضٌ، بَل مِنْ أَصْعَبِ أَمْرَاضِ النَّفُوسِ جُنُونُهَا - كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ (65) -.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي مَال الْمَجْنُونِ، وَذَلِكَ لِوُجُودِ الشَّرَائِطِ الثَّلاَثَةِ فِيهِ وَهِيَ: الْحُرِّيَّةُ وَالإِْسْلاَمُ وَتَمَامُ الْمِلْكِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ ﵃ وَبِهِ قَال جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَرَبِيعَةُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ.
وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنِ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُ فِي مَالِهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ، فَقَامَ الْوَلِيُّ فِيهِ مَقَامَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ كَالنَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ (66) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي أَمْوَال الْمَجْنُونِ وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي زُرُوعِهِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (67) .
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ وَهُوَ أَنَّهُ: تَجِبُ الزَّكَاةُ وَلاَ تُخَرَّجُ حَتَّى يُفِيقَ (68) .
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاةٌ ف 11، وَجُنُونٌ ف 14) .
أَثَرُ مَرَضِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي خَلْوَةِ النِّكَاحِ
26 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ إِنْ كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَرِيضًا، وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَرَضِ عِنْدَهُمْ فِي جَانِبِهَا: مَا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ، أَوْ يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ، فَالْمَرَضُ يَتَنَوَّعُ فِي جَانِبِ الْمَرْأَةِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَأَمَّا مِنْ جَانِبِهِ فَقَدْ قِيل: إِنَّهُ يَتَنَوَّعُ أَيْضًا، وَقِيل: إِنَّهُ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ، وَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ عَلَى كُل حَالٍ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِهِ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ، قَال الْبَابَرْتِيُّ نَقْلاً عَنِ الصدر الشهيد: إِنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ، لأَِنَّ مَرَضَ الزَّوْجِ لاَ يُعَرَّى عَنْ تَكَسُّرٍ وَفُتُورٍ عَادَةً، قَال الْمَوْصِلِيُّ: وَكَذَا إِذَا كَانَ يَخَافُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ (69) .
وَلاَ يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَلَى الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى: لأَِنَّهُ لاَ عِبْرَةَ لِلْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ فِي وُجُوبِ كَمَال الْمَهْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ، وَلاَ عِبْرَةَ لِلْمَوَانِعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْخَلْوَةُ، خَلْوَةَ الاِهْتِدَاءِ، أَوْ خَلْوَةَ الزِّيَارَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ يَجِبُ كَمَال الْمَهْرِ بِالْخَلْوَةِ مُطْلَقًا وَلاَ عِبْرَةَ لِلْمَوَانِعِ أَيًّا كَانَتْ (70) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خَلْوَةٌ فِي 14 - 17) .
قَسْمُ الزَّوْجِ الْمَرِيضِ وَالْقَسْمُ لِلزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ
27 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الْمَرِيضَ يَقْسِمُ بَيْنَ زَوْجَاتِهِ كَالصَّحِيحِ، لأَِنَّ الْقَسْمَ لِلصُّحْبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ وَذَلِكَ يَحْصُل مِنَ الْمَرِيضِ كَمَا يَحْصُل مِنَ الصَّحِيحِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ شَقَّ عَلَى الْمَرِيضِ الطَّوَافُ بِنَفْسِهِ عَلَى زَوْجَاتِهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (قَسْمٌ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ ف 10) .
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ وَالصَّحِيحَةَ فِي الْقَسْمِ سَوَاءٌ (71) .
التَّفْرِيقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ
28 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعُيُوبٍ مِنْهَا الْمَرَضُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِيهَا.
وَذَلِكَ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (طَلاَقٌ ف 93 وَمَا بَعْدَهَا، وَجُنُونٌ ف 22، وَجُذَامٌ ف 4، وَبَرَصٌ ف 3)
طَلاَقُ الْمَرِيضِ
29 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ طَلاَقِ الْمَرِيضِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ مَرَضَ مَوْتٍ أَمْ غَيْرَهُ مَا دَامَ لاَ أَثَرَ لَهُ فِي الْقُوَى الْعَقْلِيَّةِ لِلْمَرِيضِ، فَإِنْ أَثَّرَ فِيهَا دَخَل فِي بَابِ الْجُنُونِ وَالْعَتَهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ عَوَارِضِ الأَْهْلِيَّةِ.
إِلاَّ أَنَّ الْمَرِيضَ مَرَضَ مَوْتٍ بِخَاصَّةٍ إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُول بِهَا فِي مَرَضِهِ بِغَيْرِ طَلَبٍ مِنْهَا أَوْ رِضًا طَلاَقًا بَائِنًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ طَلاَقِهِ هَذَا فَإِنَّهُ يُعَدُّ فَارًّا مِنْ إِرْثِهَا حُكْمًا.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (طَلاَقٌ ف 24، 66، مَرَضُ الْمَوْتِ) .
خُلْعُ الْمَرِيضِ
30 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَرَضَ الزَّوْجَةِ أَوِ الزَّوْجِ لاَ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ فِي مُقَابِل الْخُلْعِ إِذَا خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِهَا وَمَاتَتْ، مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ رَاغِبَةً فِي مُحَابَاتِهِ عَلَى حِسَابِ الْوَرَثَةِ (72) . وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ ف 98، 19 مَرَضُ الْمَوْتِ) .
حَضَانَةُ الْمَرِيضِ
31 - الْحَضَانَةُ مِنَ الْوِلاَيَاتِ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا صِيَانَةُ الْمَحْضُونِ وَرِعَايَتُهُ وَهَذَا لاَ يَتَأَتَّى إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَاضِنُ أَهْلاً لِذَلِكَ.
وَلِهَذَا يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ شُرُوطًا خَاصَّةً لاَ تُثْبِتُ الْحَضَانَةُ إِلاَّ لِمَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ، وَمِنْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى الْقِيَامِ بِشَأْنِ الْمَحْضُونِ، فَلاَ حَضَانَةَ لِمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لِمَرَضٍ يَعُوقُ هَذِهِ الْقُدْرَةَ أَوْ عَاهَةٍ كَالْعَمَى وَالْخَرَسِ وَالصَّمَمِ.
وَمِنْهَا أَنْ لاَ يَكُونَ بِالْحَاضِنِ مَرَضٌ مُعْدٍ أَوْ مُنَفِّرٌ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْمَحْضُونِ كَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ وَشِبْهِ ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيل فِي (حَضَانَةٌ ف 14) .
إِيلاَءُ الْمَرِيضِ
32 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي يَتَأَتَّى مِنْهُ الْوَطْءُ، وَيَنْعَقِدُ إِيلاَؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الطَّلاَقِ، إِذَا آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ وَعَجَزَ عَنِ الْفَيْءِ إِلَيْهَا بِالْفِعْل - وَهُوَ الْجِمَاعُ - فَإِنَّ الْفَيْءَ يَتَأَتَّى مِنْهُ بِالْقَوْل (73) ، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (إِيلاَءٌ ف 24) .
نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ وَالأَْوْلاَدُ الْمَرْضَى وَالْقَرِيبُ الْمَرِيضُ
33 - الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ قَبْل النَّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا، أَمْكَنَهُ جِمَاعُهَا أَوْ لاَ، مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لاَ، حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا إِذَا طَلَبَ نَقْلَتَهَا، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ لِوُجُودِ التَّمْكِينِ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مَرَضُهَا مَانِعًا مِنَ النَّقْلَةِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا، لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهَا إِلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَلَمْ تَنْتَقِل فَلاَ نَفَقَةَ لَهَا، لِمَنْعِ نَفْسِهَا عَنِ النَّقْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا لَمْ تَقْدِرْ أَصْلاً (74) .
وَبِوُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلزَّوْجَةِ الْمَرِيضَةِ إِذَا بَذَلَتْ نَفْسَهَا الْبَذْل التَّامَّ، وَالتَّسْلِيمَ الْمُمْكِنَ، وَأَمْكَنَتْهُ مِنَ الاِسْتِمْتَاعِ بِهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، قَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ (75) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .
34 - وَأَمَّا نَفَقَةُ الأَْوْلاَدِ الْكِبَارِ الْمَرْضَى فَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ عَنِ الْكَسْبِ كَمَنْ بِهِ مَرَضٌ مُزْمِنٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الْكَسْبِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَقِيل: تَنْتَهِي النَّفَقَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى الْبُلُوغِ كَالصَّحِيحِ.
وَتَجِبُ نَفَقَةُ الأُْنْثَى مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرِيضَةٍ، لأَِنَّ مُجَرَّدَ الأُْنُوثَةِ عَجْزٌ (76) .
35 - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَرِيبَ نَفَقَةُ كُل ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْكَسْبِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
لأَِنَّهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ وَهُوَ عَامٌّ (77) .
أَمَّا الأَْقَارِبُ الَّذِينَ يَرِثُونَ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ لِنَقْصٍ فِي الْخِلْقَةِ كَالزَّمِنِ وَالْمَرِيضِ (78) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ لاَ تَجِبُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ عَلَى الْقَرِيبِ مَا عَدَا الأَْبَوَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَا فَقِيرَيْنِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ عَجْزُهُمَا عَنِ الْكَسْبِ، وَلاَ يَجِبُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ (79) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .
إِقْرَارُ الْمَرِيضِ وَقَضَاؤُهُ
36 - الأَْصْل أَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ الإِْقْرَارِ فِي الْجُمْلَةِ، إِذِ الصِّحَّةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ الإِْقْرَارِ، لأَِنَّ صِحَّةَ إِقْرَارِ الصَّحِيحِ بِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ، وَحَال الْمَرِيضِ أَدَل عَلَى الصِّدْقِ فَكَانَ إِقْرَارُهُ أَوْلَى بِالْقَبُول (80) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 24) .
37 - وَأَمَّا قَضَاءُ الْمَرِيضِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَوْلِيَةِ الْمَرِيضِ وَكَذَلِكَ عَزْلُهُ وَطَرِيقَةُ عَزْلِهِ، يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَضَاءٌ ف 18، 63، 65) .
الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ
38 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْمُتَّصِل بِالْمَوْتِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ، وَتُحْجَرُ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْمَرَضِ تَبَرُّعَاتُهُ فِيمَا زَادَ عَنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إِذَا مَاتَ (81) .
وَالتَّفْصِيل فِي (مَرَضِ الْمَوْتِ) .
عِيَادَةُ الْمَرِيضِ
39 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ أَوْ مَنْدُوبَةٌ، وَقَدْ تَصِل إِلَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ بَعْضِ الأَْفْرَادِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّهَا مَنْدُوبَةٌ إِذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ وَإِلاَّ وَجَبَتْ لأَِنَّهَا مِنَ الأُْمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْكِفَايَةِ، إِلاَّ عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَتَجِبُ عِيَادَتُهُ عَلَيْهِ عَيْنًا.
وَالتَّفْصِيل فِي (عِيَادَةٌ ف 2) .
مَا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ
40 - قَال الرَّمْلِيُّ: يُنْدَبُ لِلْمَرِيضِ نَدْبًا مُؤَكَّدًا أَنْ يَذْكُرَ الْمَوْتَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ، وَأَنْ يَسْتَعِدَّ لَهُ بِالتَّوْبَةِ بِتَرْكِ الذَّنْبِ، وَالنَّدَمِ عَلَيْهِ، وَتَصْمِيمِهِ عَلَى أَنْ لاَ يَعُودَ إِلَيْهِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ كَأَدَاءِ دَيْنٍ وَقَضَاءِ فَوَائِتَ وَغَيْرِهِمَا، وَمَعْنَى الاِسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ لِئَلاَّ يُفَاجِئَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهُ.
وَيُسَنُّ لَهُ الصَّبْرُ عَلَى الْمَرَضِ، أَيْ تَرْكُ التَّضَجُّرِ مِنْهُ وَأَنْ يَتَعَهَّدَ نَفْسَهُ بِتِلاَوَةِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ وَتَرْكِ النَّوْحِ وَنَحْوِهِ، وَأَنْ يُحَسِّنَ خُلُقَهُ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا، وَأَنْ يَسْتَرْضِيَ مَنْ لَهُ بِهِ عُلْقَةٌ كَخَادِمٍ وَزَوْجَةٍ، وَوَلَدٍ، وَجَارٍ، وَمُعَامِلٍ، وَصَدِيقٍ.
وَيُكْرَهُ لِلْمَرِيضِ كَثْرَةُ الشَّكْوَى، إِلاَّ إِذَا سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ، أَوْ صَدِيقٌ عَنْ حَالِهِفَأَخْبَرَهُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ، لاَ عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ.
وَلاَ يُكْرَهُ لَهُ الأَْنِينُ لَكِنَّ اشْتِغَالَهُ بِنَحْوِ التَّسْبِيحِ أَوْلَى مِنْهُ، فَالأَْنِينُ خِلاَفُ الأَْوْلَى (82) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا مَرِضَ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ وَيُكْرَهُ الأَْنِينُ لِمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ (83) .
تَدَاوِي الْمَرِيضِ
41 - التَّدَاوِي مَشْرُوعٌ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّدَاوِي مُبَاحٌ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ.
وَمَحَل الاِسْتِحْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ، أَمَّا لَوْ قُطِعَ بِإِفَادَتِهِ كَعَصْبِ مَحَل الْفَصْدِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ.
وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّدَاوِي أَفْضَل لأَِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَكُّل.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَدَاوي ف 5 وَمَا بَعْدَهَا) . عَدْوَى الْمَرَضِ
42 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِثْبَاتِ عَدْوَى الْمَرَضِ أَوْ نَفْيِهَا عَلَى أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرَضَ لاَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ، وَإِنَّمَا بِفِعْل اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ.
وَذَهَبَ فَرِيقٌ إِلَى الْقَوْل بِنَفْيِ الْعَدْوَى.
وَيَرَى فَرِيقٌ آخَرُ الْقَوْل بِإِثْبَاتِ الْعَدْوَى (84) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (عَدْوَى ف 3) .
التَّضْحِيَةُ بِالْمَرِيضَةِ
43 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الأُْضْحِيَّةِ سَلاَمَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ، وَمِنْهَا الْمَرَضُ الْبَيِّنُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (أُضْحِيَّةٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا) .
أَخْذُ الْمَرِيضَةِ فِي الزَّكَاةِ
44 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ وَسَطِ مَال الزَّكَاةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَمْرَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَتَجَنَّبَ السَّاعِي طَلَبَ خِيَارِ الْمَال، مَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْمَالِكُ طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ. الأَْمْرُ الثَّانِي: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْ شِرَارِ الْمَال وَمِنْهُ الْمَعِيبَةُ وَالْهَرِمَةُ وَالْمَرِيضَةُ، لَكِنْ إِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعِيبَةً أَوْ هَرِمَةً أَوْ مَرِيضَةً، فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْهَا، وَقِيل: يُكَلَّفُ شِرَاءَ صَحِيحَةٍ، وَقِيل: يُخْرِجُ صَحِيحَةً مَعَ مُرَاعَاةِ الْقِيمَةِ (85) .
حَبْسُ الْمَرِيضِ
45 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَبْسِ الْمَرِيضِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنَ السِّجْنِ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (حَبْسٌ ف 109 - 110) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس المحيط.
(2) المصباح المنير، والتعريفات للجرجاني، وقواعد الفقه للبركتي.
(3) التعريفات للجرجاني، والمصباح المنير، والمعجم الوسيط.
(4) نهاية المحتاج 2 / 423 ط المكتبة الإسلامية.
(5) الجمل 4 / 53 ط. دار إحياء التراث العربي، والزيلعي 2 / 248 ط. دار المعرفة.
(6) لسان العرب، ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
(7) الفتاوى الهندية 2 / 391 وما بعدها ط. بولاق، والفواكه الدواني 2 / 439 وما بعدها ط. مصطفى البابي الحلبي، وحاشية العدوي 2 / 391 وما بعدها ط. الحلبي، وروضة الطالبين 2 / 96، وكشاف القناع 2 / 76.
(8) كشاف القناع 4 / 224.
(9) المغني 6 / 285.
(10) المغني 6 / 84 وما بعدها ط. الرياض.
(11) ابن عابدين 2 / 520 ط. بولاق، وبدائع الصنائع 2 / 224 ط. الدار العربية للكتاب، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 82 - ط. دار ومكتبة الهلال، ومواهب الجليل 5 / 78 ط. دار الفكر، والجمل 4 / 53، والمغني 6 / 84 وما بعدها.
(12) فواتح الرحموت 1 / 174 ط. دار صادر، وكشف الأسرار 4 / 307 ط. دار الكتاب العربي، وقرة عيون الأخيار 2 / 127، والتلويح على التوضيح 2 / 177 ط مكتبة. محمد علي صبيح.
(13) حديث: " إذا أمرتكم بشيء فأتوا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 251) ومسلم (2 / 975) من حديث أبي هريرة ﵁.
(14) ابن عابدين 2 / 508 وما بعدها ط. بولاق، والخانية على هامش الفتاوى الهندية 1 / 172، والقوانين الفقهية / 63، 64 ط الدار العربية للكتاب، والوجيز 1 / 42، وأسنى المطالب 1 / 148، والمغني2 / 149، والإنصاف 2 / 308، 309 ط. دار إحياء التراث العربي، ومطالب أولي النهى 1 / 706.
(15) حاشية ابن عابدين 2 / 510، 511.
(16) الفتاوى الهندية 1 / 137.
(17) الفتاوى الهندية 1 / 138.
(18) الفتاوى الهندية 1 / 138، وحاشية ابن عابدين 1 / 513.
(19) حديث: " من سمع المنادي فلم. . . ". أخرجه أبو داود (1 / 374) من حديث ابن عباس ﵄ وضعفه المنذري في " مختصر سنن أبي داود " (1 / 291) .
(20) حديث: " مروا أبا بكر فليصل بالناس ". أخرجه مسلم (1 / 313) من حديث عائشة ﵂.
(21) حاشية ابن عابدين 1 / 547، وفتح القدير 1 / 417، والفتاوى الهندية 1 / 144، وحاشية الدسوقي 1 / 389، والقليوبي 1 / 296، 228، وكشاف القناع 1 / 495، والمغني 1 / 631.
(22) حاشية ابن عابدين 1 / 547، والخانية على هامش الفتاوى الهندية 1 / 175، وحاشية الدسوقي 1 / 389، والقليوبي 1 / 228.
(23) كشاف القناع 1 / 495.
(24) فتح القدير 1 / 417، والقليوبي 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 495، ومطالب أولي النهى 1 / 781.
(25) القليوبي 1 / 271.
(26) الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية 1 / 177.
(27) حاشية الدسوقي 1 / 389.
(28) القليوبي 1 / 228.
(29) حاشية ابن عابدين 1 / 547، والفتاوى الهندية 1 / 144، 145.
(30) حاشية الدسوقي 1 / 389.
(31) روضة الطالبين 1 / 35، 36، والقليوبي 1 / 228.
(32) مطالب أولي النهى 1 / 702، 703، والمغني 1 / 632، 633.
(33) حاشية ابن عابدين 1 / 555، والفتاوى الخانية على هامش الهندية 1 / 182، وحاشية الدسوقي 1 / 396، والقوانين الفقهية / 90، وروضة الطالبين 2 / 70، والمغني 2 / 367.
(34) حديث ابن مسعود: " ما رأيت رسول الله ﷺ صلى صلاة إلا لميقاتها ". أخرجه مسلم (2 / 938) .
(35) حاشية ابن عابدين 1 / 256، وحاشية الجمل 1 / 614، وروضة الطالبين 1 / 401
(36) حديث ابن عباس: " جمع رسول الله ﷺ بين الظهر والعصر. . . ". أخرجه مسلم (1 / 490 - 491) .
(37) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 2 / 154، والشرح الصغير 1 / 489 ط. دار المعارف، والقوانين الفقهية / 87، وروضة الطالبين 1 / 401، وكشاف القناع 2 / 5 - 6، والمغني 2 / 277، والجمل 1 / 614.
(38) الحطاب 2 / 154، والشرح الصغير 1 / 489، والزرقاني 2 / 49.
(39) روضة الطالبين 1 / 402، وكشاف القناع 2 / 5 - 6، والمغني 2 / 277.
(40) سورة البقرة / 184.
(41) المغني 3 / 147.
(42) بدائع الصنائع 2 / 94 - 95.
(43) الاختيار 1 / 127، 128، وحاشية الدسوقي 1 / 536، وروضة الطالبين 2 / 373، وكشاف القناع 2 / 312.
(44) كشاف القناع 2 / 312.
(45) الاختيار 1 / 127، 128.
(46) روضة الطالبين 2 / 373.
(47) المراجع السابقة.
(48) الاختيار 127، 128.
(49) بدائع الصنائع 2 / 114، 115، وابن عابدين 2 / 131، وشرح الزرقاني 2 / 224، وروضة الطالبين 2 / 406، والمغني 3 / 195.
(50) حديث: " كان النبي ﷺ يمر بالمريض ". أخرجه أبو داود (2 / 836) وضعفه المنذري في " مختصر سنن أبي داود " (3 / 343) .
(51) المغني 3 / 195.
(52) بدائع الصنائع 2 / 115، وحاشية ابن عابدين 2 / 131، 132.
(53) المغني 2 / 195، 196.
(54) حديث: " أن امرأة من خثعم قالت:. . . ". أخرجه البخاري " فتح الباري " (3 / 378) ، ومسلم (2 / 973) واللفظ للبخاري.
(55) سورة آل عمران / 97.
(56) حاشية ابن عابدين 2 / 142، 238، ومواهب الجليل 2 / 492، 498، 499، وروضة الطالبين 3 / 12، 13، والمغني 3 / 227، 228.
(57) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2 / 238.
(58) روضة الطالبين 3 / 13.
(59) المغني 3 / 229.
(60) حاشية ابن عابدين 2 / 242.
(61) سورة النور / 2.
(62) حاشية ابن عابدين 3 / 148، والاختيار 4 / 87، وفتح القدير 4 / 137، والقوانين الفقهية / 366، 361، وروضة الطالبين 10 / 99، 101، والمغني 8 / 173، وكشاف القناع 6 / 82.
(63) جواهر الإكليل 2 / 263، والزرقاني 8 / 23، والشرح الصغير 4 / 363.
(64) مغني المحتاج 4 / 42 - 43.
(65) حاشية ابن عابدين 1 / 547.
(66) حاشية ابن عابدين 2 / 4، وحاشية الدسوقي 1 / 430، وأسنى المطالب 1 / 338، وروضة الطالبين 2 / 149، والمغني 2 / 621، 622، ونيل المآرب 1 / 239.
(67) حاشية ابن عابدين 2 / 4، والمغني 2 / 622.
(68) المغني 2 / 622.
(69) الاختيار 3 / 103، وفتح القدير 2 / 446، وحاشية ابن عابدين 2 / 338.
(70) جواهر الإكليل 1 / 308، وأسنى المطالب 3 / 204، والمغني 6 / 325، 326.
(71) ابن عابدين 2 / 399، والفتاوى الهندية 1 / 304، والفتاوى الخانية على هامش الهندية 1 / 349، والبزازية على الهندية 4 / 154، ومواهب الجليل 4 / 10، والقليوبي 3 / 300، وروضة الطالبين 7 / 345.
(72) حاشية ابن عابدين 2 / 570، وبدائع الصنائع 3 / 149، والاختيار 3 / 106، وجواهر الإكليل 1 / 332، وحاشية الدسوقي 2 / 352، 353، وروضة الطالبين 7 / 387، 388، وأسنى المطالب 3 / 247، وكشاف القناع 5 / 228، 229، والمغني 7 / 88، 89.
(73) حاشية ابن عابدين 2 / 546، والشرح الصغير 2 / 619، مغني المحتاج 3 / 344، ونهاية المحتاج 7 / 65.
(74) حاشية ابن عابدين 2 / 646، 648، والفتاوى الهندية 1 / 546.
(75) جواهر الإكليل 1 / 402، والفواكه الدواني 2 / 69، 70، ومغني المحتاج 3 / 437، وكشاف القناع 5 / 470، 471.
(76) حاشية ابن عابدين 2 / 672، 665، والخانية على هامش الهندية 1 / 445، 448، والقوانين الفقهية / 227، وروضة الطالبين 9 / 84.
(77) حاشية ابن عابدين 2 / 681، وروضة الطالبين 9 / 84، وكشاف القناع 5 / 481.
(78) المراجع السابقة.
(79) القوانين الفقهية / 227، 228.
(80) بدائع الصنائع 7 / 223، وفتح القدير 7 / 8، 10، والقوانين الفقهية / 319، وروضة الطالبين 4 / 353، ونهاية المحتاج 5 / 69 - ط. مصطفى البابي الحلبي، والمغني 5 / 213.
(81) حاشية ابن عابدين 5 / 93، 423، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 284 ط. دار ومكتبة الهلال، والقوانين الفقهية / 327 ط الدار العربية للكتاب، وحاشية الدسوقي 3 / 307، ط. دار الفكر، والشرح الصغير 3 / 381 ط. دار المعارف، ومغني المحتاج 2 / 165 - ط. دار إحياء التراث العربي، وكشاف القناع 3 / 416 ط. عالم الكتب، والجمل 4 / 53، وكشف الأسرار 1 / 127.
(82) نهاية المحتاج 2 / 433 وما بعدها ط. مصطفى البابي الحلبي.
(83) المغني 2 / 448.
(84) الآداب الشرعية 3 / 279 وما بعدها.
(85) حاشية ابن عابدين 2 / 18، وحاشية الدسوقي 1 / 435، وشرح المنهاج 2 / 10، والمغني 2 / 600 - 603.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 353/ 36
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".